توقفت السيارة الفاخرة أمام بوابة مقبرة "أوستانكينو"، تلك المقبرة الروسية القديمة التي تروي حكايات الزمان البعيد. كانت الأرض هناك مغطاة بطبقة سميكة من الثلوج التي بدت وكأنها ابتلعت كل شيء من حولها، تاركة وراءها صمتًا مشوبًا بالرهبة. الأشجار الجرداء، التي تخلّت عن أوراقها منذ زمن بعيد، وقفت كأصنام صامتة، بينما كان قبر العائلة العتيق ينتظر.
من داخل السيارة، ترجل شاب طويل القامة، جسده ممشوق وكأنما نحتته يد فنان ماهر. كان يرتدي معطفًا جلديًا طويلًا باللون الأسود، يتناثر منه بريق خافت تحت ضوء القمر الذي كان يغرق في السماء. يده كانت مغلفة بقفاز أسود أنيق، وهي تحمل باقة من الزهور البيضاء، التي بدت كأنها تجسد نقاءً طاهرًا وسط هذا المكان الذي تنبعث منه أصداء الماضي. كان شعره الأسود الداكن ينسدل بتكاسل على رقبته، كالحرير، يتمايل مع كل حركة خفيفة، بينما عينيه الزرقاء، التي بدت كأعمق بحيرات القطب الشمالي، تلمعان بكل برودةٍ قاتلة. بشرته الشاحبة، التي فقدت كل لونها كما لو أنها عاشت تحت ظل الشمس الحارقة لمئات السنين، كانت تعكس الجمال الكئيب الذي يكتنفه الغموض.
خطا خطواته بثقة شديدة، وكأن قلبه ينبض بشكلٍ غير منتظم مع صوت ثقل حذائه الجلدي، الذي كان يُحدث خشخشةً خفيفة وهو يطحن الثلوج تحت قدميه. مشاعر مختلطة كانت تتصارع في صدره: حزن عميق وحسرة لا توصف، تلك التي تلتهمه مع كل خطوة يخطوها نحو قبر جده الذي دُفن في هذه الأرض الموحشة. وصل أخيرًا إلى القبر، فرفع رأسه وأطلق نظرة حادة على النقش الذي يحمل اسم جده، الذي مضى في صمتٍ منذ عقود.
تدفق الألم في عينيه الزرقاوين، كأمواج عاتية تحطم صخور الشاطئ، فوقف للحظة، متأملاً في الزمان الذي اختطف هذا الرجل العتيق. همس بكلماتٍ لم تُسمع، ثم انحنى ببطء، يضع الزهور البيضاء على قبره، كأنها محاولة منه لإحياء جزء من تاريخ العائلة المفقود. اللحظة كانت ثقيلة، لكن في قلبه كان هناك نوع من التوق، كما لو أنه يحاول التحدث إلى روحٍ قديمة، لعله يلتقط جزءًا من حكمتها المفقودة.
قد عاد باڤيل إلى سيارته، أغلق الباب بهدوء كأنه يترك خلفه كل شيء. اختلط صمته بهواء المقعد الفاخر، وفجأة رن هاتفه ليقطع شروده. كانت المكالمة من ديميتري، ابن عمه وشريكه في الأعمال.
"مرحبًا يا أخي"
قال باڤيل بصوته الهادئ، كما لو أنه يتحدث إلى ظل قديم.
رد ديميتري بنبرة لعوبة
"دااا، أين أنت؟"
رد بافيل بنبرة باردة، وكأن الكلمات تخرج من بين شفتيه ببطء
"في مقبرة"
أنت تقرأ
Bloody Vodka
Acciónيا نجمةً تتهادى في مدارات السحر تنسابُ خُصلاتها كأنهارِ مسكٍ عتيق، تُلامسُ أطرافَ الريحِ بحنوٍّ ثم تعودُ لتُخفي أسرارها في غلالةٍ من غموض. عيناكِ، عسليّتان كوميضِ الرُّبى حين تنظرُ الغزلانُ للسراب، فيهما اتساعُ الأفقِ ورقّةُ المدى، وفي تحدّيهما، صوت...