الفراغ

9 0 0
                                    


خرجت من كومة الشجيرات تلك، وكذلك فعل ظلي، وصرخت بعد ان ابتلت عيناي بالدموع: ايها الرئيس!
فيلتفت الرئيس بكل استعراض إلي، ويسحب غليونه من فمه ويشير به نحوي قائلاً: ايها الفتى!
ويقفز من سطح الكوخ بكل احترافية ويهبط على الأرض بكل كبرياء.

ثم دون اي تحكم مني، تبدأ عيناي بذرف الدموع ويبدأ تنفسي بالتقطع بعد ان اجتاحت جسدي نوبةٌ من الإرتجاف. ليس لأنني كثير البكاء، بل تلك هي عادتي، فأنا لا استطيع التعبير عندما أشعر بالحزن او الخذلان. فكخيارٍ بديل، يأخذ جسدي زمام الأمور ويبدا بالتعبير عوضاً عن لساني الذي اصابه الشلل لبضع ثوانٍ، وبعدها بلحظات أقول بصوت مليء بالخذلان بعد ان عاد لساني الى قمرة القياده:
أين كنت ايها الرئيس؟!
الرئيس: أين كنت ايها الفتى؟!

قلناها وكأننا اتفقنا على قولها في نفس اللحظه.
يسود الصمت لبرهةٍ بينما تدور عقولنا كالطاحونة محاولة تحليل الموقف.

الرئيس: مالذي تعنيه بأين كنت؟ لقد كنتُ هنا طوال الوقت بينما كنتَ تقضي وقتك في حيث لا ادري.

ويتمتم بعدها بصوت خافت ويردف وكأن العالم على وشك الانهيار: اطفال هذه الفتره.

فأجيب بمجرد ان انتهى من حديثه مباشرةً وعيناي لم تجفا من الدموع: لقد اختفيتَ من الكوخ فجأةً لثلاث أسابيع! بحثت عنك حول الكوخ ولم أجدك ولم أشئ ان ابتعد كثيراً فكل شي غريبٌ علي هنا، لقد انتظرتك طويلاً حتى فقدت الأمل وقررت البحث عن المخرج وحدي مالذي تتحدث عنه!
ثم تبع ذلك تنفس متقطع بينما احاول جاهداً التحكم بمشاعري وكبح البكاء.

يزمُّ الرئيس عينيه بكل تركيز وكأن الوقت قد توقف من حوله ويفرك شاربه بإصبعيه محاولاً فهم ما يجري. ثم بعد برهه، يهم بسؤالي ليتأكد من صحة ظنونه:
اتقصد بأنني انا الذي اختفيت وليس انت؟

اومئ و قد امتلئت وجنتيَّ بالدم، ويكرر ذلك ظلي ايضاً.

الرئيس: من اين أتيتَ إليَّ الان اذاً؟

فأجيب: أتيت من الكوخ.

فيزداد فرك الرئيس لشاربه حتى ظننت انه سوف ينتفه من مكانه بينما يبحث في عقله ونظراته تتقلب في الأرض وكأنه يبحث عن حبة أرز سقطت منه، ثم يقول: ولكنني الآن في الكوخ! انا لم أغادره مطلقاً! لم أفهم.

ثم يتمتم بينما يخوض معركة شرسة داخل رأسه، ويردف قائلاً:
انت تقول انك غادرت الكوخ للتو ثم أتيت الى هنا صحيح؟ حسناً، كم من الوقت أخذت اثناء سيرك من الكوخ الى هنا؟

أجيب بعد التفكير قليلاً: لم أستغرق وقتاً طويلاً، ربما نصف ساعه او أقل من ذلك بقليل.

فيغمض الرئيس عيناه ويجلس على التراب ويقول بعد تنهيدة طويله: اذاً كلانا كنا في الكوخ.

فأجيب بكل حيره: مالذي تقصده؟

فيفتح الرئيس إحدى عينيه وينظر إلي و أكاد اجزم بأنه ينظر الى روحي، ثم يقول: لقد سمعتُ عن هذا الأمر منذ مدة طويلة جداً لكنني لم أصدقه. يا فتى، نحن عالقون في فراغ الغابه.

أسأله وقد اصبح القلق واضحاً على وجهي: وماهو فراغ الغابه؟

فيسحب الرئيس من غليونه وينفث الدخان من أنف ببطئ ثم يجيب: تقول الشائعات القديمه ان فراغ الغابه هو محيط بمساحه معينه يعلق فيه المرء وكلما حاول الخروج منه يجد نفسه قد دخل إليه مرةً أخرى. وتبلغ المسافة من منتصف هذا الفراغ الى احد اطرافه 2.5 كيلو متر.
يصمت الرئيس لبرهه، ثم ينظر إلي بتمعن ويقول: و إحزر كم يستغرق الشخص العادي من الوقت حتى يقطع تلك المسافه سيراً على الأقدام؟

فأجبته بعد ان اصابتني قشعريره من اسفل قدميّ الى أعلى رأسي وقد فُتِحتْ عيناي بكل اتساع: نصف ساعه.

فيومئ الرئيس إيجاباً والدخان يخرج من فمه بكل بطئ.

- يتبع

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Jul 17, 2021 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

المَخْرَجحيث تعيش القصص. اكتشف الآن