التقيت بفريال لتسلمني نسخة من فسخ عقد حازم مع شريكه واسلمها انا شركتي حازم لها بعد ان سرقته سهر لي من مكتبه .. اثناء جلوسي معها رن هاتفي كان كمال المتصل فتجاهلت المكالمة .. اتصل مرة اخرى .. مرارا وكرارا فنهضت مستئذا منها لأبتعد قليلا : هلا كمال .
جائني صوته المضطرب على غير الطبيعي : علي تعال بسرعة .
شعرت ان هناك شيئا غبر طبيعيا قد حدث .. انطلقت بسرعة لأذهب للمنزل ولكن في طريقي اتصلت بسهر !.. سأجن ان اصابها مكروه ..
اجابتني وهي في منزلها : حبيبي .
وكأن ماءا باردا انسكب على قلبي لأغمض عيني قائلا : انتي بخير ؟.
اجابتني باستغراب : اي حبيبي .. بخير .
قلت على عجل والسيارة تقترب من منزلي : الحمد الله .. اتصلج بعدين .
انهيت المكالمة لأترجل وانا اشعر ان اطرافي ترتعش .. ثمة شئ مريع ساواجهه .. دلفت للداخل وسرت متجها للحديقة لاجد كمال يحيط بالرجال !.. بلعت ريقي وانا اتوقف في مكاني .. بدأت ضربات قلبي تبطئ .. خائفا من معرفة مايدور !.. انتبه كمال لوجودي والجميع ليفسحوا عن الدائرة التي صنعوها بأجسادهم .. اتسعت حدقتا عيني وانا ارى للجثة الممدة على الارض التي تغطى بغطاء ابيض .. جف حلقي من شدة الرعب .. سرت بخطوات بطيئة وكأنني مشلول حتى وصلت بقرب الجثة .. اخاف ان افجع بهويتها .. انحنى احد الرجال ليرفع الغطاء وتظهر منار مقتولة !!..
بقيت متجمدا في مكاني !.. الهواء كاد ان ينفذ من رئتي .. انحنيت لأمد يدي وهي ترتعش لألامس عيناها المغمضتان ... انتهت حياتها وهي تحاول ان تقاتل .. تحاول ان تسترد حقها ممن ظلمها .. ماذنبها هي في هذه الحكاية برمتها !.. عانت كل هذه المعاناة لأنها ارادت ان تعيش كأي فتاة اخرى .. ارادت الخروج من اقليم القمامة .. شعرت بيد كمال تربت على كتفي .. نهضت لألتفت اليه .. رأيت عيناه تلمعان .. احتضنته لأني بحاجة لأبي .. بحاجة اليه .. ابتعدت لأتنهد قائلا : الليلة رح ينتهي حازم .. بدون تخطيط .. بدون ترتيب .. خلي يشوف العشوائية شلون تنتقم .
....
ليلا اتجهنا الى الاقليم السادس .. عدنا لوطننا القذر مجددا .. عدنا للقمامة مرة اخرى .. لم اشأ ان اخبر سهر عن ما سأفعله كي لا تقلق ..
تذكرت اخر مرة كنا انا وسهر على هذه الارض .. لحسن الحظ كنا انا وسهر خارج المنزل في احدى الامسيات .. عند دخولنا لشارعنا وجدنا اكتضاض غير عادي .. الاهالي تتجمع في مكان ما .. تسارعت خطواتي وانا ممسك بيد سهر لأدخل بينهم واتجاوزهم لافجع !.. صرخة سهر افزعتني لأدرك حقا ان منزلنا كان يحترق فعلا !.. كانت النيران تخرج من الابواب والنوافذ !.. كل شئ بنيناه في الداخل قد حرق !.. حاوطت كتفها بذراعي بينما هي تنتحب ... ولأن العمر لحظة وينتهي !.. فخلال لحظة من صدمتنا صوت مدوي بدأ يخترق اذاننا .. صراخ يحاوط بنا .. والناس تتنافر في جهات معاكسة .. ادركت اقتحام الشارع لسيارات يرتادها اشخاص ملثموا الهوية يطلقون النار على الجميع .. امسكت بيدها بقوة لأصرخ بها : اجري .
بدأنا بالجري ونحن نندفع بين الناس متلافين الطلقات النارية التي بدأت تتطاير مع الهواء .. اخرجت مسدسي لألتفت وابدأ بطلق النيران عليهم وفي ذات الوقت احاول انقاذ سهر .. حتى شعرت فجأة ان يدها قد اصبحت ثقيلة .. نظرت اليها لأراها وهي تسقط بعد ان اصابتها طلقة نارية في ساقها .. سقط المسدس مني وانا احملها لأجري بها وادخل في احدى الدهاليز .. وضعتها جانبا وهي تبكي .. لأرفع ساقها التي اصيبت بجرح سطحي فقط .. قطعت جزءا من قميصي لأشد بها ساقها .. حملتها ونحن نسمع اصوات قريبة منا .. لنخرج من المكان .. كان المنطقة كلها محاصرة برجال حازم .. حتى وجدت مخزنا قديما .. دخلنا الي واغلقت الباب خلفنا .. وضعتها على الارض لأخرج هاتفي وقلبي يكاد ان يخرج من مكانه .. اتصلت بكمال الذي اجابني قائلا برعب : الحمد اللله انك بخير .
قلت له بسرعة : شوفي وين موقعي وتعالي .. سهر دتنزف .. ومادري شقد ويوصلولنا .
قال لي وهو يحاول ان يطمئنني : لتخاف هسة بس دنحاول ندخل المنطقة محاصريها اصبروا شوي .. قول يا الله .
قلت خلفه بأيمان : يا الله .
....
عدت من ذكرياتي على صوت كمال الذي يجلس بجانبي في السيارة .. قال لي : سدينا الحدود .
اخذت شهيقا لأدفعه دفعة واحدة للخارج قائلا : الرياجيل جاهزين !.
اومأ برأسه قائلا : ينتظرونا هناك .
واتجهنا الى المبنى الخالي الذي يضع به حازم ماله .. بعد ان قمنا بغلق الحدود بالتعاون مع بعض رجالي هناك كي لايدلف للاقليم السادس ... توقفت سيارتنا عند اسطول سياراتنا التي احاطت بالمبنى .. حيث بدأ حراس حازم بالتجمع قلقين ..
ترجلت من السيارة برفقة كمال لأجد رجالي يقفون مستعدين لمواجهتهم .. توقفت امام رجالي لأصرخ بصوت عالي ليسمع حراسه لي : المبنى حيتفجر .. الي ميريد يتأذى يعوف سلاحه ويجي ..
صرخت بصوت اعلى : خلال دقيقتين .. اذا ماتتركون مكانكم رح تموتون .. ومحد يقدر يحميكم .
بدأوا يتلفتون حول انفسهم ويتهامسون .. نظرت لساعتي لأرفع بصري اليهم وارفع سبابة يدي قائلا : مرت دقيقة !.
ترك البعض اسلحتهم على الارض وساروا رافعين ايديهم للاعلى مستسلمين .. قلت للبقية : حتصير دقيقتين !.
استسلم البقية ليصبح المبنى فارغا تماما .. اشار كمال لبعض الرجال الذين اوكلناهم بعمل ما بالتحرك .. دلفت مجموعة للداخل ...
اتذكر عندما سألني كمال ونحن نخطط لاقتحام المبنى : وشنو حتسوي بعد ماتدخل المبنى !.
اجبته قائلا : نفجره .
نظر لي بدهشة حينها لأنني بعد موت منار قررت ان افجر المبنى بأكمله .. بعد ان كنت افكر ان استولي على ماله .. ولكن لن ادع جفناه يغفيان الليلة ..
خرج رجالي من المبنى بعد ان وزعوا القنابل التي سرقناها من مصنع اسلحة شريك حازم .. ابتعدنا لمسافة ابعد .. اشرت لأحد رجال لأتنهد .. ناظرا للمنظر الذي بات مكررا بالنسبة لي حتى اعتدت عليه .. نور ساطع اضاء الظلام الذي صبغ السماء .. شئ دفعنا قليلا بهواء وضغط .. كتلة نار تكونت وخرجت من النوافذ والابواب .. ثم صوت عال ضغط على اذاننا ..
التفت لأنظر لكمال الذي بدأ يشاهد المنظر وهو مبتسم مستمتع ...
....
عدت للمنزل لأسترخي بجسدي بعد هذا اليوم الطويل في احضان سهر .. وانا اضع رأسي على فخذيها وهي تمسح على رأسي .. مازلت اعجز عن الاستمتاع .. اعجز الاحساس بالراحة .. اشعر ان صدري يضيق بي .. قالت وهي تلامس وجههي بنعومة : اعتقتد ان الامر انتهى !.
رفعت رأسي قليلا لأنظر اليها قائلا : لا .. هذه البداية .
قالت لي : واذا عرف مكانك !.
ضحكت ساخرا : هههه ناوية تبلغين عني !.
- ههههه احتمال .
احتضنتني قائلة : حبيبي لازم تنام .
حركت رأسي نافيا : لا ماريد .
...
ولكن هي استمرت بالمسح على رأسي طوال الليل حتى ارتخى جسدي بالكامل .. فلم اشعر بنفسي وانا اغفو في احضانها ...
افقت في اليوم التالي على صوت سهر وهي تحاول ان تحركني قائلة : حبيبي .. علي !.
فتحت عيني بتعب ناظرا اليها وانا مازلت لا اعي للعالم الذي حولي .. قال لي وهي تمد الهاتف : كمال يريدك .
عقدت حاجبي لأنهض قليلا ناظرا حولي : وينه !.
ابتسمت هي قائلة : ههههه بالموبايل .
اخذت الهاتف منها لأجيب : مممم !.
سمعت صوت تنفسه الغير منتظم .. المضطرب !.. شئ اثقل صدري من سنخسر هذه المرة !..
قال لي دفعة واحدة : امك ماتت .
!!..
وجدت نفسي انظر لسهر فجأة .. امسكت هي بيدي وهي تراقب ملامح وجهي التي ذبلت .. سألته ببرود : شلون ؟.
اجابني قائلا : حازم لمن درى ان فريال اخذت شركاته قتلها .. بالمقابل سعيد وجهله نفس الضربة ودز ناس يقتلون امك الي هي بمكانة عشيقته .
!!!..
انهيت المكالمة دون ان اتحدث او اتفوه بكلمة واحدة .. سهر لم تسألني بل غمرتني في احضانها .. مسحت على ظهرها وانا مازلت مصدوما !!.. قائلا : كان كمال دائما يردد دعاء اللهم اضرب الظالمين بالظالمين واخرجنا منهم سالمين .. وها هو دعائه يجاب هكذا !..
لا يمكنني ان اصف شعوري .. من المفترض ان اكون حزينا !.. ولكنني لست كذلك .. انا مذهول لما حدث لها .. للعدالة التي تحققت دون ان يكون لي يدا فيها !... كأن الله عفاني من سخطي لها وانتقامي منها ليفعل هو بها ذلك .. لأتجرد من تلك المواجهة الصعبة بين الام العاق وابنها !..
...
مر اسبوع وانا مازلت معها .. بعد ان ابلغنا السلطات المسؤولة عن الاقليم الثاني ان حازم قد فقد ثروته .. لأن احد اهم القوانين في الاقليم الثاني هو عندما يعلن احدهم افلاسه يتم اجباره بالخروج من الاقليم الثاني ونفيه للاقليم السادس وهذا ما اردته منذ البداية ... من جهة اخرى كان كمال يبلغني انه حازم يكاد ان يجن وهو يبحث عن ... وهو غبي لم يفكر في البحث عني في غرفة ابنته في منزل وانني قريب منه لدرجة لاتصدق !..
نهضت سهر من مكانها وهي تنتفض امامي بعد ان سمعنا صوت صراخ والدها وتحطم اشياء في المنزل .. همست الي قائلة مشيرة للخارج : اطلع اشوف !.
اومأت برأسي .. خرجت من الغرفة لتغلق الباب خلفها ..دقائق مرت فأعارني الفضول لأفتح الباب بحذر واخرج من غرفتها .. سرت بخطوات متوجسة سائرا بأتجاه سور السلم لأنظر للاسفل وهو يصرخ بها ممسكا بورقة قائلا : هذا اخطار لنترك الاقليم .. ارأيتي مافعله زوجك !.
ابتسمت لأقول وانا في الاعلى : مفاجأة !.
صدم وهو يرفع رأسه ويراني الوح له بيدي .. ابتسمت لأنزل عبر السلم قائلا : هههه متوقعت اكون هنا !.
التفت لسهر ليصفعها بقوة ويرميها على الارض : دخلتيه بيتنا ياحقيرة !.
بسرعة انقضضت عليه لألكمه على وجهه واسقطه ارضا .. نهضت سهر وهي تمسك بيدي .. قهقهت ساخرا : تخيل انك رح تروح الاقليم السادس .. صراحة اني فكرت هواي اني اقتلك بس الموت ارحم من الي حتشوفه هناك .
ابتسم وهو ييحاول النهوض قائلا : مرح اخليك تفرح بأنتقامك .. مرح اخليك ترتاح .. ولا انولك الي ببالي بانك انتصرت علية ..
قهقه بهستيريا لكمل : مرح اخليك تاخذ حق ابوك .. ولا احد يشوفك بطل !.فجأة اخرج مسدسه من خلف ظهره ليصدر صوتا عاليا .. في لحظة واحدة ينتهي كل شئ !.. لحظة كانت فارقة !.. لحظة غيرت الكثير ..
صوت ارتطام على الارض .. دماء بدأت تتدفق وتلطخ السيرامك الابيض .. صراخ والدة سهر بدأ يعلو .. بينما هي بقيت متوقفة بجانبي عيناها تتسعان بصدمة وهي تراه انهى حياته امامها بلمحة بصر !...
كان جبانا حتى عند موته .. اختار الانتحار عن المواجهة .. عن تحليه بالرجولة ولو لمرة واحدة !.. عاش ظالما وتوفي كافرا !.. ملعونا !.. وكأن لعنات المظلومين بسببه لم تكفه ..
!!!..
ابي .. جدتي .. منار .. جميعهم سينامون الليلة .. سيرتاحون الليلة .. ستبرد قبورهم ..
وهنا تيقنت ان دعاء سهر لي كان مجابا .. عندما كنت اسمعها تدعو في صلاتها ان يجيرني من اي ذنب عظيم .. ان ينصرني .. وان يطهرني من هذه القذارة التي احاطت بي بهذا العالم !.. او ان الله احبها هي ليجعلني لا اخوض القتل وتخض هي حيرة بين والدها وقاتله !.. فأختار له هذه النهاية .. او ان ملك الموت قد جزع من ظلمه وتسرع في قبض روحه ..
ولكن شئ مؤكد وحتمي .. هو ان حازم قد بلغ مرحلة من الفجور ليسقط بعدها بلا حول ولا قوة !..
....
ولكننا لم ننتهي الى هنا .. ومابيني ومابين سهر وعلاقتي بأرضنا مازالت قائمة .. مازلنا مقسمين .. مفككين .. بأقاليم !.. مازالت بيننا حدود !.. ومازال العراق العظيم في سباته لم يستيقظ بعد ..
الرحلة في بدايتها !...
....
تمت الى هنا !..
ولكن لقائنا بكم سيتجدد في الجزء الرابع من السلسلة ..
نهاية الجزء الثالث \ اقليم القمامة ...