الوهم !

169 3 0
                                    

نحس أحيانا أن أسوأ شعور هو الإنتظار! خاصة إذا كان المنتظر شخصا مهما، فهو يمكنه بمجرد غيابه زرع اليأس و القلق و التوتر و بمجرد حظوره يرفع من المعنويات ويبعث السعادة و الفرح، وهذا أغبى شعور على وجه الأرض، أن نجعل مشاعرنا بيد شخص آخر قد يعبث بها حتما و إن كان بغير قصد...

عندما نريد شيئا بشدة و لا يمكننا الحصول عليه نبقى نفكر و نفكر في ذلك الشيء و تختلط مشاعرنا ...و حلنا الوحيد لإلغاء التفكير فيه هو ببساطة ( أن نحصل عليه ) لكن ... بعد إمتلاكه كليا يصبح شيئا عاديا ثم شيئا مملا ثم شيئا لا نرغب به ... هذه قاعدة الحب أو الرغبة لكن لن تنتهي هنا ... بعد مدة يصبح ذلك الشئ مجرد ذكريات تحرك مشاعرنا تجعلنا نشتاق لتلك اللحظات لكن حصولنا على مرة أخرى يجعلنا نمل منه في وقت أقصر من السابق، فهي مجرد رغبات تتحكم بها طبائعنا فمن الممكن أن يكون طبعنا لا يحب الهزيمة و هذا سبب وجيه في تفكيرنا الدائم بشخص أو بشئ لم نستطع الحصول عليه فعقولنا ترشدنا دوما إليه للحصول عليه، لكن دون جدوى فهذا يخلق فينا شعورا بالفشل و الإحباط وهو مجرد وهم فنحن لم نفشل و لم نخسر في الحقيقة فقط عقولنا من ترسمها، هنا وجب تغيير وجهة النظر نحو ذلك الشئ بنزع الرغبة و تعويضها بالإعجاب لأن هذا الأخير سيجعلنا نحبه دون الرغبة في الحصول عليه وهو ما سيجعلنا نعود لطبيعتنا، فرغباتنا لن تتحقق دوما إلا تلك التي تقع بالصدفة ( أي نرغب بشئ و يرغب بنا في نفس الوقت ) ...

الجمعة الخامسة صباحا... أستفيق على صوت أمي : (( من هذه الفتاة التي أمضيت ليلتك في مناداتها ؟!))
آه يا مشاعري، تفضحنا الأحاسيس أحيانا عند النوم
- إنهض إنه وقت الصلاة

توضيت و صليت ثم إختتمتها بدعاء إستخارة : (( اللهم إن كانت على قدر قلبي فقربها مني فأنا بحاجة إليها ))

هل حقا أنا بحاجة إليها ؟
أحسست لوهلة أن سعادتي مرهونة بقرارها، و أن إبتسامتي بين بيديها ، فهل كنت بهذه الحالة قبلا ؟! لا أظن

توقعت أن يكون ذلك اليوم أفضل يوم في حياتي، كما يصوره لى عقلي الباطني، كنت أعلم أنها فرصتي الوحيدة لإخراج كل ما بداخلي لأن الحديث عن بعد يجعلني أكتسب شجاعة زائدة... بينما تجعلني عيناها في قمة الضعف.

يمر الوقت و دقات قلبي تتزامن مع دقات عقرب الساعة، هاهو المساء يحل و كلي إنتظار لتلك الفتات، لكن دون جدوى ... أنتظر طول النهار و أحاول أن أعرف ما يجري معها؛ ماذا تفعل و أين هي الآن ؟!
يمر يومي و كلي خيبة أمل، لم تأت و لم تتح لي الفرصة لأتحدث إليها، هكذا مر يومي إنتظار و فقط ...

يقال : (( السعادة هي مجرد فكرة يزرعها الإنسان في نفسه )) كنت أعرف دوما أنني وحدي من أجعل نفسي سعيدة و أنني و حدي من أجعلها تعيسة ، فسعادتي حقا ليست بيد شخص آخر ، فلو كانت كذلك لما استطعت العيش، فكثير منهم من يخذلك و كثير من يخلف وعوده وكثير ..وكثير...

كنت أفتقر إلى قوة الإقناع، ليس إقناع شخص آخر بل إقناع نفسي، فأنا أعجز حتى عن التوقف في التفكير فيها و طرح أسئلة غبية لا أجوبة لها...

تمر الآيام و لا تزال ذرات الأمل تسري في دمي، تخبرني أن هناك سبب حتما لغيابها و أقنع نفسي أخيرا بهذه الفكرة.

إنتهت عطلة الشتاء أو كما سميتها " أسبوع الإنتظار على النار" كأنني أمضيت أسبوعا على الجمر دون أن أجد من يحملني لمكان أقل حرا، فشتاء بارد كهذا أزالت برده "نار الشوق"...
خطوتي القادمة كانت سؤال؛ هل سأكمل ما بدأت به؟ أم أنني سأتجاهل الموضوع و أوهم قلبي أنه لا يحبها ؟

صديقي أحمد أتشارك معه العديد من المواضيع و كان دوما يسدي إلي نصائح طالما أنجح باتباعها، وكعادته يحاول دوما أن يكتشف عن قرب ما يحدث بيني و بين سمر و كأنه مدرب يتابع طريقة لعب فريقه للفوز، كانت تحليلاته لا تختلف عما يدور في رأسي لكن كانت أكثر دقة و حكمة و موضوعية...

أول يوم بعد العطلة، كان الجو مشمسا و كأنه يرحب بنا و يبشرنا ببداية جديدة تخلق فينا الرغبة و العزيمة على فتح باب جديد... كان أول شخص أراه " ذات القبعة الرمادية "، ليس لأنها أول من صادفتني بل لأن عيناي تخفي من حولها و كأنها لوحدها بين الجميع، نظراتي إليها إمتزجت بين "شوق" و "عتاب" ، لقد جعلتني أحس بضيق الحياة لكن بمجرد رؤيتها تختفي كل الخلفيات، تبقى فقط تيارات الحب و الحنين حتى إن موجة واحدة من صوتها الرقيق قد تطفيء نار غضبي في أشد لحظاتها.

كان صباحا رائعا، لقاء جديد مع الأصدقاء و قصص جديدة. أحيانا تنسيك الحياة في نفسك و تضعك في عجلة من السعادة و كأنها أتت خصيصا من أجلك لتخرجك من أعماق أفكارك و مشاعرك، قرأت يوما في أحد الكتب : (( الحب في كل مكان حولك فقط إبحث عن أنواعه )) فحاياتنا حقا ليست مجرد حبيب أو حبيبة فالحب خلق في كل شئ من حولنا، فقد ولدت بين أحضان الحب ورباني الحب و كبرت بجانب الحب و ها أنا أرد ذاك الحب لكل من منحني إياه، لكن يبقى حبي لذلك الشخص الذي لم أعرفه يوما هو الأخص و الأجمل فيهم لأنه بلا مقابل فيا ليته يكون متبادلا ...

عودتي إلى نقطة الصفر جعلتني أتوجه إليها لأسألها عن سبب إخلافها للوعد

-صباح الخير
- صباح الخير

تستهدفني دوما بنفس الجمل التي أفتتح بها الحديث، تحاول دوما إختيار كلماتي الترحيبية وكأنها مرآة أمامي!

-كيف أمضيت العطلة ؟
تجيب ببرودة
- لا بأس ( تقصد سيئة)
-لم ؟ هل حصل شئ!

كعادتها تبتسم، و كأنها تحادثني دوما بلغة الإبتسامات، وهو ما يزيد رغبتي في إكتشافها أكثر

ثم تسأل و كأنها تذكرت شيئا
-وأنت ؟ كيف مضت عطلتك ؟
- أنتظرك

-آه أعتذر حقا ! لم أستطع الإتصال فقد كانت الأنترنيت مفصولة ...

إعتذارها جعلني أرتاح ، ليس لأنه أقنعني ولكن منحني أملا جديدا ...

شتاء دافئ!حيث تعيش القصص. اكتشف الآن