نصف الروح

544 48 9
                                    



نظرت الى الشيخ بصدمه واظن انه رأى ذلك في وجهي ايضا لأنه سكت قليلا ثم اكمل " زوجتي بدريه كانت جميله جداً ، طيبه ، عفيفه ومن اجمل نساء الحاره كان جميع الرجال يتهافتون عليها الجميع يريد ارضاءها حتى يستطيع ان يكسب مودتها والزواج بها لكن الجميع ايضا كان يحبها لشكلها ونادر من الرجال رأى روحها وشخصيتها حقاً" انزل رأسه متنهدا ثم رفع رأسه ينظر الي بابتسامه سخريه " اظن اني الوحيد من هذا العالم اللذي رأها حقاً ، كنت وقتها اشتغل في هذا الدكان كعمل جزئي وكان ابي هو مالك المكتبه ، كانت تأتي كل يوم تقرأ وتتناقش مع والدي عن الكتب وكنت صبي خجول اخشى ان اتكلم معها ولكن اراها من بعيد تأتي وكل يوم يزداد اعجابي بها ، حتى اتى اليوم الذي لم تأتي فيه استغربت وحتى ابي استغرب فقد كانت تأتي يوميا لفتره طويله حتى اصبحت من الروتين اليومي لنا ان تأتي وتحتسي الشاي او القهوه مع ابي، فمر يومان ، ثلاثه ، اسبوع ، اسبوعان حتى بعد خمسه عشر يوم بالضبط اتت مرتبكه مستعجله ولأول مره تكلمني فقالتلي أين اباك يا علي ؟ فنظرت اليها مستغربا كيف هذه الفتاه الجميله المثقفه ان تعرف اسمي ومن انا ؟ او حتى تعرف عني ؟ فحتى لو كانت تراني اعمل وهي تتكلم وتضحك مع ابي فلم اكلمها ابداً ابداً ، فلما رأتني لم ارد عليها مسكت كتفي وهزته بقوه قليلا " علي اني اسألك اين اباك ؟؟؟؟؟ " رفعت كتفي لها لا اعلم ، لم استطع الكلام حتى لو اردت فقد كنت خجول جداً " سكت قليلا الشيخ يشرب من قهوته ثم اكمل متأملا السقف وكأنه يسترجع ذكريات جميله وبنفس الوقت حزينه  " وقتها كنت خجول جداً ولم استطع الكلام معها لكن هذا لم يمنعني ان انتبه بانها ليست على طبيعتها وكنت على وشك سؤالها لكنها فجأه وقعت على الارض تبكي ثم قالت لي بصوت مبحوح مع البكاء " علي اظن انني مجنونه " فنظرت اليها " لماذا ؟ " فرفعت رأسها ووجهها مليء بالدموع " اني أرى كتاب لايستطيع احد ان يراه ياعلي ، نعم انا مجنونه رسمياً " مسكت حقيبتها بقوه ورفعتها واعطتني اياها قائله " علي، احرق هذا الكتاب احرقه فحتى ان لم اكن مجنونه فانه من عمل الشياطين يا علي من عمل الشياطين " اخذت حقيبتها من يدها فوقفت فجأه ذاهبه الى الباب لتخرج والتفت علي " اتمنى ان لا تخبر اباك بأنني اتيت فهذا سرنا الصغير الان " ثم مشت خطوتان ثم التفت مره اخرى " اتمنى ان لا تظن انني مجنونه ايضا " ثم اكملت مشيها خارجه وانا ماسك حقيبتها انظر الى الباب متعجب من الموقف " سكت الشيخ وانا ساكته ايضا ، لا اعرف ماذا اقول او ماذا حدث اصلا لكن عرفت ان هذا الكتاب هو حقاً غريب فأن كان قد كُتب وقد قرأته بدريه اصلا فلماذا ارى فقط ربعه مكتوب ؟ اين باقي الكلام؟ قاطع افكاري الشيخ " اتذكر كل محادثاتنا في ذلك الوقت وكأنها محفوره في عقلي ، اتذكر كل شيء قالته لي بدريه مهما كبرت في السن فلا اظن ان يوما ما سأنسى ماعشته معها " وقف الشبخ وذهب الى الكتاب وامسك به " هذا الكتاب لربما كان سبب لكسر قلب زوجتي ولكنه ايضاً سبب بأنني تعرفت اليها ، سبب انني تزوجتها " تقدم الي الشيخ و وضع الكتاب في حضني " ميساء ، لن اخبرك بالتفاصيل الممله عن قصتي معها ربما يوماً ما لكن ليس الان ، لكن سأخبرك بالموضوع المهم ، هذا الكتاب ليس كتاب عادي واحذري ، احذري ان تقولي لأحد عما سيحصل اليك عندما اقول لك سره فمهما وثقتي بالشخص فلا تعلمين حقاً ماذا سيفعلون اذا علمو حقيقه هذا الكتاب ، فزوجتي بدريه انقلب وثار عليها الجميع حتى عائلتها  ظناً بأنها مجنونه عندما اخبرتهم عنه ، ولكن انا وأبي الوحيدان اللذان صدقاها " مشط لحيته اللتي يتخللها خصل بيضاء ثم التفت واعطاني ظهره " ميساء ، سأخبرك كل ما اعرف واتمنى بعد هذا ان تأخذي الكتاب لك معك ، اعلم الان بأن لو كانت بدريه حيه لكانت هذا ماتريده ، ان تحصل على الكتاب فتاه مثلها يملئها شغف العلم وحب المغامره نعم اعلم انها ستكون سعيده لو كانت حيه وستشجعني على قراري " حسناً .. مهلا...ماذا؟ الكتاب لي؟ بدريه ميته؟ مهلا مهلا هل من الممكن ان تكون ماتت بسبب سحر هذا الكتاب نظرت الى الكتاب في حضني وغلافه الاحمر السميك مندهشه متعجبه حتى سألته بهمس " اماتت بسبب هذا الكتاب؟ " ضحك الشيخ " لا ياعزيزتي لقد ماتت موته مسالمه وهي نائمه ، لكن لا اضمن لك بأن روحها لم تمت بسبب هذا الكتاب " اكمل قائلا " حسنا ياميساء، لا اعلم الكثير حقاً عن هذا الكتاب فما اعرفه عن زوجتي وعن كلامها بأن لكل انسان تجربه معه ، فكما ترين ليس الجميع يستطيع قراءته وليس الجميع يستطيع ان يكتب فيه ايضا فمهما حاول اي شخص عادي ولا يستطيع قراءه مافيه العبث فيه فبعد كم يوم سيذهب كل شيء كتبه ، الا كلام زوجتي كما تقول لم يذهب وكانت كل فتره وفتره تقرأه مره اخرى " سكت قليلا متنهدا ثم اكمل " اعلم ما سأقوله لايصدق لكن اظن انك نظرتي وشاهدتي بعيناك كيف هذا الكتاب يعمل ، لا اعلم ان كنتي تستطيعين قراءه كلام زوجتي او كلام شخص اخر فيه لكن اعلم وبالتأكيد بأن زوجتي لم تقرأ كلام من شخص بعالمنا هذا ، بل كما كانت تقول بأنها تقرأ مايكتبه شخص من زمن اخر ، قرن اخر ، لكن كل ما استطيع قوله لك ان احببتي تجربه هذه المغامره او لا اقرأي هذا الكتاب او احرقيه فحقاً لا اهتم ، انه من ممتلكاتك الان " التفت علي ونظر الي بشده " لكن اعلمي بأني ان اعطيتك هذا الكتاب فأنك الان تمتلكين سر تاريخي عظيم الكل يريد كشفه ، لكن حقاً لا اهتم فطوال هذه السنين كنت ابحث عن شخص اعطيه اياه سيقدره كما كانت وصيه زوجتي لي ، يقدره ويعطيه قيمته ، وهذا ما افعله الان فأن كنت حقاً تمتلكين مثل عينا بدريه فأنت ستقدرينه وتعطينه حقه وقيمته وسيكون باستطاعتي الان العيش بسلام في هذا الدكان وهذه الحاره ، العيش مرتاح لأني حقتت وصيه وامنيه زوجتي هذه." سكت الشيخ وسكت انا ايضا ولم ارد فلا اظن انه كان ينتظر مني الرد فلقد رأيت عيناه تذهب مره اخرى للسقف وكأنه بدأ يسترجع الذكريات مره اخرى .
لقد كان عبئ ماقال شديد ، لا استطيع تحمل هذه المسؤوليه ماذا يقصد بكل هذا الكلام ، لقد اخافني كلامه وقتها ، اخافني كلامه عن بدريه فأن ظن اهلها انها مجنونه بعد كل هذه المحبه ماذا سيظنون بي اهلي ؟ هل حقاً كانت مجنونه ام ان هنالك سر في عيني وعيناها كما يقول ؟ من انا لأرى هذا الكتاب وماكُتب فيه؟ يا الهي ! هل من المعقول ان يكون متلبسني سحر او شيطان ؟؟؟؟ ام من المعقول حقاً بأن هذا سر النجوم ؟ لا اعلم ماذا افعل الآن بهذا العبئ وكلامه عن هذه المسؤوليه التي توجد بهذه الكتاب .
لكن اعلم بالفعل ماذا سأفعل بالمستقبل وهو من المستحيل ان اتخلص منه او احرقه او مهما يكن من هذه الافعال ، نعم من الممكن ان اضعه في مكتبتي شهر شهران سنه سنتان لكن بالتأكيد سيأتي اليوم اللذي سأقرأ فيه ماكتب بعد تمعني وتفكيري بهذا الكلام. ولا اعلم فربما اتجرأ ايضا واكتب فيه وادخل في هذا العالم الغريب الذي قتل نصف روح بدريه كما يقول! .

الميسانحيث تعيش القصص. اكتشف الآن