المقدمة

4.9K 161 38
                                    


اشتاقت اليه حد الموت ... تاقت روحها لكل ذرة فيه ... و كم افتقدت توسده لصدرها بعد يوم عمل طويل و كأنه طفل صغير يختبئ في حضنها من قسوة العالم الخارجي .. كم اشتاقت اصابعها لتمسيد شعره.

كان بالفعل يملك روح طفل عجزت عن مجاراة سنوات عمره التي قاربت علي الاربعين ... و هذا ما جعلها تعشقه اكثر ... و كم اكتفت به عن الاخرين .

لم يكن مجرد زوج ... بل كان عالما بأكمله ... الان لم يبقي لها سوي الانقاض ... بقايا روح معذبة و جسد هزيل فقد كل معاني الحياة .

عادت الافكار السوداء لتهاجمها ...

تري اين هو الان؟ ... هل هو مع تلك الأخرى التي ستقصيها بلا شك عن عالمه ؟ هل ستكون سعيدة معه كما كانت هي ؟ .

عند تلك النقطة لم تحتمل المزيد ... نهضت من فراشها صارخة بألم.

ارتفع نحيبها ... كاد قلبها يتمزق حسرة ... هتفت برجاء قائلة :
" يا الله ... اجعل هذا الالم يتوقف... ارجوك .. ساعدني "
كانت النيران المشتعلة في صدرها اقوي من ان تحتملها .. تابعت هذيانها :

" لطالما اكتفيت به عن اي شخص اخر ... دائما ما كان كل شيء لي ... و الان بعد ذهابه اصبحت بلا شيء ... كيف سأحيا هذا الخواء الذي تنذر به ايامي المقبلة ... كيف سأتحمل الم فراقك يوسف "

نهضت من فراشها بصعوبة و توجهت الي الحمام الملحق بغرفتها ... اتجهت مباشرة لحوض الاستحمام و ملأته بالماء... ثم نزلت فيه بكامل ثيابها .
زاد ارتجاف جسدها المحموم ... و لكنها لم تخرج ... بل تمددت اعمق و ارتخي جسدها المتعب في الماء اكثر .
كل ما ارادته في تلك اللحظة ان تخفف حدة النيران المشتعلة في جسدها ... و التي لم تكن الحمي هي السبب الوحيد لها ... بل هي غيرتها القاتلة حينما تتخيل ان اخري ستحل مكانها هذه الليلة .
هذه الدقائق من التخيل كانت اصعب ما مر بها في تاريخها ... كانت تموت الف مرة في الدقيقة .
ارخت جسدها اكثر في الحوض الذي امتلأ عن اخره و فاض الماء منه بوفرة .

فغمرها الماء حتي ذقنها ... و رغم برودته الا ان جسدها فقد الاحساس بكل شيء ملموس ... حيث كانت تنسلخ عن الواقع ببطء غارقة في عالم اخر لا يوجد به الا هو.

استمرت في انزلاقها للأسفل.. حتي باتت مغمورة تماما تحت الماء .
طالت بها الثواني بلا ادني حركة منها ... تدريجيا فقدت اتصالها بكل ما حولها ... و مع كل ثانية و بنفاذ الاكسجين من رئتيها كانت تقترب منه اكثر .
وقفت علي الحافة ما بين الحياة و الموت ... شعرت بقوة اكبر من ادراكها تسحبها نحو الظلام ... فلم تكن لها القدرة علي التشبث بتلك الحياة اكثر من ذلك .

اخيرا بدأ كل شيء يتلاشى بظهوره ثانية ... ها هو قادم ناحيتها بابتسامته العذبة ... فتحت عينيها علي اتساعهما و بادلته ابتسامته بسعادة خالصة ... خرجت حروف اسمها الثلاث من بين شفتيه بأعذب نغماته ... تماما كعادته حين يناديها .

إلا أنت حيث تعيش القصص. اكتشف الآن