يقول "الفتى المدعو هاوك" بصوته الجاف الشبيه بصوت فتاً إستيقظ لتوه من النوم ( أتظن أن قراءة كتاب في الكورنيش و أنت ترتجف برداً يعد ثورة داخليه ، يا لسطحية تفكيرك ، أنت لم تزد الأمر إلا سوءاً ، ركّز ، فلن أعيد كلامي مرةً أخرى ، أغمض عينيك وتخيل أنك في وسط غابة عظيمة شديدة الظلمه ، أُشُعر بهوائها يداعب خصلات شعرك ، و شمّ رائحة مستنقعاتها ، إستشعر كل شيءٍ فيها ، غابة مليئة بالأشجار ، ولا تستطيع تمييز موقعك من رؤية المكان حولك ، كل شيءٍ متشابه في هذه الغابة ، الحشائش ، الأشجار العملاقة و أغصانها الطويلة المرعبه ، و كأنك كل ما تقدمت في هذه الغابة تعود للمكان الذي بدأت منه ، كل شيء يتكرر دون أن تشعر ، ستجد بحيرات من السرخس ، تجاهلها ، لا تدخلها ، ستبتلعك هناك للأبد ، أكمل مسيرك و حاول الخروج من هذه الغابة المشؤومه ، لا تفتت الخبز الذي معك لتتذكر طريقك ، ستأكله طيور الليل الصامته ، أخرج سكينك و إجرح جذوع الأشجار ، تجرحها و كأنك تحاول قتلها ، و كردةِ فعل ، تصرخ الأشجار بصوت غير مسموع ، و تنزف دماً غير مرئي ، حاول تذَكُّر طريقك تماماً ، ركز ، ركز ، أي خطأ هنا قد يقتلك ، الغابة ليست جزئاً منك ، بل أنت الذي أصبحت جزئاً منها ، إن أرادت ، ستجعلك تائهاً هنا للأبد ، إقطع طريقك مواصلاً للأمام ، ولا تخف تلك العيون التي تراقبك من على الأغصان ، شقّ طريقك في الغابة و أخرج منها ، ولا تلتفت ورائك مهما كانت الأسباب ، عندها ستنجح في ثورتك و ستنحر الملك الدخيل ).
أسأله : مجاز ؟ .
يرد بينما يستدير إستعداداً للرحيل : يمكنك تخيله بالطريقة التي تريد .
ثم يرفرف جناحيه إستعداداً للإقلاع ، و يطير من النافذة المفتوحة و يختفي كعادته .
في تمام الساعة الثالثة والنصف صباحاً و عند جلوسي على الأريكة الجلدية السوداء المقطعة من الأطراف من كثرة الإستعمال و يظهر متخفياً بين تشققاتها إسفنجها الأصفر ؛ أقرر أن أبدأ ثورتي .
و كما أخبرني هاوك ، أغمض عيني ، و أبدأ بتخيل الغابة ، أشعر بهوائها النقي البارد يداعب وجهي و يتجاوزه بكل سلاسة ليكمل رحلته .
لا أرى سوى السواد ،و تدريجياً بعد نصف ساعة ، أبدأ بشم رائحة مستنقعٍ نتنة ، و أرى الأشجار كما وصفها هاوك تماما .
أمد يدي لألمسها فأشعر بخشونة لحائلها ، و كأنني أصبحت هناك بالفعل .بعد أن أصبحت داخل الغابة ، أبدأ رحلتي للمخرج المجهول ، أشعر بالخوف ، فالظلام دامس ، و البرد ينخر العظام ، و الغابة كبيرة ، و أنا الوحيد هنا ، ربما .
أبدأ بالسير ببطئ منتبهاً لكل ما أمر به محاولاً تذكر كل التفاصيل أمامي ، الأشجار متشابهة ولا توجد سوى فروقات بسيطة ، فهذه الشجرة مائلة لليمين ، وتلك مائلة للخلف ، و تلك مستقيمة كأنها جنديٌ يلقي التحية لضابطه سريع الغضب .
أنزع شعوري بالخوف و كأنني أنزع نبتة صبّار صغيرة من كومة قطن ، لا داعي للخوف فسيعطلني ذلك فحسب .أكمل سيري و أجرح كل شجرة أراها أمامي ، و كأنني مقاتل شرس يقتحم جبهة العدو و يردي جميع من أمامه قتيلاً من أول ضربه .
أسمع صراخ الأشجار ، و أرى دمائها ، يبدو أنني أتخيل أكثر من أنني أسمع و أرى ، أستمتع بذلك ، و أبدأ تخيلاتي الغريبة من باب المتعة .
أتخيل أنني قائد كتبية بجيش القائد يوان شاو الصيني و أردي أعدائي من أول ضربة محاولاً حماية كتيبتي من الضرر قدر المستطاع .أصحو من تخيلاتي بعد سماعي لصوت خطوات خلفي بالضبط ، و كأن صوت خطواتي يتكرر خلفي ، بعد تردد دام لأكثر من خمس دقائق ألتفت للوراء فأرى رجلاً بنفس طولي ، شديد السواد ، لا ملامح ، لا شكل ، مرعب لأقصى حد كما أنه يحاول تقليد تحركاتي عمداً .
من النظرة الأولى يبدو مقلداً ماهراً ، لكن يمكنك أن تلاحظ إرتباكه و خوفه من أن يخطئ في تقليدي ، و عدم توافقة مع توقيتي بأجزاء من الثانية ، إنه ليس مقلداً جيداً ولا سيئاً ، توجد الكثير من الأخطاء في تقليده لكنه أفضل من غيره على الأقل .
بعد تردد وخوف ، أسأله : من أنت ؟
يجيب بدون صوت : أنا ظلك .
فيقشعر جسدي من الخوف و يجف الدم في جسدي وكأنني أصبحت قطعه حطب قديمة .
إلا انه لا يبدو بتلك الخطورة ، لذلك أحاول تجاهله بكل صعوبة و أكمل سيري و أبدأ بنسيانه مع الوقت .السماء مليئة بالغيوم ، و كتخمين ، أظن أن الساعة الآن الحادية عشر مساءاً .
نحن في منتصف الشهر ، لذلك كمحاولة للقليل من الشرود الذهني ؛ أبحث عن البدر في السماء أثناء تقدمي دون جدوى فالغيوم تغطي كل شيء .
أكمل السير و أطعن الأشجار و تكمل صراخها المرعب الغير مسموع .ما زال ظلي يسير خلفي محاولاً تقليد تحركاتي قدر الإمكان ، أكمل السير و أتجاهله مرة أخرى ، أشعر أنني مراقب من قبل الأشجار ، إنها تنظر إلي بلا شك .
تتنحى الغيمة التي كانت تغطي القمر قليلاً ، فينير البدر الغابة كمصباح في السماء .
أرفع رأسي لأرى البدر ، أُصدم ، و يتغلغلني الخوف مجدداً ، بل و أكثر من المرة السابقة ، القمر مختلف عن ما عهدته تماماً ، مختلف بالكامل ، أصبح القمر كرة عين كبيرة في وسط السماء ، يتلفت بؤبؤها يميناً و شمالاً و للأعلى و الأسفل بشكل سريع جداً ، و كأنها تبحث عن شيء ما ، عن ماذا تبحث ؟ هل تبحث عني ؟ يا إلهي ! ماذا تفعل تلك العين الضخمة هناك ؟ ولماذا تتلفت بسرعة هكذا ، و أين ذهب القمر بحق خالق الجحيم ؟!فجأة ، تتوقف العين عن التلفت ، و تسمّر بؤبؤها الأسود العملاق نحوي بعد أن وجدتني أخيراً ، تنظر إلي بنظرات غير مفهومه ، نظرات لا يمكن تحليلها ، كنظرة حيوانيه .
لم يخبرني هاوك عن أمر هذه العين ، أخبرني بأن لا أخاف الأعين التي على الأغصان ، رغم أنه لا توجد أي عين على الأغصان !
أشعر بالخوف يتغلغل داخل جسدي ، بل و أكاد أن أبلل نفسي ، لماذا تنظر إلي تلك العين و ماذا تريد بحق خالق الجحيم ؟تخبرني الشجرة التي جرحتها قبل قليل بأن أكمل سيري و أتجاهل قمر هذا العالم الغريب .
خوفي من العين القمرية جعلني أنسى أن أخاف من تحدُّث الشجرة إلي ، أنفّذ ما قالته الشجرة بندم بعد أن جرحتها ، أتجاهل القمر المرعب و ظلي الفاشل في التقليد . و أكمل السير نحو الأمام إلى المخرج المجهول .
أنت تقرأ
المَخْرَج
Fantasyبعد ان أصيب ذلك الفتى بالحمى ؛ يكتشف بمساعدة الفتى المدعو هاوك عالماً جديداً مجهولاً ، فيدخل إلى ذلك العالم ويبدأ بالبحث جاهداً عن المخرج للعودة الى جسده .