" إيقاع "

30 2 0
                                    

أخذت تنظرُ إليه نظرةً متحيّرة فهي لا تدري هل ستكون هذه هي نظرة الوداع أم ستتنعم عينها به مرةً أخرى ؛ أخذ عشعوش بيد أمه مبتسماً وهم يسوقونه على عربة العمليات آملاً أن يزيدها طمأنينةً بعد محاولات لإرضاءها وإقناعها بأن العملية التي ستُجرى لعشعوش ليست بخطيرةٍ على حياته ؛ لقد كان عايش يكذب عليها ويخفي عنها أن نسبة النجاة من هذه العملية لاتتجاوز ال 7% ، لكنه لايريد أن يغيب عن الوعي قبل أن يرى في عيني أمه الأمل الذي سيحدوها مع ابنها داخل غرفة العمليات .

1

عايش أو عشعوش كما تدللـه امه بذلك شاب ترعرع في يتم وبعد عن سند أبيه ، فتكنفته أمه بحنانها وحبها ولم يفسده ذلك الحب لتقسو عليه أحيانا لتعوضه وجود الأب وأحايين أخرى ترسله مع عمه أبو صالح كي يعتني به وليتعلم الجلوس مع الرجال وتبادل الحديث معهم ..

كانت أمه " نرجس " تحب مداعبته كثيرا وتعتبره أخاً أصغر لها فهي التي أطلقت عليه لقباً ظل يلازمه طوال عمره وهو ( عشعوش ) وإذا سئلت أمه لماذا تدلعينه بعشوش ولم لا تدلعه بـ ( عشّو ) كانت ترد عليهم بأن هذا ليس تدليعا له بل لأن شعره أصبح كثيفا كثيراً كعش النسر وبالفعل فقد كان عشوش لا يحب أن يقص من شعره شيئاً بل يتركه على حاله حتى أصبح كأنه عش لطائر جارحٍ كبير .

لقد حلمت نرجس وهي ترتدي ثوبها الأبيض بحياة السعداء حياة الشوق والإشتياق فقد كان لها أن تحلم في وقت لاتحسن هي ولا أحدٍ من صديقاتها إلا الأحلام المشرعة بزوارق لا مراسي لها ، لكن سرعان ما تبدد الحلم بعدما فجعت بمن كانت تحلم معه زوجها بأن توفاه الله بحادث سير أوقعه فيه شاب مراهق كان يتهادى بسيارته من أثر حبوبٍ يتعاطاها ..

لملمت نرجس جرحها الذي أبى أن يندمل بل أزداد عمقاً عندما علمت وبعد أن بقيت مع زوجها المرحوم 4 أشهر أنها حاملٌ فاختلطت عليها مشاعر الفرح بالتعويض عن فقدان حبيبها مع مشاعر الهم من القادم ؛ فكيف تربي ابناً بلا أبٍ ؛ و كيف ستنظر إليه وقد ترى في قسماته ذكريات زوجٍ اخترمته المنية في زهرةٍ من عمره .

مرت الأيام وجاء وليدها ليفتح عينيه على أمٍ تلصقه بشدة على صدرها ، فلا تدري من الذي تضمه هل هو الوليد القادم بتوهجه ؛ أم أنها تحتضن الأثر المتبقي على محياه من بقايا حبٍ لم يكتب له البقاء .

#مقهى_عشعوشحيث تعيش القصص. اكتشف الآن