غياب طويل !

108 2 0
                                    

لا نحس بقيمة الشئ حتى نفقده، هذا ما يقوله كل من فقد شخصا قد اعتاد عليه... إعتدت عليها لكن ليس لكونها دوما معي، بل لأنها لا تفارق مخيلتي، تفكيري، أحلامي، هي موجودة لكن كروح يحتضنها داخلي بقوة.
- 10 جانفي 2015 ؛كان يوما ممطرا على عكس العادة، أول ما رأيته في ذاك الصباح كان طائرا أرجواني اللون - نسمع عن اللون الأرجواني أنه يعبر عن الطابع التفاخري- و ها أنا أراه اليوم كئيبا لا متفاخرا و كأنه أتاني بخبر سيء، و ينتظر مني أن أمسح دموعه الشفافة المتهاطلة على نبتة الصبار المبللة ...
خرجت صباحا متوجها إلى المعهد و كلي أمل أن أحظى بيوم حافل، كعادتي أمر على صديقي أحمد الذي كان رفيق دربي الطويل، حيث تأخذنا نقاشاتنا و محادثاتنا العميقة إلى آلة زمنية تختصر علينا الطريق الطويل إلى المدرسة...

وعادة ما يسألني؛
- هل تحدثت معها ؟
- لا ...

-لما ؟
- لا أجدها

- إبحث عنها إذن ! فلن يأتيك ما تريد
- أحاول.

وصلنا إلى المعهد و كنت أحمل "قيتارتي" على ظهري و يحمل أحمد " الكمان " الذي كان يسميه (( روحي )) ، كانت تلك الآلات الموسيقية هي الوحيدة التي لا تفارقنا، تشاركنا أفراحنا وأحزاننا، تسمع لشكاوينا و تمنحنا قوة للوقوف مجددا للمواجهة، فهي حقا مخلوقات تتحدث بلغة موسيقية لا تفهمها إلا مشاعرنا وعواطفنا كما يسميها البعض " لغة المشاعر" ...
بينما أنا شارد الذهن ينبهني أحمد؛
-لا أراها اليوم !
- من ؟

-من تبحث عنها ...
- تأتي متأخرة

- تأخر الوقت الساعة الثامنة و عشر دقائق
- سأنتظر ... إذهب أنت فالمدرس قد بدأ الحصة

يذهب و أبقى أترقب دخولها عند الباب، بدأت ألاحظ تلك العلامات... نعم إنها علامات على أن شيئا سيئا قد حدث؛ الطائر الأرجواني ثم غيابها المفاجئ، أتمنى أن أكون على خطأ.

14 جانفي 2015 ؛ مرت ثلاثة أيام ولا خبر عنها، صديقاتها لا تعلمن و لا أعرف شخصا قد يعرف أين هي، كل ما كنت أعرفه أنها ليست إجتماعية و لا يعرفها الكثير في مدينتنا... إنتظرتها صباحا أمام منزلها لكن لم يخرج أحد، طرقت الباب و لا شخص يرد...

عندما تواجهنا أحيانا المشاكل نجد الحلول و نجد البدائل، و أحيانا نحس أننا محاصرون بين أربعة جدران عالية و نحتاج لمعجزة كالأجنحة لنخرج منها، لكن أتذكر أن أمي كانت تقول لي دوما : (( إذا كنت في مشكلة ما، وضاقت بك السبل فارجع إلى خالقك و خالق المشكلة فهو لا يخيب عبده ))

- اللهم إن كنت على خطأ فأبصرني به، و إن كنت على صواب فأعني على إيجاد الحلول.

الأربعاء 15 جانفي 2015؛ أستقبل إتصالا من أحمد
-ألو
-ألو أحمد

- ألن تأتي اليوم إلى المعهد ؟! غيابك يوشك أن يصل الأسبوع
- لن أعود حتى أعرف أين هي !

- لكنها هنا اليوم
- حقا ؟ أهي في المعهد ؟

-أجل
- سأكون هناك خلال خمس دقائق، شكرا صديقي ...

لا أدري أي شعور إنتابني، مزيج بين سعادة و حزن... أحمد الله أنها بخير لكن كيف تغيب فجأة هكذا دون أي سابق إنذار، أصل سريعا و أدخل المدرج و هي أول من أراها، كأنها عائدة من الجنة... وجهها بدا لي أكثر نورا، شعرها بتسريحة جديدة يغطي جانب وجهها فيخلق ظلا يغازل جمالها، عيونها إزدادت لمعانا تبدو لي قمرا في منتصف ليلة البدر، تلبس سترة سوداء كعائدة من العزاء و ماأجملها بذال الثوب الأسود فحقا " الأسود يليق بها " ...

عودتها أدخلتني في نقاش جديد؛ أهي علامة ثالثة موافقة لذاك الطائر الأرجواني و غيابها المفاجئ ؟ أم هي علامة تناقض تلك العلامتين؟! كان علي أن أحصل على الجواب الصحيح بعد سؤالها ...

- صباح الخير سمر !
-صباح النور

- طال غيابك ! حمدا لله على السلامة فقد كنت قلقا عليك
- لا بأس أظن أنها مرت أحسن بدوني ( تقولها بنبرة خافتة و كأنها تخبرني أن لا أهتم كثيرا لأمرها )

هاهي تعود لألغازها من جديد و لابد أن أبدأ أيضا بحل شفراتها المعقدة

- لما غبت ؟ هل كل شئ على ما يرام ؟
- لا شيء ، فقط لم أرد المجيء

هاهي العلامة الرابعة تظهر، تكذب علي و لا تعلم أنني إنتظرتها و بحثت عنها في منزلها طيلة فترة غيابها دون جدوى ! أنا متأكد أنها لم تكن في المنزل... أواصل حديثي معها أو بالأحرى إستجوابي لها لأبحث عن علامة جديدة و كلي أمل أن لا تصدق تصوراتي في أن شيئا سيئا قد حدث لها

- هل كنت في المنزل طيلة الأسبوع ؟
- أعذرني يجب أن أذهب الآن، فأبي ينتظرني بالخارج ... أراك لاحقا

تذهب و تترك علامات إستفهام تثير خوفي وقلقي و فضولي لأعرف الحقيقة، ألحق بها فأجد والدها ينتظرها ليخرج برفقتها من المعهد، ظهرت علامتان جديدتان؛ تفاديها لسؤالي الأخير وحضور والدها الذي ليس من عادته أن يأتي لاصطحابها ...
هذه الفتاة تضعني في حيرة من أمري ، لا أزال غارقا في التفكير و إذا بي أسمع صوت سيارة إسعاف قريب ... دون تفكير و لا أعلم حتى لماذا ركظت خارجا باتجاه الصوت و كان آخر ما رأيته "والد سمر" يركب المقصورة الخلفية و تنطلق السيارة بسرعة.

علامة أخيرة أدخلتني في دوامة من الإحباط و الخوف و الإرتباك ...



شتاء دافئ!حيث تعيش القصص. اكتشف الآن