1

0 0 0
                                    


الفصل الأول: لقاء في الظلام

كان الليل ساكنًا إلا من صوت الريح الذي يعانق الرمال. صهيل جواد "نايف" كسر هذا الصمت وهو يسير بهدوء نحو الظل الغريب الذي لمحته عينه. حين اقترب، رأى فتاة تقف عند حافة أحد الجبال، تحمل خنجرًا بيد مرتجفة.

"من أنتي؟ وش تسوين هنا؟" قالها نايف بصوت قوي، ممسكًا بلجام حصانه.
التفتت الفتاة نحوه بسرعة، وعيناها مليئتان بالدموع والتحدي في آن واحد.
"ما يخصك... خلّك بحالك!" ردّت بحزم وهي تُشدد قبضتها على الخنجر.

نايف ترجل من حصانه، مشى بخطوات ثابتة نحوها. "في هالليل، والظلام يلف المكان، وش جابك هنا؟"

"هذي أرض الله، ما يحق لك تسألني!" صاحت، لكنها تراجعت خطوة للخلف وهي تنظر نحو الجبل خلفها.

لاحظ نايف ارتباكها، وعرف أن هناك أمرًا أكثر مما يبدو. "إذا تبين أساعدك، تكلمي... وإذا ما تبين، برضو ما راح أتركك هنا وحدك."

كانت الفتاة على وشك أن ترد، لكن صوت خيل قادم من بعيد جعل عينيها تتسعان. أمسكت بذراعه فجأة وقالت: "لو تهمك حياتك، لا تخليهم يشوفونا!"

رفع نايف حاجبه، ثم سحبها بسرعة خلف صخرة كبيرة، بينما اقتربت مجموعة من الفرسان. كان عددهم أربعة، وكلهم مسلحون.

"دوري عنها! ما راح نرجع إلا وهي معنا!" صاح أحدهم، وكان يبدو عليه الغضب.

"مين ذولا؟" سأل نايف بصوت منخفض.
"ما عليك منهم... بس لازم نطلع من هنا قبل ما يلقونا." ردت الفتاة، لكن نايف لم يكن من النوع الذي يهرب بسهولة.

"اسمعي يا بنت الناس، هذولا يلاحقونك لأمر خطير، وأنا ما راح أتحرك إلا إذا فهمت السالفة."

نظرت إليه بشيء من الحيرة والخوف، ثم قالت بصوت خافت: "أنا ربى بنت مشعل، وأبوي... قتلوه

كانت كلماتها كالصاعقة على نايف. "قتلوه؟ من اللي قتله؟ وش تبين تسوين هنا؟"
أشاحت بنظرها بعيدًا، وكأنها تحاول منع نفسها من البكاء. "رجال من قبيلة سالم بن راكان... خطفوا أختي الصغيرة بعد ما قتلوا أبوي، وأنا... أنا بس أبغى أنتقم."

صمت نايف للحظة، ثم قال: "واللي شفتيه الليلة ما هو شي بسيط. الحقد والغدر بين القبائل ما ينتهي، لكن الانتقام له ثمن كبير."

"أنت ما تعرفهم! سالم بن راكان يبي يدمر كل شي عشان طمعه بالسلطة... وأبوي كان الشيخ الوحيد اللي واقف بوجهه."

ابتسم نايف ابتسامة صغيرة لكنها مليئة بالغموض. "يمكنك ما تعرفيني، لكن أنا نايف بن حاتم... وسالم بن راكان له عندي ثأر بعد."

قرر نايف أن يساعد ربى، رغم أن الموقف قد يجلب له عداوات جديدة. اصطحبها إلى مضارب قبيلته، حيث قابلها الشيخ "حاتم"، والد نايف.

"وش جاب هالبنت هنا يا ولدي؟" قال الشيخ بنبرة صارمة.
"يا يبه، هالبنت لها حق علينا. قتلة أبوها نفسهم اللي قتلوا ولدك الصغير قبل خمس سنين."

اشتعلت عينا الشيخ بالغضب. "سالم بن راكان... ذاك الحية! أنا حذرت القبائل منه، لكن الكل ساكت عن شره."

تدخلت ربى وقالت: "يا شيخ، ما أطلب منكم إلا مساعدتي أرجّع أختي الصغيرة. أما سالفة الانتقام، فأنا اللي أتحملها."

ابتسم الشيخ بحكمة. "الانتقام يا بنتي ما يجي بسهولة، ولا بقلب مليان غضب. لكن إذا كان لك حق، قبيلة ذعار معك."

خلال الأيام التي تلت ذلك، بدأت ربى ونايف يتقربان من بعضهما، لكن كل واحد منهما كان يخفي مشاعره وراء جدار من الغموض. في إحدى الليالي، بينما كانوا يتحدثون بجانب النار، سألت ربى: "ليش سالم قتل أخوك؟"

تجمد نايف للحظة، ثم قال: "أخوي الصغير، ما كان له ذنب... لكن سالم يبي يسيطر على كل موارد القبائل. وأخوي وقف بوجهه. قتلوه غدر، وأنا ما قدرت أسوي شي."

ربى نظرت إليه بعينين مليئتين بالعزم. "يعني عندنا نفس الهدف... كل واحد فينا خسر شي غالي بسببه."

سراب الحب والغدر Where stories live. Discover now