الفصل الرابع

7.7K 176 6
                                    


ظهر و كأن الطريق إلى آبى بلا نهاية , جلست شارلوت صامتة , عينيها على الشريط الأسود الممتد للطريق , تتساءل ماذا يخبئ لها المستقبل , هل سيشفى والدها أما يصبح عليلاً , و ترعاه هى و رينات بقية حياته؟
منتديات ليلاس
إذا بقيت رينات معهم , هى لا تحب التمريض , تتضايق من الجلوس بجوار السرير. داهم قلبها مؤلم عندما أدركت أنها قد تتقاعد من العمل , أو على الأقل تكتفى بوظيفة لنصف الوقت . كيف سيدتدبرون أمورهم المالية , و هو أمر تكره التفكير فيه . المنزل لابد من بيعه بالطبع , لو وجدوا من يشتريه , لكنهم اهملوه كثيراً فى الفترة الأخيرة , لذا قد لا يحصلون على الكثير ثمناً له, و لو كان عليها أن ترعى والدها , إذن ماذا عن علاقتها بـ كاريج ؟
إرتجفت و هى تتطلع للمستقبل الشاحب فجأة ,و الذى إنقلب للنقيض لساعاتها القليلة السعيدة الماضية. لكن راحة والدها تأتى فى المرتبة الأولى , فلقد وفر لها منزلاً , حتى لو لم يحبها كثيراً, و الآن جاء دورها لتعتنى به عندما أحتاج إليها.
شعرت بيد كاريج تلمس يدها , إلتفتت لتراه ينظر إليها قلقاً :"حاولى ألا تقلقى كثيراً." شجعها :"الذين يصابون بأزمات قلبية يتحسنون غالباً ."
إبتسمت له غصباً, أمتناناً و لكنها لم تصدقه , و غرقت فى صمتها طيلة الطرق .

ذهبوا مباشرة إلى المستشفى حيث وجدوا هارتفورد بيج فى غرفة العناية المركزة و ما زال فى غيبوبة "آسف." أخبرهم الطبيب المقيم :"ليس لدى فكرة إطلاقاً متى يستعيد وعيه, و إذا كان سيشفى أصلاً."
لم يكن أمامهم ما يفعلونه , لهذا دفعها كاريج للذهاب إلى المنزل لتستريح بقية الليل, و ذهبت مترددة , مستشعرة ضرورة بقائها , و يؤلمها شعور بالذنب بسبب الذهاب إلى لندن و تركها لوالدها .
كانت رينات فى إنتظارها , لم تعلق عندما رأت رجلاً معها , إتجهت نحو المطبخ الكبير القديم و جلسوا حول المائدة يشربون القهوة بينما تحكى لهم ما حدث.
" كنت مشغولة فى إعداد الغداء , والدك كان فى مكتبه كما هو الحال دائماً , عندما لم يهبط فى الساعة السابعة قررت الصعود إليه , كان مستلقياً على الأرض و فوقه الآلة الكاتبة , وكمية أوراق ظننت أنه كان ممسكاً بالآلة عندما سقط." رفعت عينيها نحو شارلوت , ورفعت يدها لتمسك بها بقوة .
وقف كاريج و قال :"عفواً" و خرج من المطبخ و تركهما معاً.
قال رينات و هى تحاول تحسين إنجليزيتها :"قالوا فى المستشفى أنها حالة خطيرة جداً , إستعدى لأنه قد يموت ."
"نعم, اخبرونى أيضاً , أمسكت شارلوت بيد المرأة العجوز , ناظرة لوجهها المكدور , أدركت السبب الآن سبب بقائها مخلصة لمهمة مديرة المنزل , المهمة المدمرة للروح و فى رعاية والدها طيلة هذه الفترة .زهرة منسية
لم يتبادلا الحديث , فلم يكن ضرورياً , و عندما عاد كاريج بعد عشر دقائق وجدهما جالستين بعد أن فرغا من شرب القهوة
حملقت شارلوت عندما عاد و قالت بصراحة:"أظن أن هناك أشياء ينبغى على القيام بها ."
و قالت ليلة سعيدة لـ رينات و ذهبت معه إلى غرفة الجلوس و سألته :
" هل....هل تحب قضاء الليلة هنا؟" متذكرة بحسرة شديدة ماذا كان قد خطط لفعله . وغير واثقة ما يتوقعه كاريج منها الآن.
"أظنها فكرو طيبة. ربما يمكن النوم فى أى غرفة خالية."
أومأت شارلوت و هى تشعر بالراحة , فهى تتمنى قضاء الليلة فى أحضانه , يريحها و يطوقها , لكن الآن ليس وقت الحب , و لم يعودا الآن منجذبين جسدياً , أدركت شارلوت هذا و قبلته , لكن على الأقل سيكون قريباً منها يساندها بكل طاقته.
مدت يدها له و جذبها نحوه , ارتمت فى أحضانه , وجهه فى شعرها لحظة طويلة و قال بنعومة :" شارلى , هناك شئ واحد يجب أن تفعليه ."
"ما هو ؟" رفعت عينيها المرهقة إليه
تنهد كاريج و قال :"يجب أن تبلغى فيرتى بما حدث . يجب أن تخبريها لتحضر إلى المنزل ."
اشمئزت غريزياً من الفكرة , ارتجف جسدها متوتراً , لكنها أدركت أنه على حق , الآن , ببطء أومأت :"نعم . و هو كذلك سـأتصل بها . رقم هاتفها فى مكتب والدى "
عرض كاريج :"هل تحبين أن اتصل بدلاً عنك ؟"
ردت شارلوت :"لا" ثم لوت شفتها و هزت رأسها :"آسفة....لا , سأتصل بها أنا." و أستدارت مترددة لتستدعى أختها التى تناستها يوماً و أبعدتها عن ذهنها .
منتديات ليلاس
ظل كاريج فى آبى يويمن , و عرض البقاء لمدة أطول , وكانت شارلوت قد جهزت له سريراً فى أحد غرف المنزل المعدة للضيوف , لينام فيها المدة القصيرة الباقية من الليل, و فى الصباح صحبها إلى المستشفى ثانية, كان كل ما فعلوه هو الجلوس و الإنتظار بلا عون , يغشيهم اليأس , لذا قالت له يوم الأثنين :"أنظر , يؤسرنى عرضك للبقاء معى , لكن ليس هناك حقيقة أى شئ يمكنك القيام به , أنا و رينات سنتبادل الذهاب إلى المستشفى."
ضاقت عينا كاريج :"هل تقولين أننى أعطلك هنا؟"
" لا, لا بالطبع لا . لكن يبدو ظلماً لك أن تتحمل كل هذا التعب بينما نحن لم...نحن لم..." توقفت و تورد خذاها .
وضع يداه حول عنقها محركاً إبهامه لأسفل حلقها :"يا مغفلة , أنت تعلمين مدى إهتمامى بك , و يجب أن أبقة هنا حتى لو كنت أستطيع فقط المعاونة فى الأشياء البسيطة , حتى لو كان بمقدورى فقط توصيلك إلى المسنشفى . أو لو كنت تحتاجين لأى شئ آخر , سأكون فى متناولك ....تمام ؟"
أومأت موافقة بإمتنان , و تقدم ليقبلها قبل أن تدعه ينصرف , لكنه أفسد كل شئ بسؤاله لها عما قالته لـ فيرتى أثناء إتصالها بها , اخبرته و قطب هو جبينه :"ينبغى أن تحضر ."قالها بإختصار :"ربما قد يفيد لو تحدثت معها و شرحت لها طبيعة مرض أبيها."
" لكننى اخبرتها " إعترضته شارلوت :" لقد رجوتها و إستعطفتها لتحضر , لكنها لن تترك الفيلم الذى تصوره."
قال كاريج:" ربما تعاقدت لإتمامه لا تقلقى بشأنها يا حبيبتى."
فى الحقيقة , أقلقها كلامه عن فيرتى , هل يفكر فيها متسائلاً كيف أصبحت الآن ؟ هل تغيرت كثيراً فى السنوات الأخيرة التى قضتها بعيداً؟ و تساءلت هل يتطلع إلى لقائها ثانية , و أن إفترقا بهذا الشكل السيئ؟ حاولت شارلوت إبعاد هذه الأفكار و إزاحتها بعيداً , فلم ينقضى وقت طويل منذ أخبرها عن حقيقة مشاعره تجاه فيرتى, و إقتنعت تماماً لحظتها أنه لم يعد يهتم بها . لكنها غير واثقة به , تذكرت شارلوت أنها خسرت كاريج أمام فيرتى فى الماضى , و هى تحبه جداً , لذا فهى مستسلمة له, و يرعبها أن كل شئ سيتغير بعودة أختها إلى المنزل .
حاولت قهر مخاوفها و تمنيت أن يفكر كاريج فيها وحدها , و هو وجدها قلقة بشأن والدها , وفكرت فى نفسها أنها هكذا تظلم كاريج بهذه الغيرة الحمقاء , لكن الجراح لم تندمل.
شعرت بمرارة العلقم عندما تذكرت والدها الراقد على سريره بالمستشفى و يموت شوقأ لـ فيرتى .
سافر كاريج بعد يومين , كان عليه أن يعود لعمله , و واظب على الإتصال بها يومياً , يشجعها بكلماته , يسألها عن أبيها , طبعاً , لكنه دائماً يسأل عن فيرتى أيضاً. بسبب هذا أصبح سلوك شارلوت تجاهه قاسياً , فالوساوس قهرت شوقها العارم و احتياجها له , تتشوق لتقول له أنها تحبه , و تفتقده بشدة , لكن دائماً تهرب الكلمات منها , و يصبح حديثها معه مختصراً يمكنها من صوته المتحفظ معرفة شعوره بحالتها , حاولت ألا تكون كذلك لكنها لم تستطيع.
تعلق هارتفورد بيج بالحياة قرابة أسبوعين ثم مات فى غيبوبته التى بدا أن لا نجاة منها , ظلت شارلوت معظم الوقت بجواره , ممسكة بيده تتحدث إليه بإستمرار تحاول دفعه لإستعادة وعيه . ذات مرة عندما ذهبت إلى المستشفى فى الصباح , أمسكت بيده , بدا كأنه تعلق بها , حرك رأسه ناحيتها , و بشوق بدأت تتحدث إليه , على الفور استرخت يده و سقط فى غيبوبته كما كان , أعتقد أنها فيرتى.... هكذا ألحت عليها الفكرة , حتى أعتقدت أنها الحقيقة , و لو كانت هى فيرتى , ربما استعاد وعيه لكنه حتى لينقذ حياته لا يزعج نفسه لأجلى!

حب من أول نظرة_سالى وينت ورث حيث تعيش القصص. اكتشف الآن