الجزء الثالث

100 3 0
                                    

مجددا للشعبة الخامسة..

حينما وصلنا دهاليز (المررات الضيقة ) في الشعبة الخامسة "دائرة الاستخبارات العسكرية" .. دخلت الى زنزانتي رقم ٤.. وهي قبري حيث بقيت ساعات فيها ولحسن الحظ نادوا على اسمي ونقلوني الى القاعة الكبيرة..بعد اخذ الموافقات من المحققين ومسؤول الشعبة.. وما ان فتح باب القاعة شهدت معتقلين يقدر عددهم بالخمسين.. وهنالك مراقب فيها ايضا من المعتقلين صاح بصوت عال:( انهض) فنهضو جميع المعتقلين ووجوههم الى الحائط طلب منهم السجان (الاستاذ) المرافق لي ان يديرو بوجوههم الينا .. وانا معه نمر من امام كل واحد ويقول لهم :(هل احد منكم يعرف هذا الرجل) فقال الجميع لانعرفه .. لان قصده اذا عرفني احدهم ينقلني الى مكان اخر.. لكي لا تصل اخباري الى خارج السجن.. وكان الحاج "ابو ماجد حميد حسن" كما عرفت في القاعة الثانية.. والعميد الطبيب "دكتور ناصر " في قاعة الضباط " وهم كما يسمونهم (اابناء دعوتي) بعدها قفل الباب وبدأ الخمسين معتقل يستقبلوني بالكلمات الطيبة وتجمعو حولي متأثرين لحالي لانني انا الوحيد الكبير بالسن كلهم شباب..وبدأو بالاسئلة عن سكني وماهي دعوتي ومدينتي لكي  يسألوني عن اهلهم واقربائهم وعن الاوضاع خارج السجن.. لان قسما منهم في السجن كانت لهم اشهرا عديدة.. لاحظت بعض الشباب الملتزمين دينيا.. احدهم لديه ابرة(ليست هذه الابرة الحديدية وانما من بعض عظام الدجاج الصغيرة التي يأكلونها لان الأبرة الحديدية ممنوعة في السجن)  وخيط ، وبدأو بخياطة بجامتي.. وخاصة بنطروني وبجامتي ولباسي.. ثم ادخلوني في الحمام الداخلي لهم وبدلو ملابسي وحمموني شعرت بالراحة والاطمئنان لانني وجدت اناسا اتكلم معهم! ولو بصوت خافت .. لان الكلام ممنوع.. واذا سمعو كلامنا او وشى به المراقب السري للسجان يكون المصير الجلد.. كثير من المعتقلين هنا يؤدون واجبهم بالعباادة والصلاة ..

‎من حسن الطرف ... انهم عملو لي مسبحة (١٠١ خرزة)من خيوط البطانية .. حيث تمت برفقتي حتى خروجي من السجن وطلبها مني احد الاصدقاء للذكرى... كانت وجبة الفطور في القاعة متكونة من صمون (خبز) الجيش الاسود .. واحيانا نجد فيه بعض الخيوط وعيدان القش.. ومعها قدح من الشاي وجبن .. وبعض الايام حساء .. يوزعه المراقب علينا .. اما الغداء فهو تمن (ارز) وعليه القرانييط او العدس.. ويعطوننا في الاسبوع مرة دجاج ما يقارب الخمسين غرام،للققاعة فقط دجاجتين او ثلاثة.. حيث انه الباقي المخصص لنا يؤكل او يؤخذ من الحراس.. كل ساعة احيانا او ساعتين الاستاذ (الحارس ) على غفلة ويفتح الباب ليرى من يتحدث حتى لو كان نائما ... لينال العقاب امام الجميع.. وفي بعض الليالي يدخلون الحراس علينا وبيدهم سياط او كيبلات .. ويختارو جماعة من بين المعتقلين وسط القاعة لجلدهم امام الجميع.. كي يتسلو بهم.. وكانت رائحة الخمر تفوح من افواههم. حيث هكذا هي حياتهم اليومية كان معنا شاب ضابط مهندس قد اختل عقليا من كثرة الجلد .. واتذكرة اسمه "عناد" نتيجة التعذيب كانت نهايته الجنون.. وكان طول النهار والليل لا ينام .. بل يتحدث بكلام غريب غير مفهوم ولم يسلم هذا الشاب منرعقابهم بالسياط .. هناك جلاد اسمه "طالب" يفحض القاعة يوميا عندما يرى شخصا شعره طويل ويأتي بماكنة حلاقة قديمة مؤذية فيها نصف شفرة غير حادة.. ويطلب حلق الشعر حيث الجروح والدم يسيل.. وهو فرحٌ ومسرور للمنضر ولا يبدل الشفرة الا بعد ان تصبح مؤذية جدا.. ويبدلها بنصف شفرة ثانية تستعمل لخمسين شخص .

ذكريات ما وراء القضبانحيث تعيش القصص. اكتشف الآن