" عش النسر "

28 3 1
                                    


نشأ عايش في كنف أمه ينعم بحنانها ويستظل بلطفها ؛ وقد كانت له عادة عُرف بها لم كبر فقد كان إذا افتقد أمه ثم رآها اتجه نحوهها  والتف على ساقها يعانقه وهويمرغ خده ويدلكه على صفحة ساقها وهو مُغمَضُ العينين .

جال عايش وهو يكبر يوماً بعد يوم تحت نظاري أمه التي ترى فيه كل شيء ؛ بل ترى اللاشئ الذي قدر تراه فيه يوما ما ، كانت قلقة من ضآلة جسمه ونحوله ودقّة رأسه ؛ خافت عليه من سخرية أقرانه من جسمه ؛ لكن سرعان ما تببد هذا الخوف وتلاشى أمام حدة لسان عشعوش وسرعة بديهته وطرافة حجة فكأن الله جمع له ما نقص من جسده ووضعه في لسانه ، فما إن اشتدت عوده وانطلق لسانه إلاّ وبوادر هذا السيفُ الكامن بين فكّيه بدأت ترمي بشررها ضاحكاً تارة ؛ وغاضباً تارة أخرى .

في ذاتِ يومٍ وهو لم يبلغ السابعة بعدما أرسلته أمه إلى جارتها كي يأتي لها بصحنٍ لها كان قد نسيته ؛ وكانت جارتها فتاة جميلة بضّة يتقاطر جمالها كتقاطر قطراتِ الندى على ورقة التوت ؛ وكان عشعوش يديم النظر فيها وكانت هي بلطافة الحسناء تداعبه وتمازحه ، فلمّا تجرأ سابقاً وقال لها : إني أحبك ، قلّبت له عينها وشخصت فيه بصرها وهي تداعبه في الحقيقة وقالت له عيب ! ارتجف عشعوش وخرج من عندها غاضباً حانقاً ؛ فأصبح لا يلاقيها بلطف بل تأففٍ فعندما جاءها لكي يطلب صحن أمه أخذت تمازحه ؛ لكنه أظهر جموداً كأنه جليدٌ قطبي ، فقالت له : أسئلك سؤالاً لكن لا تغضب ؟ فرد عليها بسرعة البرق : بل سأغضب وسحب الصحن من يدها وولاها ظهره مُغاضباً ، ووقفت الجارة الحسناء مدهوشة وضاحكة من رده غير المتوقع.

ولأن عايش كان لا يحلق شعره ويتركه ينتشر بلا تهذيبٍ أو تسكين ؛ أطلقت عليه أمه اسم عشعوش لشعره الكثيف وبدأت تنادمه وتضاحكه بإسم الجديد ( عشعوش )

" رسائل "

فتح عشعوش الكيس مقلباً تلك الأظرف بين يديه وهو يقرأ الأسماء التي كتبها على ظهر تلك الأظرف بصوتٍ مكتومٍ أشبه بتمتمةٍ نصفها غير مفهوم :

عم صالح أأأ .. وهااااذاااا صاحب الإقتصاد ؛ وهذا الداعشي ..

وهذه .. سكت قليلاً وهو يمز شفتيه قابضاً على اسمها ؛ ورفع الرسالة الى شفتيه لتلاصق أنفه ليطلق نفساً يشتم عطرها بنفسٍ عميق ملأ بها اضلاعه المتهالكة .. وفي عينيه دمعٌ محتبسٌ منهك . إنها رسالة فاطمُ التي حيرها وحيرته ؛ و نادمها فقتلته .

أخذ يمرر أظرف الرسائل بين يديه الواهنتين من شدة المرض ، الرسالةٌ تلو الرسالة ..

شعر عشعوش أنه يعيش لحظاته الأخيرة ووجد أن لا بد أن يبعث برسائله الأخيرة المؤجلة لكل من مرَّ بحياته ليقول كلمته التي لا يحب أن تدفن معه .

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Oct 06, 2016 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

#مقهى_عشعوشحيث تعيش القصص. اكتشف الآن