قضت شارلوت بقية تلك الليلة فى غرفتها و بابها مغلق , نوافذها مغلقة , ستائرها مسدلة , لكنها لم تستطيع إبعاد ما رأته عن ذهنها , ما زالت ترى بعيون خيالها كاريج و فيرتى متعانقان معاً ! لم يأت كاريج ناحية باب غرفتها , محاولاً شرح ما جرى , و لم يتوقع منه ذلك . ليس هناك أى تفسير ماعدا ما هو واضح ...أيكون سقط ضحية لأحاسيس أختها العاصفة المكتسحة مرة أخرى ؟ عاودها النعاس المرة تلو الأخرى , و فى الصباح استيقظت و أرتدت بنطلون جينز و قميص أبيض و سويتر أزرق فزقه , عكصت شعرها للخلف مضفراً أسفل عنقها لكنها تركت خصلات تمرح حرة مسدلة لتلطف خشونة هذا المظهر.
خرجت ناحية الأسطبل , سرجت المهرة و اسرعت تركبها فى مشوار طويل , و لم تعد إلا بعد أن حل الضحى .
كان كاريج فى أنتظارها جالساً عند بوابة الأسطبل فى الشمس , عارى الصدر و جسده الذى لوحته الشمس شد بصرها , قفز و فتح الباب و عيناه على وجهها الغائم , ترجلت و جاء هو ليفك السرج , لكنها قالت بحدة :"يمكنى فكه , شكراً" و فكته هى .
إلتفتت و بدأت تتباعد عنه , لكنه أمسك بذراعها و جذبها لتستدير و تواجهه :"أريد أن أقول كلمة."
" أنت مخطى , ليس بيننا أى شئ نتحدث عنه."
" حسناً , ربما ليس لديك , لكن أنا لدى ماأقوله , و ستسمعينى سواء أردت أم لا."
بينما هى تضع يديها على أذنيها , جذب يديها إلى أسفل وأمسكها من معصميها
" لن تستطيع التلاعب بى , هل تعتقد أننى أريد الإستماع إلى أكاذيبك بعد ذلك؟"
"أصمتى." أسكتها صوته الغاضب , جعلها تخاف للحظة :"ساقول هذا لمرة واحدة و أنت أسمعى , سواء صدقتى أم لا , الأمر عاد لك , بصراحة أنا لا يهمنى هذا أو ذالك." وكبح جماح غضبه :"أياً ما كان عقلك المعوج قد فكر فيه الليلة الماضية , كنت فقط حاملاً فيرتى لأعود بها , عندما صعدت أنت لسريرك شعرت أنا بملل و قررت الخروج لأتمشى ."
رمقته شارلوت بنظرة حاقدة , حاولت الإندفاع لتهرب , أمسك بها :"تابعتنى فيرتى للخارج , كانت مخمورة , و منزعجة من شئ ما , كانت تجلس تنتظر مكالمة من أمريكا , لم تأت أفترض أنك ستقولين أنها كانت تتباكى بتأثير الخمر , ظلتتسير خلفى , حاولت تسلق الأطلال , وتقفز تلك الحفر , خشيت أن تنكسر قدمها , أصابنى الملل منها أيضاً , كانت آخر شخص....."
توقف و قال بإختصار :"فى النهاية حملتها لأعود بها إلى المنزل وحدث ما رأيته عندما حضرتى."
وافقته شارلوت بشكل جارح :"نعم, كان ذلك عندما كنت تقبلها ."
تصلب وجهه :"عندما كانت تقبلنى " مصححاً كلامها .
أجابته متهكمة :"آهـ , أستعطف عفوك, ألست أنت الذى قال أن لديه كلاماً فى الموضوع ؟"
إرتسمت نظرة حادة فى عينيه :"لن أناقشك حول هذا يا شارلى."
نظرت إليه و وجهها شاحب :"لو كان ما تقوله صحيح , لم يكن هناك مبرر لمساعدتها "
" لا تكونى حمقاء , بالطبع, ساعدتها , كان يمكن أن تسقط و تجرح نفسها." تصلبت يداه على معصميها :"لن أتجاهل فيرتى لمجرد غيرة حمقاء تلوث عقلك شارلى , هى أختك , وشريكتى فى الأعمال الآن , وهى صديقة قديمة....أنا....."
قاطعته شارلوت و تصاعد غضبها ثانية :"عشيقة قديمة , أم هى أكثر من ذلك , لو تقدر أرجع إليها بسهولة عندئذٍ....."
" لِمَ أرجع لها !" إحترقت أعصابه و دفعها بعيداً عنه , لأنه لا يستطيع أن يتحمل أكثر و لا عليه أن يجرحها فى فورة غضبه :"للمرة الأخيرة....نحن لم نكن عشاقاً!"
" لكن فيرتى قالت أنكم كنتم, تظن أصدق من منكما؟"
"حسناً , عليكى أن تجتهدى لتعرفى ذلك بنفسك, أليس كذلك؟"
" أريد أن أصدقك , لكن...."
منتديات ليلاس
"حقاً , أشك " نظر غاضباً :"أنت بتملكك وسواس فيرتى ,كما كان والدك"قالها بفظاظة :"لكن بطريقة متناقضة تماماً , هل يسيطر عليكى شبحها دائماً مما جعلك غيورة منها هكذا, الآن والدك كان مولعاً بحبها كثيراً؟"
"ربما كنت " إعترفت :"لكن كان ذلك فى الماضى , إنه أنت .....أخشى أن تأخذك منى."
أجابها:"لن تستطيع أبداً , لكن بطريقة تصرفك , ألا تفهمين أنت تدفعينى للإبتعاد عنك؟ كيف يمكن أن يكون بيننا علاقة من أى نوع بينما لا تثقين بى؟ ألم تسمعى كلامى , بأننى لم تبلغ علاقتى بفريتى مستوى علاقتى بك. أى أمل فى المستقبل , يمكننا التعلق به , و أنت بهذا الشكاللعين ؟"
نظر إليها و التفت بجفاء , بدأ الأبتعاد ناحية المنزل , أسرعت خلفه ممسكه بأكمامه :"كاريج إلى أين أنت ذاهب؟"
"عائد إلى لندن , مؤكد لا يوجد هنا ما يجعلنى أبقى" منتديات ليلاس
" لا , لا تذهب هكذا , من فضلك أنا آسفة , أنا...."
إلتفت نحوها :"شارلى, لا أريد أن تسير الأمور هكذا , لكن الأمر بيدك , ينبغى أن تستخدمى عقلك و تثقى بى , طالما تفعلين...."
قطع صوت فيرتى منافشتهما و هى تناديه من فوق الكوبرى :"كاريج , ياه , انا مستعدة للذهاب!"
توتر جسد شارلوت :"أنت راحل الآن.....معها؟"
ضاقت عينا كاريج محذرة :"قلت أننى سأوصلها معى. نعم لكن لو...." لم يكن أمامه وقت لإنهاء كلامه ,
فلقد تراجعت شارلوت و قالت بخبث :"إذهب إذن, لا تدعنى أحتفظ بك , فى لندن تستطيع رؤيتها كثيراً كم تحب , ربما أثناء ذلك, تفكر بتأن , أياً منا تريد!"
أظلم وجهه بالغضب , خطا نصف خطوة ناحيتها و يده ممدودة , لكن خطا غاضباً نحو فيرتى , التى تنتظره و إبتسمت و سار خلفها , أسرعت شارلوت خلفه , بعد خمس دقائق خرج كاريج بالسيارة وقادها مسرعاً ناحية الطريق.
خلال الأسبوع التالى الرهيب لم تسمع شارلوت أى شئ عن كاريج أو فيرتى , ثم وصلها خطاب من المشرف الرسمى طالباً رؤية المنزل من الداخل قبل الموافقة على خطة التجديد , و فى النهاية قال أنه طلب من المهندس المعمارى كاريج بيشوب أن يحضر , إتصلت بمكتب المشرف للتأكيد على الموعد لتخبره إن بإمكانه الحصول على المفتاح من جارهم لأنها ستكون فى عملها .منتديات ليلاس
عندما جاء اليوم المحدد عجزت عن التركيز فى عملها , عقلها مشغول بفكرةكون كاريج موجود بالقرب منها , كونه فى المنزل مع المشرف ,دخوله حجرة نومها , هل سيفكر فيها أم أنه سيدخل غرفة فيرتى و يفكر فيها ؟ حاولت أن تتخلص من شكوكها المحرقة لكنها لم تجد مهرباً من الصور المؤلمة التى يرسمها خيالها.
حدد المشرف لمقابلة كاريج عند المنزل فى الحادة عشر ظهراً , لها عندما عادت قادت شارلوت سيارتها عائدة للمنزل فى الخامسة و النصف كانت واثقة تماماً من ذهابهم منذ فترة طويلة لكن عند دخولها الفناء كانت سيارة كاريج موجودة . للحظة قاسية فكرت فى العودة , ثم أدركت أن كاريج ربما سمع صوت وصول سيارتها , ببطء نزلت من السيارة و دخلت منتديات ليلاس المنزل , كان كاريج جالساً فى مقعد منخفض بجوار لانافذة بحجرة الأستقبال , بيده كأس , لم يقف عندما دخلت , فقط نظر إليها متفحصاً كما لو كان يحاول التعرف على حالتها العصبية .
قال بأدب فاتر :"اعددت كأس لنفسى , آمل ألا يزعجك ذلك؟"
"لا, لا, طبعاً لا" وضعت حقيبتها على مقعد و لم تجد ما تقوله
قال :"أرى أنك تخلصت من كثير من الأثاث."
وعيناه تتنقلان بأرجاء الغرفة الخالية لتستقر عليها ثانية .
" نعم, يبدو ألا مبرر للإنتظار" إنتظرت أن يواصل حديثه , ثم قالت
ماذا فعلت مع المشرف؟"
"كانت له تعديلات طفيفة يريد إدخالها , فمعظمها من زاوية الأمان , عدا ذلك كان راضياً, سيصلنا خطاب رسمى قريباً عندئذٍ يمكن البدء."
قالت :"أفهم , لكن إذن , ماذا تريد أن أفعل؟"
وضع كأسه , و وقف و سار ناحية المائدة الصغيرة :"أولاً سأريك التعديلات."
نظرت إليه و تحركت ببطء لتقف بجواره , و بدأ يحدد التعديلات , لكنها لم تستمع , فقط تومئ برأسها عندما يتوقف حديثه , كانت مستغرقة فيه بأعماقها ....أكتافه العريضة فى بدلته العملية الأنيقة , يديه القويتان و هو يشير إلى الرسومات , صوته الآخاذ القوى رائحة عطره التى تسرى فى مسامها , إحساس عارم جعل جسدها يرتعد , فتباعدت خوفاً و خشية أن يلحظها .
منتديات ليلاس
قال بإختصار :"آسف , كان ييجب أن اتذكر أنك لا تهتمين بهذهالأشياء."
" أنا مهتمة , أنا....." كانت أظافرها تنغرس فى راحة كفها , إلتفتت لتواجهه :"ماذا بعد ذلك؟"
ضاقت عيناه و هو يحتويها بنظرته :" طلبت من ثلاث شركات مبانى عمكل التقديرات , كلها تريد معاينة المنزل, و سأقوم بترتيب ذلك , بعدها يبدأ العمل . طبعاً سأكون هناغالياً , بقدر إستطاعتى لأتأكد أن كل شئ يسير على بسلام , لكن لو كانت هناك مشاكل يجب أن تتصلى بى." توقف و عيناه على وجهها المنكس :"هكذا بطريقة أو بأخرى سنرى بعضنا كثيراً فى المستقبل القريب."
تراجع صوته متملياً , و شعرت شارلوت أنه فى حالة غريبة, بدأ قلبها يسرع دقاته , و تشوقت للإقتراب منه و لمسه , و تركه يأخذها فى أحضانه , لكنها لم تستطيع , ليس إلى هذا الحد , لقد صادرت هذا الحق , لو كان حقها أصلاً:"ماذا عن فيرتى ؟"
سألته بجفاء :"هل ستعود لتبقى مدة أطول؟"
ضحك كاريج بتكلف و دس يديه فى جيوب بنطلونه :"ليس لدى اى فكرة عما تفعله أو ما ستفعله فيرتى , لم آراها منذ آخر مرة هنا, منذ أن أوصلتها للفندق تلك الليلة , و لست أتوقع أن تصدقينى , فأنت مغرمة بالوساوس فى هذه الناحية."
ارتفع رأس شارلوت و حدقت فيه, عيناها على إتساعهما و وجهها شاحب :"أنا لست....." ولعقت شفتيها :"هل تظن أننى أستمتع بذلك؟"
فتساءل :"أليس كذلك؟"
هزت رأسها بائسة :"لا , طبعاً لا."
تفحص كاريج وجهها للحظة :"لا, لا, لاأظن أنك كذلك , لكنك مازالت تصدقين كل تلك الأشياء التى تقذفيننى بها , كل هذا الكلام السخيف عن أننى ما زالت أريد فيرتى."
تساءلت :"أهو سخيف؟"
إلتفت فجأة و ضرب بقبضته البرواز الخشبى المعلق على الجدار, كانت ضربته قوية فأسقطت الرواز مهشماً على الأرض , إلتفت ناحيتها شاحب الوجه راماً فكيه:"كم مرة يجب أن أقول لك ؟ ماذا يجب أن أقول لأثبت لك؟"
"تستطيع....." و أخذت شارلوت شهيقاً عميقاً "تقدر أن ترينى أنك....." غاب صوتها و هى تحملق فيه , عيناها مفتوحتان مستسلمتان , تقبض بالتوسل و الحنين للإطمئنان و تهدية أعماقها الثائرة.
حدق كاريج لحة , تصاعد الشوق ليحرقه بناره , بعدئذٍ خطا نحوها ببطء ووضع يده على كتفها جذبها بقوة نحوه :"تعالى هنا,إذن."
كانت قد جدلت شعرها فى رباط خلف عنقها , فكه كاريج فإنسدل على كتفيها وو سقطت خصلة على خدها تقبله فأزاحها , إلتقت عيونهما , عيناها تضخ شوق , عيون كاريج تفيض بمزيج غريب من الرغبة و الشك , عندما أنحنى ليقبلها شهقت شارلوت و وضعت ذراعيها حول عنقه , تتوق لأحضانه وقبلاته و حبه.
"كاريج, آهـ, كاريج , إفتقدتك كثيراً."
غمغمت بأصوات فى فمه , مزيج من أنصاف كلمات و هى تحاول قول أنها تحبه , بعد عدة دقائق رفع كاريج رأسه عنها , و شهق عالياً , و قبض على ذراعيها
"آهـ, من فضلك, آهـ , كاريج من فضلك."
قبلها من أعماقه , و أزاح شعرها للخلف بيده المرتعشة
" كاريج ؟ "
ارتجف و نظر غليها ببطء:"لا بأس , ليس هكذا تشارلى ."
"ماذا تقصد"
"اتريديننى أثبت لك أننى أفضلك على فيرتى , هل هذا فعلاً ما تريدينه منى , أن أؤطد علاقتى بك نكاية فيها؟" نظر إليها , ظلت صامتة.
نظرت إليه و هزت رأسها ببطء:"لا....لا أعتقد ذلك."
علق على كتفيها :"أنت تعتقدين لكنك لا تعرفين؟"
هزت رأسها :"أنا أستطيع نسيان فيرتى."
أرتسمت أبتسامة واسعة على فم كاريج :"هذا أفضل ما نطقت به منذ أسابيع , تعالى هنا" جذبها و قبلها بدفء وقال :"أحبك تشارلى لكننى أريدك لأسباب صحيحة , هل تفهمين ؟ ليس بدافع الغيرة أو الغضب لكن لأننا نريد ذلك فى الوقت الذى نريد , ليس بسبب وضعك لىّ نوع من الأمتحان ,وهو كذلك؟"
أومأت , عيناها ما زالت مفتوحة , لكزته بيدها فى صدره
"أيه ؟" قالها بنعومة فى أذنها :"هل تعرفين ماذا يعنى هذا بالنسبة لىّ؟"
ضحكت مبتهجة :"يجب أن أعرف."
" فتاة لعوب!" و قبل أذنها :"لم نبتعد عن بعض هكذا من قبل."
كان فى صوته تساؤل جعلها تضع ذراعيها حول عنقه و تقول :"لا أريدك أن تتوقف , آهـ ,كاريج!" أطبقت شفتاه على شفتيها و توقفت أنفاسها , إنغرست أصابعها فى كتفيه , عندما رفع رأسه بعد فترة ناظراً إليها ,كانت عيناها غائمتان تنسكب منهما الحب .
نهاية الفصل السادس
قراءة ممتعة للجميع
أنت تقرأ
حب من أول نظرة_سالى وينت ورث
Romanceالـــمـــلـــخــــص ظلت شارلوت تعتقد أن الحب من أول نظرة لا يحدث إلا فى القصص الخيالية . حتى كان يوم قابلت كاريج بيشوب . و لم يكن هو يهتم بها , بل بشقيقتها الفاتنة المستحوذة على إهتمامه . لكن بعد ستة أعوام , لم تعد شارلوت تلك البنت ذات الأعوام الستة...