" الارض تغضب ... فأذا ما شممت رائحة غضبها فاعلم انه الهلاك ... "
نحن فى طريقنا الى المقابر التى حددتها الشرطة لدفن الجثث ... كان يجب ان تدفن بمعرفتهم لكن احداً لم يتحمل ...
بدا على عبد السلام القلق ... !! وكـأنه يعلم شيئـاً ما ... كان معارضاً منذ البداية لنقلنا للجثث ...
قلت له ... متسائلاً : عبد السلام ...!! كأنك تدفن جثة لاول مرة ...؟ ما الامر ارى انك تبالغ ..؟
قال فى قلق : لا اعرف ..؟؟ ولكنى غير مطمئن .. لن ينتهى الامر على خير .
قلت : على خير !! هل اصبحت تخاف الجثث والقبور ... ما بال انك اقدم منى فى هذا المجال !!؟
قال بصوت خافت : انه الغضب ... ولا احسب اننا نخرج من هناك على خير ... انها ليست المرة الاولى . كلكم لا تعلمون كل شيئ عن عملنا و ما نتعرض اليه احياناً .... "احياناً فى حاجات ملناش اننا نتدخل فيها " ... ليس كل الموت يدخل فى اختصاصنا ...
- تعجبت ولم اسأل ... ظننت انه من المنظر قد وتر اعصابه ...!!ولكن كيف ؟؟
عبد السلام اكبر منى بعشرة سنوات ... ويعمل فى هذا المجال منذ 12 سنة !! ليست بالفترة التى يصاب بعدها بالخوف !!
ما زلنا فى الطريق و قد اقتربنا من المكان ... الشمس بدأت فى الغروب ! مضى النهار سريعا ً لكن هذا رائع ... سنذهب الى البيت اسرع ..
الرائحة المنبعثة من الجثث !! انها تزداد قوة ... هذا جد مقرف ومقلق ايضا .. والى جانب عبد السلام و قلقه فانه شيئ اتمنى لو ينتهى سريعاً
- دخلنا المقابر وحملنا اكياس الموتى السوداء ... فتح لنا عامل المقابر المقبرة وكان يبدو قلقاً ايضاً ... اه يا الهى مال هؤلاء اليوم ...
سألته ما الامر ؟ لما تفتح ببطئ و قلق وكأنك لا تريد فتح المقبرة ؟
قال لى وكأنه يخبرنى سراً : يا استاذ الارض باردة انت مش شامم ريحة التراب ؟؟
رائحى التراب !! حقاً لم انتبه منذ دخلنا ان رائحة التراب اقوى و باردة ؟
الجميع يعلم رائحة التراب ولكن انت تكون الرائحة قوية و تشمها كأنك تشتم شيئاً مجمداً ؟؟ لكن وما الخطب اذا كانت كذلك ...!
قال لنا الضابط بعنف : هلا انهيتما عملكما ..؟ بدلاً من كثرة الحديث !!
فتحت المقبرة ... ووقف عامل المقابر و عبد ًالسلام بعيدين عن المقبرة ... " طيب اما تقفوا بعيد كده .. مين اللى هيحط الكيسين دول فى القبر؟"
قلتها فى غضب و استنكار ... فوجدتهم يقربون لى الاكياس ويبتعدوا من جديد ... !!
تباً لقد طفح الكيل ... اخذت الكيس الاول ... واثناء وضعه شممت رائحة الجثة مخلوطاً برائحة المقبرة الباردة والمخيفة !!
سرت قشعريرة برودة فى ظهرى ... ما الامر هل سأخاف مثل هذان الاحمقان ... ولكن هل يمكن لكلامهم ان يكون صحيحاً ؟
لا انها خرافات ... منذ سنين اعمل ولم يحدث شيئ ...
اخذت الكيس الثانى ووضعته جانب الاول و خرجت من المقبرة ... و بدأت احس بثقل فى جسدى !!
ما الامر ..؟
اغلق عامل المقابر المقبرة سريعاً ... وانصرف ..!! ولكن هناك خطب ما !!
رائحة الجثث لم تختفى ..! ورائحة الارض تزداد قوة وبرودة !! ..؟
عند نهاية المقابر وقبل ان نصل الى السيارة لنعود ... كان يقف رجل عجوز نحيل ... شكله فى هذا الوقت لن يكون سار لأى طفل او شخص ضعيف القلب ... وفى هذا المكان تخصيصاً ...
قال فى تأسف ...: ماذا فعلتم ... لماذا اغضبتموهم ... لماذا ترمون انفسكم فى الهلاك ؟؟ لكم الله .. لكم الله ...
- انت الرجل الغير مناسب فى المكان والزمان الغير مناسبان ليقول الكلام الغير مناسب ... تباً لك
ركبنا السيارة ... وانطلقنا عائدين الى المدينة لنذهب الى بيوتنا ... عبد السلام قلق وينظر فى كل صوب واتجاه كالمجنون ..!
و الضابط اصبح سريع القيادة و غير متزن ... اما انا فلا يهمنى الا اننى قد انتهيت من هذا الامر اللعين ..
وفجأة !!
الضابط يصرخ : توقف ايها الابله سوف تقتلنا ... توقف يا اسامة ..!!
انا لم افعل شيئأً وعبد السلام ايضاً ؟؟... نظرنا لبعضنا وقبل ان ننقل انظارنا وجدنا انفسنا نميل فى اتجاه واحد بالسيارة و صوت مكابح السيارة العالى ومن ثم .......
لا ادرى !! كل ما اسمعه كلام العجوز عند المقابر ... يتردد مراراً ... وسواد هائل قد احاط بكل شيئ حولك ...
.............................................................................................