الفصل الثالث
تلقت عدة مواعيد ليوم الاحد، ولكنها لم تعمل بنصيحة غاري الذي اشار عليها أن تتجول بين الجزر قبل أن تبدأ بالعمل يوم الثلاثاء المقبل، فسبب مجيئها الى هذه المكان كان للعمل ليس لهدر الوقت دون طائلة.
سر غاري لاهتمام ليزا بعملها وسر اكثر عندما ابلغ يوم الجمعة إلى مكتبه وقال لها:
- لقد اثبت بسرعة ثقتي بك يا ليزا، وكنت متأكداً بأنك لن تخيبي أملي فيك.
واستوى على كرسيه لينظر اليها متأملاً باعجاب وتابع يقول:
- انك تبدين منتعشة مثل زهرة الربيع، ألا تشعرين ابداً بالتعب؟.
ضحكت ليزا ثم قالت:
- انني لا اعمل هنا بتعب وارهاق كما كنت اعمل في وظيفتي الاولى في ذلك النادي.
- علمت بأنك لم تحاولي الخروج ولا مرة واحدة من هذا الفندق للترويح عن نفسك.
اجابته ليزا باشراق:
لدي متسع من الوقت لذلك في عطلة نهاية الاسبوع.
توقفت عن الكلام لتتابع قائلة بتردد:
- هل ان استخدام سيارة الجيب مازال فعالاً كما قال السيد ساندرسون في الاسبوع الماضي؟.
بدت الدهشة على ملامح وجه غاري وقال:
- لم لا يكون مازال فعالاً؟.
أجابت مراوغة:
- ليس من اجل شيء ابداً، انما اعتقدت فقط في ان يكون السيد ساندرسون ربما قد نسى هذا الأمر ولم يبلغ المسؤولين.
- لايمكنني أن اتصور شيئاً من هذا، انما إذا كان لديك ادنى شك، فلماذا لا تتأكدين منه شخصياً، لقد عاد الى الفندق هذه الساعة.
قالت ليزا:
- تصور أنني لم ألاحظ حتى بأنه تركه ليسافر إلى عمله في بوسطن.
- لقد سافر يوم الثلاثاء الماضي، ولكن ليس من عاداته أن يعود إلى الجزيرة وبهذه السرعة، على العموم، لقد كنت غارقاً في عملي في الأيام القليلة الماضية، ويسعدني ان ترافقينني غداً في رحلة سياحية في هذه الجزيرة.
كانت ليزا تود القيام بمثل هذه الرحلة ولكن بمفردها، وقد تكون فظة لو أنها رفضت دعوة غاري الذي وضع نفسه تحت تصرفها في هذا الأمر.
لذا فقد ابتسمت وقالت بلطف:
- شكراً لك.
- ان ذلك من دواعي سروري، بالمناسبة مارأيك لو نتناول طعام العشاء معاً هذه الليلة؟.
نظرت ليزا اليه للحظة مترددة بما تجيبه قبل أن تقول:
- انه لطف منك أن تدعوني إلى العشاء، ولكنني اعتقد بأنه ليس من الصواب والحكمة أن نشاهد كثيراً مع بعض، أليس كذلك؟ فربما قد يأخذون فكرة خاطئة عنا.
عقد حاجبيه وقال:
- وماعساها قد تكون هذه الفكرة؟.
- بأن سبب مجيئي إلى هنا كان لأجل أشياء أخرى غير العمل، انت وانا نعرف أن ذلك غير صحيح ، لكن هذا ماأفكر فيه، كما أنه لدي شعور بأن السيد ساندرسون سيرى هذا الأمر بهذه الصورة غير الصحيحة.
----------------------------------
لمحت الالم في عينيه للحظات، ثم وجدته يهز كتفيه غير مبال ليقول:
- ربما أنت على حق، واعتقد بأنه علينا أن نتناسى أمر النزهة في الجزيرة معاً في الوقت الحاضر.
- هذا أفضل بكثير.
ورن جرس الهاتف في تلك اللحظة وتابعت تقول:
- ساتركك الآن لتجيب على هذا الاتصال الهاتفي وعلى اية حال فأنا لدي موعد مع احدى الزبائن بعد ربع ساعة فيجب أن استعد لها.
خرجت من غرفة مكتبه وهي غير متأكدة إن كانت قد تمكنت من أن تجعله يفهم قصدها، انما وفي كل الحوال ، ما قالته قد يفي بالغرض في الوقت الحاضر ، وعليها أن تستمر في أن ترفض طلبات غاري منها بالطريقة اللائقة والمناسبة، لأن أية شكوك قد تطرأ على رأس برت ساندرسون لناحيتها وناحية غاري، ستجعلها تخسر وظيفتها للأبد.
انها الآن وبعد ان اقطعت الطريق على غاري، يمكنها أن تمضي أوقات راحتها وفراغها بحرية وبالطريقة التي تحلو لها مع أن سؤالها عن سيارة الجيب التي يمكن أن تستعملها بقي سؤالاً لم تحصل على جواب عليه، وعلى كل ان للفندق سيارة خاصة تروح وتجيء مرتين في اليوم منه واليه، كما أن هناك سيارات أجرة يمكنها ان تتصل بهم ليؤمنوا لها زيارتها للجزيرة، لكن افضل الحلول المناسبة عندها هي أن تستأجر سيارة لنهاية الاسبوع فقط كي تقتصد بالمصروف.
كان الموعد التالي، هو الموعد الأخير لزبائن هذا اليوم الأخير من الأسبوع، لم تكن الزبونة جديدة عليها ، فلقد سبق وقامت لها بجلستي معالجة في الاسبوع الفائت، مشكلتها أنها تعاني تشنجاً في كتفيها بعد أن أجهدت نفسها بالسباحة ولاتزال تشعر بالتعب.
اسم الزبونة أنجيلا هانسون، وهي سيدة واسعة الثراء تجاوزت الخمسين من عمرها، غزا الشيب شعرها الكستنائي وكان من عادتها أن تمضي كل فصل الشتاء في المناطق الكاريبية تنتقل من جزيرة الى اخرى كيفما يحلو لها، أما فصل الصيف فكانت تمضية في بلدها بوسطن حيث أن لها هناك ابن متزوج لا يتفق معها بأي شيء.
كانت ليزا تنال ثقة زبائنها فيطلعوها أحياناً كثيرة على أمورهم الشخصية وقد ادركت بحسها المرهف ان أنجيلا تعانى من الوحدة بالرغم مما كان يظهر عليها المرح والنشاط، فتساءلت لماذا لم تتزوج مرة اخرى ياترى؟ من المستحيل أن لا تكون الفرص سمحت لها بذلك.
قالت ليزا لها:
- اعتقد أنك سترتاحين نهائياً بعد هذه الجلسة، متى ستغادرين هذه الجزيرة؟.
اجابت انجيلا:
- لست متأكدة بعد، ربما قبل يوم العيد باسبوع.
تذكرت ليزا عند ذلك ماقاله غاري لها، بأن الفندق محجوز بكامله حتى ليلة العيد، ولكن من دون شك ان زبوناً دائماً مثل انجيلا هانسون، لن ترفض الادارة طلبها فيما لو ارادت ان تمدد اقامتها في الفندق، فهناك مبنى تابع له وصحيح أنه صغير انما فخم بأثاثه وقد يستقبل الزبائن الذين قد ينزلون فيه فجأة.
----------------------------------
قالت ليزا ملحمة:
-يقال ان امسية العيد في فندق رويال له ميزته الخاصة.
- نعم انه كذلك حقاً، اعرف اربعة فنادق في هذه الجزيرة ، لكن والحق يقال انه لا سبيل للمقارنة مع مايوفره برت ساندرسون لهذا الفندق من رفاهية وحسن الضيافة.
- هل تعرفين السيد ساندرسون معرفة شخصية؟
- أعرفه فقط من خلال زياراتي المنتظمة إلى فندقه مع انه يدير في بوسطن أهم وأعظم شركة من شركات المدينة، فلو أنه يفكر بطريقة عقلانية عليه ان يتقاعد كلياً عندما يتجاوز الخمسين من عمره خاصة وانه يملك مثل هذا الفندق فيعود اليه ساعة يشاء وينعم بالراحة والاستجمام.
قالت ليزا بلطف وهي تتابع عملها:
- ان البعض لا يحبذون صرف أوقاتهم في الراحة والاستجمام ويفضلون على ذلك العمل المتواصل ، بالمناسبة هل ماتزالين تشعرين بالألم؟
- لا، ابداً أشعر بأنني أحسن حالاً.
- على كل، اذا شعرت بأي ألم فيجب أن تبلغيني بذلك.
- نعم سأفعل.
ثم أخذت بتحريك كتفيها بعد أن انهت ليزا جلستها معها وكأنها لم تعتقد بعد أنها قد شفيت من التشنج الذي قد اصابها، ثم تابعت تقول بصدق:
- انك تخففين الألم بطريقة عجيبة!.
فقالت ليزا بخفة:
- تسعدني جداً خدمتك لكنني احذرك ان لا تجهدي نفسك في السباحة ولو لبعض الوقت.
- حسناً سأعمل بنصيحتك.
قالت ذلك ثم أخذت تراقبها وهي تلملم وترتب الاشياء التي كانت تستعملها، سألتها فجأة:
- ماذا تفعلين عادة في أوقات فراغك؟.
أجابت ليزا بصراحة:
- إنني لم أفكر بشيء بعد، كما انه الأسبوع الاول فقط لعملي في هذا الفندق عموماً هناك اماكن كثيرة أرغب في رؤيتها في هذه الجزيرة.
قالت لها عند ذلك:
- انني مدعوة مساء الغد إلى حفلة عشاء وليس لدي رفيقة لتذهب معي، فهل تشفقين على عجوز مثلي وترافقينها إلى تلك الحفلة؟.
نظرت ليزا إلى وجهها المبتسم وكادت أن تضحك وهي تقول:
- تقولين بأنك عجوز؟ ربما تكونين أكبر سناً مني ولكنك لست عجوز كما تدعين.
- هل ترافقينني إلى الحفلة إذاً؟.
وعندما حاولت أن تعترض قاطعت كلامها وتابعت تقول:
- لا تخشي شيئاً فكل الذي أريده رفيقة أرتاح اليها.
أسرعت تقول:
- لاشك أن هناك الكثيرات من اللواتي يرغبن بمرافقتك، وماذا عن تلك السيدة التي كنت تكلمينها في الفناء الخارجي للفندق هذا الصباح؟.
- تقصدين تلك السيدة التي كانت تتكلم معي؟ آه انها ثرثارة ولاارتاح لحديثها.
توقفت عن حديثها قليلاً وقد لاحظت ترددها ثم تابعت تقول:
- فكري بالأمر على الاقل، هل تعدينني بذلك؟
ونظرت اليها بحنان فوجدت نفسها تقول قبل أن تقرر الأمر في رأسها:
- حسناً سأذهب معك، أين ستقام تلك الحفلة؟.
- في الجهة الأخرى من الجزيرة ، أي في خليج ماغن.
- في منزل أحد سكان الجزيرة؟.
-----------------------------------
- لا أبداً انما في منزل عائلة غوردينز وهم ايضاً من بوسطن، فهم يبقون منزلهم مفتوحاً على مدار السنة و ذلك كي يتسنى لأفراد العائلة المجيء اليه كلما سنحت لهم الفرصة وابنتهم اندريا تأتي اليه دائماً كما وأنها من الصنف الذي يعرف كيف تدير كل المدعوات الكبيرة، هي ليست أكبر منك سناً، لذا فانك لن ترى كل المدعوات والمدعويين يناهزونني في السن.
قالت ليزا مؤكدة لها وكأنها تزيل من رأسها أدنى شك لعدم تلبية الدعوة:
- لاحاجة لك أن تقنعيني أكثر لقد سبق ووافقت على دعوتك لي ، في أية ساعة تريديني أن أكون جاهزة؟.
اجابتها بلطف:
- في الساعة التاسعة.
فكرت ليزا وقد خرجت من القاعة ، انه من المفرح أن تجد مكاناً تخرج اليه ليلة السبت وفي الاسبوع الأول لها في هذا الفندق كما أنها قررت أن تتصل بعائلتها غداً لتطلعهم على حسن سير أمورها هنا.
وعندما أصبحت في ردهة الفندق أوقفها موظف الاستعلامات ليقول لها:
- ان السيد ساندرسون يريد رؤيتك وعليك أن تصعدي إلى بيته الخاص.
فكرت ليزا انها دعوة تحمل المشاكل ولا تعلم من أي نوع وشعرت باضطراب في داخلها لشيء ربما قد تكون اقترفته دون ان تعلم، مما دفع برت ليستدعيها ويلومها، انها لا تستطيع ان تواجه الأمر دون مبالاة، لأن برت ساندرسون من النوع الذي لايمكن التنبؤ بمايفكر به.
همت في البداية ان تعود الى غرفتها لتغير الرداء التقليدي الأبيض الذي ترتديه عادة في جلساتها مع الزبائن، لكنها سرعان ماغيرت رأيها.
خرجت من الفندق وتوجهت الى بيته الذي شيد على تلة صغيرة، تحيط به حديقة مساحتها واسعة وفي وسطها حوض للسباحة.
صعدت الدراجات القليلة ووقفت امام الباب لتلتقط أنفاسها ثم حولت نظرها لتتمتع بمنظر أفضل مما يمكنها أن تشاهده من الفندق.
كان قد بقي على غروب الشمس ساعة وقد ابتدأ الافق منذ الآن يتلون باللون البرتقالي البديع وقد تمكنت أن ترى من مكانها هذا حدود الجزيرة بسهولة وبوضوح أكثر ، فقد كان المشهد رائعاً لدرجة أنه يأخذ بالقلب والروح معاً وتمنت لو أن عائلتها موجودة معها في هذه اللحظات ليستمتعوا هم ايضاً بالذي تستمتع به لأنها وجدت انه ليس عدلاً أن تكون وحدها بهذه النعمة الوافرة.
- هل تعانين من أية مشكلة؟.
جاءها صوت مالؤف لديها فاستدارت نحو مصدره وقد زاد الارتعاش والاضطراب في داخلها لترى برت ساندرسون يقف على بعد عدة خطوات منها، وقد كان يرتدي حذاء خفيفاً مصنوعاً من الحبال الرفيعة، لهذا السبب لم تستطع أن تسمع خطواته عندما كان يقترب منها ووجدت ايضاً أن ليس في تعابير وجهه مايدل اذا كان مزاجه على مايرام أم لا.
- ان المسافة صعوداً إلى بيتك لابأس بها.
- ان في ذلك رياضة مستحبة وعلى اية حال هناك طريق اخرى للوصول اليه وللذين يجدون هذه الطريق صعبة المسلك.
توقف عن الكلام ليشير بيده الى الطريق الأخرى ثم تابع يقول:
- اجلسي الآن، وساحضر بعض المرطبات فما الذي تفضلينه؟.
------------------------------------
- أفضل عصير البرتقال الطازج لو سمحت.
قالت ذلك وهي تشعر بالارتباك.
ابتسم قليلاً وقال:
- حسناً، امنحيني خمس دقائق.
ابتعد عنها فتنفست الصعداء لأنه مهما كان الذي سيقوله لها فلن يكون سيئاً بعد الذي قدمه لها من لطف وكياسة، عاد بعد خمس دقائق بالضبط حاملاً صينية عليها ابريق من عصير البرتقال وكوبين وصحنين من المكسرات ورقائق البطاطا.
ثم وضع الصينية على الطاولة وقال:
- تفضلي اخدمي نفسك.
قالت ليزا:
- أليس عندك من يساعدك في هذا البيت؟.
أجابها بجفاف:
- أنا لا أقوم بالتنظيفات إذا كان هذا ما تقصدينه ولكنني لا أرغب في من يبقى على خدمتي طوال الوقت.
- ان فندق رويال قريب جداً من بيتك، ويمكنك الاتصال بهم هاتفياً ليلبوا لك طلباتك.
- هذا صحيح، ولكنني أتصل بهم في الحالات الطارئة فقط، بالمناسبة كيف كان عملك لهذا الأسبوع الأول؟.
كادت أن تقول له انه لم يمض عليها بعد اسبوعاً واحداً ، لكنها تمنعت عن ذلك وقد تذكرت ماذا حصل لها في المرة السابقة عندما حاولت أن تتحاذق عليه وقالت:
- كل شيء يسير على أحسن مايرام لغاية الآن، إلا إذا كان قد ابلغك احدهم عكس ذلك.
- لا، بل على العكس، لم اسمع عنك إلا كل تقدير وثناء حتى النساء من زبائنك يقدرن اسلوبك التقني الفريد.
قالت بشيء من الحدة:
- لماذا استعملت كلمة حتى؟ وهل هناك أي فارق في عملي مابين الرجال و النساء؟.
أجابها دون مبالاة:
- لأن معظم النساء يفضلن أن يكون المعالج الفيزيائي رجلاً، فهذه طبيعة الحياة.
أردفت ليزا:
- اعتقد ان ذلك مبدأ يطلقه فقط الرجل! فنحن لسنا جميعاً متشابهون.
قال دون أي تغيير في نبرة صوته الباردة:
- انك تتكلمين بسرعة دون تفكير، هل حاولت مرة أن تعدي الى العشرة قبل أن تتفوهي بأية كلمة؟.
عضت على شفتها وقد ادركت ان مايقوله بشأنها صحيح لأنها بطبيعتها حادة الطبع فيزل لسانها وتنطق بأشياء كان من الأجدر أن لا تنطق بها.
فقالت:
- اعتذر منك.
أجابها دون هوادة:
- سأعتبرها زلة لسان ولن احاسبك عليها ولهذه المرة فقط لذا حاولي أن لا تكرريها.
ثم اخذ ينظر الى وجهها نظرات دقيقة كأنه يريد أن يقرأ على ملامحها مايتصارع في داخلها ، وتابع يقول وهو يبتسم ابتسامة ساخرة:
- هل انت كذلك لأنني أحاول مضايقتك ، ام لأنك في الأساس حادة الطباع وسريعة الغضب؟.
تجاهلت السؤال الذي وجهه لها وقالت:
- لقد اعتذرت منك ولن يتكرر ذلك ياسيدي.
لمعت عيناه وكأنه ينذرها ثم قال:
- لطالما أعجبت بروحية المرأة ولكن لا تعتمدي في ذلك على الحظ كثيراً.
--------------------------------------
شعرت بالثورة الجامحة عليه والتي اتقدت من جديد في داخلها، لكنها تمالكت كي لا ينعكس ذلك على وجهها فإذا كان يريد أن يخلق أي عذر لطردها من هذه الوظيفة ، يمكنه ذلك ببساطة لأنها واجهته الند للند وتحدته لعدة مرات، على أية حال ، لقد قالها وبلسانه بأنه راض بما تسلم من تقارير جيدة حول عملها وهذا هو الأهم.
سألته بعد ذلك متعمدة:
- هل أنني ماازال في فترتي التجريبية لمدة ستة اسابيع؟ أم انك قررت بأنني اجيد عملي بمافيه الكفاية، وأيدت ايضاً أيضاً ثقة غاري بي؟.
أجابها ببرود:
- مازال الوقت باكراً لاصدر قراري وبالحديث عن غاري هل علاقتكما مع بعض لا تتعدى حدود العمل؟.
أجابت مؤكدة:
- بالطبع وماالذي تفكر به غير ذلك؟.
- لاتنسى انك امرأة شابة وجذابة ولقد وظفك دون استشارتي فكان عمله هذا مخاطرة كبيرة.
- هل تعني أنه كان سيفقد وظفيته بسببي؟.
- أعني انني كدت أنا سأفقد ثقتي باختياره هذا، لأن ليس له الحق في أن يتخذ أي قرار دون موافقتي شخصياً ، فتوظيفه لك ولمجرد أنك اقمت له جلستي علاج قي ذلك النادي ليس بالامر الحكيم ابداً.
- لقد أخذ اعتبارات أخرى غير هذه مثل خبرتي الطويلة في هذا الحقل والسمعة الجيدة لذلك النادي ، ولكن الذي حاولت أن تلمح عنه من أن هناك علاقة شخصية بيني وبينه لا وجود لها على الاطلاق.
قال دون اكتراث:
- عظيم.
- افهم من كلامك أنك سبق وطرحت على غاري السؤال نفسه، والظاهر انك لم تقنع بجوابه.
- لا، لم اجد في جوابه شيء مقنع، والآن لنتوقف عن هذه المناقشة ، استريحي وتلذذي بشرب عصير البرتقال، وراقبي الشمس وقد اوشكت على الغروب.
بالنسبة إلى ليزا كانت تفضل لو تتركه في هذه الدقيقة مع انه ليس هناك أجمل وأبهى من مشاهدة غروب الشمس لكنها وجدت صعوبة في تنفيذ رغبتها تلك وبقيت في مكانها صامتة ونظرها تحول إلى الأفق.
أختفت الشمس خلف البحر خلال لحظات قليلة وقد تركت السماء الخالية من الغيوم ترتدي حلة برتقالية متوهجى ولونت صفحة المياه الزرقاء إلى لون نحاسي يعجز أمهر الرسامين أن ينقلو مثل هذا المشهد إلى لوحاتهم.
أخذت عند ذلك أنوار الجزيرة تتلألأ بينما فردت الظلمة جناحها وتمكنت من رؤية حركة السير المتواصلة على الطريق الموازية لشاطئ البحر، كما أن البواخر الراسية عند ميناء الجزيرة اضيئت بأنوار ملونة في جميع أرجائها تنهدت ليزا بعمق وقد تغلغل كل ماتشاهده وتلمسه وتسمعه في روحها لتسمى بها ، وقد نسيت وجود برت الجالس قريباً منها بصورة مؤقتة.
تكلم برت ليأخذها من تأملاتها وليشعرها بوجوده من جديد:
- انه ليس بأفضل مشهد للغروب ولكنه لا بأس به، هل شاهدت مرة الوميض الأخضر؟.
سألت ليزا:
- وماعساه يكون؟.
- انها ظاهرة تحدث في اللحظة التي تختفي فيها الشمس ومن السائد بأن يجلب الحظ السعيد لمن يتمكن من رؤيته لأنه يختفي بسرعة مع اختفاء الشمس.
----------------------------
- وهل تمكنت أنت من رؤيته؟.
ابتسم قليلاً وقال:
- لا، لكنني صدقت كل من أقسم بانه رآه مع انني اؤمن بشيء واحد وهو اننا نحن من نصنع الحظ سيئاً كان أم جيداً.
قالت بجرأة:
- لا اعتقد ان المرء بامكانه أن يصنع أم يجلب الحظ الجيد له وإلا لما وجدت الناس طبقات، ان في كلامك تناقضاً للشروط المعترف بها.
اندهشت لأنه لم يغضب من اعتراضها لفكرته وقال:
- ربما الصح أن تقول بأننا نسعى الى جذب الحظ الينا بجميع الطرق وبامكاننا أن ننجح في ذلك.
لكن ليزا بقيت غير مقتنعة بكلامه فالحظ في هذه الحياة يأتي احياناً للانسان وهو قابع في بيته لا يفعل شيئاً ، اضيئت في تلك الاثناء حديقة البيت ومايحيط بحوض السباحة، فشعرت برغبة جامحة لتسبح فقررت أن تذهب في صباح الغد إلى أعلى شاطئ لتنعم بسباحة تريح اعصابها وتهدئ من خاطرها.
سألته فجأة مترددة:
- هل مازالت سيارة الجيب التي حدثتني عنها جاهزة لأستعملها شخصياً؟.
- بالتأكيد، لقد تركت خبراً مع رئيس الخدم في ان يعطيك مفتاحها متى تشائين ، وماعليك سوى أن تطلبيه منه.
- هذا لطف كبير منك.
أجابها بنبرة ساخرة:
- لا اعتقد ذلك، هل ترغبين بمزيد من عصير البرتقال؟.
نفت بحركة من رأسها وجرعت ماتبقى من العصير الذي في كوبها ثم اعادته إلى الطاولة ونهضت عن الكرسي قائلة:
- سأتركك لتستمتع بليلتك وشكراً لك مرة اخرى لاعارتي سيارة الجيب.
وقف هو الآخر وبدت ملامح وجهه غير واضحة ثم قال:
- تذكري أن نظام السير هنا على جهة اليسار كنظام السير في بريطانيا، قد تجدين الامر صعباً في البداية، ولكنك سرعان ماتعتادين عليه، كما انه يمكنك أن تأخذي خريطة للجزيرة من موظف الاستعلامات لتسهل عليك عملية التنقل.
قالت ليزا:
- لقد فعلت ودرستها طوال الاسبوع الفائت لذا اعتقد أنني لن أعاني من أي مشكلة في تنقلاتي في هذه الجزيرة.
ابتعدت عنه وهي تشعر بنظراته تتسلط عليها بينما كانت تنزل درجات السلم، وقد كان المكان مضاء جيداً، فلن تجد صعوبة ومشكلة في طريق العودة، ولكن قدميها كانتا ترتجفان من شيء آخر، ان نصف ساعة من الوقت يمضيها المرء مع برت ساندرسون، كفيلة بأن تجعله مضطرباً ومرتعشاً.
لكن شيئاً آخر في داخلها كانت تشعر به تجاهه، فهي مع كونها تكرهه، تشعر بانجذاب شديد اليه في الوقت نفسه، وقد ايقظ في نفسها شعوراً لا يمكنها أبداً أن تتجاهله أو تنكره وادركت انه لأجل راحتها وتهدئة نفسها من الافضل لها أن تقلل من الاجتماع به، لكن هل ياترى ممكن ذلك وهو مدير عملها؟
تناولت طعام العشاء تلك الليلة عند الساعة الثامنة وتحدثت لبعض الوقت مع زملاء لها في الفندق، ثم خرجت لتنزه سيراً على القدام في الأماكن التي تحيط بالفندق قبل أن تلجأ الى غرفتها، ولتكتب في دفتر مذكراتها منذ أن بلغت سن الخامسة عشرة وتحتفظ بكل كتبته في منزل والديها، ولكنها ولغاية اليوم لم تسمح لها الظروف باعادة قراءتها من جديد.
------------------------------------
لكنها لم تكتب شيئاً هذه الليلة عن صاحب فندق رويال، بل دونت كل أحاسيسها من الذي رأته من روعة وجمال الغروب وبدقة متناهية ، كانت تدرك أنه لابد وان هناك غروب في بريطانيا، لكنها وبعد أن أخذت حمامها وارتدت ملابسها ، انقشعت السماء من الغيوم وعاد إليها صفؤها وغمرت الشمس المشرفة بأشعتها الدافئة معظم انحاء الجزيرة.
اما المشكلة الأساسية التي تعاني منها هذه الجزيرة هي مشكلة مياه الشرب الملوثة، لذا كانت تستورد تلك المياه من الخارج معبأة بزجاجات بلاستيكية ووجدت ليزا في بداية الامر صعوبة في ذلك لأنها معتادة أن تستعمل في بلدها الحنفية نفسها للشرب وللاستعمال بأنواعه.
توجهت إلى رئيس الخدم الذي ناولها سيارة الجيب قبل أن تطلبه منه، ولكنها لاحظت في تعابير وجهه شيئاً غريباً مماجعلها تتساءل كم وكم من الموظفات الأخريات قادهم الحظ لمثل هذا الامتياز من قبل برت ساندرسون ، انها لاتريد ابداً معاملة خاصة، ولكن هكذا شاءت الظروف.
وقررت في نفسها ، لقد فات الأوان لتعيد أو ترفض استعمال السيارة فالواقعة وقعت ولا يمكنها أن تغير شيئاً ولكن يمكنها أن تستعملها لهذه العطلة الاسبوعية القادمة فستتدبر امرها وعلى طريقتها الخاصة.
لم تجد صعوبة في قيادة سيارة الجيب بالرغم من أنه لم تتوفر فيها أسباب الراحة وكما أخبرها برت البارحة فقد وجدت بعض الصعوبة في البداية للقيادة على الجهة اليسرى للطريق، لكن وبما أن الجزيرة لم تكن تزدحم كثيراً بالسواح في هذا اليوم، كان الأمر أسهل عليها لتتجول فيها طيلة النهار على ان تعود إلى الفندق في حوالي الساعة الثامنة والربع لتهيء نفسها لسهرة الليلة مع انجيلا هانسون والتي كانت تنتظرها بشوق ولهفة.
عندما كانت تهبط التلة في اتجاه الشاطئ كادت أن تصطدم فجأة بمؤخرة سيارة أمامها توقفت فجأة ودون سابق اشارة، وذلك لأن السائق تفاجأ بها وهي تقطع الطريق دون أن يكلفا نفسيهما الالتفات إلى الاتجاهين وتكرر مثل هذا الأمر لعدة مرات أخرى حتى كادت تفقد اعصابها لعدم انتباه واهتمام المشاة في هذه الجزيرة.
وأخيراً أوقفت سيارة الجيب في موقف قريب من الشاطئ فوجدت أن الجو هنا أكثر حرارة وكذلك أكثر ضجة وضوضاء وكانت سيارات الأجرة تروح وتجيء بحثاً عن الركاب الذين يرغبون في العودة الى الفندق الذي يقيمون فيه أو إلى البواخر التي قدموا على متنها لتمضية نهار واحد في هذه الجزيرة ولاحظت ان معظم المحلات في ذلك الشارع تبيع الحلي والحجارة الكريمة وقفت لتنظر باعجاب الى قرطين من الماس عرضت في احدى الواجهات إلى أن شعرت ان واحداً مايقف وراءها.
-----------------------------------
لقد كان برت ساندرسون الذي بادرها:
- اذا كنت تفكرين بشراء شيء منها، فأنا انصحك بالا تشتري مثل هذه البضاعة ، فقد عرضت لتغش السياح ولا حملهم على شرائها بأغلى الأثمان.
ضحكت ليزا وقالت:
- على كل حال، أنا أتفرج عليها وأعرف تماماً انه لا يمكنني أن أتحمل ثمنها.
وافقها قائلاً:
- بالطبع لايمكنك فعلى الرجل الذي في حياتك أن يهديك مثل هذا النوع الثمين.
- ومن أين لي أن احظى بمثل هذا الرجل.
ثم تنبهت الى أمر ما فقالت له:
- لم أتوقع أن أراك هنا، فما الذي جاء بك يا ترى؟.
أجابها بصراحة:
- من الطبيعي جداً أن لا تريني هنا ولكنني على موعد أحد الاشخاص، بالمناسبة كيف وجدت قيادة سيارة الجيب؟.
- لابأس بها ، كما أنني أشكرك لأنك سمحت لي بقيادتها .
توقفت عن الكلام وقد شعرت بالتردد في اضافة شيء على قولها، ولكنها تجرأت وقالت بلطف:
- ماأود أن أقوله لك ، انه ربما من الأفضل لي لو انني قد أجد لنفسي وسيلة اخرى لأتنقل في هذه الجزيرة في عطلات الأسابيع المقبلة.
رفع حاجبيه بتعجب وقال:
- ولكن لماذا تفضلين ذلك؟.
- لأنني اعتقد ان مثل هذا المعاملة قد تجلب الغيرة والامتعاض إلى سائر زملائي في الفندق ولا ارغب كوني بريطانية الاصل ان اكون في مثل هذا الموقف.
- بالمناسبة فأنا أيضاً بريطاني المولد واعتقد ان مثل هذه المصادفة قد تقرب العلاقات فيما بيننا.
أجابته ليزا وهي حائرة كيف تشرح له الامر :
- لم اقصد هذا ، فمن الواضح اننا لسنا...
قاطعها برت ليقول بنبرة ساخرة:
- بأننا لسنا على علاقة صداقة ببعضنا البعض؟ ألا تذكرين بأنه سبق وكنا بمفردنا لمرتين ولم يحصل شيء بيننا.
- اذاً لماذا استدعيتني إلى بيتك وقد كان بامكانك أن تقول كل الذي اردت قوله في غرفة مكتبك ؟.
قال دون مبالاة:
- لأنني أفضل عندما أريد أن أبلغ احداً أمراً ما، أن يكون في جو شاعري وليس أكثر من ذلك ، على أية حال ان الامر عائد لك فيما لو أردت استعمال سيارة الجيب أم لا، مع أنني اعتقد وبعد أن استعملتها للمرة الأولى بأنك ستثيرين التساؤلات الآن ، فأنا مضطر لأن اتركك فأرجو ان تستمتعي بيومك.
ثم ابتسم ابتسامة ماكرة وابتعد عنها ليتركها واقفة هناك تنظر إليه بعيني غاضبيتين ماقاله أمر سخيف بالطبع ، فلا يمكن لأحد أن يصدق ان هناك مايمكن ان يجمع بينهما انه وببساطة يحاول أن يسخر منها.
------------------------
أمضت ليزا بعد ذلك ساعة من الوقت أو ربما اكثر بقليل لتنتقل من محل إلى آخر تستعرض واجهة كل منها على طول الشارع الرئيسي الذي يقابل الشاطئ، ثم تناولت طعام الغداء في أحد مقاهي هيبيسكوس، وعادت الى حيث أوقفت سيارة الجيب في حوال الساعة الواحدة، لتجد باصاً يقطع عليها الخروج من الموقف وهو مجهز لينتقل بالسواح في أنحاء الجزيرة.
كما أنها لم تجد أثراً للسائق، فما كان عليها سوى أن تنتظر عودته ، لكنه لم يظهر الا بعد مضي عشرين دقيقة, أخبرها بأنه كان يتناول طعام الغداء، ولك يظهر عليه أي اكتراث لتصرفه المعيب والمزعج فكأنما ماقام أمر طبيعي لا يلام عليه، فأشارت له ليزا وهي تغلي من الغضب، بأن يبعد الباص عن طريقها حالاً.
أخذ الامر معه عشر دقائق أخرى قبل أن يفسح لها المجال لتخرج من الموقف وذلك لأن سيارة أجرة ظهرت في الشارع فجأة تنتظر قدوم الركاب، وهذا السائق ايضاً لم يكترث للأمر ، بل بدا وكان عليه أن ينتظر قدوم الركاب، صحيح أن ليزا كانت في حالة هستيرية شديدة لأنها تعتد على حدوث أمور كهذه في وطنها حيث ان النظام فيه سيد الحكام ولكنها أخذت عبرة من ذلك فلم العجلة، أمامها النهار بكامله.
-------------------------------------
أنت تقرأ
الفترة التجريبية
Romance1117 - الفترة التجريبية - كاى ثورب - عبير دار النحاس الملخص "تعتقد أنه ماعليك سوى ان تشير باصبع يدك لتسرع السيدات اليك" كان برت ساندرسون رجل اعمال ناجح ، ثري كما أن فندقه في الكاريبي كان واحداً من هذه الاعمال الناجحة. كان يهتم ايضاً بالحسناوات الجم...