أمضت كارين ليلة أرق مضنية بدت وكأن ليس لها نهاية , تلاشى فيها كل أمل بالنوم , حتى حبة المنوم التي أعطتها أياها الممرضة الليلية كان تأثيرها محدودا , فلم تنم كارين أكثر من ثلاث أو أربع ساعات نوما متقطعا لم يقو على التخفيف من وطأة ما كان ينتابها من أرهاق جسدي وأجهاد عقلي , في بعض لحظات سباتها كانت تطوف في مخيلتها صور تعاسة زواجها , وفي لحظات أخرى كان ينقلها خب=يالها الى عالم مستقبلها المجهول , حيث لم تلحظ فيه الا النزر اليسير من الصور المليئة بالوعود ,وعندما حضر الطبيب في الصباح ورأى اللون المحموم الذي يضرج خديها , تلاشت أبتسامته , وقال:
" سمعت أنك أمضيت ليلة مضنية".
حاولت أن تبتسم , وأشارت بيدها الى يدها المجبسة قائلة:
" لم أعتد على هذا بعد".
" سيعوق حركة يدك بعض الوقت".
ثم فحص أصابعها المتورمة وسأل:
" هل تشعرين بتصلبها ؟ سنعمد الى شق الجبس عنها أحيانا , الآن دعيني أفحص بقية الأصابة".
بعد أن أنهى فحوصه أعاد الأغطية عليها , وعبس قائلا:
" هل هناك ما يقلقك؟ سيدة رادكليف؟".
وجه سؤاله بلهجة ذات مغزى , فألتفتت اليه وهزت رأسها بالنفي , ما الفائدة من أخباره بقصة زواجها المهشم؟ وبأن كل يوم مر ويمر عليها مع آرثر ما هو ألا دور في تمثيلية مزيفة؟
وتابع حديثه بلطف:
" غالبا ما يعاني المريض من بعض المشاكل كما تعرفين , وأكثر ما نخشاه هو أن تكون تلك المشاكل سببا من أسباب أعاقة سرعة الشفاء , لا تترددي في طلب أية مساعدة تشعرين أن في أستطاعتنا تقديمها".
أثرت فيها كلماته الرقيقة الدمثة , فوجمت عن الكلام لعدة لحظات وقد غصت عيناها بالدموع فأشاحت بوجهها عنه , آلمها كثيرا أن يهتم أنسان غريب بما يقلقها ويخيفها بينما آرثر , زوجها , لم يبد ذرة مهما كانت ضئيلة من الأسف والأهتمام.
سمعت صوت الطبيب يكلمها:
" أسمعي , نحن لا نجعل مرضانا يبكون !".
مسحت عينيها وهي تقول:
" أذن لن أسمح لنفسي أن أخرق تقاليدكم".
" حسنا , ستتحسنين بسرعة على ما أعتقد , وسننقلك الى القاعة الكبيرة الآن , وجودك مع مجموعة من المريضات سيفيدك جدا ".
أبتسم لها مشجعا , وأنصرف تاركا الممرضة تساعد كارين على الأنتقال الى القاعة.
حضر آرثر في المساء لزيارة كارين يحمل بعض الزهور والفواكه , وتصحبه ليزا , ألتفتت اليها عيون الممرضات وهي تسير ببطء بين صفوف الأسرة , كانت في كامل زينتها لا يبدو عليها أي أثر من آثار المرض الذي كانت تعني منه خلال الأسبوع المنصرم , مشت يتبعها آرثر يحمل في يده معطفها الجميل .
قبلت كارين قبلو مجاملة , وتبادلت معها بعض عبارات الممازحة التقليدية ... أما آرثر فأنه وقف قليلا ثم بدا عليه الأنزعاج من الأصوات العالية التي كانت تصدر عن زائري المريضات الآخر , فأعتذر قائلا:
" سأترككما تتحدثان , حسنا؟".
هزت كارين رأسها , لم تكن ترغب أن يمكث معها ويبادلها الحديث , خاصة في غياب أليزابيت , أما ليزا فأنها جلست الى جانبها يبدو عليها الضيق , تحدثت عن الأيام المملة التي أنقضت في دلرسبك , وتجنبت الحديث عن مشكلة الحمل التي كانت تعاني منها , فسألتها كارين:
" هل أخبرت أمك بالأمر؟".
رمشت عينا ليزا ثم بان عليها العبوس وهي تقول:
" ماذا؟ نعم أخبرتها هذا الصباح , حادثتك المؤسفة وزيارتها الخاصة للمستشفى أستأثرا بكل حديثها أمس , كما شغلتها زيارة صديقها هيرلندنر بعد الظهر".
" هل أستثارها الفرح؟".
" لزيارة صديقها الألماني؟".
" كلا , أقصد الطفل طبعا".
" تستطيعين القول أنها كادت تطير من الفرح , أما بالنسبة لي فأنه سيدهشني كثيرا أذا أستطعت أن أتحمل هذه الحالة مدة أسبوع أو أثنين ".
ثم نظرت حولها بنفاذ صبر وسألت:
" أين ذهب آرثر ؟".
لم تجبها كارين على سؤالها , بل أختلست نظرة الى ساعة القاعة , مع أن ساعات الزيارة كانت أحلى الساعات بالنسبة الى المريضات , غير أنها تمنت لو أن هذه الزيارة أنقضت قبل أن تبدأ , كما أنها كانت متأكدة بأن ليزا تمنت الأمنية ذاتها.
أنحنت ليزا أخيرا نحو كارين وهمست:
" هل تتأثرين لو أن آرثر أعادني الى البيت قبل أنتهاء وقت الزيارة؟ المستشفيات تثير أعصابي".
هزت كارين رأسها , وأندست متعبة تحت أغطية سريرها , ثم أدارت وجهها على ليزا قائلة:
" بدأت أشعر بالأعياء , أشكرك لهذه الزيارة , أبحثي عن آرثر فقد تجدينه يتحدث الى الممرضة , أو يقف بجوار سارته , أخبريه بألا حاجة لأزعاج نفسه بالدخول ليقول لي طابت ليلتك".
أغمضت عينيها , وترددت ليزا قليلا قبل أن تحمل محفظتها نحو باب القاعة , وظلت كارين مصرة على أغماض عينيها فلم تشاهد ليزا وهي تلتقي بآرثر عند الباب , ولم ترها وهي تدس يدها تحت ذراعه تحثه على الأبتعاد.
أنت تقرأ
غفرتُ لك !
Romanceمن منتديات روايتي الثقافيه غفرت لك - مارغريت هيلتون- روايات عبير القديمة الملخص الاخلاص فضيلة كالذهب, نبحث عنها ونادرا نجدها .ولكن الاخلاصايضا بوصلة عمياءوسط البحار قد تقود صاحبها الى شواطئ غير مرغوب فيها, كأية فضيلةأخرى يساء فهمها. كارين رادكليف...