4_ حديث على الجسر

3.1K 75 1
                                    


في اليوم التالي بدأ السفر الى الشمال وكأن ليس له نهاية , أنطلقوا تحت شمس ساطعة بعد غداء مبكر , وبعد أقل من أربعين ميلا الى الشمال من لندن , تلبّدت السماء بالغيوم وأنهمر المطر مدردرا , وأخذت قطراته تتناثر على نوافذ السيارة بلا توقف ,وبعد ذلك بقليل وجدوا أنفسهم يعبرون سيلا أعترض طريقهم وجعل السيارة تخفف من سرعتها وتتباطأ شيئا فشيئا".
صعوبة القيادة في هذه الأحوال منعت آرثر عن الكلام ,لكن لحسن الحظ لم يظهر على أليزابيت وماجدا اللتين جلستا على المقعد الخلفي أي أثر للأنزعاج , ماجدا المرأة البدينة الممتلئة حيوية التي كانت في الستينات من عمرها أنعشتها فكرة العودة الى موطنها في يورك شاير , وكانت تتحادث مع أليزابيت بسعادة ألهتها ن الوحل في الطريق وعتمة الجو في الخارج , وغاصت كارين في مقعدها الأمامي فريسة لوحشة أفكارها التعسة.
حاولت كارين كبت تثاؤبها , أذ جعلها دفء السيارة تدرك مقدار ما تعني من الأرهاق وما تقاسي من أنهيار معنوياتها , نظرت من النافذة الجانبية , فلاحظت أن المطر بدأ يخف , وأن الجو أخذ يميل الى الصحو , وتلون الأفق بلون نحاسي , فأذعنت للتعب وتركت جفنيها يتهدلان , لكن ذلك لم يدم سوى لحظات , أجفلت بعدها على صوت قرقعة مجلجلة وسمعت أليزابيت تصيح:
" لا تكن عنيدا هكذا يا آرثر... لا يمكنك الأستمرار في هذا الجو!".
كانت تهب عليهم في تلك الأثناء عاصفة عاتية جعلت السماء سوداء كأنما لفها ليل دامس , تشقها بين الحين والحين شروخ هائلة من البرق تقطعها أصوات الرعد المنذرة بالتشاؤم.
أجاب آرثر:
" لا يمكنني التوقف هنا , ضعوا أيديكن على آذانكن مسافة بضعة أميال أخرى".
تحولت الطريق الى نهر هادر يتألق تحت أنعكاسات أنوار السيارة الأمامية , جلست النساء يخيم عليهن الصمت الى أن لاحت بعد بضع دقائق أنوار محطة للوقود , أنحرف آرثر الى الطريق الجانبية المؤدية اليها , وأندفع الجميع للألتجاء في مقهى المحطة , شربوا الشاي هناك وتسلوا ببعض قطع البسكويت لينتظروا خمود العاصفة.
وتكلمت أليزابيت قاطعة جمود العاصفة:
" يبدو على كارين التعب ".
لم تنتبه كارين الى ما قالته اليزابيت ,ولكنها سمعت آرثر يجيب بغير أكتراث:
" كارين بخير , أليس كذلك يا كارو؟".
فأنّبته اليزابيت قائلة:
" لم تتغير يا آرثر فما زلت عديم الرحمة! ألا ترى أنها شاحبة كالشمع ؟".
ضحك آرثر ضحكة فاترة وألقى ذراعه حول كتفي كارين وقال:
" هل خفت من الرعد يا حلوتي؟".
كان بود كارين أن تتخلص من ذراعه , ولكن كان عليها أيضا أن تستمر بتمثيل دورها , فأصطنعت أبتسامة وقالت:
" كلا يا آرثر .... أنما قيادتك هي التي أخافتني ".
ضحكت أليزابيت , وسحب آرثر ذراعه بشيء من العجلة وقال:
"حان الوقت للتحرك , هل ترغب أحداكن بشيء آخر؟".
لم تبد على أحداهن الرغبة في أية حاجة , وتحرك الجميع ليواجهوا هبات الريح الماطرة.
كانت الساعة تقارب الخامسة عندما ظهرت أمامهم اللوحة البيضاء القديمة التي تشير الى دلرسبك , وبعد معاناة شاقة برزت الشمس عندما كانت السيارة تعلة قمة المرتفع عند رأس الوادي ,وهناك , غير بعيد عن الأرض المنخفضة كانت تستلقي دلرسبك الخضراء الوادعة ,وبدأت الطريق الشهباء المتموجة بين الحقول والبساتين الخضراء تتلوى أمامهم , ثم تجاوزوا الدور المبنية من الحجارة , ذات السطوح المبلطة بالبلاط الأزرق ,وبعدها مروا بالبيوت الريفية البيضاء المنثورة على الوادي , وهبطوا الى القرية التي كانت بيوتها تلتف حول الفندق الأسود القديم المسقوف بالخشب الأبيض ,ثم عبروا الجسر المحدّب فوق النهر.

غفرتُ لك !حيث تعيش القصص. اكتشف الآن