الخاتمة :
" عدني أنك لن تبعدني عنك مجددا .......... "
" و إن أبعدتك .... هل ستبتعدين ؟؟ ..... و إن ابتعدتِ .... هل ستعودين ؟؟ "
" تعلم أنني سأعود دائما ........لا أقوى على فراقك , فلا تستغل ذلك ...... "
أرجع رأسه للخلف مغمضا عينيه و هو يتذكر ذلك الحوار بينهما ذات يوم .... ذات يوم سعيد ... كانا فيه أقرب ما يكون من ملامسة النجوم ....
لأنه يوم لم يعيشاه منذ بدء زواجهما ..... يوم رميا فيه بكل اختلافاتهما و الحواجز بينهما , ليضمها اليه .... فقط يضمها و يخبرها كم يحبها ......
نسى أن يخبرها وقتها بأنه يحبها داخل حدود معينة .... و جدران حجرية .....
يحبها صورة في إطار يرسم حوافه بنفسه .... كي لا يجرح أصابعه من جديد .....
يوما بعد يوم منذ أن طردها من حياته وهو يفكر ..... و يسأل نفسه , هل كان ليطردها بتلك الوحشية لو كانت قد اعترفت له ببساطة بأنها ذهبت ذات يوم الى طبيب ما برفقة ابنها و الحقير الذي أوهمها بذلك و بحسن نواياه ... هل كان ليسامحها بعد غضب مهول ؟؟ .....
فهل طردها لأن الموضوع قد تفاقم بعدها و مس كرامته ؟!! .....
هل طردها لأن ذلك الحقير قد نسج من حولها شبكة خداع و تعدى عليها ؟!! .....
هل كان ليسامحها قبل أن يحدث ما حدث ؟؟ ....
لم يكن يوما منافقا مع نفسه بتلك الصورة .... لكنه اختبر ألما فاق ما ظن من تحضره و تفهمه ......
هل يريد استرجاعها ؟؟ ...... توقف عند هذا السؤال منذ أيام طويلة و ليالي مضنية .... وهو يظن أن الأمور ستستقر بدونها كما استقرت من قبل في فراقها ....
لكن هذه المرة الأمور لم تستقر ..... هو و معتز و بيتهما ... و حياتهما كلها .......
تتسرب إليه بين كل لحظة و أخرى ..... الى أن اعترف .... اعترف لنفسه أخيرا ....
أن حبه لها كان حديثا ..... حديثا جدا .......
لم يكن يحبها منذ بداية زواجهما ..... فقط يفعل ما يستطيع لإرضائها و إرضاء ضميره .......
حبه بدأ حين بدأ يهتم .... يهتم باكتشاف اي شيء جميل بها .... ليجدها تسارع بخلق شيء جديد جميل ....
كانت تحاول ..... و تختلق ما يمكن أن يعجبه و يرضيه ......
أحب تسربه الى داخل نفسها الحقيقية ....... و أحبها ...........
فتح عينيه لينظر الى معتز النائم بجواره ......وهمس بخفوت وهو يلاعب شعره النام
(؛ هل اشتقت لها ؟ ......... هل ترغب في أن تعود لتعيش معنا ؟؟ )
ظل ينظر اليه طويلا ..... وهو يفكر بالغد , حين سيذهب ليأخذه مساءا .............
.................................................. .................................................. .............................
اوقف سيارته قبل ساعتين من مغيب الشمس أمام بوابة البيت .... ليخرج منها ببطء , و يتجه الى البوابة ..... لكن ما أن وصل اليها حتى توقف ينظر من خلال أعمدتها الحديدية .... ممسكا بأحدها وهو يخلع نظارته السوداء ببطء
كانت هناك ..... في الحديقة .....
تركض خلف معتز .... و ضحكاتها الرنانة تصل اذنية كموسيقى غجرية لم يسمعها منذ فترة طويلة .... و شعرها الأسود الطويل تركته طليقا ليهيج من حولها ما أن أمسكت بمعتز لتسقط به أرضا وهو فوقها ....
كانا الإثنان عبارة عن موجتين من الجنون و الشعر الأسود المتطاير .....
فكر أنه لم يحلق شعره منذ أن ابتعدت حور ..... بعد أن كان يضايقها بالأمر و يأخذه للحلاق رغما عنها ....
و هي تتذمر شاكية بأنها تحب شعره الناعم و تحب أن تراه طويلا لتغرق وجهها به .....
ظل للحظات طويلة ينظر اليهما شبه مأسورا بتلك اللوحة الجميلة التي يملكها في حياته ......
فهل لازال يملكها بالفعل ؟؟؟ ..........
انتبه فجأة الى أن عيني حور مثبتتين في عينيه ..... فاعتدل بثبات يومىء لها برأسه .....بينما اختفت الإبتسامة عن وجهها تماما ..... حتى الإبتسامة أصبحت غير قادرة على التكفل بها حين تراه ؟!! ......
نهضت حور من على الأرض ببطء وهي تنفض ملابسها ... بينما أمتلأ شعرها بالعشب الأخضر ...... و اقتربت من البوابة بثبات تحت أنظاره المدققة بكل تفصيلةٍ منها ....
الى أن وصلت الى البوابة تفتحها بهدوء و هي مطرقة برأسها و شعرها يحجب وجهها عنه ..... وكم تمنى في تلك اللحظة بأن يقوم بحركته التي يحبها ...... أن يفتح غلاف هديته كما كان يطلق عليها ... و يبعد موجات الشعر بكفيه من على جانبي وجهها كي يتمكن من رؤية عينيها ......
وقفت حور أمامه لحظة قبل أن ترفع وجهها بهدوء اليه , لتبتسم ابتسامة هادئة على الرغم من توجس عينيها و هي تقول بهدوء
( مرحبا نادر!! ...........)
تنحنح ليبدأ في الكلام ... ثم قال بإتزان و بملامح ثابتة
( مرحبا حور ...... آسف لأنني جئت هكذا فجأة , لكنني مضطر اليوم لأن آخذ معتز مبكرا .... )
انعقد حاجبيها قليلا و مالت عيناها حزنا و دهشة و هي تقول بخفوت
( مبكرا هكذا ؟!! ....... لم أشبع منه بعد , ..... ليس هذا الموعد الذي اعتدت أن تأتي لتأخذه فيه .... )
شعر بتأنيب ضمير يحرق صدره , الا أنه جمد قلبه و هو يقول معتذرا ....
( أعرف ...... للأسف , لدي مناوبة عمل لن تنتهي قبل وقت متأخر من الليل .... و لن أتمكن من المجىء وقتها )
قالت حور مدافعة و حاجبيها و عينيها تحفران في صدره علاماتٍ و تقاطعات
( اذن دعه يبيت معي الليلة ....... ما المشكلة ؟!! )
تنحنح نادر ليقول بخفوت محاولا الصمود
( للأسف سيارة المدرسة تأتي مبكرا جدا ...... ... سادعه يبيت معك , في ليلة تسبق يوم عطلة ..... )
ظلت تنظر اليه بحاجبين منعقدين و عينين مائلتين حزنا ...دون أن ترد ..... فابعد عينيه عن عينيها , ليقول ما أتى من أجله
( كيف حالك يا حوور ؟؟ ........ )
" كيف حالك مجددا !! ..... حتى بات يكره تلك التحية من أعماقه "
ردت حور بهدوء لا تعبير فيه
( بخير ...... شكرا )
سكت نادر قليلا ..... ليقول متأملا لها
( تبدين في أفضل حال ........... )
أطرقت برأسها و هي تنظر الي معتز الذي كان يركض و يلعب بكرته في الحديقة ..... ثم قالت بخفوت
( نعم ....... في خير حال , شكرا )
سألها نادر بهدوء
( أرجو أن تكوني قد امتنعتِ عن كل ما يضرك ..... و الا فأنا لن ........ )
قاطعته حور تنظر اليه بثبات و حزم
( لا داعي للتهديد يا نادر ...... فأسرتي تساندني على أحسن وجه )
قال نادر بخفوت
( لم أكن أهددك ........ كنت ...... قلقا عليك )
نظرت حور الي عينيه بلا تعبير ... ثم قالت بهدوء
( شكرا ...... لكن لا داعي للقلق , ....... كانت مرحلة و مرت ..... و بعد أن وقفت على قدميّ, أدركت بأن لا شيء يستحق أن أدمر نفسي من أجله ........ )
كانت رسالتها واضحة ..... و على الرغم من أن هذا ما كان يحاول جاهدا اقحامه برأسها سابقا .... الا أنها اليوم ضربته في مقتل بتلك العبارة .....
يالهذا التناقض الذي يكاد معه مؤخرا الا يتعرف على نفسه .....
ليست هي ....... ليست هي مطلقا .......
و مع هذا .... لا يمنع شعورا بالرغبة في خطفها و سجنها بعيدا , ليهزها طويلا ... طويلا ..... مسددا كل ديونها تجاهه .... ثم يضمها الى صدره بعدها ليأمرها صارخا
" عودي ...... و لا تبتعدي مجددا )
طال الصمت الموجع بينهما , ليقول نادر محاولا إظهار العفوية .... و إخفاء الغصة الغريبة في حلقه
( جيد ....... اسمعي , لما لا .... نرتب يوما نقضيه سويا مع معتز ..... لا أريده أن يشعر بذلك الجفاء بيننا جليا )
" هل هو أحمق ؟!!! ..... هل بدا أحمق كما خيلت اليه كلماته التي رتبها طوال الليل ؟!!!.....
و التي ما أن نطقها الآن حتى أشعرته بمنتهى الغباء ..... منتهى منتهى الغباء ......
لقد ضربها و رماها خارجا .... و اخذ معتز منها ..... و الآن لم لا يجد عذرا اقل اثارة للشفقة , سوى تلك الحجة الغبية في ألا يشعر معتز بالجفاء بينهما !!!!!
لكن بالأمس وهو يحضر الحوار , لم يشعر بغباء الإقتراح كما هو الآن
هل هي تشعر بغباؤه الآن ؟؟؟ ......... هل تكرهه كثيرا و تدعي عليه ؟؟؟ ..... "
نظر اليها بلا تعبير هو الآخر على الرغم من مشاعره المتلاطمة وهو يتمنى لو كان قص لسانه قبل أن يبدو بمثل هذه السخافة .......
لكن ملامحها كانت في صلابة الرخام الأبيض وهي تنظر اليه طويلا بصمت دون أن ترمش بجفنيها حتى ....
ثم فتحت شفتيها أخيرا لتقول بهدوء قاصف لروحه
( لا أظن إنها فكرة جيدة .......دعها للوقت , ..... ربما تمكننا يوما ما من القاء ما كان خلف ظهورنا .... و حينها ...... حينها سنتمكن من قضاء الوقت معا ...... كأى اثنان انفصلا و بقيا بعلاقةٍ متحضرة فيما بينهما ..... )
لو كانت الكلمات تقتل , لربما لوضع يده الآن على صدره من تلك الشظية التي رمته بها ..... ليست تلك هي حور .... ليست حور التي وعدته الا تبتعد عنه مهما فعل .....
فتح فمه ليهتف بها غاضبا ..... لكن بماذا ؟؟!!! ........
الا أنها سبقته و هي تستدير عنه ملوحة لمعتز أن يأتي فجاء راكضا يضحك .....
انحنت حور اليه تشير اليه بأن يذهب مع والده و سيعود اليها سريعا ..... و هي ستأتي اليه عند علية .....
بينما كان نادر يراقبهما بقلبٍ مجروح .... مذهول ..... و يراقب معتز الذي بان التذمر على وجهه ثم بدء تبلل عينيه بالدموع ....
" هل أصبح الآن هو الشخص الشرير ؟!!! ...... "
لكن معتز امتثل وهو يقترب صاغرا مطرقا من أبيه الذي أمسك بيده ....
رفع نادر عينيه الى عيني حور .... ليقول بهدوء ميت
؛( الي اللقاء ياحور ......... )
أومأت برأسها وهي تكتف ذراعيها قائلة بخفوت
( الى اللقاء يا نادر ....... )
ابتعد مع معتز بتثاقل عدة خطوات ..... لكن صوتها أوقفه وهي تناديه بهدوء
( نادر .......... )
التفت اليها سريعا ..... ليعود اليها , بينما كانت قد غابت قليلا عند مدخل باب البيت لتعود اليه بحقيبة ظهر معتز وهي تقول
( لا داعي لأن تجهزه بشيء كل مرة ....... فقد جهزت له كل ما يحتاجه هنا , ........فقط ألبسه )
ثم ضحكت برقة لتتابع
( و حتى يمكنك ألا تلبسه ...... دعه يأتي بالبيجاما فأنتما تنزلان مبكرا جدا و أنا سألبسه خلال اليوم ...... لكن تأكد من دخوله الحمام قبلا ........ )
" أنتِ أيتها الدخيلة على حياتي أنا و ابني .............. عودي الينا "
أومأ نادر دون أن يجد القدرة على الكلام .... ثم التقط الحقيبة منها محاولا لمس اكبر عدد من أصابعها .... فقد مرة وقت طويل منذ أن رقدت تلك الكف الصغيرة البيضاء في كفه .... منذ أن تشبثت بأصابعه .....
هل تأثرت بلمسته و ازدادت نبضات باطن رسغها ؟؟؟؟
( لقد ذهب الي الحمام للتو ...... فلا تقلق من طول المسافة )
كان ردها الهاديء هو أبلغ رد على سؤاله الخفي ...... بقى صامتا ينظر الي وجهها المبتسم بحزن وهي تنظر الي معتز .... فقال بخفوت
( آآآه .... نعم ..... الحمد لله أن طمأنتِني ...... شكرا ..... الى اللقاء )
ثم دخل السيارة بعد أن أجلس معتز .... و ما ان ابتعد حتى رآها في المرآة تخرج من البوابة لتقف تنظر اليهما وهي تلوح بحزن ......
أراد أن يعود و يرجع معتز الى أحضانها و يخبرها أنه ما أخذه الا ليجتذب معها الكلام ..... لكن وجوم مشاعره في تلك اللحظة كان أقسى من أن يعود .....
.................................................. .................................................. ............................
خرجت من الحمام .. مطرقة الرأس .... موجوعة القلب .... كسيرة النفس ......
نسيت بأنها كانت قد حضرت نفسها في الحمام من أجله و من أجل الإحتفال الصغير الخاص الذي أعدته له كمفاجأةٍ دون علمه .....
وقد ملأت الغرفة شموعا أضائتها قبل صعوده السلم الى غرفتهما .... لتجري بعدها الى الحمام و تغلق الباب على نفسها ......
نسته تماما بعدها لمدة خمسة عشر دقيقة .... و هو يطرق عليها الباب مبتهجا بذلك الإحتفال من الشموع وورق الورد الأحمر المنثور فوق السرير المزين بمفرش زفافهما الحريري ذو الأشرطة المزينة ....
و ها هي تخرج اليه بقميص نومها الطويل الفيروزي .... الذي هو رغم طوله أبعد ما يكون عن الإحتشام ....
لكنها لم تلحظ نظراته المبهورة وهو يلتهمها كلها من قمة شعرها العسلي حتى أظافر قدميها التي طبعت زهرة بيضاء صغيرة على كلا منهم .....
وقفت أمامه مطرقة الرأس ..... بينما وصلها صوته الهامس بمشاعر هوجاء
( حبيبتي فيروزتي يا بنت السلطان ..... هل أعلقك كحجر فيروز ثمين في سلسلة مفاتيحي الآن كي لا تفارقين جيبي ليل نهار ..... أم الأسهل أن ألقي بذلك القميص بعيدا كي لا يشتت انتباهي ....... فاللون الفيروزي يتعب نظري عادة بعد لحظة الإنبهار الأولى ....... )
لم ترد عليه و لم تستجب الى دعاباته و غزله ...... بينما همس هو وهو يخلع سترته و يفك أزرار قميصه بنفاذ صبر ..... قائلا بخشونة ...
( ربما لو كنتِ ارتديته بعد طعام العشاء كان ليكون أفضل لمعدتي المسكينة التي لم يدخلها شيء منذ الصباح ..... فأنا الآن مضطر الا أبارح تلك الغرفة حتى الصباح ........ )
اقترب منها أخيرا ليمسك بذراعيها ناظرا الى قمة رأسها العسلي المنحني أمامه ..... فأحنى رأسه هامسا برقة
( هل يمكنني أن أقبلك ؟ ........... )
هزت رأسها نفيا دون أن تجيب أو حتى أن ترفع وجهها اليه .... فابتسم بمكر ليقول واثقا
( لا ؟!! ..... و من ينتظر اذنك اصلا , .... هل يطلب أحد الإذن فيما يخصه !! ...... ارفعي وجهك )
عادت لتهز رأسها نفيا مرة أخرى ..... فابتسم أكثر وهو يقول بنعومة مقتربا منها أكثر
( لا ؟!!! ...... هل تستفزيني ؟؟ ...... أنا أحذرك .... أنا جائع , و أنا لا أكون في أفضل حالاتي و أنا جائع )
لكنها لم ترفع وجهها ..... فمال اليها دون اذنٍ آخر ليقبل زوايا شفتيها بحب , الا أنه تجمد مكانه حين لامست شفتيه دموعها الصامتة .....
صعق عاصم و رفع رأسه هامسا بخوف وهو يمسك كتفيها بقوة
( تبكين يا صبا ؟!! ..... لماذا حبيبتي ؟؟ .... ماذا بكِ ؟؟ ..... )
هزت رأسها نفيا مرة أخرى دون رد الا أن شهقة باكية صغيرة أفلتت منها رغما عنها .... فعبس عاصم بشدة ليحملها بين ذراعية فجأة و يتجه بها الى السرير و جلس عليه و أجلسها على ركبتيها و بقى عدة لحظات محاولا إستيعاب بكائها الصامت .... ثم همس في أذنها وهو يتلمس ذراعها براقة
( طمئنيني فقط ...... هل يؤلمك شيء ؟ .... هل ضايقك أحد ؟؟ ...... هل هو لسان حور الأفعواني ؟؟ ..... أنا ادرى الناس بها ..... منذ أن أتت و كلماتها الطائشة تطيح و تضرب في الجميع كقوالب الحجر , لكنها تعود و تندم بعدها صدقيني .... كنت أظنها قد هدأت في الأيام الأخيرة و ارتاحت نفسها قليلا لكن ... .....)
هزت صبا رأسها نفيا مجددا و هي تهمس هذه المرة
( حور ليس لها دخل أبدا يا عاصم ....... اتركها في حالها )
همس عاصم و قد زاد قلقه أكثر حين ضاع منه سبب بسيط كإختلافات حور و صبا و بدأت الهواجس المخيفة تلعب برأسه .... فقال بجدية
( تكلمي يا صبا ....... لقد بدأت أن أقلق )
أخذت صبا نفسا مرتجفا قبل أن تهمس بإحباط
( أنا لست حامل ............. )
ظل ينظر اليها قليلا دون أي تعبير و كأنه لم يسمع شيئا .... بينما بدى الغباء على وجهه , قبل أن يبدأ احمرار الغضب في الإنتشار فوق وجهه .... ثم هتف أخيرا بغضب
( والله يا صبا أنتِ تستحقين ان يتم ضربك ... الى أن يظهر لك من يدافع عنكِ ....... يا حمقاء لقد أرعبتني )
تأفف بضيق و هو يزفر براحة في نفس الوقت ..... ثم نظر اليها وهي تمسح دموعها برقةٍ و دون صوت .... فلانت ملامحه و رق قلبه لها ..... فهمس لها مبتسما
( حسنا يا صغيرة العقل ....... ما الذي ذكرك بالأمر الآن تحديدا بعد أن أعددتِ كل هذه الإحتفالات المثيرة للإهتمام من أجلي ...... هل ارتديت القميص الفيروزي كي تبكين بنفسٍ مفتوحة بين أحضاني !!! ..... )
هزت رأسها نفيا بعد أن توقفت دموعها ... دون أن يغادر الإحباط ملامحها ثم همست
( كنت متأكدة أنني حامل هذه المرة ...... لقد مر من الوقت ما يكفي لأصبح أكثر من متأكدة , حتى أنني من صغر عقلي أجلت الإختبار الى حين موعد وصولك كي نبكي سويا في نفس اللحظة .........لكني لست .... )
ظل عاصم ينظر اليها بوجوم قليلا .... قبل أن يقول بمرح زائف
( كي نبكي سويا ؟!!! ....... ياللكآبة !! ...... و يا لخسارة القميص الفيروزي !! )
لم ترد على مزاحه ولم ترفع وجهها اليه .... فمد يده متنهدا ليرجع خصلة من شعرها خلف اذنها كي يرى وجهها المنكس ليقول برفق
( صبا ..... ارجوكِ انسي هذا الموضوع قليلا , منذ أن ذهبت للطبيبة من عدة اشهر و أنتِ قد حولتِ حياتنا الى جدول بمواعيد و حسابات ..... اريد فقط أن أحظى بك بين ذراعيّ دون عبء انتظار النتيجة ...... )
همست صبا دون أن تنظر اليه
( لقد مر أكثر من عام يا عاصم ........ )
رد عاصم مبتسما وهو يداعب وجنتها المحمرة ....
( ولو عشر سنوات ......... )
همست صبا بمزيد من الحزن
( ولكني أعاني من مشاكل صحية قد تطول ......... )
همس عاصم بحزن وقد استبدل اصابعه بشفتيه
؛( لا يوجعني فيها سوى آلامك .......... )
رفعت عينيها الحمراوين الى عينيه ..... ثم همست بإختناق
( حقا ؟!!!! ............ )
ابتسم عاصم لعينيها الجميلتين و همس بعشق
( هل عندكِ شك أنكِ أحلى و أغلى امرأةٍ في الدنيا ؟؟ ........ )
ابتسمت له بعشقٍ يذوب من عينيها لعينيه .... هامسة بصوتٍ لم يسمعه تقريبا , بل قرأ شفتيها
( أنا أحبك يا عاصم ......... )
همس عاصم من عمق قلبه و كيانه و كأنه يحاول جاهدا أن يقنعها متأوها
( و أنا أعشقك يا روح عاصم ..........ثم لماذا اليأس ؟؟ .... يوما سأذكرك حين تحملين طفلنا و تنسينني أنا تماما و حينها سأتذمر منه و أرميه خارج الغرفة كالقطط المُسرّبة )
ابتسمت صبا بحزن لتهمس برقة
( لا يهمني الطفل يا عاصم ...... أريده ... بل أتمناه , لكنني لن أموت بدونه ..... انه رزق من رب العالمين )
همس عاصم وهو يضمها اكثر اليه
( اذن ما المشكلة ؟؟ ................ )
استكانت على صدره قليلا .... قبل أن ترفع وجهها اليه لتهمس بضعف
( أخشى أن ...... تتزوج غيري يوما ما ...... )
اتسعت عينا عاصم بدهشة ..... الا أنها تابعت بهدوء و اتزان
( اتذكر حين هددتني ذات مرة بأنك ستتزوج حنين بعد أن تخلصها من جاسر ؟؟ ....... لقد صدقتك حينها .... صدقتك لأن هذا البيت و مثله من البيوت لها قوانين تختلف عن قوانين و قواعد بيتي الذي نشأت به .....
صدقت أنك من الممكن أن تتزوج حنين حفاظا على سمعتها حتى ولو كان هذا ضد رغبتك ..... لكن كونها ابنة عمك و قد اصابت سمعتها اي شيء فأنت على استعداد لتخرس ألسنة أيا كان ... و تتزوجها ...... )
صمت عاصم بعينين متسعتين ... و فمٍ فاغر قليلا .... لكنه لم يجد ما يسعفه به تفكيره كي يرد في التو .... فتابعت هي بهدوء
( أتعلم ما أكثر ما صدمني ؟؟ ...... هو أنني للحظة ... للحظة فقط نسيت مشكلة حنين و ألمها و احترق صدري بنارٍ لا تهدأ ..... شعرت بقلبي يتمزق و أنا أتخيل مشاركة امرأةٍ اخرى لك .......
و الآن ..... الآن .... من ثاني أهم القوانين في هذا البيت , .... هو الوريث الذي تدعو عمتى من أجله ليل نهار ... في وجودي و في غيره .....
الطفل الذي سيحمل اسم رشوان ..... انها ليست مسألة عابرة , كما في باقي البيوت ربما ......
لذلك تتجدد تلك النار في صدري مجددا .... أكثر ما يصدمني في نفسي هو أنني يجب علي كإنسانة مؤمنة ... أن أطلب منك أن تتزوج اذا ما حدث و فقدت الأمل في العلاج .......
لكني لن أستطيع ذلك , رغما عني لن أستطيع ..... إنه يفوق قدرتي أن تشاركني بك غيري , كما أنني لن أستطيع تحريم ما حلل الله .... لذا سأرحل بمعروف .... و أترك قلبي ميتا .... هل صٌدمت في ؟؟ ....... )
سكت عاصم قليلا ينظر اليها دون تعبير مقروء ..... ثم تكلم أخيرا ببطء و هدوء
( حسنا ...... أجيبيني على سؤالٍ واحد .... هل نفذت تهديدي و تزوجت حنين لأطبق أولى قوانين هذا البيت و مثله من البيوت ؟؟؟ ......... )
ظلت صبا تنظر اليه بعينين حمراوين قليلا قبل أن تهز رأسها نفيا ببطء .... أومأ عاصم برأسه ثم قال بهدوء
( جيد .......... سؤال آخر , هل نفذت أي قوانين خاصة بهذا البيت .. و أنا أتعامل معك ؟؟ ....... )
عادت لتهز رأسها نفيا بصمت ..... فأومأ برأسه مجددا ليقول بهدوء
( جيد ...... سؤال أخير , هل تبين لكِ الآن أنك معدومة العقل و لست حتى صغيرته ؟؟ ........ )
ابتلعت ريقها دون أن تجيب نفيا هذه المرة ..... فقال عاصم بخشونة
( أجيبي ..... لن أتركك حتى تقولي " أنا غبية " ..... هيا ..... ولو بقينا هنا لأسبوع ..... لن أترك الى أن تقولي " أنا غبية " ........ )
همست صبا بجدية
( عاصم ........ هل يمكن .... أن تفكر في الزواج من أجل طفل ذات يوم ؟؟ ..... )
سكت عاصم وهو ينظر الي عينيها بجدية أخافتها ..... ثم قال أخيرا بهدوء
( ممكن ....... لأنني بشر )
فغرت شفتيها و شعرت بطعنةٍ في قلبها .... و النيران .... النيران بدأت تحرقها لتعذبها حية دون رحمة ... وهي تتماسك و تقوي نفسها كي لا تعترض على مشيئة الله ....
فأومأت برأسها مطرقة بتفهم .... لكنها لم تستطع أن تنطق ... فقط تحتاج الوقت لتتعامل مع ألمها القوي و تبتلعه ...... الا أن صوت عاصم جاء هادئا قاطعا
( لكن هناك مشكلة واحدة فقط ............. )
رفعت وجهها اليه ... تنظر اليه بصمت , دون أن تنطق و الا فسوف تنفجر بالبكاء .... فتكلم عاصم أخيرا ناظرا الي عينيها بوضوح
( المشكلة هي أنني سأكون مجبرا على أن أعدل بينكما ..... ....
و هذا هو ما لن أستطيعه ..... لن أقوى على العدل بينك و بين امرأة سأتزوجها لأنجب منها ....
لن أعدل معها في قلبي .. ولا في وقتي .... و لا في تفهمي و تحملي لها ......
لقد جعلتِ من ذلك مستحيلا يا بنت السلطان ..... لذا لن أظلم امرأة أخرى في زواجي منها بتلك الطريقة أبدا ...
لأنها لن تكون أبدا في مثل مكانتك عندي .........)
امتلأت عيناها دموعا بمنتهى القسوة ... و ارتجفت شفتاها بشدة .... و نبض قلبها بعنف و هي تهمس بإنفعال
( حقا يا عاصم ؟؟ ............ )
نظر اليها طويلا قبل أن يجيب بخفوت
( هل عندكِ شك أنكِ أحلى و أغلى امرأة في الدنيا ؟؟ ...... )
ضحكت وهي تبكي بنعومةٍ لتهز رأسها نفيا بثقة ...... فابتلع عاصم غصة في حلقه ليقول بخشونة
( اذن ...... هل سيكون للقميص الفيروزي التعيس أي دورٍ الليلة .... أم أنه للعرض فقط ؟؟ .....)
ضحكت مجددا وهي تمسح دموعها الغزيرة المنسابة دون توقف .... لتومىء برأسها دون أن تجيب ....
فتنهد عاصم بصوتٍ جهوري مغمضا عينيه مرجعا رأسه للخلف .... هاتفا
( الحمد لله ...... كنت قد بدأت أن أيأس ..... )
ثم فتح عينيه و نظر اليها ليقول مبتسما بخبث
( ولو كنت يأست كنت سأنفذ قانون البيت الثالث في هذه الحالة .......... )
احمر وجه صبا بشدة ... لتهمس بترقب
( وما هو القانون الثالث في هذه الحالة ؟؟ ......................... )
أجاب عاصم بثقة و كبرياء
( حين تغضب المرأة زوجها ........ ينزل الي أمه كي تطعمه )
ضربته صبا على صدره عابسة ... بعد أن رفعها معه الى عالم حالم مترقب ..... فضحك عاصم بقوةٍ ليميل بها و يسقط معها فوق السرير هامسا
( الليلة يا صبا ..... لا جداول و لا حسابات و لا انتظار و ترقب للنتائج ..... الليلة أنا و أنتِ و القميص الفيرزوي فقط ......... )
أومأت برأسها عاشقة حالمة ..... هامسة راضية
( أحبك أكثر من نفسي ......... )
لكن الرد لم يصلها شفهيا .... ربما لو انتظرت بعد أن يأكل في اليوم التالي ............
.................................................. .................................................. ............................
اجتمعت العائلة ... في مائدة ضخمة , احتفالا ببدء المشروع ... روضة الأطقال (**فكرتي**) .....
لذا أصر عاصم على دعوتهم جميعا الى العشاء خارجا .... على الرغم من رفض روعة القاطع ثم تذمرها ثم قبولها على مضض .....
فقد كانت تستطيع صنع طعام بيتي أفضل الف مرة من طعام الأسواق الذي لا يعلم مصدره أو نظافته الا الله ....
كما أنها لا تحب الخروج من البيت .... الا ان عاصم أصر بشدة .... ففرحته الخفية بحور فاقت حتى فرحته بحنين ... حنين دائما كانت قوية و يعتمد عليها ... و ما أن تقع حتى تنهض سريعا بمرونة .....
أما حور فلم تسير في خط حياتها سوى بضع خطوات .... بينما الباقي كان سلسلة من الوقعات .....
لذا أصر على عزيمتهم في أغلى مكان ....." مطعم مشويات و محشوات ".... يكاد يكون شعبيا بجدارة.... لكنه اليوم يشعر بالجوع و يرغب في الأكل بشراهة .... وأكل المطاعم الراقية لن يجديه نفعا .....
لذا و بعد تذمر حور الشديد من اختيار المكان وافقت صاغرة بعد أن قال عاصم بصرامة
( أنا من سأدفع ..... أي أنني أنا رأس المال لذا أنا من سيقرر المكان ...... إن أردتِ إختيار المكان , فلتذهبي اليه ببطاقتك الذهبية و احجزي طاولة بمفردك و تمتعي بالإحتفال وحيدة مع الأكل المسلوق و الطحالب ........ )
لكن كانت هناك مشكلة واحدة للأسف ... و هي اضطرارهم صاغرين لدعوة جاسر رشيد ...
بما أنه زوج حنين رغم أنفهم .... لذا توجب عليهم البدء في محاولة تقبله .... خاصة بعد أن بدأ يقبل على الأختلاط من جديد بعد الحادث .....
لذا بعد أن تعامل عاصم مع تذمر حوربسبب المكان ... ثم تذمر روعة بسبب الأكل خارجا ...
بدأ صابرا في التعامل مع تذمر مالك في تقبل وجود جاسر في حدث عائلي خاص .... خاصة بعد حركته الأخيرة في توظيف أثير دون علمه .......
لكن في النهاية امتثل الجميع .....
كما أن صبا يجب أن تكون سعيدة اليوم ..... ولو اضطر الى تكميمهم و تقيدهم كلهم و شحنهم الى المطعم ..... انه لا يوفر جهدا عاطفيا و غزليا في سبيل ارضائها ... حسنا و ارضاء نفسه ايضا ....
الا أنها في حاجة للجمعة و الضحك و المرح ...... و طالما أن بنت السلطان في حاجة لشيء , فلن يوفر جهد في سبيل تحقيقه .......
كان عاصم يهمس لصبا .... لا يكاد يتركها تغيب عن نظره .... يبتسم لها و يداعبها ... و يضع الطعام في طبقها كلما نفذ ......
غزله كان شغوفا لكن راقيا .....
الشيء الوحيد الغير راقي هو تشميره لكمي قميصه حين وصل الطعام للمائدة .... و أكله بيده , راضيا غير مباليا ...فالليلة .... الليلة هو في عشاء مع أحب الناس الي قلبه ....مع عائلته .... و ليس في عشاء عمل محنط .....
أما مالك و أثير .... فكان غزلهما جزءا من فيلم كارتون رومانسي
( ريبانزل ... ذات الشعر الذهبي الطويل و اللص الذي أحبته ....... )
همساتهما و انفعالاتهما ببعضهما وردية ...... نظراته لها متأملة و مبتهجة .... يراها و يضحك منها و هي تأكل من هنا و تتذوق من هناك.....
بينما جاسر و حنين كانا حكاية أخرى .....
حيث نشب بينهما خلافٍ قبل أن يصلا مباشرة .... وهو ما يعرف بالخلاف الإفتراضي ....
حيث كانت جالسة بجواره في السيارة التي يقودها سائقه و هما في طريقهما الى المطعم ....
فمال اليها جاسر هامسا بوله
؛( ألم أقل لكِ كم تبدين جميلة اليوم ؟؟ ......... )
همست حنين محاولة الا يصل صوتهما الى السائق
( لا لم تقل ..... و أمامك ثلاث ثوانٍ فقط لتسمعني شيئا عن جمالي و الا عقابك معي الليلة سيكون عسيرا ..... )
همس جاسر لأذنها فقط
( لا .... لا .... كله الا عقابك , لقد طال الإنتظار و تعب القلب يا زيتونة ....... )
امتعضت حنين وهي تهمس
( باقي ثانيتين و كلمة زيتونة ليست ضمن الغزل المعترف به دوليا ......... )
همس جاسر لها
( و ما ذنبي إن كانت عيناكِ بخضار الزيتون ؟؟ ....... و ما حيلتي و قد عشقت الزيتون من بعد أن عشقت عيناك فاستبدلت التفاح به ........ )
تسللت ابتسامة خائنة من تحت شفتيها الممتعضتين كذبا ... لكنها همست بحزم
؛( باقي ثانية واحدة و ستنام الليلة في المرآب ..........مع المسامير و السحالي البرية )
نظر بسرعةٍ الي الشعر الطويل النائم على كتفٍ واحد ....
الغيرة تقتله من كلِ عينٍ ستقع عليه الليلة .... لقد استطال و سافر مبتعدا ليسبح حتى خصرها النحيل يكاد أن يتجاوزه .... في مثل هذا اليوم من العام الماضي كان شعرها يتجاوز منتصف ظهرها بقليل .... فكيف طال بهذا الشكل الغريب ....
أما آن اليها أن تتعقل و ترتدي الحجاب ؟!! .... من في مثل عمرها قد مضى على حجابهن ما يزيد عن عشر سنوات !! .....
تأفف في نفسه وهو يتطلع شوقا الى ثوبها الجميل المنقوش بورود خوخية وذو الأكمام المنتفخة و المجموعة في رباط أنيق تحت مرفقها ......و الخصر النحيف نحافة خاتمها في اصبعه .....
و عيناها ..... آآآهٍ من عينيها و الكحل يظللهما ببراعة .... فتفتح خضارهما و ظهر بخجل ..... بينما الشفتين المكتنزتين غارتا من خوخات الثوب لتتلون بنفس اللون .....
حفنة مشتعلة من الجرأة و البراءة ........ من المرح و الشرود ..... من ذا الذي يجرؤ على الا يعشقها ؟!! ....
همس أخيرا وهو يميل اليها أكثر ....
( جمالك الليلة .... ألجمني و لا أجد القدرة على الكلام بما يليق به )
زمت حنين شفتيها الشهيتين و كتفت ذراعيها و هي تهمس متذمرة مستاءة
( إنها حجة المتحاذقين و متبلدي المشاعر ........ )
همس جاسر مسترضيا
( بريء ..... لكن لو تكلمت فقد لا يعجبك وصفي )
التفتت اليه هامسة بابتسامة خائنة
( حاول ............ )
فمال أكثر ليهمس بنعومةٍ إنما بخشونة
( أنتِ زيتونة مُخللة ......... )
تأففت حنين بصوتٍ عالٍ وهي تدير وجهها الى النافذة من جديد حتى أن السائق نظر اليها في مرآة السيارة
فهمس جاسر محذرا و مهددا
( هشششششش ....... )
همست له بجفاء دون أن تلتفت اليه
( القي التحية الى السحالي الليلة بالنيابة عني ....... )
فتابع جاسر دون أن يعيرها انتباها
( تفتح شهيتي .... لكن لا تشبعني .... تغيظني بمرارتها , لكن يبقى منها أثرا أحلى من الشهد بعد تذوقها .... تمتع عيني بلونها الأخضر بينما عسلها ينساب عليها فيزيدها بريقا ...... )
ظلت تنظر الى الليل الممتد من النافذة أمامها .... بينما شفتيها فاغرتان .... و قلبها يرقص و أذنيها تطربان بما تسمع .... التفتت اليه أخيرا , لتهمس بغيرة ....
( من علمك هذا الكلام ؟ ......... )
ابتسم لها جاسر ليهمس بحب
( لقد ارتجلته حالا من وحي عينيكِ ..... إنها قصيدتي الزيتونية )
انسابت ضحكة هامسة من بين شفتيها .... فهمست حبا و دلالا
( أهي رشوة ....كي أترك مشروعي و آتي للعمل معك ؟؟ .....أم رشوة كي لا تبيت مع السحالي ؟؟ .... )
ابتسم ليميل الي أكثر و أكثر ..... غير مباليا بسائقه المتلصص , طالما أنه لن يسمع شيئا .... ثم همس
( طبعا كي أبيت في حضن زيتونتي ...... أما العمل , فمشروعك لا بأس به لأنه لا وظائف شاغرة لدي حاليا )
نظرت اليه حنين بإهتمام لتقول
( ومن ستكون مساعدتك الجديدة ؟؟ ........... )
رد عليها ببساطة
( حتى الآن لم تتقدم الشقراء زرقاء العينين باستقالتها ....... )
اتسعت عينا حنين بذهول و هي تهتف مستهجنة
( ياااا سلااااااام !!! ........... لقد انقطعت عن العمل لشهرين دون ابداء أسباب و بعد هذا تنتظر استقالتها !!! ..... الا ترى أنك تبدي اهتماما أكثر من اللازم ؟!!! ....... الا يكفي انك كدت أن تسبب جريمة في العائلة بسببها ؟؟ )
عبس جاسر من لهجتها المتهمة بشيءٍ ارتكبه و يجهله ..... فقال بحيرة
( ومن قال أنني سألح عليها في العمل عندي ؟!!! ..... )
هتفت حنين بذهول
( و تلح أيضا ؟!! .......... )
عقد جاسر حاجبيه ليقول بدهشة
( قلت من قال أنني سألح ؟!!! ..... هل اذنيك سليمتين أم ماذا!!! )
كتفت حنين ذراعيها وهي تلتفت اليه بكليتها قائلة بجدية
( كنت أظن أن الموضوع أصبح منتهيا ........... )
هتف جاسر بحيرة
( و ماذا قلت أنا ؟!! ........ كل ما قلته هو انها قد تنال بعض المعاملة المميزة نظرا لصلة القرابة , فلو أحبت العودة لعملها فسأوافق ..... ظننته جميلا أو معروفا ..... خاصة انها لم تنقطع عن العمل طوال فترة بقائي في المشفى بناءا على أوامرك ......أم نسيتِ ذلك !! ...... )
قالت حنين بجدية و قسوة
( اذن ماذا لو اردت أن أقبل العمل الذي عرضته عليّ؟؟ ........ كيف ستتصرف حينها ؟؟ )
ضرب جاسر كفا على كف وهو يقول حائرا
( آمنت بالله العظيم ....... يا بنت الحلال الى أين نحن ذاهبان الليلة اذن ؟!!! ..... اليس هذا الإحتفال ببدء مشروعك ؟!! )
صممت حنين ضاربة الأرض بقدمها قائلة بجدية
( افترض ........... )
هتف جاسر بعدم فهم
( افترض ماذا تحديدا ؟!!! .......... )
قالت حنين دون رحمة
( افترض أنني أردت الوظيفة التي سبق أن عرضتها علي ...... و افترض أن أثير عادت للعمل لديك ..... فمن منّا ستختار ؟؟؟ ......... )
نظر اليها جاسر و كأنه ينظر الي مجنونة ... ثم قال بهدوء
( لا أحب الأسئلة الإفتراضية ..... إنها لا تصل الي أي نتيجة )
لكن حنين أصرت بجدية
( أنا مصرة ........ افترض و أجبني )
ظل جاسر ينظر الي ملامحها الصلبة لفترة ثم رفع حاجبيه قائلا بهدوء
( حسنا ...... كما تشائين , ...... سأمنحها وظيفتها , أولا لأنها تحتاجها بينما أنتِ لا .... و لا أقصد الجانب المادي خاصة بعد زواجها من ابن عمك ..... ثانيا لأنها لم تفعل شيئا كي أطردها من العمل و أستبدلها بكِ ...... ثالثا لأنني عرض عليك الوظيفة من قبل و أنتِ رفضتها ..... فقبلتها هي على الرغم مما سببته لها من مشاكل .... )
ظلت حنين تنظر اليه غير مصدقة .... ثم همست مبهوتة بخفوت
( لكني زوجتك ....... حنين ......حنين حبيبتك ..... . بهذه البساطة تستبدلني ؟!! )
رفع حاجبيه بذهول
( متى استبدلتك ؟؟؟ ...... و بمن ؟؟؟؟ ...... )
التفتتت حنين الى النافذة هامسة
( لا أريد التكلم في الموضوع أكثر ............ )
نظر اليها جاسر بنفس الذهول ثم هتف أمامه بصرامة
( أسرع قليلا ....... فالجو بات خانقا هنا )
و هاهما الآن جالسان كقضبين متنافرين .... و فم كلا منهما بطولِ شبرين .......
لكن عامة كان كل شيءٍ لطيفا وديعا ........
الى أن رفع عاصم كأس الخروب قائلا بمرح
( نخب مشروع حنين و حور الجديد .......... و عسى أن يكون فاتحة خير عليهما )
حينها هتفت أثير بلهفة
( و أنا معهما ...... لقد نَسِيتَني ......... )
ضحك عاصم عاليا .... ليومىء برأسه و كأنه يسترضي ابنته
( نخب مشروع حنين و حور و أثير معهما ........... )
بينما أمسك مالك بكفها يرفعها الي فمه ليقبلها مبتسما بحنان غير مباليا بالمكان العام ....
بينما التفت جاسر الى حنين بذهول قائلا بسعادة زائفة
( و أثير معهما !!!!!!! ....... ياله من خبرٍ مبهج الليلة !!! ...... )
ارتبكت حنين و هي تطرق برأسها هامسة من بين أسنانها
( الغبية ......... الغبية ...... )
مال اليها جاسر ممسكا بكأس الخروب هامسا لأذنها
( ألف سلامة للخلافات الإفتراضية ........... )
نظرت اليه حنين هامسة بارتباك تحاول أن تكون قدر الموقف
( ليس هذا بيت القصيد ...... كانت لي وجهة نظر أحببت اثباتها بغض النظر أين ستعمل أثير في الواقع ..... )
نظر اليها جاسر نظرة مخيفة .... ثم قال بهدوء
( حسنا يا زيتونة ...... لنا حساب لدى عودتنا ...... فقط اصبري )
ارتجفت للحظات قبل أن يرغمها على ارتشاف الخروب من كأسه هامسا
( اشربي و هدئي أعصابك ..... اشربي )
ابتلعت ببطء ..... و هي تشعر بأنها بالفعل قد تجاوزت حدودها ..... لذا آثرت أن تمرر الليلة على خير و الا تستفزه أكثر ........
و قد كاد أن تمر الليلة على خير ...... كادت ....... لولا أن استأذنت أثير في الى الذهاب للحمام .......
و ما أن خرجت ..... حتى اصطدمت برجلٍ اعترض طريقها .... فابتعدت بسرعةٍ و قد احمر وجهها بشدة , فهمست مرتبكة
( آسفة ....... لم انتبه ........ )
وحاولت تجاوزه ..... الا أنه اعترض طريقها مجددا قائلا بصوتٍ خفيض
( كيف حالك ؟ ......... )
رفعت عينيها اليه بدهشة ..... و همست بارتباك
( عفوا ....... هل تعرفني ؟؟ .......)
قال الرجل بنظراتٍ غير مريحة و حاجب مرتفع
( بالطبع ........ الا تتذكرينني ؟..... )
نظرت اليه مليا .... الا أنها لم تتذكر أنها قد رأته من قبل , فهمست معتذرة
( آسفة يبدو أنك مخطىء ....... و قد خالطت بيني و بين شخص آخر , عن اذنك )
الا أنه لم يسمح لها بالمرور وهو يقول ببطىء مثير للقرف
( لا لم أخطىء بك يا شقراء ...... بعينكِ الزرقاوين هاتين ..... الستِ أنتِ من كنتِ تعملين في "****" ؟؟ ...... )
تسمرت مكانها تماما و توقف قلبها ......بينما تابع الرجل بسماجة و انتصار
( مثلك لا يخطئها الرجل أبدا يا ملونة .............. )
نظرت اليه أثير بشراسة بينما كان جسدها كله ينتفض بقوةٍ و رعب .....فهمست بتهديد
( ابتعد عن طريقي ............... )
الا أنه قال مبتسما
( لكن كيف تدهور حالك الى هذا الحال ؟!! ....... بعد أن كنتِ " برينسيسة " .... تتنقلين بدلالٍ و رشاقةٍ بين الطاولات ... و المشروب من يديك الحلوتين يزداد حلاوة ...... أصبحتِ تعملين في محل مشويات و كباب !!! ..... ياللقرف !!! ...... لن تغادرك رائحة الفحم و اللحم يا جميلة ...... بعد أن كانت العطور تغطيكِ ......و ذلك الجسد الذي اختلست منه لمسة ذات ليلة ..... آآآه يا قمر .. )
كانت أثير متسمرة أمامه تلهث بصعوبة ..... بينما وجهها الشرس تتوسطه عينان ممتلأتان دموعا حبيسة .... و قد عجزت عن الحركة خوفا من أن يلامسها بيده مثلما كان يفعل زبائن هذا المكان القذر مع النادلات .....
و بالفعل اتسعت عيناها و تراجعت وهي تراه يقرب يده من خصرها ......
الا أنها فجأة رأته يندفع للخلف ليسقط على الجدار من خلفه .... لترى عصا جاسرو الذي كان متجها للحمام الرجال المقابل قد ضربته في بطنه .... و قبل أن يستقيم , كان جاسر قد رفع عصاه ليدس قاعدتها في عنقه .... فتسمر مكانه مشلولا من الألم .... و جاسر ممسكا بياقة قميصه بقبضته الأخرى وهو يقول بهدوء
( اعتذر لها ....... )
هتف الرجل بعينين جاحظتين
( أعتذر ...... اعتذر ....... آسف ...... )
الا أن الناس قد اجتمعت و أثير تضع يديها على فمها برعب .... لتجد أن مالك قد أتى بحثا عنها حين تأخرت و ما أنى رأى ما يحدث ..... حتى هجم على الرجل جاذبا إياه من بين قبضتي جاسر صارخا بوحشية
( ماذا فعل لها ؟؟ ....... ماذا فعل ؟؟ ....... )
صرخت أثير متمسكة بذراعه برعب
( لم يفعل شيئا يا مالك ...... اقسم بالله لم يفعل شيئا .......)
أبعده جاسر عنه بصعوبة وهو يحاول أن يستند الى عصاه قائلا
( لم يحدث شيء ...... هيا لنبتعد ...... )
تركه مالك بعد منازعة و بعد أن تدخل الناس لفض الشباك .... الا أن الرجل حين ظن نفسه في مأمن صرخ من خلفه ......
( إن كانت تخصك ..... فقد كانت تخص الجميع في حانة *** )
حينها هجم مالك عليه مجتازا الجموع بينهما .... ليكيل اليه ما يستطيع بينما جاسر يتشبث به بصعوبةٍ صارخا
( كفى ........ هيا كفى ............ )
استدار مالك يلهث .... ليجذب أثير من يدها معه .... الا أنه تسمر مكانه حين وجد أسرته كلها واقفة تنظر بصدمةٍ و ذهول ..... لكن افظع النظرات كانت نظرات أمه المذهولة ......
.................................................. .................................................. ............................
وصل جاسر و حنين الي بيتهما أخيرا ...... و لاحظت حنين أن عرج جاسر قد ازداد قليلا .... فأسرعت تسنده اليها هامسة بقلق
( ماذا بك يا جاسر ؟؟ ...... هل تؤلمك ؟؟ ...... )
قال جاسر بهدوء
( لا بأس لقد ارتكزت عليها بطريقة غير سليمة ليس الا ......... )
ساندته حنين الى أن جلس على حافة سريره .... فانحنت مبتسمة هامسة
( أنا سأخلع لك حذائك يا سيدي ....... انظر كم زوج مثلك , زوجاتهم يخلعن لهم أحذيتهم ..... )
ابتسم جاسر دون أن يرد ...... فساعدته مبتسمة بصمت الى أن ارتدى بنطال بيتي رياضي مريح ..... لكنها بقت جاثية أمامه تنظر اليه مبتسمة بحزن لتهمس بعدها
( أنا آسفة يا جاسر ........ )
رد جاسر مبتسما بهدوء
( على ماذا ؟؟ .......... )
ردت حنين بخجل
( على الحماقة التي تفوهت بها في السيارة ....... أنا خجلة من نفسي جدا )
رد جاسر بهدوء
( لكِ كل الحق أن تخجلي من نفسك ...... اذا كنت أنا نفسي خجلان منك )
زمت حنين شفتيها بحنق ... " ها هو سيتدلل و يتمادى ....... "
لكنها أجبرت نفسها على الهدوء قائلة بخفوت
( المسألة ...... المسألة هي أنني ...... على ما يبدو .... قد جربت ذلك الشعور الذي يتحدث عنه الناس .... و اسمه .........)
لم تكمل على الفور فشجعها جاسر بهدوء رافعا حاجبيه بإتزان قائلا يستحثها
( اسمه ؟؟؟ ..........)
زمت حنين شفتيها أكثر وهي تشعر بحنقٍ أكبر عليه وهو يجلس أمامها كملك ينظر في قرار العفو .....
سعلت حنين بكلمة ما ..... فقال جاسر بهدوء
( لم أسمع ........ )
تأففت حنين ناظرة الي السقف .... ثم نظرت اليه لتقول بعدها بغيظ مكتوم
( بالغيرة ...... شعرت بالغيرة )
انتظر جاسر ينظر اليها عدة لحظات قبل أن يقول
( الغيرة تكن لطيفة حين تكون في محلها ...... اما الغيرة من زوجة ابن عمك , فهذا أمر مشبوه ..... )
تنهدت حنين بيأس لتنهض و تجلس بجواره صامتة .... ثم مدت يدها تمسك بيده و تتخلل أصابعه هامسة باحباط
( في البداية ...... لم اكن أريد وجود أحدا جميلا من حولك , هذا أولا ........
لكن ثانيا ........... ثانيا , شعرت بصدمة حين لم تجعلني الأولى كما عودتني ......
جاسر , ..... أنا ....... أنت منحتني هذا الشعور بالتميز عن الجميع ...... و خشيت في لحظة أنانية أن أفقده بعد أن تذوقت طعمه ....... )
أمسك بكفها بقوةٍ ..... قبل أن يقول بهدوء
( انظري الي ........ )
رفعت عينيها اليه بإستسلام ...... ليقول بثقة ....
( أتتذكرين حين همستِ لي ..... " وعد مني لن أحب غيرك بالوجود " ..... )
أومأت برأسها بوداعة و هي تفكر
" انه لا يزال يجهل أنها جملة من أغنية ..... بل لا يزال يجهل صابر الرباعي نفسه "
لكنها صمتت منتظرة ..... فقال جاسر بثقةٍ أكبر مشددا على كل حرف , آسرا عينيها
( الآن ...... هذا وعد مني ....... بأنني لن أحب غيرك في الوجود , لذا لن يتوقف جمالك في عيني ... و لن يضيع تميزك في حياتي ..... و لن تتزعزع مكانتك بقلبي ...... لأنني أحبك ..... أحبك ..... فهل هذا ضمان كافٍ لكِ ؟؟ )
تنهدت حنين و هي تهمس من كل قلبها
( بل أكثر من كافٍ ........... )
فرفعت ذراعيها حول عنقه ..... لتهبه قبلة من أروع قبلاتها ..... ليرد لها الهدية بهدايا متعددة و متنوعة ...
لكنها نظرت اليه بخجل لتهمس رغما عنها
( حسنا..... شيء أخير واحد ....... هل ..... هل ترى أثير جميلة ؟؟ ........ )
نظر اليها بغضب وهو يقول
( الا فائدة ؟؟ ................. )
همست حنين تتعلق بعنقه مترجية
( فقط أجبني ....... أرجوك ....... )
أحاط خصرها بذراعيه يجذبها اليه بقسوةٍ ليقول بخشونة
( هذا أغبى سؤال يمكن أن تسأله زوجة لزوجها ....... و عقابا لكِ سأجيبك بالحقيقة التي تتوقعين سماع عكسها ..... أنها في الحقيقة لعبة جميلة ........ )
فغرت حنين شفتيها .... لتنزل ذراعيها من عنقه ..... هاتفة بغضب و هي تدفعه عنها
( ابتعد عني يا جاسر ...... ابتعد عني ....... )
لكنه شدد على خصرها حتى استسلمت حانقة ..... فقال بعد فترةٍ بوضوح
( لكنك أجمل ألف مرة .......... )
نظرت اليه بطرف عينيها ثم قالت بحزن طفولي
( هذه المجاملة لن تفيد شيئا ......... لقد رأيتها جميلة و انتهى الأمر )
هزها جاسر بقوةٍ ليقول صارما
( بل أنت الأجمل اكثر من الف مرة ....... يا حمقاء , الا تدركين ذلك من نظراتي !! )
رفعت اليه عينين طفوليتين .... ثم همست
( نعم ........ أراني عروسا في كل نظرة .......... )
ابتسم بغموض ليهمس بشوق
( نعم يا عروسي المتجددة ...... أنتِ الأجمل ألف مرة ....... )
فتحت شفتيها تنتوي أن تراضيه مجددا .... الا أنه قال بخفوت
( أتدرين لماذا أعاملها معاملة مميزة ؟؟ .......... )
وقع قلبها بين قدميها وهي تهمس بانقباض
( لماذا ؟؟؟ .............. )
همس جاسر بنعومة
( لأنها تذكرني بنوار ........... )
هتفت حنين بأنين .....
( هذا ليس عدلا ...... إنها لا تشبهها إطلاقا ..... كن صادقا معي ..... )
همس جاسر مؤكدا
( قد لا تشبهها في الملامح بالفعل .... على الرغم من عينيها و شعرها , الا أن روحها تشبه نوار بطريقة لاحظتها من أول مرة ........ )
همست حنين برجاء
( حقا ؟؟ .............. )
ابتسم لها جاسر ليقول برقة
( نعم ..... و أراهن أن هذا هو ما لاحظه ابن عمك ............... )
همست حنين بشرود
( لا أصدق ذلك أبدا ........ لكن عامة لقد أشفقت عليها تماما الليلة , بدت وحيدة , صغيرة , و مرتعبة من ذلك الحقير ....... )
أومأ جاسر قائلا
( فقط فلنتمنى أن تمر الأمور بينهما بخيرٍ الليلة ................... )
همست حنين
( يا رب ............................. )
ثم نظرت اليه لتهمس بخجل مبتسمة
( اذن ........ هل سامحتني ؟؟ ................. )
ابتسم جاسر ... ليهبط بوجهه الى وجهها ببطء , فرفعت وجهها اليه مغمضة عينيها .... الا أنه همس في اذنها برقة
( الم أقل لكِ بأن بيننا حسابا في البيت ؟؟؟ ...... )
همست حنين بهيام منتظرة
( هاااااااااه ........... )
فرد جاسر بهدوء حازم وهو يرفع وجهه
( اذن عقابا لكِ سأبيت الليلة مع المسامير و السحالي ..... فلدي عمل متأخر بالمرآب .... )
ثم نهض أمام عينيها المذهولتين .... ليرتكز على عصاه ... متجها بإبتسامةٍ خبيثة للباب ....بينما همست هي تتعثر
( لكن ...... لكن ....... )
لكن لا حياة لمن تنادي ...........................
.................................................. .................................................. ...........................
جثا مالك أمام أمه الجالسة في غرفتها صامتة دون تعبير يعلو وجهها .... ليمسك بيديها بين يديه بقوةٍ قائلا بترجي
( امي ...... تكلمي معي , ..... لماذا أنتِ صامتة هكذا ؟؟ ..... هل حاكَمتِها قبل أن تسمعي مني ؟؟ )
نظرت اليه روعة بصمت .... فقال مالك مدافعا
( هذا ليس عدلا يا أمي ...... على الأقل دعيني أحكي لكِ ...... )
الا أن روعة وضعت يدها برفق فوق فمه تسكته .... ثم تكلمت هي بخفوت
( أتعلم يا مالك ..... على الرغم من أنك أكثر أولادي براءة و طيبة ..... الا أنك دائما ما كنت تمتلك بصيرة فطرية ... منبعها قلبك .... تجعلك قادرا على اجادة الحكم على البشر ......
كنت أتعجب منذ طفولتك عن عدم مقدرة أحد على خداعك أبدا .......و حتى شبابك .... لم يجرؤ أحد من قبل على وصفك بالساذج أو من يمكن خداعه .....
لم تكن لديك خبرة بالنساء و لا بمباهج كثيرة في الدنيا ..... و مع ذلك , لم تنجح واحدة في نسج شباكها من حولك , مع انهن كن كثيرات .....
حين كنت أحتار في الحكم على أي شخص .... كنت أنتظر أن ارى حكمك أنت ... دون أن تتكلم ....
و دائما ما كان حكمك سليما ........)
كان مالك ينظر اليها بصمت , متشبثا بكفيها بقوة ..... فتابعت
؛( لذا ..... أكثر ما كنت مطمئنة له , هو أنك مهما طال بك الوقت ..... فلن تقع في نصيبك سوى أطهر الفتيات و انقاهن ....... لم يكن لدي شك في ذلك أبدا ..... و كان قلبي دوما مرتاحا لذلك ........ )
انحنت عينا مالك بحزنٍ قاسٍ و أوشك على الكلام .... الا أنها تابعت برقة
( و ليس عندي أي شك حتى الآن ..... .......يا منارتي الصغيرة )
ابتسم مالك ببطىء لينحنى و يشبع كفيها تقبيلا .... وهو يهمس من قلبه
( يا حبيبتي ..... وهي كذلك .... هي كذلك والله يا أمي , لم أرى أطهر و لا أنقى منها من قبل .... حتى انني أشكر الله في كل صلاة أنه حفظها لي حتى تزوجتها ...... و الآن أخشى عليها من طفولتها و من العالم القاسي المحيط بها ...... )
ربتت روعة على شعره هامسة بإختناق
( و ليحفظها الله لك بعد الزواج و دوما يا حبيبي .... و يحفظك لها ...... )
.................................................. .................................................. ............................
دخل مالك الى غرفته .... فوجدها واقفة في زاوية من زواياها , تفرك يديها و تبكي بأسى حتى تورم وجهها تماما ..... بدت كطفلة صغيرة تخاف من العقاب .....
شعر بغصة في حلقه , قبل أن يدخل و يغلق الباب خلف ببطىء ...... لكن و ما أن خطا خطوتين .... حتى هتفت ببكاءٍ مختنق وهي تفرك أصابعها بتوسل
( سأرحل من هنا ...... و لن أسبب لك أي الم مجددا ... بل لن تسمع عني شيئا ابدا ..... لكن أرجوك لا تكرهني )
نظر اليها مالك بصدمة ليقول
( ترحلين ؟؟ ........ بهذه البساطة ؟؟؟ ....... )
هتفت أثير من بين بكائها المثير للشفقة
( لقد تسببت لك في فضيحة كبيرة .... و تسببت في غضب أمك عليك ..... أنا آسفة ..... أنا آسفة حقا )
اقترب منها مالك دون أن يرد .... الى أن أمسك بذراعيها فجأة ليهمس بقلق رجولي
( هل لمسك ؟؟ ........... )
ابتعت أثير غصة بكاء عنيفة و هي تهتف
( أبدا والله .... أقسم بالله لم يلمسني أبدا...... لقد تدخل جاسر و كاد أن يقحم العصاة في حلقه ...... )
ظل مالك يتنفس بصعوبة محاولا ان يتناسى الموقف و قذراته .... الا أن أثير اختارت تلك اللحظة لتهتف باكية
( سأرحل صدقني و لن تسمع عني شيئا مجددا ...... و آسفة على كل شيء ..... و شكرا على كل الأيام الجميلة بيننا ..... )
اتسعت عينا مالك بذهولٍ أكبر ... وهو يستمع الى المزيد من الحماقات ... ليهتف بها وهو يهزها حنقا
( هل جننتِ ؟!!! ...... هل هي رسائل وداعية مستهلكة أو شيءٍ كهذا ؟!!!!........ )
بكت أثير و هي تغطي وجهها بكفيها هاتفة
( يا مالك سيظل الكثيرون يتعرفون علي ..... و ربما تتكرر تلك الفضيحة مجددا )
هزها مالك وهو يهتف بغضب
( لا تذكري لفظ فضيحة هذا مجددا ...........)
همست أثير ببكاءٍ مختنق
( لن أكون أبدا الزوجة التي تناسبك .......... أبدا )
جذبها مالك اليه فجأة و قد نفذ صبره ليقول من بين أسنانه
( بل أنتِ الوحيدة التي تناسبينني لأنني أحبك ........ أحبك .... و كنت مجنونا أن أخرت الإعتراف بها الى الآن )
نظرت اليه بذهول بينما قال مالك من بين أسنانه
( إن لم يكن الحب ..... هو الرغبة في قتل رجل و فصل أطرافه عن جسده لمجرد أن جرحك بقذارته ... فماذا يكون اذن .....
ان لم يكن الحب هو الخوف عليك من اي عابرٍ يمر أمامك ... لربما انتهكك بنظرة ... فماذا يكون اذن
ان لم يكن الحب أن أسجد شاكرا أن بقيت سالمة آمنة في مكان عاشت به شياطين الإنس الى أن وصلت اليكِ فماذا يكون اذن ......
ان لم يكن الحب ... الا أجد الراحة سوى في الحديث معك أنتِ دون غيرك .... فماذا يكون اذن ..... )
سكت قليلا يلهث أمام عينيها المذهولتين ....ثم همس يقربها أكثر اليه
( إن لم يكن الحب هو أنتِ يا بتلات الورد ......فماذا يكون اذن ؟؟ ..... )
همست أثير بصوتٍ غير مفهوم اثار شفقته و أثار حبه ...... ليجذبها اليه .... يضمها الي صدره .... يصهرها بين ضلوعه هامسا بكل ما يحمل من حنان
( هشششش .... كفى حبيبتي , اعتدت على بكائك ..... لكني الآن لا أقوى على احتماله , بعد أن آلمتك طويلا )
أخذت تبكي على صدره و تنتحب بقوةٍ ..... بينما تهمس من بين الشهقات
( أحبك كما لم أعرف الحب يوما .... بل أنا فعلا لم أعرف الحب من قبلك .... أحبك ... أحبك .... منذ أن دخلت الى حياتي , أصبحت فرحي و شقائي ..... أحب حنانك و أعشق عينيك .... أحب لمساتك و ضمي اليك .....
حين ظننت يوما أن الحياة قد انتهت بالنسبة لي دون أن أموت .... فقد باتت الايام بلا روح و لا دقات قلب ... بلا نبضٍ يحملني على البدء من جديد ... ظهرت أنت فجأة .... لتشعل نبضات حياتي ... و تحيي روح أيامي ...
بك صرت انسانة من روحٍ و دم .... قد اتألم و قد أبكي ..... لكن الأكيد هو أنني بك أحيا كإنسانة .....)
همس مالك بإختناق كاد أن يفتك به و بعينين دامعتين
( هل هذا مقطع من كتاب ؟؟ ........ )
همست أثير مختنقة ببكائها
( بل هو ما كنت أهمس لك به بالفرنسية ....... )
أغمض عينيه بقوةٍ و اعتصرها بقوةٍ أكبر هامسا
( أحبك .......... )
همست بعذاب
( و أنا ...... والله و أنا ....... )
رفع وجهها اليه ليقبل دموعها واحدة تلو الأخرى .... يغتنم شهقاتها واحدة تلو الأخرى .... يعلمها الحب مرة بعد مرة ..... هنا أو في البيت القديم ......
على الأثاث الجديد .... أم المتهالك العتيق ...... اليوم و لو حتى بعد عشرات السنين .... سيظل يعشق صديقته الشقراء .... الوردية ذات البتلات .... يعلمها الأسرار و يتعلم منها الحياة ....
.................................................. .................................................. ..........................
كان في عمله ...... يعمل ........ كالعادة ........الا أن عينيه كانتا تراقبان هاتفه بين حين و آخر ...... التوتر يملأه و تأنيب الضمير يقتله ............
الم يقل لها من قبل أنها دائما ما تنجح في اظهار أسوأ ما فيه ...... حسنا ولا زالت .........
رن هاتفه فجأة ليستقيم جالسا بسرعة ناظرا اليه ........ انها هي بالفعل
أمسك بالهاتف ليرد بأكبر قدر من الهدوء
( مرحبا يا حور ............... )
صمت قليل ساد الخط بينهما قبل أن يسمع صوتها فاترا بعد نوبة لهاث بسيط تظهر قلقها
( أين أنتما يا نادر ........... لماذا لم تصلا حتى الآن ؟ )
سكت قليلا يبتلع عقدة الذنب قبل أن يقول بخفوت
( آه ......... أنا حقا آسف يا حور ،، كانت لدي حالة مهمة صباحا فلم أتمكن من التتاخير و توصيل معتز اليك )
ساد الصمت مرة أخرى ........... قبل أن يسمع صوتها خافتا
( حسنا ................. متى ستحضره ؟)
قال نادر بخفوت
( حور أنا آسف جدا ،.............. لن أستطيع قبل المساء )
همست حور بخفوت
( المساء ؟؟ .............. لن نقضي معا سوى ساعة أو ساعتين فقط )
أخذ نفسا متعبا مجهدا من السهر و التفكير .......... ثم قال بهدوء زائف
( أنا ................ حقا آسف )
سكتت حور دون أي رد ........... قبل أن تقول
( حسنا أخبرني أين هو و سآتي لآخذه ........... اليوم عطلة وهو ليس بمدرسته
أغمض نادر عينيه وهو يفكر بأنه سيستلم و لن يحتمل تلك الحقارة ........... الا أنه قال مغمضا عينيه
( اسمعي .............. سآتي به الى البيت في المساء ، لما لا تأتين لزيارتنا )
فترة صمت مجددا .......... قبل أن تقول حور بخفوت
( هذا معناه ..........انني لن أمكث معه سوى ساعتين فقط ، أخبرتك بذلك للتو )
قال نادر بوضوح بعد أن نفذ صبره من نفسه
( حور ........ اليوم لن أستطيع المجيء ، أنا آسف ...... و لن أتمكن حتى من الجيء لأخذ معتز في حالة إن أتيت أنت و اصطحبته ......... )
ساد صمت طويل هذه المرة....... ليسمع بعده صوتها يأتي هامسا
( هل هذا يعني أنني سأنتظر للأسبوع القادم ؟؟ ......... )
ابتلع ريقه بصعوبة ........ ليقول بسرعة
(حور ........... تعالي اليوم مساءا ، هناك حديثا مهما يجب أن نجريه و سترين معتز أيضا .......... و أعدك ........... إن أتيت ........... فسوف احضره اليك خلال الأسبوع و أتركه ليبيت معك ...........)
صمت ................ صمت ............. صمت ........... حتى كادت أعصابه أن تحترق
الي أن قالت بصوت غير مفهوم
( أي حديث ؟؟ ....................... )
قال نادر بإيجاز لم يجد بدا منه
( ستعلمين حين تأتين .......................)
ردت عليه حور
( اذن تعال أنت لنتحدث .................. و أحضر معتز معك )
قال نادر بلا تعبير
( بل ستأتين أنت ...................،أنا لست متفرغا لجنابك )
ردت حور غير مستوعبة مع لمسة قلق غريبة
( أنت من تريد التحدث .................... )
قال بقوة و اندفاع
( و أنت من تريدين معتز ............... )
عاد الصمت بينهما قاتلا وموحشا ............ الا من صوت لهاثها الرقيق القلق
عاد نادر ليغلق عينيه بأسى .......... الى أن سمعها تهمس بلا حياة
( حسنا ............... سآتي )
أغلق الهاتف و هو يشعر برغبة عاتية في تلقيب نفسه بأسوأ الالقاب و أدناها .....
.................................................. .................................................. ........................................
سمع طرقا على الباب القديم مساءا .... فاتجه بسرعةٍ اليه ... لكن و قبل أن يصل , ارتطم بصورته في المرآة .... فوقف للحظةٍ ينظر الي نفسه بوجوم .... قبل أن يهمس
( أبدو كذئبٍ بشري ........ )
الا أن طرقا رقيقا آخرا ... جعله يتخلى عن الصورة التي رسمتها مرآته .... ليذهب و يفتح الباب .....
وقفت حور أمامه .... ساكنة .... صامتة .... وديعة على غير العادة .... بل وديعة كعادتها مؤخرا .... وديعة و باردة .....
رقيقة ترتدي قميصا أبيضا و تنورة واسعة هفهافة ذات طبقاتٍ عدة ...... و شعرها الجميل مربوطا على هيئة ذيل حصان .....
رقيقة و هشة كما لم يعرفها من قبل ..... لا ..... بل كما عرفها مؤخرا .....
همس بهدوء
( مرحبا حور .......... تفضلي )
ابتعد عن الباب قليلا كي تدخل ... لكن ليس كثيرا ... فلامسته و هي تتجاوزه , ليغمر عطر شعرها أنفه , فيغمض عينيه حالما مع ذكرياته للحظة .....
أغلق الباب ... ثم اتجه اليها و هي تقف في منتصف المكان ...فاستدارت اليه لتهمس بهدوء
( أين معتز ؟ ........... )
قال نادر بخفوت
( لما لا تجلسين أولا قليلا ........ )
ظلت حور تنظر اليه عدة لحظات قبل أن تتجه الى الأريكة لتجلس عليها بصمت ..... فاقترب منها نادر ليقول
( ماذا تحبين أن تشربي ؟؟ ..........)
لم تنظر حور اليه و هي تتلاعب بأصابعها بتوتر هامسة
( لا شيء ....... شكرا لك ...... )
قال نادر بعفوية
؛( لا يصح ...... يجب أن ...... )
قاطعته حور هامسة
( أين معتز يا نادر ؟؟؟ ....... انه ليس هنا ., اليس كذلك ؟؟ )
اقترب نادر ليجلس على الكرسي المقابل لها قائلا بخفوت
( اهدئي يا حور ........ لقد أتيت للتو من العمل , لذا لم آخذه من عند علية بعد ..... هي ستحضره بعد قليل )
قالت حور بتوتر
( و لماذا ليس الآن ؟؟؟ .......... )
قال نادر بخفوت
( أخبرتك بأننا يجب ان نتحدث ........ )
توترت شفتاها قبل أن تقول بخفوت
( حسنا ...... تحدث بما تريده ........ )
ارتبك نادر قليلا ..... فليس هذا هو سير الطريق الذي رسمه .... أطرق برأسه قليلا ... قبل أن يقول بخفوت
( كيف حالك ؟؟ .......... )
ضربت حور بكفيها على فخذيها بعصبية لتنهض من مكانها واقفة تواجهه بهجوم شرس هاتفة و قد عيل صبرها
( لما لا تتوقف عن حركات اللف و الدوران ........سأبدأ أنا بما تريده , ..... أنت تريد أن تحرمني من معتز بعد الطلاق ..... اليس كذلك ؟؟؟ ..... )
فغر نادر شفتيه ليقول بصدمة
( ما .... اي طلاق ؟؟ ....... )
الا أن حور تابعت هتافها ....
( تريد الحصول على الطلاق .... و تريد معتز .... لذا تمهد الأمر لي أولا ..... لكنني والله لن اسكت يا نادر سأرفع قضية و اثنين و ثلاثة ..... حتى لو استغللت الحدث الأخير في اتهامي بأنني لست أم أمينة فأنا س ....... )
نهض نادر من مكانه مبهوتا .... ينظر اليها بصدمة ..... ليقول مقاطعا بذهول
( استغل ما حدث !!! ....... لهذه الدرجة ترينني دنيئا !!! .......... أتاجر بسمعتي و سمعتك .... بشرفي و شرفك ... لأهزمك !!! ........... )
صمتت حور دون أن تلين ملامحها .... و دون أن تنظر اليه .....
فاقترب منها ببطء حتى وصل اليها ..... ليمسك بوجهها فجأة بين كفيه .... يرفعه اليه ....لينظر في عينيها و يكرر
( لهذه الدرجة ترينني دنيئا ؟؟ ........ )
همست بلا حياة .....
( لهذه الدرجة آلمتني مرة بعد مرة ........ )
انحنت عيناه ألما .... وهو يقول بخفوت
( و أنتِ ؟؟ ....... ألم تجرحينني ؟؟؟ ..... مرة بعد مرة ...... )
قالت حور بهدوء دون أن تلين عضلة من ملامحها
( لكني كنت أحاول ...... بل كنت أتعذب ..... )
قال نادر بقوة مشددا على وجهها
( وأنا كنت أحاول أكثر منكِ ......... الى أن طعنتيني في مقتل .... لو كان قبلا يا حور لربما كنت قد أعطيتك عذرك ...... لكن بعد أن صرتِ أقرب شخص لي ...... لماذا ؟؟ ...... فقط أخبريني لماذا ؟؟؟ ...... )
قالت حور بهدوء و هي تنظر الي عينيه
( أنا آسفة ............ حقا آسفة على ما تسببت به , .... لم أنخدع في أحد من قبل بمثل هذه الصورة الساذجة .... لذا أنا آسفة )
سكتت قليلا تحيد بعينيها عنه .... لتتابع
( لكن الى هنا و كفى .............. )
عقد نادر حاجبيه هامسا بتوتر
( ماذا تقصدين ؟؟ ................ )
عادت حور لتنظر الي عينيه قبل أن تقول
( أقصد أن الطلاق بيننا قد تأخر كثيرا يا نادر ..... تأخر لأكثر من أربعة أعوام ..... )
ظل ينظر اليها غير مصدقا .... ودون أن يدري اقترب منها ليجذبها اليه , هامسا في اذنها
( الطلاق !! ....... لن يكون هناك طلاق يا حور ..... لن يكون هناك مالا تريدينه حقا ...... كلانا لا يريده و أنت تعرفين ذلك ...... )
ظلت صامتة بين يديه وهو يتلمس صدغها بشفتيه .... يقربها منه و يستنشق عطرها .... يداه تداعبانها بحنان تستجديان استسلامها ......
اسمها يخرج همسا من بين شفتيه .... و أصابعه تتلاعب بأزرار قميصها بعبثٍ مغوى ....
و حين ظن أنها أوشكت على الهدوء كفرسٍ أصيلة مروضة ..... انتفضت فجأة من بين يديه .... لتدفعه بعيدا ..... واقفة أمامه بثبات ..... بينما كان هو يتنفس بصعوبة ..... لتعدل من أزرارها و عينيها في عينيه ..... ثم همست بخفوت
( هذا لن ينفع بعد الآن يا نادر ....... أنا آسفة ...... أنا حقا آسفة ......... )
ثم خرجت أمام نظراته المصدومة من نفسه .... و من الفراق الذي بدا محتما .......
.................................................. .................................................. ........................................
دخل اليها دون أن تشعربه ..... كانت تصبغ وجهها بألوان عديدة و تتحرك برقة تقص قصة بيديها و تعابير وجهها ...... بينما تراص الأطفال من أمامها على الوسائد الأرضية ينظرون اليها بانبهار ......
و كان انبهاره لا يقل عن انبهارهم ......
لم يظهر نفسه قليلا ليتمتع بعرضها الراقص !! ..... ترقص و تمثل أيضا !!! ..... و قمة شعرها تخرج منها قرني استشعار نحلة !! ......
ترك معتز يده ليركض اليها دون صوت ..... وهي ما أن رأته حتى ابتهجت ملامحها لتهبط اليه أرضا تلتقطه بين أحضانها بقوةٍ ..... ومن خلفه التقت عيناها بعيني نادر .......
تركت معتز على وسادة بين الأطفال ..... و أشارت الى أثير التي دخلت الي دورها في المسرحية ....
ثم اتجهت اليه و عيناها في عينيه ..... الى أن وقفت أمامه ........
لم يجد ما يقوله لعدة لحظات وهو يتأملها بصمت ..... تعلو وجهه شبه ابتسامة ..... ثم قال أخيرا بصوتٍ خافت
( سأترك معتز معك ........... )
همست حور بخفوت
( الى متى ؟؟؟ ...............)
أجاب نادر مبتسما بحنان
( هل أنتِ متفرغة للمتبقي من العمر ؟؟ ......... )
أطرقت برأسها قليلا .... قبل أن تومىء هامسة
( سأحاول أن الا أشغل هذا الوقت في مفكرتي ......... )
قال نادر بخفوت
( وهل يمكن أن تقبليني معه ؟؟ .............. )
أغمضت عينيها لتهمس يائسة
( نادر ........ لن يفلح الأمر ........ )
قال نادر بقوة
( بل سيفلح ....... إن فقط منحتني الفرصة , لقد منحتِ نفسك الفرصة و نجحتِ ....... الا تمنحيني مثلها ؟؟ .... )
ظلت تنظر اليه بصمت ...... فاقترب منها هامسا
( الا يمكن لمعتز أن يبقى في الروضة اليوم بما أنه ابن المديرة ؟؟ ...............لأنني أريد سرقتها لنفسي ساعتين من الزمن ..... وهو نفس الوقت الذي كنت أتشدق به متحايلا عليها بحجة ابنها ..... لذا قد ألجأ لحجةٍ أخرى .... المهم أن أخلو بها ساعتين ..... )
رفعت رأسها اليه بلا تعبير .... لتقول بهدوء
( لا بأس بساعتين ....... )
عبس فجأة ليقول
( هل صدقتِ ؟!!!! ......... لقد فرغت نفسي للعمر المقبل ...... )
همست حور برقة
( سنبدأ بساعتين و بعدها سنرى ............ )
ابتلع توترا مؤلما ..... ليقول مبتسما
( في بيتنا ؟؟ ......................... )
مدت يدها تمسك بكفه تجذبه خلفها هامسة
( بل هنا .................... )
عبس نادر ليقول بحيرة
( هنا !!! ................... أين ؟؟ ....... )
قالت حور بعد أن وصلت به الى الأطفال ... لتلقي اليه وسادة أرضية كي يجلس عليها فاتقطها على صدره بقوة بينما كانت تقول
( موعد فقرتي التالية ..................اجلس )
جلس نادر بين الأطفال ليقول عاقدا حاجبيه
( و الساعتين ؟؟؟ ....................... )
الا أنها لم ترد وهي تتمايل بادئة دورها في العرض ......... وما أن تتلاقى أعينهما حتى يرفع معصمه ليشير الي ساعة يده .....
لكنها كانت تكتم ضحكة لتتابع عرضها الذي استمر ساعتين ...... بينما عرضهما استمر للعمر المقبل ....بمعتز و طفلتين توأم .........
.................................................. .................................................. .........................................
عادت من الروضة بقلبٍ حزين .....
انه يبتعد عنها منذ عدة أيام ..... ليالٍ ونهار يقضيها في المرآب .... يعمل بصمت .... مانعا إياها من التوجه الى المرآب أو محاولة التلصص منه .....
دخلت تلقائيا الي البيت دون محاولة التوجه اليه بعد أن يأست ..... لكنها ما أن دخلت حتى وجدته واقفا أمامها يبتسم بحنان و كأنه ينتظر عودتها ......
كانت ابتسامته هي آخر المخدرات التي تحتاجها ..... فجرت الى بلهفة و قد انسابت دموعها بعجز ... لتتعلق بعنقه بينما تلقفها هو بحبٍ على صدره .....
همست له بحزن
( لماذا تتجاهلني و تعمل وحدك ؟؟؟ ...... الم نكن نفعل كل شيءٍ سويا ؟؟ .....لم أعد أحتمل ابتعادك كل هذا الوقت عني ....... )
قبلها بقوة .... ليهمس في اذنها برقة
( أنا آسف حبيبتي ...... اكتشفت أنني قد تأخرت كثيرا في العمل ... وقد سرقني الوقت )
ابتعدت عنه تمسح دموعها بحزن .... لتهمس بوجوم
( وما هو هذا العمل الذي يبعدك عني كل هذا الوقت ؟؟ ............. هل هنت عليك؟؟ ......... )
ابعدها عنه قليلا لكن ليس سوى لأن يتمكن من الإمساك بكفيها قائلا بسعادة
؛( تعالي لترين بنفسك ......... )
اتسعت عيناها وهي تهتف بسعادة
( هل سيُسمح لي أخيرا بدخول المرآب الذي تقطع فيه جثثا ؟؟؟ ........هل ستأتمننني على سرك أخيرا !!!! )
اتسعت ابتسامته اكثر ليهمس مشيرا لأعلى
( بل الى فوق .............. )
نظرت الى اصبعه المشير لأعلى بتوجس ...... ومنه الى عينيه المشعتين .... ثم قالت بريبة
( السطح ؟؟؟ .......... هل كنت تصلح خزان الماء كل هذا الوقت ؟؟؟ ...... )
عبس جاسر ليقول بخشونة
( اصعدي الى فوق .............. )
عبست حنين و هي تقول فجأة بصرامة
( اياك أن تكون قد أفسدت العشب الصناعي الذي فرشته على السطح ..... أو أحدى شتلاتي ...... )
هتف جاسر بصرامةٍ أعلى
( اصعدي الى فوق ............ )
هتفت حنين هي الأخرى
( حسنا .... حسنا ...... خرقت طبلة أذني ........ها أنا ذاهبة , لكن من الافضل لك أن تكون مفاجأة سعيدة و الا ..... )
تخلى جاسر عن صرامته ليقول بعبث
( و الا ماذا ؟؟ ...... المزيد من الليالي مع السحالي ؟؟؟ ......... )
انتقلت عدوى العبث منه اليها في طرفة عين .... لتهمس بعذوبة
( يا سيدي لو على السحالي فسأحضرها اليك في الغرفة ...... المهم أن تأتي أنت )
نطقت الكلمة الأخيرة متنهدة بقصد .... فاحمر وجهه بإنفعال قوى ..... ليقول بصوت أجش
( اصعدي يا حنين ....... اصعدي و تجنبي اشعال فتيل صبري الآن بالذات ........ )
ضحكت حنين بمرح و اثارة .... واستدارت لتصعد السلم ركضا بقلب ينبض اشتياقا اليه ..... و ما أن وصلت لباب السطح و دخلت ......
حتى توقفت مذهولة ..... تماما .........
ففوق عشبها الصناعي ........ بُنيت صومعة ......صومعة كانت تمنتها يوما و كتبت عنها .....
ألواح خشبية مفرغة من الأرابيسك .... في منتصف كلا منها زجاج معشق ملون ..... تتخلله أشعة الشمس فتتسرب الى داخل الصومعة ملونة بألوان الزجاج ..... أحمر ... أزرق ..... اخضر .... برتقالي .....
و على أرض الصومعة تراصت جلسة عربية من وسائد ملونة بألوان ساخنة ......
أما صوت الموسيقى العذبة ...... فكانت في اسطوانات معدنية رقيقة متدليه من كل جوانب الصومعة ... لتحركها الرياح مصدرة ذلك النغم العذب .......
و البحر محيطا من كل الجوانب المفتوحة لهذه الصومعة .......
وقفت حنين تنظر أمامها فاغرة شفتيها و عيناها تنطقان عشقا لكل ما حولها ....... فجاء صوته من خلفها خافتا دافئا
( خاص جدا ؟؟ ............. )
رمشت حنين بعينيها لتتساقط دمعتان منهما وهي تهمس مكملة
؛( و حميمية جدا .......... )
اقتربت ببطء لتدخل من أحد الجوانب المفتوحة للصومعة ..... بينما كان هو خلفها خطوة بخطوة .....
يهمس بكلامها الذي كتبته من قبل
( زجاجٍ بألوان الشمس و الذهب ............. )
همست حنين تتلفت حولها
( و نغم اسطواناتٍ راقصة ......... )
فقال جاسر آخر جملة .....
( لأكون وحدي .........بين البحر و السماء )
الا أن حنين تابعت وهي تستدير اليه ليتطاير شعرها معها ..... هامسة برقة تذوب عشقا
( التحديث الجديد لهذه النسخة هو " لأكون وحدي مع من أحب .... بين البحر و السماء )
ابتسم جاسر بشوق ليهمس وهو يقترب منها بعصاه
( ومن هو ذاك ؟؟؟ .......................... )
مدت يديها تجذبه اليها ليسقطا فوق الوسائد .... وهي تهمس في اذنه ضاحكة
( إنه " الأُسطى " ..... الذي صنع لي كل ذلك ...... و الذي هو بين ذراعي الآن .... و الذي اشتقت اليه منذ اربعِ ليالٍ و نصف نهار ............... )
أصمت كلماتها بعنف مشاعره و شوق أربع ليالٍ و نصف ....... بينما الأسطوانات الراقصة تتلصص عليهما ....
بعد فترة طويلة .... همس جاسر في أذنها كي يوقظها
( حنين ........ هيا استيقظي , يجب أن تعدي نفسك )
همست بنعاس و هي تندس به
( اعد نفسي لماذا ؟؟ ....................... )
قال جاسر بهدوء
( ألم أخبرك ؟!! .................... )
استفاقت و ارتفع حاجبها بتوجس و هي تهمس بريبة
( تخبرني بماذا ؟؟ ................ )
قال جاسر مبتسما
( اليوم سنحتفل بعيد زواجنا ...... و الجميع سيحضرون الى هنا خلال ساعة على الأكثر )
انتفضت حنين صارخة
( ماذا!!!!! ................... )
قال جاسر ببراءة
( ظننت ان المفاجأة ستعجبك ........ عيد زواج و حركات ...... )
ظلت حنين تنظر اليه بشراسة ....ثم قالت بصلابة
( أيهم ؟؟؟ ................. )
لم يتظاهر بعدم الفهم ..... بل قال بخفوت
( الأول ..... أردت أن أبدل الذكرى المؤلمة بأخرى سعيدة ...... )
تنهدت حنين لا تعلم هل تضربه أم تعانقه .....
الا أنه تابع بهدوء و براءة
( كما أن هناك فستان زفاف ينتظرك بالأسفل ..... ففي عيد زواجنا من كل عام ستحتفلين بفستان زفاف مختلف .... و هذا غير قابل للنقاش ................ )
حينها اتخذت حنين قرارها .... و اتخذت وسادة من خلفها لتنهال بها ضربا عليه .......
.................................................. .................................................. .........................................
بعد عام :
كانت واقفة امام المرآة ... تجاهد و تعافر مع سحاب فستان الزفاف المنتفش الذي أجبرها أن ترتديه على الرغم من بطنها ذات الأربعة أشهر ......
التقت عيناها الغاضبتان بعينيه العابثتين في المرآة لتهتف بغضب
( منك لله يا جاسر رشيد ...... على الأقل فستان العام الماضي كان ضيقا و انيقا ..... اما هذا منتفش و ابدو فيه كالبلهاء ...)
اقترب منها بعينين تشتعلان ... ليغلق لها السحاب برقة اذابت اطرافها ...... لينحني اليها هامسا في اذنها
( بل تبدين رااااااااااااااائعة يا زيتونة ...... ككيس غزل بنات أبيض منتفخ )
أغمضت عينيها بحب وهو يتحسس بطنها برفق ..... ليهمس لها
( أتحبينني ؟؟؟ ........... )
همست تجيبه من نبعِ قلبها
( أذوب بك عشقا يا سيدي .......... تعلم أصول الكلام في الغزل يا أبا مُحسِنة )
همس يلامس اذنها بعشق مصححا
( أبا جاويش ........... )
همست تتمتع بلحظات الانفراد به قبل أن يهب المتطفلون مثل كل عام
؛( غدا سنتأكد ...... و ستكون هزيمتك ساحقة )
همس لها يضمها الي صدره .... ناظرا الى عينيها في المرآة
( لقد ربحت منذ زمن بعيد و انتهى الأمر ...... حين ربحت بك )
................تمت ........