4

3.9K 104 1
                                    


الفصل الرابع
كانت الساعة قد تجاوزت السابعة مساء عندما عادت ليزا إلى الفندق واتشحت الدنيا بوشاحها الأسود الحالك، وكانت قد أمضت يوماً رائعاً تحت أشعة الشمس تتنزه على طوال الخط الساحلي للجزيرة، كما انها استطاعت ان تمارس السباحة في بحر امواجه هادئة باختصار لقد امضت يوم عطلتها الاسبوعية بسعادة لم تحلم يوماً أن تحظى بمثلها.
كانت الفتاة التي تشغل الغرفة إلى جانب غرفتها وتدعى سيلينا ديستري تقاربها في العمر وتعمل موظفة في مكتب الاستعلامات وكانت اول من قدم يد المساعدة لليزا.
التقت ليزا بسلينا التي كانت قد انتهت من دوام عملها في اللحظة التي دخلت فيها ليزا الى الفندق، فقالت لها سيلينا وبدون اية مقدمات:
- اذا كنت لم تخططي بعد أي شيء لسهرة الليلة فيسعدني جداً ان ترافقيني للإنضمام الى بعض الاشخاص في المدينة وذلك بعد ساعة من الآن.
اجابت ليزا متأسفة:
- آه ، يسعدني أن أرافقك ولكنني ارتبطت قبل الآن بموعد آخر، فهل يمكننا ان نؤجل ذلك إلى وقت آخر؟.
- بالتأكيد.
اجابت سيلينا وقد ظهر الفضول في عينيها وتابعت تسأل ليزا:
- هل هو شخص اعرفه؟.
من الواضح انها كانت تعني برت ساندرسون بكلامها وهذا مما يؤكد ماقاله لها عندما التقت به صدفة عند الشاطئ صباح هذه اليوم، فقررت ان تقطع الطريق على كل من يحاول بأن يلمح بأي كلمة حولها وحول برت ، لذا فإنها اجابت سيلينا بصدق:
- اني ذاهبة الى حفلة برفقة انجيلا هانسون التي تشغل الجناح رقم 113.
------------------------------------------
وصلتا في تلك اللحظة إلى غرفتيهما فتابعت ليزا تقول:
- على اية حال اشكرك لدعوتك لي.
قالت سيلينا وهي تهز رأسها:
- حسناً إلى اللقاء اذاً.
دخلت ليزا غرفتها وبعد ان اقفلت الباب وقفت للحظة تراجع ذهنها مالمحت به لها سيلينا وهي تدرك جيداً بأن اية علاقة مابين رجل وامرأة شابة تتعرض لأن تفسر بطريقة مختلفة، ولكن هل ياترى ستتمكن من ان تواجه مثل هذه القاويل والثرثرة دون ان تتأثر بها؟.
اختارت ان ترتدي لسهرة الليلة تنورة من الحرير وبلوزة تناسبها وبعد أن وضعت سلسلة بسيطة من الذهب حول عنقها وقرطين بسيطين في اذنيها، نظرت إلى نفسها في المرآة راضية تمام الرضى، لكنها ومع اقتراب موعدها مع انجيلا، اخذت تشعر بتوتر وقلق شديدين، لأنها ستكون وسط غرباء لم يسبق لها أن تعرفت بهم.
ازاحت تلك الافكار عن رأسها وهي تؤكد لنفسها بأن من ستلتقي بهم في الحفلة ليسوا سوى بشر مثلها، كما أنها لم يسبق لها بأنها لم تنسجم مع كثيرين مثلهم قبل الآن، فلا داعي اذاً لهذه التخيلات اغريبة التي تفكر بها.
عندما التقت بانجيلا خارج الفندق وجدتها تقف مع رجل كبير في السن، حين تقدمت منهما صافحها الرجل معرفاً عن نفسه:
- اسمي ريتشارد وانت ليزا أليس كذلك؟.
نظرت اليه انجيلا مندهشة واجابت:
- نعم.
وتساءلت لما لم تبلغها انجيلا عنه.كان ريتشارد قد سبق وطلب سيارة اجرة لتنقلهم إلى الحفلة وقد اوضح لها عندما انطلقت بهما السيارة بأنه يفضل ان يرتاح من القيادة وسط سائقين لايراعون انظمة السير وقوانينها.
ثم اضاف قائلاً:
- كما انني أعقد العزم في أن أستفيد من تقاعدي عن العمل فأزور اماكن كثيرة لم تتح لي الظروف قبلا بزيارتها وان اقوم بأشياء لم أقم بها في السابق مثلاً ، لقد امضيت طوال الأسبوع الفائت امارس الغطس تحت الماء ، انه امر جديد علي لأنني لم اجربه ولامرة في حياتي، ولا تتصوري كم كان هذا رائعاً.
اجابته ليزا:
- ان هذا الامر لم أجربه بعد، فأنا لست ماهرة في السباحة، ولكنني مصممة على المحاولة.
ثم نظرت اليها انجيلا متسائلة عن سبب وجوده معهما، همست انجيلا لها:
- انه صديق قديم صادفته في الفندق ، تصوري انه نزيل هناك ولم اراه قبل اليوم.
ردت ليزا:
- لا بأس بذهابه معنا ، فنحن نريد التسلية.
تابع ريتشارد مؤكداً:
- على اية حال، فأنت لست مجبرة لتكوني سباحة ماهرة لتغطسي تحت الماء ولكن من الافضل ان لاتقومي بمثل هذه التجربة بمفردك ، لقد سبق لي ان ذهبت برحلة بحرية على متن يخت يضعه برت تحت تصرف نزلاء الفندق ويجب ان تقومي انت ايضاً بمثل هذه الرحلة.
- انني لست حرة سوى في عطلة نهاية الاسبوع ، وارجو ان ابقى دائماً مشغولة طوال الاسبوع وان يزداد عدد زبائني.
---------------------------------------
- لا اعتقد انه هناك ادنى شك في ذلك، لقد كانت فكرة رائعة توظيفك في الفندق واعتقد انه من الواجب ان نهنئ برت على فكرته هذه.
اقرت ليزا:
- انني لم احضر إلى هنا بناء على طلبه في اختياري فغاري كونواي هو الذي اختارني لهذه الوظيفة وامامي ستة اسابيع من التجربة لأثبت جدارتي.
كان خليج ماغن في الليل يفتقر كثيراً للمناظر البديعة عكس النهار، بالرغم من أن ضوء القمر المشع جعل شاطئه يتلألأ بلون فضي يلفت النظر، وعندما وصلوا الى مكان الحفلة كانت الساحة الأمامية للمنزل قد امتلأت بسيارات المدعوين.
تعالت اصداء الموسيقى من ذلك المنزل المطلي بلون ابيض مما يدل على أن الحفلة كانت قد بدأت قبل وصولهم وعندما دخلوا المنزل الفخم ومنه الى صالة فسيحة تعج بالمدعوين، لفت نظر ليزا تلك الفخامة والناقة ممايدل على الثراء الفاحش لصاحب هذا المنزل، انها ومنذ بداية هذا اليوم استطاعت ان تتعرف على كل مايدل على الفقر والعوز وعلى كل مايدل الثراء في هذه الجزيرة.
تكلم ريتشارد بعد ذلك وقال:
- سنأتي بالشراب المنعش وننتقل عندئذ بين الحضور، لأن العشاء لن يقدم قبل الساعة الحادية عشرة على اقل تقدير.
ان تناول الطعام هو آخر ماتفكر به ليزا في الوقت الحاضر، كانت انجيلا على معرفة بعدد لا يستهان به من المدعوين مماجعل الامر اسهل عليها ، فهدأت نفسها واخذا يتنقلان بين المدعوين لساعة أو اكثر وريتشارد يقدمها للتعارف على هذا وذاك واكثر ماكان يدور من الاحاديث عن هذه الجزيرة وهي تصغي باهتمام لتعرف عنها مالم تعرفه، ثم خرجت من الباب الزجاجي الذي يؤدي إلى شرفة خارجية، وقد شعرت بحاجة ملحة لتنشق الهواء العليل.
كان الجو في تلك الليلة لطيفاً وقد خلت السماء من الغيوم فظهرت النجوم متناثرة هنا وهناك كحبات اللؤلؤ ، مالت ليزا عند ذلك على درابزين الشرقة باسترخاء، وصوبت نظرها الى البحر تتأمله في هذه الليلة المقمرة وفكرت كم انها سعيدة الحظ لوجودها في هذا الجزء من العالم والذي وجدته يختلف عن عالمها لناحية روعة طبيعته وتنظيم الحياة فيه ، لذا فأنها لن تهدر الوقت سدى خلال فترة اقامتها في الجزيرة وستتعرف اكثر عليها كلما سمحت لها الظروف في ذلك.
وبينما هي واقفة على الشرفة مسترسلة في أفكارها جاءها صوت مألوف لديها جعل قلبها يخفق بشدة فاستقامت واقفة عندما بدا صاحب الصوت واقفاً الى جانبها ، ثم قال:
- لقد خيل الي بأنني لمحتك منذ برهة.
فقالت ليزا:
- يبدو كأنك معتاد على مثل هذا الأمر.
رفع برت ساندرسون حاجبيه متعجباً وقال:
- معتاد على ماذا؟.
- ان تفاجئ الناس بحضورك غير المتوقع.
اجابها ببرود:
- ذلك بمخض الصدفة لا اكثر ولكنني ارى انني كلما لمحتك في مكان ما، اجدك غارقة في تأملأت عميقة، على فكرة لم اكن اعلم بأنك على معرفة بأحدهم هنا.
---------------------------------
رفضت ليزا ان تبدو امامه بمظهر المرتبكة فقالت بهدوء:
- لقد جئت برفقة انجيلا هانسون وصديقها ريتشارد وهو سيد مهذب ولطيف.
اجابها بنبرة قاسية:
-اعلمي جيداً بأن كل من سيراكما معاً هذه الليلة سيظن تماماً كما اظن والمفهوم الوحيد والذي لابديل عنه في مثل هذه الحالة ، هو عندما تخرج فتاة بسنك مع رجل في سنه يكون لأجل سبب واحد وهو طموحك وسعيك وراء ماله، فإذا كان قصدك منذ البداية ان تصطادي مليونيراً عندما اقنعت غاري بمنحك الوظيفة في هذه البقعة من الارض ،فأقول بأنك اخطأت في تنقية القمح من القشر!.
تنفست ليزا بحدة وقالت:
- أنا لم أحاول ان اقنع غاري لكي احصل على الوظيفة ،فإذا كان قد اخبرك ذلك فأعلم جيداً بأنه كاذب، لقد حصلت على الوظيفة كما اخبرتك، لقد كان مصاباً بتشنج بكتفيه فعالجته وهذا كل مافي الامر.
قال بنبرة قاطعة:
- لا يمكنني أن اتغاضى او ان اتسامح عن فعلته تلك لكنني وفي نفس الوقت ادرك واقدر موقفه ،فأنت امرأة بامكانك ان تجذبي أي رجل اليك.
قالت ليزا بنبرة عذبة لكنها ساخرة في الوقت نفسه:
- ياله من اطراء جميل اسمعه منك ولكن اخبرني سيد ساندرسون هل انت ايضاً واحد من هولاء الرجال الذين تتكلم عنهم؟.
اجابها بسخرية:
- اعتقد بأنني سبق واجبتك على هذا السؤال ، عل اية حال ، هل اكون انا صاحب المواصفات الذي تبحثين عنه؟.
اجابت ليزا بمرارة قاسية:
- انك تتفوه بكلام سخيف لا معنى له، ولاداعي لي ان اصغي اليك اكثر.
اقترب برت منها اكثر وامسك بيدها بقبضته الفولاذية وادارها نحوه قائلاً:
- لا بل ستصغين ! واعلمي جيداً انك من الآن وصاعداً لن تجتمعي بأي من نزلاء الفندق في الاماكن العامة وخاصة وأنت تعملين لدي!.
تحدته قائلة:
- لم يخطر ببالي مطلقاً ان هناك قانون بهذه الصرامة يحظر ويمنع الصداقات التي يقيمها الموظفون.
- لقد سنيت هذا القانون الآن فقط ومن الأفضل لك ان تأخذيه بعين الاعتبار.
سألته بسخرية:
- وهل ستعلم ريتشارد بقانونك الجديد؟ فأنا متأكدة بأن سيسر عندما يعلم رأيك بأخلاقه.
اجابها بحدة:
- اخلاقك أنت الوحيدة هو مااهتم به من اجل سمعة هذا الفندق، فإذا كنت لاتوافقين بالابتعاد عن الزبائن فيمكنك ان توضبي امتعتك وترحلي عن فندقي.
نظرت اليه باشمئزاز وقالت:
- هل تتصرف بحياتك الخاصة ايضاً كحاكم ذو سلطة على من حولك ، ام أن هذه هي شخصيتك في جميع الاحوال ، تأمر وتهدد وتنتظر الانصياع التام لأوامرك؟.
اجابها ببرود:
- اسمعي انني لا تصرف بهذا الشكل الا عند الضرورة واعلمي جيداً بأن تهديداتي عادة تكون قاسية.
اسرعت ليزا تجيب قبل أن تنهار امامه:
- كما أنني لن اقبل بمثل هذه المعاملة ولا بشكل من الاشكال، اعتقد اذا واجهت ريتشارد الآن ستقول له ماتفكر به تجاهي وبأنني فتاة لعوب لا هم لها سوى اصطياد الرجال الاثرياء وستعرف جوابه عندئذ، فهو من المؤكد سيستاء منك ويعتبر كلامك اهانة له، وكأنك تنعته بأنه ليس ناضجاً بمافيه الكفاية لدرجة أن فتاة مثلي تستطيع أن تخدعه، لا تنسى بأنه زبون دسم لفندقك.
----------------------------------
ضاقت عينا برت وقال:
- ان في كلامك نوع من الابتزاز.
اجابته ليزا دون مبالاة:
- لا، بل في كلامي الحقيقة الجارحة من ردة فعل ريتشارد عندما تواجهه بالأمر ، فماذا تقول ايها السيد سانرسون؟.
اخذ ينظر إليها للحظات قليلة نظرات خطرة لايمكن التكهن ماقد يصدر عنها من ردات فعل، فتراجعت ليزا الى الوراء على سبيل الاحتياط.
ثم قال اخيراً:
- قد يكون من الأفضل لك ان تعودي الى الداخل قبل ان افقد اعصابي واصب جام غضبي عليك.
وقفت ليزا للحظة مترددة لاتدري ماذا تفعل، قبل أن تعود الى الداخل مبتعدة عنه وقد شعرت بالامتعاض ، لأن الكلمة الأخيرة كانت له في هذا الموضوع ولكنها ادركت وفي الوقت نفسه ، انه من العبث أن تطيل معه ، لأنه لن يصدقها مهما قالت.
كان ريتشارد وانجيلا عندما عادت ليزا الى الداخل يتحدثا مع جماعة من المدعوين، قتوقف ريتشارد عن الكلام في الحال ليبتسم لها ابتسامة مشرقة.
ثم قال:
- لقد خامرني شعور بأنك عدت إلى فندق رويال.
ارغمت ليزا نفسها على الابتسام بالرغم من انفعالاتها الداخلية وقالت:
- خرجت الى الشرفة لاستعرض المكان.
- في الحقيقة انه ليس بالوقت المناسب لمشاهدته.
قالت السيدة الطويلة القامة والجميلة والتي كانت تقف الى جانب ريتشارد، ثم تابعت كلامها بطريقة تدل على أنها من اصحاب السلطة والمال:
- انني اندريا غوردان ، آسفة لأنني لم أتمكن من التعرف بك قبل الآن ، لأنني كنت انتقل لأرحب بالمدعوين.
حاولت ليزا جهدها لتتكلم بطريقة سارة وقالت:
- انك تملكين منزلاً رائعاً ياسيدة اندريا.
اجابت اندريا بنبرة تدل على ان اطراء ليزا لمنزلها لم يعنى لها شيئاً البتة:
- شكراً لك ، لقد اخبرتني انجيلا بأنك معالجة ماهرة.
قالت ليزا:
- نعم، ارجو ان أكون كذلك كما وانني موظفة في فندق رويال.
ظهرت في عيني اندريا الدهشة وهي تقول:
- آه ، حقاً؟.
تدخلت عند ذلك انجيلا قائلة باهتمام:
- كما وانها بريطانية الجنسية ولابد من أن برت قد اجهد نفسه ليفوز بك اخيراً.
اجابت ليزا بسرعة:
- بل توظفت من قبل غاري كونواي واعتبر نفسي ايضاً سعيدة الحظ لأمارس مهنتي في هذا الجزء من العالم.
قالت انجيلا:
- لان ليزا تقلل من تقدير مؤهلاتها.
اجابت اندريا:
- قد اقوم بذلك في وقت من الاوقات.
اسرعت ليزا لتقول:
- انا لست متأكدة بأنه قد يسمح لي ان أعالج غير نزلاء الفندق، خاصة وأنني انشغلت كثيراً معهم في الأسبوع الفائت.
أجابت اندريا:
- لايدهشني في أن تكوني على هذا الحال من الانشغال اذا كنت فعلاً تتمتعين بالمهارة والجدارة كما تقول انجيلا، على اية حال سأتكلم مع برت في هذا الامر.
-------------------------------------
نظرت اندريا في الناحية التي دخلت منها ليزا قبل لحظات وقالت وهي مقطبة الجبين:
- يمكنك أن تكلميه في هذه الدقيقة.
ثم رفعت يدها تنادي على برت الذي مايزال يقف في الشرفة:
- برت ، تعال ياعزيزي!.
شعرت ليزا وقد انضم برت اليهم بالدم يتجمد في عروقها، كان يبدو عليه الارتياح التام وهو ينظر اليها وكأنهما لم يسبق لهما ان التقيا ، ثم حول نظره الى انجيلا:
- تريد اندريا ان تلبي طلباً لها.
نظر الى اندريا وقال مرحباً :
- نعم اندريا.
قالت:
- ارغب أن تأتي ليزا إلى هذا المكان لتعالجني ان لم يكن لديك مانع، لقد اخبرتني انجيلا عن كفاءتها في هذا المجال.
بدت ملامح برت جامدة لا حياة فيها وقال:
- ولم لا؟.هذا اذا كانت ليزا على استعداد لأن تضمك إلى برنامج عملها مع زبائن الفندق وعلى شرط واحد وهو ان تدفعي القسط لذلك.
ضحكت وقالت:
- وكأنني كنت اتوقع لي منك سعراً خاصاً.
ثم تحولت الى ليزا وتابعت تقول:
- سأتصل بك غداً لنحدد الوقت.
- عظيم.
قالت ليزا محاولة جهدها ان لا تنظر في عيني برت ، يبدو أن تهديدها له قد جعل منه يفكر ملياً بالامر كي لا يخسره كزبون دائم وكريم، لكن لماذا تشغل نفسها بمثل هذا الامر فهي ليست مجبرة على ان تنصاع إلى أوامره خاصة وانه قد تجاوز حدوده اكثر من اللازم!.
تفرق الجميع ليقفوا مع جماعات اخرى في الحفلة، قالت ليزا في نفسها ، فليحاول ماقدر له من المحاولة في التخلص منها ولاجل حجة لا اساس لها وهي ستحاول من ناحيتها ايضاً بضراوة اذا اقتضت الحاجة لتحافظ على وظيفتها.
تأخر الوقت وبدأ المدعون بالانصراف من الحفلة وشعرت ليزا بارتياح عندما قرر ريتشارد وانجيلا الانصراف ايضاً، وكان برت في ذلك الوقت يتكلم مع اندريا بانسجام تام، وهي تبتسم له بتحبب وقد ارخت يدها على ذراعه كان من الواضح انها هائمة به ومنجذبة اليه..
تقدموا اليه ليودعوا صاحبة المنزل ويشكرونها لحسن ضيافتها ، ثم قالت ليزا بصوت فاتر موجهة نظرها الى برت:
- عمت مساءً.
ثم خرجت عائدة الى الفندق وعندما انطلقت السيارة فاجاها ريتشارد بسؤال لم تتوقعه منه:
- هل تعانين من مشاكل معينة مع برت ساندرسون؟.
ارغمت ليزا نفسها على ان تتكلم بلا مبالاة وقالت:
- ماالذي يدعوك لتفكر بذلك.
- من الطريقة التي ظهرت فيها عندما دخلت من الشرفة ، هل كنت معه في الخارج؟.
ادركت ليزا بأنه كان يراقبها ويتبع خطواتها فلا مجال لها للانكار، فقالت:
- نعم، لقد كنت معه، ولكن لم يكن هناك اية مشكلة بيننا.
قالت انجيلا بسرعة:
- عظيم، لقد تهيأ لي بأنني وضعك في موقف حرج عندما دعوتك الى هذه السهرة وذلك لأن لبعض الفنادق قوانين صارمة تحرم خروج النزلاء مع الموظفين.
- لو كان هناك من مشكلة ، لكنت اطلعتك عليها.
------------------------
ربتت على يدها بلطف وقالت:
- نعم بالطبع كنت ستطلعينني عليها.
قال لهما ريتشارد:
- مارأيكما اذاً لو نذهب لزيارة جزيرة سان جوان غداً بالمركب؟ انها لا تبعد اكثر من عشرين دقيقة عن هذه الجزيرة، هناك حديقة عامة تحيط الجزء الاكبر منها.
ابتسمت ليزا باشراق وقالت دون تفكير:
- يبدو لي الامر رائعاً.
- اتفقنا اذاً.
ثم توجه بالكلام الى السائق قائلاً:
- سنحتاج اليك في صباح الغد لتنقلنا الى هوك لننطلق بمركب الساعة التاسعة.
وافق السائق بابتهاج قائلاً:
- سأكون عندك في الصباح كما أمرت.
لكن ليزا تفاجأت حين سمعت انجيلا تقول:
- انا اعتذر منكما فغداً لدي موعد ولا استطيع الخروج برفقتكما اذهبي ياليزا معه فلا بأس عليك .
ارتبكت ليزا بعدما تذكرت تهديد برت لها في هذا الأمر لكنها قررت الموافقة للتحدي فقط.
كان الفندق في تلك الساعة المتأخرة من الليل هادئاً وقد خلا من الناس عدا موظف الاستعلامات الليلي فتوجهت الى آخر الرواق من ردهة الفندق لتخرج من باب يؤدي إلى مبنى منفصل خصص لموظفي الفندق.
عندما اصبحت في غرفتها ولم يكن امامها ان تفعل شيئاً سوى الخلود الى النوم، بدأت تراجع نفسها وتصرفاتها وبالأخص موافقتها على الخروج مع ريتشارد ، فمهما كانت العلاقة طيبة وغير مؤذية بينهما ، هل كانت فعلاً على استعداد وقبول تام لتمضي ساعات النهار الطويلة في الغد برفقة رجل مسن ولطيف يشكو من الوحدة؟.
بما أنه قد فات الوان لتعتذر منه على دعوته لها ليوم الغد قررت بأن لا تقبل منه اية دعوة اخرى بعد الآن، لكن وفي الوقت نفسه تصرفها معه يعني الطاعة العمياء لبرت ساندرسون.
لكنها في اليوم التالي بدأ القرار اتخذته الليلة الماضية بعدم تلبية دعوات ريتشارد انه رفيق ممتاز ومحدث لبق وبأنه يتمتع بروح مرحة، وكان قد اقترح عليها ان يستأجر دراجة نارية يتجولان بها في جزيرة سان جون الصغيرة ويشهدان شوراعه التي لا اسماء لها.
وجدت ليزا ان الوقت في هذه الجزيرة واقف لا يتحرك حتى أن سكانها يمشون ببطء وتكاسل كأنهم هم الذين يؤخرون تقدم عقارب الساعة. كانت تعتقد ان جزيرة توماس جميلة ، ولكنها وجدت جزيرة سان جون تفوقها جمالاً بشفافية مناظرها الساحرة.
اشترى ريتشارد طعام الغداء البسيط لهما وكان يتكون من الخبز والجبن والفاكهة وجلسا على شاطئ رملي يأكلان بهدوء ثم قال:
- ياليتنا احضرنا معنا ملابس السباحة.
ثم حول نظره الى البحر الهادئ الامواج وقد شعر بالندم.كان يستلقي على الرمل الناعم يعرض نفسه الى أشعة الشمس الدافئة وهو مغمض العينين، بينما كانت ليزا تستمتع بتناول الطعام البسيط ولكنها وجدته مع ذلك طيب وذو مذاق فريد ، ذلك لأنها تتناوله في هذا المكان البديع الذي يريح النفس ويفتح الشهية.
-----------------------------------
يبدو أنها غفت لبعض الوقت، وذلك لأنها عندما فتحت عينيها من جديد وجدت ان ريتشارد ليس إلى جانبها بل قريباً من مياه البحر.
لاحظت انه يتمتع بجسم رياضي يلفت النظر بالنسبة الى سنه ولكنه كان في تلك الاثناء ، لاهياً عنها وعن نظراتها اليه ويتناول الحصى الصغيرة ويرميها في البحر.
فتساءلت لماذا لا يتزوج ياترى؟ خاصة وانه مازال في سن يسمح له بذلك، فلماذا يمضي وقته وحيداً من غير امرأة يكملان معاً درب الحياة.
وكأنه شعر اخيراً بنظراتها مصوبة اليه ، التفت اليها مبتسماً بحيوية، فقالت معتذرة:
- آسفة، فأنا لا أغفو عادة في ساعات النهار.
أجابها ريتشارد:
- لابأس عليك، اعتقد ان تغيير الجو والسهر المتأخر جعلاك تستسلمين للنوم.
ثم نظر اليها متأملاً قبل أن يتابع كلامه:
- يبدو أن لبرت ساندرسون تأثير كبير عليك.
نظرت اليه بدهشة وقد تسارعت نبضات قلبها ثم قالت:
- وماالذي جعلك تقول ذلك؟.
- لأنك كنت تتفوهين باسمه اثناء نومك.
وعندما شاهد الخوف في عينيها بادرها قائلاً:
- لاتخافي، انك لم تتفوهي سوى باسمه ولاشيء اكثر من ذلك.
فقالت بإرتباك:
- يبدو انني كنت احلم حلماً مزعجاً،لأنني اكره هذا الرجل.
تفاجأ بكلامها وقال:
- آه، وهل أكون فضولياً إن سألتك لماذا تكرهينه؟.
تظاهرت ليزا بعدم المبالاة وقالت بنبرة حاولت جاهدة لتبدو طبيعية:
- من طريقة تعامله مع الآخرين، فهو يتوقع طاعة عمياء لكل كلمة ينطق بها.
- بينما أنت تعارضين من يذكرك بواجباتك؟.
- نعم، خصوصاً عندما تكون الأمور شخصية.
اخذ ريتشارد ينظر اليها بامعان قبل ان يقول:
- لقد حصل شيء مابينكما ليلة البارحة اليس كذلك؟ هل الأمر يتعلق بخروجك معنا بطريقة من الطرق.
عضت ليزا على شفتها ، لم تتوقع بأن الحديث بينهما وبين برت ليلة البارحة، ثم لاذت بالصمت وغاصت بأفكارها.
فتابع يلح عليها بلطف عندما لم تجبه على سؤاله:
- اعتقد بأنه يحق لي ان اعرف، اذا كان الأمر يطالني شخصياً.
اعترفت ليزا وقد وجدت ان لا مجال لاخفاء الأمرعنه اكثر من ذلك:
- انه يعتقد بأنني اهتم بك لأجل مالك.
- وهل أنت فعلاً كذلك؟.
نظرت اليه مستاءة ثم قالت بعد ان تمالكت اعصابها:
- اليس بالأمر المضحك؟ كما وانه لن يكون الشخص الوحيد الذي قد يفكر بالطريقة نفسها.
- لكنني ارى انه مهما كان الامر ، فأنه لن يكون الشخص الوحيد الذي قد يفكر بالطريقة نفسها.
- لكنني ارى انه مهما كان الأمر فأنه لم يمنعك من الخروج معي هذا اليوم.
اخذت تحمل الرمل بيدها وتبعثرها بعصبية متحاشية النظر في عينيه ثم قالت:
- كما سبق وقلت لك، أنا ضد كل من يملى علي ما أفعل ومالا افعل، لكن هذا لا يعني بأنني لا اعجب بك، فأنت رفيق جيد وممتع.
--------------------------------
- وكذلك فأنا اميل الى المفهوم الأفلطوني.
وعندما حاولت ان تتكلم ، رفع يده ليمنعها عن ذلك وليتابع مبتسماً:
- كان لي ابنة قتلت بحادث سيارة مؤسف منذ ثلاث سنوات ، كانت في العشرين من عمرها كنا قريبيين جداً من بعضنا، أنت تذكريني بها ولهذا السبب فقط ارغب في ان امضي الوقت معك.
اجابت ليزا وقد آلمها ان تسمع منه هذا الخبر:
- آسفة جداً، ماكان اسمها؟.
قال بصوت كئيب:
- هيلين وكان شعرها بنفس لون شعرك ولكنه اطول من شعرك بكثير لدرجة انهاكانت تجلس عليه، لكنها اضطرت الى قصه حتى كتفيها وذلك عندما التحقت بكلية الحقوق...
توقف عن الكلام وقد شعر بألم شديد في صدره وتابع قائلاً:
- لنتوقف عن التحدث في هذا الموضوع ولنعد الى موضوعك ، اذا كانت لقاءاتي بك تسبب لك المشاكل، فسأبتعد عنك دون تأخير.
اكدت له قائلة:
- لا حاجة لأن تقلق او تشغل بالك علي، لأنه يسعدني جداً أن أمضي الوقت معك ياريتشارد، على فكرة، الم تتحدث قبل الآن عن الغطس تحت المياه؟.
بدا اكثر ارتياحاً من السابق وقال:
- نعم فعلت ذلك فإذا كنت راغبة في ممارسة هذا النوع من الرياضية ، فسأعد العدة لها لعطلة الاسبوع المقبل وقد نذهب لتناول العشاء في احدى الليلي القادمة.
قال وهي تعي تماماً ماتقول:
- يسعدني ان اخرج معك.
وليفعل برت ساندرسون مايطيب له ان يفعل، فهذا آخر ما اهتم له.
امضيا الفترة الباقية من بعد الظهر وهما يلقيان نظرة على معمل سابق للسكر والذي يقع فوق هضبة عالية من الجزيرة، بعد ذلك عندما حل الظلام، تناولا طعام العشاء على مهل في مطعم صغير يدعى باك يارد وتمكنا من العودة إلى جزيرة سان توماس في آخر لحظة على متن مركب عائد إلى الجزيرة.
كانت الساعة تشير الى العاشرة ليلاً عندما وصلا إلى فندق رويال، انه ليس بالوقت المتأخر ، انما كانت ليزا متشوقة لتستسلم للنوم استعداداً لعملها في الغد.
ودعت ريتشارد وقبلته قبلة ابنة لوالدها على خده وقالت:
- لقد امضينا يوماً رائعاً وقد استمتعت بكل لحظة فيه! عمت مساء وشكراً لك مرة اخرى.
كانت زميلتهاسيلينا في وظيفتها في مكتب الاستعلامات فبادرتها قائلة بعدما ابتعد ريتشارد:
- لقد سأل عنك السيد ساندرسون ويريدك ان تصعدي الى بيته.
تقبلت ليزا رسالة سيلينا بابتسامة مشرقة وقالت في نفسها، انها لن تذهب اليه في مثل هذا الوقت ومايريد قوله يمكن أن يؤجل للغد، وإذا كان هناك اية مشاكل ، فمن المؤكد ان ريتشارد سيتمكن من تسويتها لو انها طلبت منه ذلك، ولكن لماذا يفعل ذلك؟ ان الشيء الوحيد الذي يجمعها به لايعني احد سواهما.
----------------------------------------
ذهبت إلى غرفتها والنعاس يداعب جفنيها فاستلقت على سريرها وماكادت تفعل ذلك، حتى تعالى رنين الهاتف في غرفتها.تساءلت هل يكون ريتشارد قد نسى أن يقول لها شيئاً، رفعت سماعة الهاتف فكانت لها صدمة كبيرة عندما جاء صوت برت ساندرسون عبر الأسلاك.
- كان من الواجب عليك ان تصعدي إلى بيتي في اللحظة التي دخلت فيها الى الفندق ، فلماذا لم تفعلي ذلك؟
اجابته ليزا وهي لاتصدق نفسها بأنها تمكنت من الحفاظ على هدوء اعصابها:
- لأن الوقت كان متأخراً ولدي موعد مع أحد الزبائن في تمام الساعة الثامنة والنصف من صباح الغد، فان كنت تريد ان تبلغني ان احزم حقائبي و...
تعالت ضحكاته عبر الاسلاك كاجعلها تتوقف عن متابعة كلامها ثم قال:
- اعتقد بأني تجاوزت حدودي معك في بعض الاحيان وكنت مندفعاً جداً بكلامي معك .
ثم توقف عن الكلام قليلاً ليفسح لها المجال في ان تقول شيئاً ولما لم تجب على كلمة واحدة تابع يقول:
- هل الاعتذار مقبول؟.
تكلمت اخيراً وقد خرجت الكلمات من فمها بعد جهد:
- هل هذه مزحة ام ماذا؟.
- لاابداً، انني احاول فقط اصلاح الأمور بيني وبينك.
قالت وهي مندهشة من كلامه:
- ولكن لماذا؟.
- اعتقد ان ذلك افضل لنا.
- ولكنه ليس بالنسبة الى.
اردف بعد صمت وكأنه يفتش في باله عن الكلمات المناسبة ليقولها لها:
- يجب أن تعرفي بأنني اشعر بميل شديد نحوك ياليزا، وعندما أفكر انك مع ريتشارد...
قاطعته ليزا وهي مازالت لا تصدق بأنه جاد فيما يقوله:
- مابيني وبينه ليس كما يصوره لك عقلك، فأنا اذكره بابنته التي قتلت منذ سنوات ولاشيء اكثر من ذلك.
- لم يكن لي علم بذلك وعلى اية حال لا اعرفه حق المعرفة، لننسى امره والان ادعوك لتناول طعام العشاء معي في بيتي مساء الغد لنبدأ بالتعارف على بعضنا البعض اكثر.
لم تدر ليزا ماتجيبه حتى انها لم تدر بالشعور الغريب الذي غمرها فجأة فقالت:
- لا اعتقد بأنني...
قاطعها برت ليقول:
- لا اطلب منك اعتقادك ، انما عليك ان تمتثلي للأمر، كوني في بيتي في تمام الساعة الثامنة وساكون بانتظارك.
واقفل الخط قبل ان تتمكن من الاجابة بكلمة واحدة . اعادت سماعة الهاتف الى مكانها وقد شعرت بانهيار تام، ثم اخذت تحدق بسقف الغرفة مفكرة بالتغيير الذي طرأ عليه فجأة منذ ليلة البارحة الى هذه الليلة، ماالذي يدور في فكره ياترى؟ وماذا كان يقصد بكلامه عندما قال بأنه يرغب في أن يتعارفا على بعضهما اكثر؟
ثم قالت لنفسها اخيراً، انها لن تحاول معرفة سبب التغيير الحاصل ببيرت ساندرسون تجاهها، ولكن مهما كانت مشاريعه ، فانها وبالتأكيد لن تشاركه في أي شيء.
-----------------------------------

الفترة التجريبيةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن