منذ صباح اليوم والضوضاء تعج بالقصر ، بل بمملكة هيوجيال بأكملها .. الناس يتجولون بضواحي المملكة مُطلقين المفرقعات .. والفرق الموسيقية توزعت وصدحت بموسيقاها فاستجاب الشعبُ ضاحكاَ راقصاً .. الباعة المتجولون يجهرون بأصواتهم بتخفيضات مميزة تكريماً لهذه المناسبة الخاصة .. فاليوم ستُعقد خطبة سليليّ العائلة الحاكمة .. الأمير سيهون وابنة عمه الأميرة جوديا كما سيُتوّج السليل الأول سيهون ملكاً على البلاد .. أغلقت جوديا ستائر شرفتها المطلة على الحديقة الخلفية للقصر المزهوة بشتى الأزهار الملوّنة.. كان قلبها يدق برتابة وهي تنظر لنفسها في المرآة تمشط شعرها الأسود الغجري وعينيها ساهمتين والحمرة تخضب وجنتيها .. لا تصدق أن مساء هذا اليوم سيُحاط اصبعها بالخاتم الذي تمنته طويلاً وليس أي خاتم بل خاتم حبيبها وابن عمها الذي ترعرعت تحت ناظريه منذ الصغر .. قاطع سيل أفكارها دخول الخادمة تحمل فستاناً .. انحنت الخادمة باحترام ثم تحدثت " أميرة جوديا .. الأمير سيهون بانتظارك منذ فترة حتى تذهبا لجلالة الملك السابق " اتسعت عينيها قليلاً فقد نسيت في خضم تأملها لكنها أومأت بلطف وقامت فساعدتها الخادمة على خلع فستانها وارتداء الفستان الذي يُماثل جسدها بياضاً بطبقاته الهفهافة .. خرجت على عجل تُسابق الغيمات التي تظهر من النوافذ العملاقة الموزعة على جدران القصر فشهقت الخادمة من خلفها " آنستي لا يجوز أن تهرولي هكذا " فكرت جوديا بأنه لا بأس بنسيان بُرُوتوكول الأميرات قليلاً بدلاً من أن تطير رقبتها من عصبية سيهون .. وفي استدارتها لتسلك طريقاً مختصراً ارتطمت بجسدٍ عضليّ فرفعت عينيها كطفلة مذنبة والتقت مع عينيه العابستين .. رمشت بعينيها عدة مرات علّها تسترضيه لكنه أبعد ناظريه عن مرمى عينيها الساحرتين المشاغبتين .. سمع تنهيدتها اليائسة فأعاد نظره إليها مرة أخرى وابتسم بمكر قائلاً " حسناً سأتغاضى عن تأخيرك هذا اليوم " عدّل من ياقته بغرور وأضاف " لأنكِ فقط عروس سيهون " ضربته على صدره ومشت أمامه بكبرياء فلحقها ممسكاً بيدها ورفع إصبعين اثنان قائلاً " معاً .. معاً يا صغيرة " مشى معها جنباً إلى جنب فرفعت رأسها إليه وتلألأت بركتا العسل في عينيها .. هو منبع فخرها وحبها .. اليوم سيتوّج ملكاً .. ملكاً على البلاد وقلبها .. وصلا لغرفة جديّهما فانحنى الحارسان الواقفان على باب الغرفة المُذّهب .. ولجا فتوجهت جوديا على عجل إلى جدها المستلقي على سريره بتعب وأمسكت بيده وجلست على حافة السرير وعينيها تهتزان بقلق .. بينما انحنى سيهون بأدب .. ضحك الجد وقال له " اقترب يا ولد " جلس سيهون على الحافة الأخرى من السرير فطبطب الجد بيده على ركبته .. وتحدث بصوته الوقور الذي غلبت عليه امارات التعب " ربما لا أستطيع التواجد اليوم في حفلكما لكن بركتي معكما أيها العزيزان ، سيهون أنت فخري بعد والدك وأثق في قدرتك على تسيير الأمور ، اعتني بالمملكة ودعها تشمخ دوماً " صمت قليلاً ونظر لجوديا يملأ عينيه من حسنها وتابع " وأميرتي هذه ضعها في عيناك .. أريدها زاهية مشرقة دائماً " دمعت عينا جوديا وهمهمت وأشارت بعدة اشارات لهما فيما معناها ( لِمَ تتكلم وكأن هذه آخر مرة نراك يا جدي ؟! ) تنهد سيهون وتحدث " جدي سيتركنا فترة مؤقتة وينتقل لمكانٍ بعيد نسبياً من هنا مع كبير السحرة حتى يستعيد عافيته تماماً " شهقت جوديا وأحست بأن بهجة اليوم تخفت فجأة ، سالت دمعاتها وهزت رأسها اعتراضاً وأشارت لهما مرة أخرى بأنها لابد وأن تذهب معه حتى تعتني به .. شدد جدها من مسكه ليديها وتحدث بجدية " سيهون سيكون الملك ولكنك تتساوين معه في تحمل مسؤولية المملكة لذا يجب أن تبقي هنا وأن ترعي شعبك " وضعت رأسها على صدر جدها تكتم شهقات بكاءها بينما مسح على رأسها بحزن ونظر لسيهون بندم على افساد فرحتها ولكن لابد أن تعلم فهو سيرحل بعد الحفل في جنح الظلام حتى لا يشعر أحد ..
أنت تقرأ
ذاتَ حربِ .. أحببتُك !
Romanceأكانت تلك الحرب منذ إحدى وعشرون عاماً .. أم حربنا الوشيكة الآن .. لا يهم أي حرب تلك .. ولا يهم أي زمنٍ كان .. دعنا نخطو سوياً أولى خطوات الحب وسط الحطام المحدق بنا .. ودعني أعانقك عناقاً لا بأس وإن كسّرت أضلعي به .. المس شفتيّ وعلمني أبجدية الحياة...