7_ أبرة الشك

2.8K 66 0
                                    


من حظ كارين أن ذلك اليوم كان يوم عمل للجميع , أذ أنشغل كل أنسان في ما يخصه من عمل , أنهمك آرثر في أصلاح ستائر النافذة , فجأة عبس وهو ينظر من زجاج النافذة المغبرة وسمعته يقول:
" أرجو ألا تتجمد وهي تعمل في الخارج , يا ألهي ... أنها تركع على ركبتيها تنتزع الأعشاب الضارة!".
أقتربت كارين من النافذة , كانت أليزابيت حقاتعمل في نزع الأعشاب الضارة التي نبتت بين شجيرات الورد المحيطة بالحوض الدائري في الناحية البعيدة من الحديقة , وكانت تمزي تقف الى جوارها تتفحص شجيرات الورد , وتقدم النصائح الى أليزابيت الراكعة على ركبتيها .
راقب آرثر المشهد لعدة لحظات ثم نظر الى كارين قائلا:
" هل تعدينني شيئا يا كارو؟".
" أذا كنت أستطيع".
" أعرف أن آخر شيء يمكن أن تشكرني أليزابيت عليه هو أن أعاملها كطفلة مدللة , ولكن ليس بوسعي الكف عن القلق من أجلها , فهل تحاولين أقناعها بأن تعتني بنفسها ولا تعمل فوق طاقتها عندما أكون غائبا عن البيت؟".
" بالطبع سأفعل .... ولست بحاجة للتوصية , لكن هل تظن من الحكمة أن نفعل ذلك؟ أنها ولا شك أفضل من يحكم على مدى أحتمالها لما تقوم به من أعمال , وأعتقد أن عليك أدراك ذلك يا آرثر , وألا فأنك ستقوض ثقتها بنفسها والشجاعة العظيمة التي تمتلكها".
تنهد آرثر وسأل:
"كانت تحدثك بشؤونها , أليس كذلك؟".
" نعم".
" هكذا ظننت , حسنا , لن ألزمك بأن تخسري الثقة التي وضعتها فيك , لكن تذكري ... أنا أعتمد عليك يا كارو".
كان في لهجته شيء من التحذير ,ولمحت ذلك التحذير ثانية في عينيه صبيحة اليوم التالي قبل مغادرته البيت ,عندما عانق أليزابيت وألتفت اليها.
أحست بالتوتر , خشيت أن يمثل دور الزوج المحب فيودعها توديعا حارا أمام أليزابيت , وكأنما تكهن بما كانت به , فلم يشأ أن يحرجها وأكتفى بأن أمسك ذراعها وأبتعد بها نحو السيارة قائلا:
" لا تنسي تعليماتي ".
أومأت برأسها قائلة:
" لا حاجة بك الى القلق".
" سأتصل بك هاتفيا هذه الليلة , أنهم جميعا ينتظرون مني أن أفعل ذلك , وينتظرون مني الآن أن أفعل هكذا ...".
وقبل أن تفطن الى ما يعنيه , أحنى رأسه وشدها الى صدره بقوة وعانقها بحرارة , وعندما أبتعد عنها تمتمت من دون أن تنظر الى عينيه :
" لا تقلق , سوف نعتني بأليزابيت".
ألقى حقيبة يده داخل السيارة وجلس وراء المقود قائلا:
" سأعود يوم الثلاثاء على أبعد حد".
بعد لحظة كانت السيارة تنطلق به , وقفت كارين التي فاجأتها معانقته , تراقب السيارة حتى أختفت عن الأنظار , ثم تمالكت نفسها ورجعت الى البيت.
شعرت بالفراغ منذ اللحظة الأولى التي وطأت قدماها دلرسبك , والآن سيطر عليها شعور بالوحدة بسبب ذهاب آرثر , لكنها حاولت أن تقنع نفسها أن أمامها بضعة أيام من الطمأنينة تستطيع فيها أن تعوّد نفسها على معايشة محيطها الجديد ,وتستقر فيه بغض النظر عن نصل العذاب المغروس أبدا في جسمها , ألا أنها كانت تتمنى في قرارة نفسها لو أن آرثر لم يغادر البيت , أو على الأقل لو بقي حتى وصول أخته واللقاء الأول بعد سنتين من الغياب.
حاولت كارين أن تسيطر على القلق الذي تملكها بأقتراب يوم الجمعة , أذ ليس من سبب يدعوها أن تخشى الألتقاء بأبنة أليزابيت ,أن ليزا لا تدري شيئا عن الصدع الذي أصاب زواج أخيها بالتبني , حتى لو علمت فليس من المحتمل أن توصل هذه الحقيقة الى أمها , ذلك أنه مهما كانت أخطاؤها فحبها وأحترامها لأمها لم يكونا موضع شك , وآخر ما يمكن أن تتمناه هو أن تسبب لها الأذى , مع أنها كانت مطمئنة , لذلك ... ألا أنها أحست بالبرودة تسري في يديها ,وبالرعشة تتمشى في أوصالها عندما شاهدت سيارة المرسيدس البيضاء الكبيرة تقترب من البيت بعد السادسة من مساء يوم الجمعة.
كان كليف طويل القامة نحيلا له شعر فضي ووجه نحيف ,نزل من السيارة يراقب زوجته التي كانت تفتح ذراعيها لملاقاة الجميع وهي تصيح:
" ماما يا حبيبتي".
كانت لا تزال جذابة كعهدها , طويلة ,رشيقة ,نحيلة القد , ترتدي ثوبا صوفيا قرمزي اللون , وعلى شعرها القصير الأشقر قبعة جلدية بلون ثوبها.
تقدمت ليزا من كارين فاتحة ذراعيها وعانقتها وهي تقول:
" هالو.... كارو حبيبتي ,ما أجمل أن أراك ثانية".
ثم نظرت حولها وسألتها:
" لكن أين آرثر؟".
" رجع الى لندن".
" كيف يجرؤ أن يغيب وهو يعلم أنني قادمة؟".
أسرعت أليزابيت بالجواب قائلة:
"توقع ألا تتأخري حتى اليوم , لكن تأخرت فأضطر الى الذهاب وسيعودالثلاثاء".
دخل الجميع الى البيت وتطوعت كارين بأرشاد كليف وزوجته الى غرفتهما التي أخلتها هي وآرثر من أجلهما .
كانت نهاية الأسبوع متعبة بالنسبة الى كارين , في مساء السبت أتصل آرثر بالهاتف , فأخبرته كارين بمجيء أخته وزوجها وعن خيبة الأمل التي أصابت أخته بسبب تغيبه عن البيت , فقال:
" أوه , لم يكن لدي متسع من الوقت لأعلامها عن أضطراري للسفر , هل هي عندك الآن؟".
" كلا , ذهبت برفقة كليف في جولة قصيرة".
" هل بدأت تشعر بالضيق في دلرسبك؟".
" لا أعتقد ذلك , يبدو أنها سعيدة جدا لكونها في البيت ".
" حسنا يكفي هذا الآن والى اللقاء يوم الثلاثاء".
كان ذلك كل شيء , وضعت كارين السماعة ببطء , لم يكن لمشاعرها أية أهمية لدى آرثر ,حتى ولم يتظاهر بذلك على الهاتف أثناء مكالمته , لكن أليس من الحماقة أن تتوقع منه شيئا من هذا القبيل ؟

غفرتُ لك !حيث تعيش القصص. اكتشف الآن