prat16

4.7K 151 17
                                    

في ذلك المساء ،ارتدت ثيابها وزينت نفسها بعناية واهتمام . انها ليلته الأخيرة في الجزيرة ، اذ انه سيتوجه الى لندن صباح اليوم التالي للتحقق من امر الشقة ولاعداد بعض الاوراق الضرورية لزواجهما. وسوف يعود في وقت لاحق من الاسبوع ليأخذ الجميع الى لندن لحضور حفلة الزفاف .انه يريد عقد قرانه بسرعة قبل ان يكون لديها الوقت الكافي لتغيير رأيها .
وانفرجت اساريرها عندما تذكرت ردّ الفعل الهادئ لانابيل عندما ابلغاها النبأ اذ قالت :
" احسست منذ البداية ، يا ايما ، ان لديك مكانة خاصة في قلب ابي ، لم يرحب ابدا بوجودك معنا عندما كنت اطلب منه ان ترافقينا . ولكن عندما كنت تأتين بناء على اصراري ، كان يريد تمضية معظم الوقت معك " .
احمّر وجه ايما حياء وسألتها :
" الا يزعجك ذلك ؟ " .
" طبعا لا . على الاقل ...اعتقد ان ذلك لن يزعجني ابدا .ولكن اذا ...اذا رزقتما اطفالا آخرين ، فهل سأظل انا الكبرى بينهم ؟ " .
إحتضنتها إيما بحنان شديد وقالت:
" انابيل ، انت ابنتنا الآن . واذا انجبنا اطفالا اخرين فانهم سيستعينون ويسترشدون بك لأنك الكبرى ، كما تقولين ".
وداعبت شعر الطفلة بمحبة واضافت قائلة :
" انت قلت لي انك تحبين كثيرا ان يكون لديك اخوة واخوات " .
" طبعا ، طبعا " .
ثم غطت وجهها الجميل مسحة حزن وأسى ، ومضت الى القول :
" ولكني لن اتمكن من رؤيتهم ، اليس كذلك ؟ " .
نظرت ايما نحو دايمون بسرعة ثم اجابتها بتمهل وروية :
" ربما تمكنت من ذلك يا حبيبتي " .
ثم تنهدت بصمت وقالت :
" اطلعت والدك يا انابيل عما قلته لي هذا الصباح " .
" صحيح يا ابي ؟ هل اخبرتك ايما باني كنت انوي التخلي عنك ؟ " .
رفع دايمون ابنته بحنان وأجلسها برفق ومحبة على ركبتيه وهو يقول :
" كنت اعرف ذلك مسبقا يا ملاكي " .
" انت تعرف ؟آه يا ابي الحبيب ! كنت سأقدم على عمل شنيع جدا ! " .
اجابها دايمون بدماثة وحنان وهو يقبل رأسها :
" لا تكوني سخيفة يا حبيبتي ! كنت طفلة صغيرة ، في الرابعة فقط من عمرها ! " .
" كنت اريد ذلك المهر اللعين ، الا تذكر ؟ وقالت لي اليزابيت انها ستبتاع لي مهرين عوضا عن مهر واحد !".
وأخفت وجهها قرب عنقه فيما كان يقول لها بنعومة واقناع :
" المؤسف ان اليزابيت كانت امرأة تعيسة وغريبة الطباع".
وتركتهما ايما وهي تشعر بأنّ الأسس قد وضعت ...وبأنّ الوقت وحده كفيل بمساعدتها على الشفاء ، من عقدتها النفسية ، واسترجاع بصرها .
ونزلت ايما من غرفتها الى القاعة حيث كان دايمون بانتظارها وقف احتراما لدى دخولها ، واقترب منها وهو ينظر اليها بعينين دافئتين تشعّان حبا وحنانا ، وتعجبت بصمت من قدرتها على تحويله الى رجل آخر ....رجل محب وهادئ...رجل يبدو الآن اصغر من سنه بعدة سنوات.
قبلها ، فقالت له :
" اتمنى لو انك لم تكن مضطرا للذهاب غدا " .
" وانا ايضا " .
" هل عادت لويزا ؟ " .
" نعم . قالت لي تانزي انها ترتدي ثيابها لتناول العشاء معنا . اني اشكر الظروف لأنها هنا " .
احمرّت وجنتاها قليلا ، فاضفى ذلك على وجهها جمالا وروعة . ثم أحست بدخول لويزا التي حيتهما بتهذيب قائلة :
" مساء الخير " .
ردّا التحية بالمثل ، ثم سألتها ايما :
" هل امضيت يوما ممتعا ؟ " .
" الى حدّ كبير ، شكرا ابتعت كمية من القماش الجميل والجيد ، سأريك القماش في وقت لاحق " .
ابتسمت ايما ثم تطلعت نحو دايمون لتعرف ما اذا كان ينوي ابلاغ احد باستثناء انابيل عن زواجهما المرتقب ، ولم تضطر للانتظار طويلا ، اذ سمعته يقول :
" اعتقد يا لويزا ان عليّ ابلاغك بالأمر. اتفقنا انا وايما على الزواج في الاسبوع المقبل " .
ظهرت الدهشة بوضوح على وجه لويزا وقالت بتعلثم :
" انها مفاجأة...انكما...لا تعرفان ...." .
قاطعها دايمون بتهذيب ووداعة قائلا :
" لا يا لويزا ! التقيت ايما لأول مرة قبل ثماني سنوات عندما كانت تعمل في مكاتبنا بلندن ولكنها..."
وتردّد قليلا ثم ابتسم وأضاف قائلا :
" ولكنها لم تقبل بالزواج مني الا اليوم " .
" ماذا ...ماذا يمكنني ان اقول ...سوى انني مسرورة لكما وآمل ان تكونا سعيدين جدا " .
وعندما انتهوا من تناول طعام العشاء انسحبت لويزا بهدوء لتتركهما على انفراد . وضع دايمون شريطا يضم مجموعة كبيرة من المقطوعات الموسيقية الحالمة تعزفها احدى اشهر الفرق في العالم.ثم اطفأ الانوار الاساسية مكتفيا بضوء جانبي بعيد ، وجلس قرب ايما على تلك الكنبة الكبيرة المريحة .
" والآن اخبريني ماذا كنت تفعلين طوال السنوات السبع الماضية . اريد ان اعرف كل شيء عن حياتك منذ انفصالنا حتى الآن "
" لم يحدث معي اي شيء يذكر. فبعد ان تركت شركتك دخلت مستشفى سانت بنيديكت كطالبة تمريض . ثم اصبحت ممرضة مسؤولة ،وكما تعلم كنت آمل في ان أتوصّل الى رئاسة القسم الذي كنت اعمل فيه " .
" هل تفتقدين عملك ؟ هل تندمين على التخلّي عنه ؟".
وضعت رأسها على كتفه بغنج ودلال وقالت :
" لا ، ابدا .كنت اشعر في البدء انني اتمنى وجود زميلاتي الممرضات لنتحدث عن المرضى ومشاكلهم، ولكن ذلك لم يعد يهمني كثيرا . الآن، تبدو لندن بعيدة جدا....ولكني لن امانع في الذهاب اليها اذا كنت معي " .
نظر اليها بمحبة وتمتم قائلا وهو يداعب ذراعها :
" لماذا بحق السماء جعلتنا نضيّع هدرا مثل هذه الفترة الطويلة من حياتنا ؟ " .
" اوه ، دايمون اني خائفة! خائفة من ان هذا الغرام لن يدوم. اني أُحبك كثيرا...لدرجة لا اتحمل معها حدوث اي شيء يفسد حياتنا او حبنا " .
" لن يحدث اي سوء على الاطلاق. سوف نتزوج خلال اقل من اسبوع ، ولن ادعك تذهبين بعد ذلك ابدا . سأعلمك معنى الحب ، وخفايا الحياة الزوجية " .
وابتسم عندما رأى احمرار الخجل والحياء يغطي وجنتيها بقوة ، وقال :
" لا تكوني خجولة معي . لن اؤذيك ، وانت تعلمين ذلك ".
" اعلم " .
وفجأة احست بوقع اقدام . ابعدت نفسها عن دايمون والتفتت نحو الباب لتشاهد انابيل قادمة وعلى وجهها ملامح انفعال واضحة . اقتربت منها وسألتها بذهول :
" انابيل ، ما بك ؟ ماذا تفعلين هنا ، وفي مثل هذا الوقت ؟".
" اردت ان... ان انزل لرؤيتكما معا كي اخبركما ما حدث . ايقظني شيء ما وكنت خائفة . ثم تذكرت انك ستصبحين امي الجديدة ، فقلت لنفسي انك لن تمانعي في حضوري اليكما " .
نظرت ايما مبتسمة الى دايمون ثم قالت لانابيل :
" طبعا لانمانع يا حبيبتي. ولكن ماذا ايقظك ؟ هل لويزا هي التي ايقظتك ؟ " .
" لا ،لم تكن لويزا . على الاقل اني متأكدة من انها لم تكن لويزا ، فانا اعرف طريقة سيرها " .
وتردّدت لحظة ثم تابعت قولها :
" لست متأكدة مما حدث، عندما جلست في فراشي كان الهدوء يخيم على الغرفة ، ولكني شعرت بان احدا كان هناك " .
وامسكت بيد ايما وهي تقول :
" كنت خائفة حقا ! انني لا اقول ذلك تحججا او ادعاء !كنت خائفة الى درجة كبيرة ! " .
ارشدتها ايما الى الكنبة ، فقفزت انابيل الى حضن والدها وقالت له :
" سمعتكما تتحدثان فعلمت انكما هنا " .
وضمت والدها بقوة واضافت :
"أبي ! انك تحب ايما حقيقة ، اليس كذلك ؟ اعني انك لن تغير رأيك ...بعد الزواج ؟ " .
نظرت ايما الى عيني دايمون فرأت فيهما بوضوح انه لن تقع اخطاء هذه المرة . وسمعت دايمون يرد على ابنته بصدق واخلاص وهو يربت برفق على كتفها :
" اني احب ايما يا انابيل، وما من شيء في العالم يغّير رأيي بالنسبة اليها . انني أحبها منذ زمن بعيد ، ومن غير المرجح ابدا ان اتحوّل عن حبي لها الآن . الا توافقينني على ذلك ؟ " .
" وهل تحبك ايما الى هذه الدرجة ؟ " .
ردّت عليها ايما بسرعة قائلة :
" طبعا، يا حبيبتي ، طبعا! لا تقلقي ابدا فسيكون لك باذن الله بيت وعائلة ،تماما كأي فتاة اخرى ، وسنكون انا ودايمون دائما قربك عندما تحتاجين الينا " .
" اوه ، اني اتمنى ذلك من كل قلبي ! " .
وقالت ايما لنفسها انه سيسعدها كثيرا ان تتمكن من تعويض هذه الطفلة البريئة عن الآلام والأحزان التي تعانيها منذ ولادتها...اولا مع امها ، وثانيا مع فقدانها النظر والمشاكل المترتبة على ذلك . تحدّثوا بعض الوقت وفرحت ايما الى حد كبير عندما لاحظت انفتاح انابيل التام والكلي على والدها وابلاغه كل شيء تعرفه.....بما في ذلك ان روزا تنتظر مولودا جديدا. وبعد فترة من الزمن ، انزلها دايمون عن ركبتيه وقال لها بحزم ، وهو يقبّلها :
" الى الفراش والنوم ايتها الآنسة . انها العاشرة تقريبا " .
نظرت اليها ايما متمنية بكل مشاعرها وجوارحها ان يعود اليها نظرها ، وان تظل دائما....سعيدة ومبتهجة ، وسمعتها تسألها :
" هل من الممكن يا ايما ان تأتي معي ؟ أرجوك ! " .
" طبعا يا حبيبتي . تمنّي لوالدك ليلة سعيدة ، وهيا بنا ".
قبّلت والدها بعطف وحنان وغادرت الغرفة وهي ترقص فرحا وسرورا .وكانت تتوقف بين الحين والآخر لتتأكد من ان ايما لا تزال وراءها .كانت الغرفة غارقة في الظلام ، وقد دخلتها انابيل بسهولة ويسر لأنها ليست بحاجة الى النور . وقفت ايما داخل الباب ومدّت يدها لتضيء الغرفة ، فأحست فجأة بيد تضغط على فمها وتمنعها من اطلاق صرخة الهلع التي اختنقت في حلقها ، وذراع قوية تطوقها وتشلّ حركتها. حاولت التملص ولكن دون جدوى . وكانت الطفلة واقفة قرب سريرها وهي تشعر بوجود خطر ما بدون ان تدرك تفاصيله او اسبابه . وقالت بصوت مرتجف يعكس مدى خوفها وفزعها :
" ايما ! ايما ؟ " .
حاولت ايما جاهدة مرة اخرى التملص من قبضته ولكن محاولاتها باءت بالفشل . وقال الرجل الغريب :
" ما بها هذه الطفلة ؟ الا تراك ؟ " .
ثم سحب يده التي كانت مطبقة على فمها وقال لها :
" صوت واحد او حركة واحدة واقتل الفتاة ! " .
ركضت ايما نحو انابيل غير عابثة بالخطر المحدق بها وهمست قائلة :
" كل شيء على ما يرام يا حبيبتي ، ولكن لا تتكلمي او تتحركي من مكانك ! " .
تأملت ايما الرجل الدخيل بدقة وعناية . قصير القامة ، ممتلىء الجسم ، شعره حالك السواد ، وعيناه ليستا كعيون الاوروبيين . حرّك مسدسه إتجاههما وسألها بحدة :
"اين ثورن ؟ " .
تردّدت ايما ولجأت الى الكذب :
" لا....لا أعرف " .
تقدم نحوها الرجل وقال لها بقسوة وعيناه تقدحان شررا وحقدا :
" يكفي هراء وسخافة ! كنت معه طوال السهرة . انا سمعتكما بهاتين الاذنين . اين هو الآن ؟ هيا ...هيا اخبريني ، والا آذيت الطفلة " .
بلعت ايما ريقها بصعوبة واخذت تنظر حولها . شاهدت الغرفة وقد قُلبت رأسا على عقب ولم يترك فيها هذا الرجل اللعين مكانا الا وفتش فيه . تردّدت ايما مرة اخرى ولكنها لم تتمكن هذه المرة من الكذب خوفا على حياة انابيل .
" انه ...انه في القاعة . ولكن ، ارجوك ، ماذا تريد ؟ ليست لدينا هنا اي اغراض ثمينة .خذ ما تريد ، بحق السماء ، واتركنا . اتركنا ! " .
" اخرسي ! " .
ثم نظر الى الممر الطويل وقال لها وكأنه يقرأ افكارها :
"لن تتمكن تلك الشقراء من مساعدتك ايتها الآنسة ، كما انني اشك كثيراً في ان احدا آخر سوف يهرع لمساعدتك!".
" لويزا ؟ ماذا فعلت بها ؟ " .
" لا شيء ، لاشيء ، انها بخير " .
ثم ابتسم بلؤم واضاف قائلاً :
" ستشعر على الأرجح بصداع قوي غدا ، فانا عادة لا اقتل النساء ! تعاليا الى هنا وبسرعة ؟ " .
وقفت ايما ببطء ، وتقدمت وانابيل نحوه بهدوء وتمهل . كانت الطفلة الصغيرة ترتعش خوفا ، كما ان ايما احست بأن رجليها ضعيفتان جدا وانها تكاد تقع ارضا.
" هيا الآن امامي بنعومة وروية . ولا تحاولي القيام بأي حركات سخيفة ايتها الآنسة لأن الطفلة تموت اولا . هل تفهمين ؟ "
وضعت ايما ذراعها على كتف انابيل وشدتها نحوها قائلة بنبرة مشجعة :
" هيا يا حبيبتي ، لنذهب ونجد والدك "
شدّت انابيل على يدها بقوة وسألتها قبل ان تنهار باكية :
" هل ...هل سيقدم هذا الرجل على قتل ابي ؟ " .
هزت ايما رأسها بعنف واجابتها :
" لا.... لا ! طبعا لا! انه يريد التحدثّ معه فقط " .
" ولكنه يحمل مسدسا، اليس كذلك ؟ " .
حدّقت ايما بذهول وسألتها :
" وكيف عرفت ذلك ؟ " .
" افترضت انه يحمل مسدسا، والا كيف يكون بامكانه ان يرغمنا على تنفيذ ما يريد ؟ " .
كانت القاعة تبدو جذابة ومغرية في ذلك الضوء الخافت ،ودايمون لا يزال جالسا على الكنبة كما تركتاه يتصفح احدى المجلات المتخصصة بشؤون السيارات والمحركات . رفع رأسه استغرابا وقال :
" انابيل ! كنت اعتقد انك...اللعنة على الشيطان ، ماذا يجري هنا " .
وتوقف فجأة عندما شاهد الرجل يدخل وراءهما وهو يحمل بيده سلاحا قاتلا يصوبه على انابيل .
" اوه ، دايمون " .
قالتها ايما هامسة ، فأمسك الرجل بذراعها وقال لها بقسوة فيما كان دايمون يهّب واقفا ومتحفزا :
" اهدأي ايتها الآنسة ، فانا والسيد ثورن سوف نجري بعض المساومات والصفقات المثيرة ! " .
احست ايما بأنها ترتعش وهي تراقب الرجل الدخيل يستجوب دايمون بعنف وقسوة .ظهر الارهاق والتعب الشديدان على وجه دايمون ، فقد مضت خمس ساعات على وصول هذا الرجل واصدقائه. وقالت ايما لنفسها ان هذا الرجل يحظى بمساندة ما من خارج المنزل ن والاّ لما كان اقدم على هذه المهمة الصعبة .
ولاحظت ايما من عملية الاستجواب ان دايمون ،من حيث لا يدرين اصبح ضحية لعبة قذرة جدا تتعدّى الاقتحام والتهديد بالسلاح ،وحتى القتل . ولكن الرجل الغريب لا يصدّقه... في البداية كان هادئا ويحاول استخدام الاقناع المنطقي وهو يسأل دايمون عن مكان وجود الفيلم .ولما ظلّ دايمون يصرّ على انه لا يعرف شيئا ، تحول الرجل الى العنف وهدّده بسكين فيما ظل مسدسه مصوبا نحو الفتاتين :
"سيد ثورن ! انا لست رجلا صبورا . لا تصرّ على موقفك هذا لأنك ستضطرني الى استخدام اساليب اقناع اخرى.هل تريدني مثلا ان امزّق وجه ابنتك امام عينيك ، ام ان الصبية تهمك اكثر من الطفلة ؟ "
هز دايمون رأسه بقوة وانفعال قائلا :
" انني اقول لك للمرة المئة ...لا اعرف بتاتا عمّا تتحدث ".
فقد الرجل صبره وسيطرته على اعصابه فهوى بعقب المسدس على مؤخرة عنق دايمون بوحشية بالغة . فقد دايمون توازنه ووقع على الارض .ضغطت ايما على فمها كيلا تطلق صرخة خوف وألم ، فيما كانت انابيل تسألها بلهفة :
" ماذا حدث ؟ ماذا فعل ؟ هل تعرض أبي لسوء ؟ ".
صرخ بها الرجل بصوت عال وهو يتحوّل نحوهما وكأنه يريد الانقضاض عليهما :
" اخرسي ! " .
احتضنت ايما الطفلة الصغيرة بقوة وهي تحاول ان تحميها بجسدها وروحها حتى آخر رمق ، فيما لو حاول هذا اللئيم القيام بأي شيء على الاطلاق . نهض دايمون بصعوبة فعاد الرجل الى الاستجواب.... وعاد دايمون الى نفي اي علاقة او معرفة بما يتحدث عنه هذا الرجل. وحاول ان يستخدم المنطق معه ، فقال :
" اسمع ! الا تعتقد انني لو كنت اعرف شيئا لكنت اخبرتك ايّاه ؟ هل تعتقد بأنني اريد رؤية ابنتي وخطيبتي تتعذبان وتتألمان ؟ " .
" عد الى رشدك يا ثورن ! ما اقوم به الآن هو أمر عادي جدا بالنسبة الي . لقد التقيت عشرات الاشخاص مثلك وجميعهم يعتقدون ان بامكانهم التهرب والتملص بالادعاء بانهم يحكون الحقيقة . هذا التظاهر لن ينجح معي ! صدقني! سأحصل على الفيلم منك بطريقة او باخرى، وعندما يتم ذلك .... " .
واقترب من دايمون ثم وضع حافة السكين على عنقه وضغط قليلا وهو يقول :
" هل تشعر بالسكين ؟ بالمعدن الحاد البارد ؟ هذا ما ستتعرضون اليه جميعا ما لم تعد الى رشدك "
رفع دايمون رأسه فجرح ذقنه وسالت منه بضع نقاط من الدم ، مما ارعب ايما قليلا فصرخت :
" رباه ! " .
ابعد الرجل السكين عن عنق دايمون، كان واضحا انه لا ينوي قتله قبل ان يخبره عن مكان الفيلم . ولكن اي فيلم ؟ واحتارت ايما واصابها الذهول . هل من الممكن ان دايمون يعمل لحساب احدي المنظمات الحكومية بدون معرفتها ؟ انه لأمر مستبعد جدا ، ولكن امورا اكثر غرابة وقعت وتقع كلّ يوم في هذا العالم المجنون ! واستمرت التحقيقات والاستجوابات، وظلّت الفتاتان تشعران بالعجز وعدم القدرة على مساعدة دايمون . ارغمهما الرجل على الجلوس ومشاهدة اضطهاده وتعذيبه لدايمون ، وشعرت ايما بشيء من الارتياح لان انابيل لا ترى شيئا .كانت ستتأثر اكثر بكثير لو كانت مبصرة وشاهدت والدها يعذّب ويهان ويهدد بسكين ، بدون ان يتمكن من تحريك ساكن بسببهما .
وفي احدى الفترات ، ضرب الرجل دايمون على رأسه فأفقده وعيه . هرعت ايما الى جانبه غير عابئة بتحذير الرجل الغريب ووضعت رأس حبيبها في حضنها وراحت تربت على خديه برفق وحنان . ثم نظرت بحقد وعنف الى الرجل الغريب وصرخت بوجهه قائلة :
" ايها اللئيم ! لماذا لا تذهب ؟ الم تلاحظ بعد انه لا يعرف شيئا على الاطلاق ؟ الا ترى انك تقتله لمجرد القتل فقط؟".
رفعها الرجل عن الارض بوحشية ولوى ذراعها وراء ظهرها ثم دفعها بقوة الى الجانب الآخر من الغرفة وهو يقول :
" اذهبي الى هناك ، واحضري ابريق الماء ذاك " .
فركت معصمها لتخفيف الألم وأحضرت ابريق الماء صاغرة. وفكرت بضربه بالابريق على رأسه ولكنها خافت من الا يترك المسدس من يديه ويبدأ باطلاق النار مما قد يؤدي الى مقتل احدهم او جميعهم ، ولم تجرؤ على المجازفة . اعطته الابريق فصب الماء على وجه دايمون الذي أفاق للتو من غيبوبته ، جلس على الارض وهو يضع احدى يديه على مكان الجرح الذي خلفته ضربة الرجل . ولما انتبه الى وجود الرجل ، وقف بسرعة وتطلع نحو ايما وانابيل ليتأكد من انهما لم تتعرّضا لأيّ ازعاج او مضايقة. وعاد الاستجواب والتعذيب ، الى ان قال له الرجل :
" اسمع يا صديقي العزيز ! سنورد الحقائق الواحدة تلو الاخرى ، واذا تمكنت من نفيها بشكل مقنع ومرض فسوف نرى عندئذ ماذا سنفعل " .
حدّق به دايمون متعبا ومرهقا ، فالساعة تجاوزت الثالثة ببضع دقائق والصباح سينبلج خلال فترة قصيرة . ثم قال له بصوت منخفض :
" اي حقائق يا رجل ؟ اخبرتك مئة مرة انني لا اعرف شيئا عن هذا الموضوع . انا رجل اعمال وليس جاسوسا! ".
" الأمر سيان لدي . ان كنت عميلا ماجورا او انك تبرعت بالقيام بهذه العملية فقط ، فالامر لا يهمني . ما اعلمه جيدا انك ستدفع الثمن غاليا ، كما ستدفع صديقتاك الجميلتان ثمنا مماثلا ، ما لم تخبرني الحقيقة ، ركزت جميع محاولاتي حتى الآن عليك ، ولكني سأتحوّل قريباً اليهما .
أضعت وقتا ثمينا معك ، الا ان لدينا كل الوقت الذي تريده . فوجودك يا سيد ثورن على هذه الجزيرة الصغيرة يساعدنا ويخدم اهدافنا " .
وتأثر دايمون اذ انه لا فرصة امامهم على الاطلاق . ولكنه لن يستسلم بدون قتال ....اذا سنحت له الفرصة .
" اذن ، هل اخبرك بما نعرفه نحن ؟ " .
" وماذا يمكنكم ان تعرفوا ؟ ليس هناك شيء كي تعرفوه".
" صبرك يا سيد ثورن ، فهناك الكثير ! اولا ، هل يمكنك ان تنفي انك كنت تعرف فتاة صينية جذابة للغاية تدعى تساي بن لونغ ؟ " .
" نعم ، كنت اعرفها . ماتت ، اليس كذلك ؟ " .
" بكل اسف ، نعم . حادثة مؤسفة للغاية. كانت فتاة جميلة ورائعة ! " .
" انت قتلتها ؟ " .
" اضطررنا لذلك ، ولكن المؤسف في الموضوع أنّنا لم نجد الفيلم معها . احسّت بملاحقتنا لها فتخلصت من الفيلم قبل موتها " .
" آه ، انني افهم الآن ماذا تعني . انتم تعتقدون انها اعطته لي .... تظنون انني انا الوسيط " .
" اننا لا نظن يا سيد ثورن...اننا نعرف.انت الانسان الوحيد الذي اتصل بها ،ولم يكن ذلك لمرة واحدة بل لمرات عديدة. ان الاستنتاج الطبيعي والمنطقي يوحي بأن اسلوبك الساحر ، اعماها عن الاخطار التي كانت تواجهها " .
" ولكن الا تلاحظ خطأك ؟ فلو كنت انا الوسيط لكان عليها ان تدرك بان اتصالها بي سيفضح امري ، اليس كذلك ؟" .
" خطرت هذه الفكرة في رؤوسنا ولكننا الغيناها لأكثر من سبب .فالفتاة لم تكن على علم تام بأننا وراءها وسننقض عليها ، كما انها ذهبت الى سان فرانسيسكو لمقابلة رجل من التابعية البريطانية " .
" الجريمة الثانية هي ايضا من صنعكم ؟ الرجل البريطاني؟".
" نعم تصوّرنا اننا تخلصنا بنجاح من وسيطها ، الا اننا كنا على خطأ " .
صرخت ايما متدخلة في الحديث الجاري بين الرجلين :
" وماذا لو لم تكونوا مخطئين ؟ ماذا لو كان الرجل الآخر وسيطها ؟ ربما اتصلت بدايمون لأنها تريد مساعدته ، ولكنها لم تحصل عليها " .
" آنستي العزيزة،انا متأكد تماما من انك لا تعرفين شيئا على الاطلاق عن هذا الموضوع .تساي بن لونغ كانت فتاة جذابة للغاية ،ومن غير المحتمل الى حد كبير ان يطلعك السيد ثورن على نواياه ،مهما كانت تلك النوايا " .
احمرّت وجنتاها غضبا وغيرة .ولما شاهد دايمون ذلك الاحمرار وتلك النظرات المنزعجة ، ناشدها قائلا :
"لا تصغي الى كلامه يا ايما ، ارجوك ! " .
" يبدو ان خطيبتك لم تكن تعرف شيئا عن تساي بن لونغ . كنت اتصور ذلك . اخبرني يا سيد ثورن ، هل نمت مع تلك

احبك ولو طال إنتظاري.. فإن لم تكن قدري.. فقد كنت اختياري..حيث تعيش القصص. اكتشف الآن