الفصل الاول

3.6K 143 36
                                    


" نور "
تنبهت الي الصوت الذي ناداها بحدة ارتعدت علي إثرها .
رفعت رأسها لتري صاحب ذاك الجسد الضخم الذي حجب عنها الضوء الشاحب الصادر من مصابيح ممر المشفى البارد .

كانت ملامح الغضب تلوح علي وجهه و قد توهجت عيناه الخضراوين بحنق حينما اردف :
" نور ... ألا زلتِ هنا ؟!! ... الم اطلب منكِ ان تعودي للمنزل ... لما انتِ هنا حتي الان ؟ "

هزت رأسها رفضا و خرج صوتها واهنا من اثر كثرة البكاء و هي تقول :
" انا اسفة للغاية دكتور يوسف ... لا استطيع ان اتركه و اذهب بتلك البساطة ... انت لا تعلم ماذا يعني كريم بالنسبة لي "

انكسرت نبرتها مع جملتها الاخيرة لتخرج كلماتها بنحيب ... فلم تستطع ان تمنع نفسها من البكاء تحت نظراته و هي تتابع :

" كريم ليس شقيقي فقط ... هو بمثابة عالمي بأكمله.. هو ابي و امي و عائلتي .. هو كل شيء ... لن اسامح نفسي ان حدث له مكروها بسببي "
رقت ملامحه و هو يجلس الي المقعد المجاور لها ناظرا اليها بإشفاق ... فحالتها تنذر بانهيار قريب بعدما رفضت مبارحة مكانها طوال اليومين السابقين ... لدرجة انها لم تقرب طعاما او شرابا طوال هذه المدة حتي حال لونها و شحب وجهها بدرجة مخيفة .
كاد ان يجبرها علي تناول اي شيء الا انه تراجع عن ذلك بعدما رأي نظراتها المستنكرة ... حتي بقاءه بجوارها رفضته مصرة ان يتركها و يذهب لمتابعة عمله و ألا يهتم بها .
عنادها اصابه بالحنق ... فرغم ضعفها هي لا تريد ان تدع احدا يحمل عنها بعضا من حملها الثقيل .
لم يكن يعرفها قبل هذين اليومين ... مع انه سمع عنها طويلا من كريم شقيقها ... و الذي كان اكثر من مجرد زميل عمل حيث ربطتهما صداقة عمرها سنوات عدة .

كريم الذي لم يكن يتحدث عن غيرها ... نور ذهبت... نور فعلت ... في البداية ضاق بثرثرته الطويلة عنها ... و لكنه مع الوقت اعتاد ذلك ... لدرجة انه ادمن حديثه العفوي عنها ... بل و تطور الامر معه حتي اصبح ينتظر صديقه ليحكي له عن اي من مواقفهما سويا ... متتبعا اخبارها بتلك الطريقة بدون حتي ان يراها ... و كم اسرته تلك المشاكسة قبل ان يعرفها بوقت طويل .
كان غريبا عليه ان تكون العلاقة بين شقيقين بهذا العمق ... فهو لم يستشعر هذا العمق يوما في علاقته مع شقيقته الوحيدة .
الا انه بعدما عرف حقيقة ما حدث معهما ادرك لما كلاهما مرتبط بالأخر بهذا الشكل .
فقد كانا نتاجا لزواج غير ناجح ... رجل بسيط كل طموحه في الدنيا هو ان يلبي احتياجات طفليه و يربيهما تربية طيبة ... و امرأة جشعة ليس لطموحها اي حدود ... المال هو اولي اهتماماتها .
سرعان ما استبدلت والدهما باخر يلبي لها مطالبها مخلفة وراءها طفلين صغيرين اصغرهم في السادسة .
كان من الطبيعي ان يكرها تلك المرأة و خاصة بعد موت والدهما و عائلهما الوحيد .
فقد استفاقا علي قسوة الواقع ليجدا انهما وحيدين بلا اي شيء يستندا عليه .

شاب في الثانية و العشرين من عمره ... مجرد طالب طب في سنته الخامسة ... لم يختبر قسوة الحياة يوما ... و فتاة في السادسة عشر كانت اكبر مشاكلها نقاش مع صديقاتها حول الموضة و اخر صيحاتها .
و منذ ذاك الحين بدأت الرابطة بينهما تصبح اقوى ... عوض كلاهما الاخر عن نقصه .

إلا أنت حيث تعيش القصص. اكتشف الآن