الفصل الثاني

120 5 0
                                    

الفصل الثاني.. (الشعبة الخامسة)

‎استقر بنا المقام في دائرة الشعبة الخامسة في غرفة ضيقة، يحيط بي ثلاث او اربعة من الجلاوزة مدججين بالسلاح. وكانت ايضا تسمى بغرفة التحقيق المشؤومة. حيث كان هنالك ضباط اخرون يتطاير الشر من اعينهم ينتضرون الاوامر لاداء عملهم التحقيقي الهمجي. على ما اتذكر الاول يسمى "عماد" والثاني "احمد العاني" والاخر "الناصري" و "الكبيسي" لمحت اثناء نضري الى داخل البناية عبارة (داخلها مفقود وخارجها مولود)  وقد فاجئني احدهم بما يلي ..

قال لي :اذا اردت الرجوع الى اهلك وعملك اخبرنا عن علاقتك بنجيب الصالحي.

عندها عرفت ان التهمة الموجهة الي.. هي الاتصال بنجيب
الصالحي! اخبرتهم بأنه لم تكن لي معه اي علاقة سابقة بل ارسل معي اغراض لمعارفه كأي مسافر يجلب معه امانات من المقيمين هناك لاهلم في العراق. السؤال الثاني ..

قال: هل تعلم بانه هارب ومحكوم عليه بالاعدام ويعمل مع المعارضة ضد النظام ؟
اجبتهم: لا اعلم.
فبادروني و قالوا: انت لا يفيد معك هذا الكلام.. سوف نضعك في الزنزانة ونحلق شعرك ونستعمل الادوات المناسبة والاسلوب الاخر فسوف تعترف بكل التنضيم السري..

‎اقتادني احدهم الى غرفة الامانات واستلمو مني ملابسي وخاتمي العقيق وساعتي ونضارتي الطبية والهويات والنقود وسلموني بجامة ،التي لا ربما ارتداها اناس انتهت حياتهم بالتعذيب... بعدها وصلت الى الزنزانة رقم( ٤ ) .. بالباب الحديدي الثقيل، الاقفال والفتحة الصغيرة في الااعلى واخبروني بعدم فتح هذه النافذة الصغيرة مطلقا. وسلموني "بطانية " غطاء لا تصلح حتى ان تكون فراشا ممزقا.. في وقت كان البرد قارسا...  وهذه البطانية الخفيفة هي فراش وغطاء في ان واحد . كانت مساحة الزنانة متر ونصف مربع و مضلمة .. فيها مصباح خافت ولم اسمع الا طنين البعوض.. كنت صائما وقتها.. يوم السابع من رمضان اقفل الباب وبدات الافكار تتلاطم مع تشتت الذهن وجلوس القرفصاء في احد زوايا الزنانة .. مضى بعض الوقت ولم اعرف المساء من النهار او حتى وقت الصلاة.. بل سياح الجلادين وصرخات المعذبين المضلومين، وبقيت حتى الصباح لم يطرق النوم بابي.. بل كان لساني يعيد قراءة السور القرآنية التي حفظتها في وقت الشدة.. واحيانا تغمض اعيني وتفتح فجأة على وقع الصياح والصراخ ولسعات البعوض، التي احيانا لم اكن احس بها من شدة التفكير والنعاس وتقع عيني على بعض الكتابات المحفورة على الحائط.. ذكريات للمعتقلين السابقين .. الاموات او الاحياء منهم..

وفي الصباح .. (كما عرفت من صياح ما يسمى عندهم بالاستاذ ) رجل الاستخبارات "الخفر" الذي يقتاد الضحايا الى غرفة التحقيق او التعذيب .. والزنزانات تسمى عندهم بالمحاجر .. ثم هنالك صوت يدعو فيه بصوت عالٍ للتهيء لتناول الغذاء من تحت الباب .. دون فتحه وذلك لعدم رؤية رجل الامن،
‎وفي احد الايام كنت غاطا في النوم من التعب .. لم اسمع المنادي باستلام الغذاء وكان يصيح (ابو محجر اربعة ليش ماتجاوب!!) وبعد ان اجبته قال (انت گاعد في مطعم البحر الابيض المتوسط؟ ) فلما راني قال (لم اعلم انك كبير في السن والا اكلت المقسوم.. ) اما طريقة خروجنا الى المرافق الصحية يقوم بالعد من واحد الى العشرة واحيانا الى الخمسة حسب مزاج الاستاذ للخروج من المرافق. واحيانا يخرج السجين عريانا... وهذا يحدث مرتين في اليوم..  فقط في الصباح والاخرى في التاسعة ليلا. وعند الخروج يجب علينا عدم التكلم او السؤال عن اي شيء. كنت حافي القدمين حينما اتو لاخراجي الى التحقيق واذا اراد احدهم ان يعمل حسنة في حياته يجعلك تردي نعالا ممزقاً. عند وصولي لغرفة التحقيق بالجري السريع طبعا ... استقبلني احدهم فقال لي : (البس النضارة) أي تعصيب العينين.. جلست على طبلة من حديد ولم اعلم من هو الجالس فيها.. وبدأت الاسئلة الكثيرة المتنوعة.. معضمها عن المساس في امن الدولة.. وتتخللها الاهانات والضرب اذا لم يكن الجواب هم مقتعين فيه.. او يعتبرونه تهربا وحسب نفسية المحقق. ورغم اني معصب العينين الا انني اعرف اصواتهم كونهم هم  الذين القو القبض عليَ في البداية. قالو:( اننا احترمناك كثيرا، فسوف نعطيك اوراق بيضاء تكتب افادتك بيدك وتاتي بها اليوم التالي) ارجعوني الى الزنزانة.. وانا احمل الارهاق والالام النفسية ولكن تبقى معنا الآية الكريمة والتي ارددها : ( واستعينوا بالصبر والصلاة ان الله مع الصابرين) وهي غذاءٌ للروح.. في اليوم التالي احضروني للتحقيق مجددا وانا محمل بالهموم والقلق .. واستلموا الاوراق مني وقرأها المحقق ولم تعجبه محتوى الكتابة حيث كنت اراه وانا غير معصب العينين هذه المره.. وواضح من تقسيمات وتعابير وجهه وقال :( لم اقبل هذا الكلام مطلقا وسأعطيك اوراق اخرى تكتب فيها الافادة الصحيحة) وكالعادة تتكرر اسئلتهم وصياحهم واستهزائهم .. خلال سيرنا في الممر لم نرى اي معتقل اخر .. كلها داخل المحاجر، ومن حسن الصدف قبل دخولي الى المحجر لمحت الاستاذ "حميد حسن" (وعرفت انه اعتقل معي ولكن في غير محجر ولم نتقابل)

ذكريات ما وراء القضبانحيث تعيش القصص. اكتشف الآن