الفصل السابع

1.4K 93 26
                                    

دلف الي جناحهما في منزل عائلته و ما فاجئه انها لم تكن بانتظاره كعادتها ... بل وجدها نائمة .
جلس الي جوارها متأملا اياها بصمت لوقت طويل  ... متسائلا ...  هل سيقدر يوما علي استبدالها بأخري تنجب له الاطفال ؟ .
لقد عرف الكثيرات قبلها و لكن لم تدخل احداهن قلبه حتي نجحت هي حيث فشلت الاخريات ... غزت قلبه و أبت الا ان تملأ كل ذرة فراغ به لتسد الطريق علي اي اخري قد تحاول الوصول اليه ... فهل تصدقه ان قال انه لا يري غيرها و لن يفعل  ابدا ؟ .
ضاقت بطول تأمله لها ... فقد تخدرت عضلات وجهها و هي تتصنع النوم ... و قد ضاق صدرها بالشهقات التي خنقتها رغما عنها .
لقد سمعت كل كلمة دارت بينه و بين والدته ... و لم يكن سهلا عليها البته ان تقف هناك لتسمع حتي النهاية .
و هي التي ظنت بحماقتها انها تضحي لأجله ... و كم كانت غبية حينما فكرت في ذلك .
اخيرا شعرت به يبتعد ليدخل الحمام  ... فاطلقت العنان لدموعها المحبوسة لتغرق وجهها ... و قد ساعدها صوت المياه المتدفقة علي اخفاء نحيبها المرتفع  .

**********

كانت الايام التالية بمثابة جحيم بالنسبة لها  ... كل لحظة كانت تمر عليها و هو بعيد كانت تغرقها في ظنونها السوداء  ... و قد حاولت ان تكف عن ذلك ... الا ان الامر كان خارج عن سيطرتها لتجد نفسها تغرق اكثر و اكثر .
غيرتها لن تسمح لها ان تري اخري تشاركها فيه  ... فذلك جدير بأن يفطر قلبها اكثر مما هو ... اذن الحل ان تبتعد هي لتتيح له المجال .
و هذا ما عملت عليه طوال الايام السابقة ... و ما دعم من قرارها و جعلها تصر علي الابتعاد هو  نظرات والدته التي تتهمها بالأنانية لتضييع حلمها في الحصول علي حفيد .
و كم شعرت بزيف مشاعر اسرته تجاهها طوال تلك السنوات الماضية ... فالان بعدما انقلبت الاوضاع تغيرت نظرة التقدير لتصبح استنكارا لانانيتها في الاحتفاظ به .
اما عنه فلم يسمح لها ... و لم يكن خافيا عليه تغير معاملتها معه ... و كان يتسلل اليه شعورا بالخوف من ان تكون والدته قد تحدثت اليها او تكون قد علمت بما دار بينهما من شجار .
وكلما تباعدت اقترب اكثر حتي جعلها تشعر باستحالة مهمتها لذلك لم تكن قادرة علي ابعاده رغم علمها ان تصرفها يحمل انانية كبيرة  ... الا ان امر تركها له اصبح حقيقة لا مفر منها ... هي فقط ايام تقضيها معه الي ان يعود اليها كريم فهو الوحيد القادر علي دعمها .

فقد ارسلت له تطلب منه ان تسافر اليه ... فالسفر هو الحل الوحيد ... لكنه اخبرها انه كان في الطريق للعودة بالفعل هو و زوجته و طفلهما الصغير .

كان ما فعلته يفتقر للصواب ... حيث انها لم تقدر رد فعل كريم ... فقد كان اكثر الناس احساسا بها ... و كان علي علم تام بانها ليست علي ما يرام و الا لم تكن لتلجأ له .
كان غضبه من يوسف اعظم بالرغم من جهله بحقيقة الامور بينهما .. كل ما كان يشغل تفكيره انه لم يحافظ علي الامانة التي تركها بين يديه  ... لقد احزن صغيرته المدللة و يجب ان يرده لصوابه  .
استقبله كلاهما في المطار و قد عامله يوسف ببشاشته المعتادة و لكنه لم يكن قادرا علي التعامل معه بتلك البساطة .
فبمجرد ان وقعت عيناه على نور حتي جن جنونه فهذه ليست صغيرته ابدا انما صورة باهتة عنها  ... و قد فقدت بريقها و حيويتها فبدت اكثر هشاشة  .
اما عنها فقد رمت نفسها بين ذراعي شقيقها مطلقة العنان لدموعها ... كانت كغريق جاهد طويلا ليصل الي اليابسة و ما ان شعر بها تحت قدميه حتي فقد اخر ذرات مقاومته  .
كانت واثقة ان كريم هو من سيؤيدها في قرارها  ... و لكنها اغفلت حقيقة غضبه التي تنذر بتصادم وشيك بين اكثر شخصين اهتمت  لأمرهما .
غاص قلب يوسف بعدما رأي فعلتها ... و تأكد له ان ظهور صديقه في هذا الوقت ليس صدفة ... فالجفاء الذي عامله به لا ينم الا عن شيء واحد ... انها قد اشتكت له .
تعلقت نور بشقيقها تلتمس منه قبس من قوتها المفقودة و اصرت حينها علي الذهاب معه لمنزلهما ... و لم يعارض يوسف مستدعيا اخر ذرات صبره عليها  .
امتدت زيارتها لشقيقها لأيام تجنب يوسف خلالها الحديث معها فهو يعلم ان العاصفة آتية لا محالة .
الا انه وجد كريم في منزله في مساء احد الايام  ... و من طريقته في التعامل معه عرف ما اتي ليتحدث عنه  .
خيم الصمت الثقيل عليهما  ... فكريم يعلم مدي صعوبة موقفه  .. و علي الرغم من ان شقيقته لم تخبره بالسبب وراء طلبها في الانفصال الا انه رجح انها تريد ذلك لأجل الحصول علي طفل  .
بدأ يوسف حديثه معه بتعقل قائلا :
" اين نور  ؟ ... لما لم تأتي معك ؟ "
تنفس كريم بعمق قبل ان يقول :
" هذا ما اتيت حتي اتكلم معك عنه .. نور ..."
صمت قليلا يبحث عن كلمات مناسبة يزين بها الموقف  ...ليتابع قائلا :
" انت و نور لم يعد يفترض بكم ان تستمرا في هذه المسرحية ... يجب ان  ينتهي هذا الزواج ... نور تريد الانفصال  "
حاول يوسف ان يستدعي هدوء اعصابه ليقول :
" و لكنني غير قادر علي ذلك .. لن اتركها يوما "
كان الغضب يتراقص في عينا كريم بعدما لمس ذاك البرود الذي يعامله به يوسف .
لم يقدر علي التحكم في نفسه اكثر ... فاندفع ليمسك بتلابيبه  ... شد علي ياقة قميصه بقسوة حتي باتت عيناه المتوهجة بالغضب تواجه عينا يوسف المكسوتان بطبقة عميقة من الجليد ... ليهتف كريم بحدة قائلا :
" ماذا قلت ؟ "
ازاح يوسف راحتيه بهدوء قائلا :
" قلت لن اطلقها ... لن اتركها يوما "
" ستتركها رغما عنك ... كيف تسمح لك كرامتك بالاحتفاظ بامرأة لا تريد ان تعيش معك  ... كن رجلا و طلقها .. لا تكن انانيا .. دعها تحصل علي طفل ان كان هذا الامر مستحيل معك "
كاد يوسف ان يقهقه بسخرية علي ما قاله كريم  و الذي لا يدل الا علي جهله بما بينه و بين نور .
و لكن اكثر ما ازعجه انه يقول دعها تحصل علي طفل .. هل يتصور انه قد يتركها لأخر؟!! .. لربما لو كان هو الذي يعاني من عدم القدرة علي الانجاب لتركها فلم تبلغ انانيته حد حرمانها من الاطفال مع ادراكه مدي عشقها لهم.
ولكن لأنه يدرك حقيقة الامر فمن المستحيل ان يفعل ...   ازاح  قناع البرود ليقول بنبرة عالية محتدة  :
" فلتبق بعيدا كريم ... هذا امر لا يخصك ... لن اطلقها يوما و هذا اخر كلام ... اما عن عدم رغبتها في الحياة معي فهذا امر يرجع لها هي "
" و ماذا ان اخبرتك انها تريد الانفصال عنك ؟ ... هذه هي رغبتها .. لذا ان كنت تحبها كما تدعي ستحترم قرارها "
" رغبتها ؟!!! ... ذلك مستحيل فلتخبرها بذلك ...و اخبرها ايضا انها ان لم تعد فلن تكون عاقبة الامور جيدة ... لقد تعاملت معها بكل صبر و قد بدأ صبري ينفذ "
" حسنا يوسف كما تريد ... تذكر انني طلبت منك بكل احترام و لكن بما تفعله فأنت تقضي علي اخر ما بيننا "
قال ذلك و هو يندفع خارجا .. و لم يكن لدي يوسف الفرصة للرد ... و لكن ما حدث بعد ذلك عقد الامور اكثر .
حيث كانت جميع عائلته تضغط عليه لتنفيذ رغبتها  ... و لكن كانت القشة التي قسمت ظهره هي رفعها قضية خلع ضده  ... لم يكن يصدق رغبتها في الانفصال عنه حتي علم بأمر هذه القضية .
اراد فقط ان يسمعها منها  ... و لكنها كانت ترفض مقابلته كلما طلب ذلك ... هو واثق جيدا انها لا تريد الانفصال مثله تماما و لكن حدث ما حاول تفاديه طوال السنوات الماضية .

إلا أنت حيث تعيش القصص. اكتشف الآن