إبهام في فم الذاكرة !

4.1K 133 35
                                    

لأننا لا ندرك كل ما نتمناه..

بل إن كل ما نتمناه لا ندركه غالبا .. فإني سأكتب ..

هذا الفعل الوحيد الذي لم يحدث و أن ندمت عليه..

وهو الفعل الوحيد الذي ينجح كلما جرت الرياح بعكسه !

سأكتب بقدر انزعاجي ..

بقدر الأيام التي تنقضي دون اختياري..

بقدر الوقت الذي يتسرب من ثقوب انشغالي ..سأكتب ..

لأن الكتابة هي الحبل الذي تمسكت به ذات سقوط و نجوت..

لأنها اليد التي التقفت يدي لما أفلتني الجميع!

ولا أبالغ إن قلت أنه لولا الكتابة لكنت الآن في مصحة نفسية ..

أو ربما زنزانة !

فإن لكل فعل ردة فعل مساوية له في المقدار ..

معاكسة له في الإتجاه..

والفعل الذي مورس على جسد احتمالي ..

لم يكن يليق به أي ردة فعل أقل من الجنون أو الجريمة ..

ما زلت أسعف أحلامي المختنقة ..

وأجري لها تنفسا اصطناعيا ..

لتصمد في هذه الأجواء الموبوءة بأكسيد الخطيئة !

وأحد أهم أحلامي التي أريد لها أن تصمد هي أنت..

نعم أنت !

أنت الذي أدفعك بعيدا عني.. ثم أبكي غيابك ..

أنت الذي جعلته آخر محاولة لإحياء الحب الميت في قلبي ..

أنت الذي شيدت صروحا على خارطة أملي به ..

أنت الذي يجمعني به كل شيء ..

و يفصلني عنه اتصال!

لاحظ أني أمارس الحماقة نفسها ..

و أتوقع نتيجة مختلفة !

أنا لا أكتب لأملأ الفراغ ..

أنا أصنع الفراغ لأكتب !

إذا كان أقصر الطرق إلى قلبك المعدة - أو أسفل منها -

فإن أقصر الطرق إلى قلبي القلم !

أكره الذين يصنفون الكتابة أنها فضاوة !

أنا أكتب .. إذا أنا أصلي..

لا تقاطعني !!

متورطة بها ..

حتى أن النوم و الوظيفة و الأكل و الاستحمام ..

كلها أصبحت معوقات ..

أنجزها مكرهة على عجالة لأعود إلى الكتابة !

هذا النوع من الكتابة ليس ترفا ..

هذا النوع من الكتابة هو بكاء الأصابع ..

إبهام في فم الذاكرة !

صعقة كهربائية ..

كمامة أكسجين ..

أنبوب يمر بالأنف ..

حقنة متصلة بالوريد !

حانة .. أملأ فيها كأسا تلو الآخر ..

وأبتلعها دفعة واحدة ..

كي يفقد الحزن وعيه و يسقط ثملا أمامي ..

أحمله على كتفي و أغادر !

يكتبون ليصفق لهم الآخرون ..

وأكتب لأن أحدهم صفق على خدي بقوة و رحل ..

يكتبون لتكبر أسمائهم ..

وأكتب أنا ريثما تكبر يا صغيري و تعود ..

أرأيت الفرق؟

أكتب لأني فقدت صوابي في صرخة الوجع الأخيرة ..

أكتب لأن الكتابة لا تستوجب أن أرفع صوتي لتسمعني ..

ولأنها تجعل بمقدوري أن أنتهي قبل أن تقاطعني ..

ولأنك أن أسأت فهمي .. وجدت من يفهمني سواك !

كتبت لأن صوت المرأة عورة!!

أكتب لأن الحياة خارج النص دميمة ..

ولأني أكتب .. غادرني !

تصور ؟

عندما تبعث في رأسك الأسئلة الميتة ..

و تطرق نوافذ فضولك بإلحاح مفاجئ..

وتحرك مقابض أبوابك الموصدة بإحكام ..

ثم لا تجد من يسفعك بإجابة حادة لتقتل بها وحشية الموقف ..

ستجدني قد وضعت لك هذا الكتاب في إحدى المكتبات !

في كل قلب مقبرة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن