يجب أن أراك .....
راحت كارين راد كليف تحملق في البطاقة التي كانت كلماتها تتردد في رأسها بلا أنقطاع , وأنصرفت عن كل ما ألفته من حولها في شقتها الصغيرة , ولم تعد تشعر الا بالصدمة التي أنتابتها وبالبطاقة البيضاء التي دفعت من تحت بابها تنتظر عودتها من جولتها السريعة في السوق التي لم تستغرق أكثر من نصف ساعة , لا بد أنه جاء أثناء ذلك , لقد عاد آرثر وكان هنا!
غاصت كارين بأعياء في أقرب مقعد ,وأرتجفت ساقاها ويداها فجأة حتى كادت البطاقة تسقط من بين أصابعها الواهنة , فماذا يريد؟ ولماذا؟ بعد كل هذا الوقت الذي قارب السنتين من الصمت .
قرأت الجمل الثلاث الموجزة : يجب أن أراك , من الواجب أن تتصلي بي خلال الأربع والعشرين ساعة المقبلة , ( فيستا ) "عيد" حلبة الرقص الشعبي حتى الساعة التاسعة , وبعدها الى البيت: آرثر .
كان الألحاح لمتناهي جليا في هذه الجمل , فتملكها الغضب .
تلك كانت طبيعة آرثر , لا كلمة رجاء في تلك الأسطر السوداء الصارمة , ولا حتى الكلمة التقليدية (من فضلك) , مجرد أستدعاء متعجرف , عاد الى البيت بعد سنتين , بعد كل ما حدث متوقعا أن يجدها مستعدة لأن تهرع لتلبية دعوته.
أنتصبت كارين واقفة تتجلى في عينيها القسوة ,عليها أن تتجاهل هذه الدعوة وتمزق البطاقة , مشت الى النافذة وأخذت تحملق في الحديقة المكسوة بالغبار وقصاصات الشاش حيث الأطفال يتدافعون ويتعاركون أثناء لعبهم , وفجأة فطنت الى أنها كانت تعبث بخاتم زواجها.وراحت ترتعش من جديد , ليس من الصدمة أو الغضب , ولكن من الخوف ,فهل كانت هذه الدعوة تعني أن آرثر غيّر رأية وقرر أن ينشد حريته على الرغم من كل الأيمان التي أقسمها ؟ هل ألتقى بأمرأة أخرى؟
فجأة طرق الباب فأستدارت كارين مجفلة , وتدفق الدم عنيفا في عروقها ,هل هو آرثر ؟ هل عاد؟ ووجدت نفسها عاجزة عن الوصول الى الباب , وطرق الباب ثانية , ثم سمعت صوتا مألوفا يقول متبرما:
" هل أنت هنا يا سيدة راد كليف أنني وحدي على الباب ".
أسرعت كارين الى الباب وفتحته للمرأة السمراء ذات الوجه النحيل التي كانت تقف في الخارج , نظرت السيدة الى كارين وقالت:
" عرفت أنك رجعت يا عزيزتي , فأردت أن أعلمك أن زائرا حضر أثناء غيابك".
" أعلم ذلك ".
وأبقت كارين يدها على الباب دون أن تفسح مجالا لدخول جارتها , فلو فعلت لما خرجت من عندها قبل ساعة .
" هل ترك رسالة؟".
" أظن ذلك, قال أنه من الضروري أن يراك , يا له من رجل فائق الوسامة".
ولمعت عينا السيدة بيجنز وركزت بمرفقها ذراع كارين .
" جسيم , أسمر ووسيم , له نظرة تجعل المرأة تشعر بالرغبة الى....".
ووكزتها ثانية:
" أنت تعرفين!".
لم تبتسم كارين وأكتفت بأن هزت رأسها قليلا , كانت أعرف النساء بما لنظرة آرثر من تأثير , ولكنها أحست بشيء من الأشمئزاز وهي تسمع السيدة بيجنز تصف نظرته بتلك التلميحات الخبيثة , وتنهدت السيدة بيجنز بعد أن فشلت مداعباتها بأن تثير لدى الفتاة الشاحبة المتوترة أية أستجابة ثم أردفت:
"من المؤسف أن أفتقدته طيلة هذه المدة , دعوته أن ينتظرك عندي لكنه أعتذر , لا بأس ما دام قد ترك لك رسالة تحت الباب ".
فأجابتها كارين ببرود:
" أشكرك سيدة بيجنز على مجيئك لأعلامي , وعلى دعوتك أياه للأنتظار عندك , أسمحي لي الآن فأمامي عمل كثير".
خطت خطوة الى الوراء وبدأت بأغلاق الباب , فتراجعت السيدة بيجنز ومعالم الحيرة تبدو على وجهها , أغلقت كارين الباب وهي تتمنى- وليس للمرة الأولى – لو أنها أفلحت في أيجاد سكن لها في أي مكان آخر غير شقتها هذه لدى السيدة بيجنز , صحيح أن الشقة الصغيرة كانت مقبولة , وأجرتها في حدود الميزانية وصاحبتها على قدر كاف من الطيبة , ألا أنها كانت فضولية الى حد لا يطاق , تراقب حركاتها وسكناتها وتسجل عليها بعين الريبة الزيارات القليلة التي كان يقوم بها بعض معارفها ومع هذا فأنها تعرف أن من يبحث في لندن عن مكان يعيش فيه كمن ينقب عن الذهب في الأرصفة , لذلك أعتبرت نفسها محظوظة أن وجدت لها ملاذا في منزل السيدة بيجنز على ما هو عليه من مظهر وضيع وطلاء مشوه.
ولم يكن خارج المنزل أفضل مظهرا من داخله , حيث كان ولدا السيدة بيجنز الشديدا الصخب يتعاركان ويتشاجران معظم الوقت , ولكن كارين كان بأستطاعتها أن تغلق بابها بوجه الضجيج ورائحة السمك والبطاطس المقلية التي كانت تنبعث من الأسفل , وكانت تعتبر نفسها محظوظة أيضا لكونها تسكن على مقربة من طريق النفق الأرضية التي كانت تصلها بمقر عملها في المدينة ,حيث بدأت تعيد بناء حياتها من جديد , بعد أن مرت بأعصب تجربة في سنواتها الأثنين والعشرين.
أخذت كارين تعد وجبة طعامها , يساورها شيء من القلق وهي تحاول أن تجد تفسيرا لتلك البطاقة الصغيرة البيضاء , التي بدت وكأنها تملأ أرجاء الشقة كلها , فماذا تعني عودة زوجها بعد غيبته الطويلة ؟ ليس هناك ألا جواب واحد على سؤالها , هو أنه ألتقى بأمرأة أخرى , أن السنتين اللتين أمضاهما بعيدا كافيتان ولا شك لأن يلتقي بالكثير من النساء , حتى ولو أنه أمضى الجزء الأكبر من هاتين السنتين في جنوب أميركا , فلكم كانت النساء تتجمع حوله كتجمع الفراشات حول اللهب.
أنت تقرأ
غفرتُ لك !
Romanceمن منتديات روايتي الثقافيه غفرت لك - مارغريت هيلتون- روايات عبير القديمة الملخص الاخلاص فضيلة كالذهب, نبحث عنها ونادرا نجدها .ولكن الاخلاصايضا بوصلة عمياءوسط البحار قد تقود صاحبها الى شواطئ غير مرغوب فيها, كأية فضيلةأخرى يساء فهمها. كارين رادكليف...