مر وقت طويل في الزنزانة المظلمة التي أصبحت مأوى كاتيا في المستودع المهجور. كان أنطون قد جعل منها أسيرة له بكل ما تعنيه الكلمة. كانت الأيام تتداخل مع بعضها البعض، ولم تعد تعرف إذا كان الوقت قد مر بسرعة أم ببطء. كان يشبعها بالكلمات المؤلمة، ويضغط عليها نفسيًا بشكل مستمر.
"لن تخرجي من هنا أبدًا. أنتِ لي وحدي، كاتيا." كان يردد تلك الكلمات في كل مرة تراهن فيها على قدرتها على الصمود. كان يتعامل معها كأنها شيئًا يملكه، يتنقل بين التعذيب النفسي والجسدي، ويجعلها تشعر بأنها لا تملك أي خيارات.
أصبح عقلها مشتتًا، وهي غارقة في اليأس. كانت كل لحظة تمر تزداد فيها شدة المعاناة. بدأت كاتيا تشعر وكأن العالم كله قد تخلى عنها، لا أمل، لا خلاص. ولكن في وسط هذا الظلام، كان هناك شيء عالق في ذهنها، شيء عارض في يوم ما ولكن لم تفكر فيه بجدية: رقم عشوائي كتبته في أحد الأيام، حينما كانت تحاول الهروب من نظراته المقلقة، وهو رقم غير معروف تمامًا لها. لم تكن تعرف ماذا يعني، أو إلى من ينتمي، لكنها في تلك اللحظة قررت أن تتخذ خطوة يائسة.
في تلك الزنزانة المظلمة، أخذت هاتفها المحمول، قلبها ينبض بسرعة، وعقلها مشتت. كانت أعصابها مشدودة وهي تفكر في الاتصال بهذا الرقم العشوائي. لعله يكون طوق النجاة. لم يكن لديها الكثير من الخيارات. كانت تشعر وكأن آخر جزء من إنسانيتها ينسحب منها ببطء، فقررت أن تتصل.
ضغطت على الأرقام، دون أن تفكر، ثم أغلقت عينيها في محاولة لتهدئة نفسها. وبعد ثوانٍ، بدأ الرنين.
مر الوقت وكأن قلبها يصرخ في صدرها. أخيرًا، جاء الصوت، قويًا وحازمًا، لكن كان هناك شيء في نبرته جعلها تشعر بشيء غريب.
"ماذا تريدين؟" جاء الصوت من الطرف الآخر بلهجة غير ودية، لكن فيها شيء من الحزم.
كانت كاتيا ترتعش من الألم، وكانت الكلمات تتناثر من فمها بصعوبة. لقد تعبت من الصراخ، من الشعور بالضياع.
"أرجوك... ساعدني... أنا في مكان مظلم... في خطر..." همست بصوت متألم، وعينيها تغرق بالدموع. كان الألم في كلماتها واضحًا، وكأنها كانت تحاول التمسك بأي خيط من الأمل.
لم يتردد الصوت في الرد، لكن هناك تغير واضح في نبرته: "من أنتِ؟" كان القلق يتسلل إلى صوته، ومعه بدأ أليكسي يشعر بأن هذا المكالمة هي بداية لحالة طوارئ حقيقية.
"أين أنتِ؟" كان هذا هو السؤال الذي طرحه بعد لحظة من التردد.
في تلك اللحظة، شعرت كاتيا بشيء غريب يتسلل إلى قلبها. كانت المكالمة، رغم غموضها، بمثابة الأمل الوحيد لها.
"أنا في... مستودع قديم، في مكان بعيد... لا أستطيع التنفس، أرجوك، ساعدني." كانت كلماتها تتناثر بصعوبة، وكلما تحدثت كانت تدرك أن هذه المكالمة قد تكون كل ما تبقى لها.
في تلك اللحظة، بدأ الضغط يتصاعد في قاعدة القوات البحرية حيث كان أليكسي قائدًا. كان يعلم أن هذه المكالمة تعني بداية مرحلة جديدة من التوتر والضغط. كان عليه أن يتحرك بسرعة، وأن يفعل كل ما في وسعه لإنقاذ كاتيا.