10

5.3K 145 17
                                    


الفصل العاشر
عادت ليزا الى غرفتها في الصباح الباكر وقد اطمأنت بأنه مامن احد شاهدها بالرغم من خروجها المتأخر من منزل برت ، وكان قد طلب منها ان تبقى لكن الأمر لم يكن ذات اهمية وطبيعي بالنسبة اليه، كما اي شيء وحاولت ان تريح نفسها وتنام لكن ذلك كان صعب المنال والتحقيق.
اخذت تستعيد في ذاكرتها كل ماحدث لها مع برت ليلة البارحة ولقد اعتبرتها من اجمل الليالي في حياتها حتى انها كادت في كل لحظة معه ان تقول له تلك الكلمة الجميلة، احبك ، احبك برت لكنها كانت تتراجع عن ذلك كلما حاولت لأنها كانت تدرك وتعلم بأنه لا يسعى الى حبها، بل الى امور اخرى فقط ولفترة مؤقتة.
اغمضت عينيها ونامت من شدة افكارها المتضاربة لتستفيق في الساعة التاسعة وهي تشعر بالضعف والارهاق الشديدين ، تذكرت ان برت كان قد وعدها بأنه سيتصل بها ولكنه لم يذكر لها في أي وقت سيكون ذلك واحتارت في امرها بين ان تخرج الى غرفة طعام الموظفين او لا تخرج فمن يعلم ربما يتصل برت بها خلال هذه المدة ولايجدها.
استحمت وارتدت ملابس قطنية خفيفة ذات اللونين الأصفر والابيض ، ثم جلست الى طاولة الزينة لتسرح شعرها وتضع احمر الشفاه على شفتيها، ولاحظت تغييراً ملموساً في ملامح وجهها وفقد شع اشراقاً وبهجة وعيناها تسبحان في الأعماق، ان لذلك كله تفسير واحد وهو انها قد وقعت في شباك جاذبية الحب وجماله، واملت ان لا يلاحظ احد عليها ذلك ويفسر الامر على طريقته الخاصة.
اتصل برت بها في الساعة العاشرة وتكلم معها بطريقة جدية وعملية قائلاً:
- آسف ولكنني مضطر للعودة الى بوسطن وساترك المنزل بعد خمس دقائق.
شعرت ليزا بطعنة خنجر اصابت قلبها ولكنها ضغطت على نفسها كي لا يبدو عليها ذلك وقالت:
- هل هناك مشاكل؟.
اجابها بثقة:
- مامن شيء لا يمكنني معالجته متى اصبحت هناك، سأراك يوم الجمعة القادم.
اعادت ليزا سماعة الهاتف الى مكانها وقد شعرت باحباط شديد خاصة وانها كانت تتوقع ان تمضي طوال هذا النهار برفقته ، لكن هذا لن يتم حتى انها كانت تتوقع ان تمضي الاسبوع المقبل معه، لقد شعرت وهو يكلمها انه خال من اي شيء بينهما.
صادف يوم الجمعة الذي وعد برت ان يعود فيه هو اليوم ماقبل العيد، ولم يذكر بالتحديد كم سيطول اقامته في الجزيرة في فترة العياد تلك ، ولكنها فهمت من غاري كونواي، انه عادة يمضي اسبوع العيد كله فيها.
من المهم الآن هو كيف ستمضي هذا اليوم وتستفيد من ساعاته بدلاً من ان تترك الألم يعصر قلبها وروحها ، تذكرت انها لم تقم بعد بزيارة المرصد المائي في كوكي بوينت، فهذه الزيارة قد تشغلها لبضع ساعات ، وقد تجلس على الشاطئ ايضاً لتبق بعيدة عن الفندق الذي يثير احزانها وشجونها.
-----------------------------------
وقبل ان تغادر غرفتها تذكرت ريتشارد وشعرت بالذنب تجاهه لكن برت اشترط عليها بأن تبقى بعيدة عنه ، فماهو العذر الذي بامكانها ان تقدمه لذلك الرجل والذي لم يظهر لها سوى العطف والحنان؟.
رن جرس الهاتف في تلك اللحظة ليبعدها عن تساؤلاتها المحيرة وبالتالي لترتاح منها، فكرت ليزا ان تتجاهل رنينه، ولكن رنينه المتواصل جعلها تغير رأيها ، ثم رفعت سماعة الهاتف فجاءها عبر الاسلاك صوت ريتشارد.
سألها بقلق:
- ماالذي جرى؟ لقد امضيت ليلة البارحة بطولها وانا احاول الاتصال بك.
اجابت بحياء:
- آسف لأنني جعلتك تنتظرني مساء امس ولا ادري كيف مر بي الوقت.
خيم صمت قصير ، ولكنه عندما تكلم مرة اخرى لاحظت الاهتمام بنبرة صوته وسأل:
- هل كنت مع برت؟.
- نعم.
- ولكن ماذا بخصوص اندريا؟.
- لم تكن صادقة بتلك القصة ، لقد اختلقتها من رأسها.
- هذا بناء على ماقاله برت؟.
اغمضت ليزا عينيها وكأنها تريد ان تبعد اي شك من ذلك عن فكرها وقلبها واجابت:
- نعم ولكنني احبه يا ريتشارد.
- وهل هو يحبك ايضاً؟.
اجابت محتارة:
- انه مايزال يريدني، ربما تكون هذه الخطوات الأولى للحب، ومن يدري ماقد يحدث في المستقبل.
- بالفعل من يدري.
عاد وخيم صمت قليل ليتابع بعد ذلك:
- هل كنت تعلمين بأنه قد رفض ان يمدد اقامتي هنا؟.
اسرعت ليزا تقول:
- من المؤكد بأنه كان هناك سوء تفاهم.
- هذا مايبدو لي ، ولقد اتصلت بي الادارة صباح هذا اليوم واخبرتني بأن اقامتي ستمدد.
- وهل ستبقى ؟.
- لم اقرر بعد.
ثم انتظر لحظة قبل ان يتابع حديثه وكانه يتوقع منها تعليقاً على ذلك، ولما لم تقل شيئاً تابع يقول:
- هل ستمضين هذا اليوم ايضاً مع برت؟.
- لا، لقد اضطر ان يعود بسبب بعض المشاكل في سير اعماله وسيعود قبل العيد.
- في هذه الحالة مارأيك لو نتناول طعام الغداء معاً؟.
ترددت ليزا في الإجابة على سؤاله وتساءلت بينها وبين نفسها ، هل يمكنها ان تتجاهل ريتشارد كما طلب منها برت؟ خاصة وانه بريء ممن نسبه اليه بكل مافي الكلمة من معنى.
فقالت مجيبة الى طلبه:
- سيكون ذلك من دواعي سروري.
- القاك في الواحدة اذاً وساحجز طاولة على شرفة مطعم الفندق.
اقفل الخط قبل ان يتسنى لها الاعتراض على المكان الذي اختاره لأنها كانت ترغب في الأساس ان تبتعد عن هذا الفندق ، على كل ، اذا كانت ستفعل عكس ماطلبه منها برت، اليس من الأفضل ان يكون ذلك امام الجميع وليس في الخفاء؟.
-----------------------------------
رحب بها رئيس الخدم عندما دخلت الى المطعم وارشدها الى الشرفة حيث كان ريتشارد بانتظارها يجلس الى طاولة قريبة من طاولة موظفي الإدارة والتي كان غاري كونواي يجلس اليها ، ثم اومأ اليها برأسه وبطريقة فظة دون ان يرحب بها ولا بكلمة واحدة.
قال لها ريتشارد وهو ينظر باعجاب الى ملابسها الأنيقة:
- تبدين رائعة كعادتك، هل فكرت مرة ان تكوني عارضة أزياء؟.
اجابت ليزا:
- نعم، ولكنني كنت في ذلك الوقت في الخامسة عشرة من عمري.
ثم اخذت تنظر في لائحة الطعام وهي لا تشعر بالجوع ولا رغبة عندها للأكل وتابعت تقول:
- ماالذي ستطلبه؟.
اجابها وهو يعني شيئاً آخر:
- اطلب شيئاً لا يمكنني الحصول عليه، لا تقلقي فأنا لن احاول من جديد ان اقنعك بأن تلبي طلبي، انما كل الذي اطلبه منك هو ان اراك دائماً وطبعاً عندما يكون برت غائباً.
نظرت ليزا اليه بكآبة تحاول ان تجد لها مخرجاً من هذه الورطة دون جدوى، لقد اخطأ برت عندما اشترط عليها ذلك الشرط ولكنها وافقته ووعدته بتنفيذه.
اضطرت ان تكذب على ريتشارد وقالت:
- سأكون منهمكة بالعمل وبصورة خاصة طوال الاسبوع المقبل، وإذا بقي الامر على هذا الحال ، فسأكون بحاجة الى مساعدة.
ظهر الحزن في عيني ريتشارد وقد تبدلت ملامح وجهه وقال:
- ماالذي تحاولين قوله؟.
احتارت في امرها وبدا التأسف على محياها الجميل وقالت:
- يجب ان اطلعك على الحقيقة، لقد وعدت برت ان ابقى بعيدة عنك، فهو سيء الظن بك ولا يصدق بأنك تعتبرني بمنزلة ابنتك ، ربما تظن بأنني كنت غبية عندما وافقته على ذلك.
ابتسم ريتشادر بكآبة وقال:
- انك لا تستطيعين ان ترفضي له طلباً، اليس كذلك؟ على اية حال، انا لا اعتبره مخطئاً من هذه الناحية ياليزا، فانت فتاة جميلة وموهوبة ولك قلب صاف كالذهب ، قد اكون كاذباً اذا قلت لك بأنني لم اشعر بالميل نحوك.
لم تقو على النظر في وجهه وقالت:
- آسفة لم اكن ادرك ذلك.
- لأنني لم ادعك تشعرين بذلك، صحيح انك تذكرينني بابنتي هيلين من نواح عديدة ولكنني لا اشعر بك ابداً بأنك بديلة عنها ، لأنني كنت على وشك ان اطلب منك الزواج.
ابتسم ابتسامة واسعة ليتابع قائلاً:
- واعلمي جيداً انه مامن غباء يضاهي غباء العجوز!.
اجابت ليزا معترضة:
- اولاً انت لست بعجوز، وثانياً انت بعيد كل البعد عن الغباء، كما وانه باستطاعتك ان تتزوج مرة اخرى.
فأردف ريتشارد:
- لن يحصل ذلك الا عندما احصل على واحدة في سني، اما الآن وبما انها ستكون آخر وجبة طعام نتناولها سوياً، سنجعل منها ذكرى لا تنسى.
لم تستطع معارضته في هذا الاحتفال الصغير، وادركت ان مبادرة ريتشارد هذه، سوف تنتشر بسرعة البرق في الفندق، كما وان برت سيعلم به متى عاد من بوسطن.
----------------------------------------
وعندما انتهيا من تناول الغداء لم يحاول ريتشارد ان يبقيها معه اكثر من ذلك، ولقد فهمت منه انه ربما قد يبقى ليمضي فترة العيد ، فلا شيء يغره ليعود الى بوسطن في هذا الوقت.
صافحته ليزا مودعة اياه قائلة:
- انك ولاشك في ذلك رجل عظيم ريتشارد.
ودعها والألم يحز في نفسه ، ثم قال:
- انتبهي لنفسك.
ابتعد عنها فتسمرت مكانها دون حراك تتأمله الى ان اختفى عن ناظريها واحست معه بالوحدة التي يعيش فيها .
ان المال قد يشتري ذرة من الحب وهذا للأسف مايعوزه.
- ابقي على هذا الحال ولن تحصلي على شيء.
قال غاري من ورائها ساخراً، فالتفتت لتجده واقفاً ينظر اليها بوقاحة.
فقالت ليزا:
- ماذا يعني بكلامك هذا؟.
نظر اليها بعينين ضيقتين وقال:
- اعني بأنك ستصبحين خارج هذا المكان كله، على فكرة كيف تمكنت من كل ذلك؟.
ضغطت ليزا على اعصابها وقالت بهدوء:
- تمكنت من ماذا، حدد كلامك؟.
نظر اليها بعينين ضيقتين وقال:
- اعني تمكنت من ان تقنعي برت وتغيري قراره لكي يسمح لريتشارد بالبقاء في الفندق، لا تحاولي ان تقولي بأن لا علاقة لك بالأمر.
اجابت ليزا:
- حسناً، لن افعل ذلك ولكن اذا كان الأمر يهمك لهذه الدرجة فلماذا لا تسأل برت نفسه؟ فأنا متأكدة بأنه سيسعده ان يخبرك بكل ماتريد معرفته.
اجابها غاري بطريقة مؤكدة:
- ان ذلك لن يدوم، ربما جعلتيه يتعلق بحبالك بطريقة من الطرق ولكن حظك بالفوز به نهائياً ضئيل كفوزي في ان اصبح رئيساً للجمهورية!
حافظت ليزا على برودة اعصابها ثم قالت:
- على اية حال شكرا لملاحظتك ، استأذنك الآن واتمنى لك يوماً طيباً.
فكرت ليزا عندما ابتعدت عنه، هل هو على حق في كل ماقاله لها؟ فالذي بينها وبين برت سيدوم حتى يأمر هو بقطع هذه العلاقة، انما السؤال الذي يتردد في فكرها دائماً، هل ستتمكن ان تكمل الحياة في فندق رويال اذا ماانتهى كل شيء بينهما.
كان الاسبوع الذي اطل عليها مليئاً بالعمل المتواصل ومرت ايامه سريعة ، وكانت فيليستي قد جاءت اليها لجلسة معالجة بعد ظهر يوم الثلاثاء لكن اندريا لم تتقدم بطلب بعد جلستها الأولى لجلسات اخرى.
اما الشكوك فقد ظلت تقبض على صدر ليزا رغم انها حاولت كثيراً ابعادها خاصة وانه عندما كلمتها اندريا عن مشاريعها مع برت تكلمت بها وكأنها واثقة ومتأكدة من الذي تقوله ، كما وان برت لم يبد اي اهتمام عندما علم بالأمر.
لكن اين تكمن الحقيقة ياترى؟ هل من ناحية برت او من ناحية اندريا؟ لا مجال لها في معرفة الحقيقة، لأن كلامها ينصرف بغموض وانغلاق، ولكنها اذا كانت تريد برت حتى ولو لفترة مؤقتة فعليها ان تغض الطرف من اي وقت آخر وتعد الساعات والدقائق المتبقية لرؤيته من جديد.
----------------------------------------
جاءها اتصال منه مساء الأربعاء ليشد من عزيمتها وليعينها على ان تصبر وتتحمل الوقت الذي يفصلها عن رؤيته ، ومما قاله لها بنبرة لطيفة:
- لقد اشتقت اليكِ ، فهل انتِ كذلك؟.
- لقد كنت انعم ببعض السلام.
ضحك لذلك واردف قائلاً:
- سرعان ماسأجيء اليك واعكر صفو سلامك فلا تقومي بأية مشاريع.
- هل ستطول اقامتك هذه المرة؟.
- نعم، فالطقس مثلج ورديء هنا، لذا افضل ان احتفل بالعيد تحت اشعة الشمس الدافئة بالمناسبة ، هل هذا اول عيد تمضينه بعيداً عن الاهل والأقارب؟.
- نعم.
- اذاً يجب ان نتحضر ونهيء لهذه المناسبة الأشياء المفرحة.
كادت ان تخبره عن شوقها اليه وان وجودها معه سيكون الشيء المفرح بالنسبة اليها ، ولكنها تراجعت عن هذا القول، لأنها لا تريد ان تظهر له ان تعلقها به يفوق تعلقه بها.
قالت عند ذلك:
- لا استطيع الانتظار اكثر مما انتظرت.
صمت قليلاً قبل ان يرد عليها وكأنه يتوقع ان تضيف شيئاً آخر، ولما لم تفعل ، قال:
- وكذلك انا ، لا استطيع الانتظار اكثر ، الى اللقاء يوم الجمعة اذاً.
لاحظت ليزا عندما اعادت سماعة الهاتف الى مكانها كأنه كان في نبرة صوته شيئاً واختفى ، فلا شك ان النساء في حياته لديهن خبرة اكثر واوسع مما لديها في التعابير المناسبة بمثل هذه الظروف، فلابد والحالة هذه من ان تدرب نفسها على استعمال تلك التعابير.
لكن المنطق يفرض عليها بأن لا تعود نفسها على امور لا تنسجم مع شخصيتها التي عرفت بها.
جاء يوم الجمعة اخيراً وكانت السماء تمطر طوال الوقت وهذا امر غير طبيعي في ان يدوم المطر كل هذه المدة ولم تكترث ليزا لمثل هذا الطقس ، فكان همها الوحيد ينحصر في لقاء برت مساء.
اصبحت الساعة السابعة ليلاً، ولم تسمع منه كلمة للآن وبدأ يخامرها الشك في انه الغى فكرة تمضية العيد هنا، لكنها وعندما اتصل بها حوالي الساعة الثامنة لم تستطع ان تخفي ماكانت تشعر به.
فتفهت قائلة:
- ظننت بأنك غيرت مشاريعك ولم تأت!.
- ان هذا الامر غير وارد.
ثم بدل من نبرة صوته وقال ممازحاً:
- هل افهم من كلامك بأنك كنت قد تضايقت لو لم احضر؟.
حاولت ليزا السيطرة على انفعالاتها وشوقها اليه، ولكنها لم تنجح في ذلك، ثم قالت:
- لا، بل لكنت شعرت بأنني امرأة مدمرة.
ضحك برت وقال:
- هل تناولت شيئاً من الطعام؟.
قالت بسرعة:
- لا، ولكنني لا اشعر بالجوع.
- وكذلك انا.
قال ذلك ثم خيم صمت بسيط وتابع قائلاً:
- إذاً ، ماذا ستفعلين؟.
اجابت ليزا بشوق:
- سأكون عندك بعد خمس دقائق.
-----------------------------
استقبلها برت في حديقة منزله وكان لا يزال مرتدياً ملابسه الرسمية والتي كان يسافر بها، ففتح لها ذراعيه لترتمي على صدره ، ثم قبلها قبلة عبر لها فيها عن مدى شوقه اليها.
همس في اذنها بعد ذلك:
- لم افكر بشيء طوال الأسبوع المصرم إلا بهذه اللحظة التي اضمك فيها الى صدري فلا فكرة لديك ياليزا بماتفعلينه بي.
اجابت بلطف:
- اعتقد تماماً مثلما تفعله بي.
فقال بلطف:
- اخبريني بالتحديد ماالذي افعله بك، وما الذي تشعرينه تجاهي.
تألم قلبها من كلامه ، لابد انه يقصد اي شيء عدا الحب الحقيقي، فأجابت:
-اشعر بشوق دائم اليك.
عاد يقول بهمس:
- اهذا كل شيء؟.
جاهدت ليزا كي تضبط مشاعرها وقالت:
- ألا يكفي ذلك؟.
اجابها بعد لحظات قليلة:
- ربما يكفي كما تقولين.
ثم تساءلت بينها وبين نفسها ماذا كان ينتظر منها ان تقول اكثر من ذلك ياترى؟ من المؤكد ليس ماتود ان تقوله والذي يخفق به قلبها تجاهه باستمرار.
استأذن منها لدقائق ليعد القهوة لهما وعندما عاد بالصينية قالت له:
- انك تحضر قهوة ممتازة، فهل هذا ما تفعله ايضاً في بوسطن؟.
- نعم، فأنا احضر القهوة بنفسي وبعض الاطعمة الخفيفة لأنني لا احب ان اتناول الطعام خارج او داخل مطعم الفندق كما افعل هنا.
-هل تنزل في فندق ما؟.
- انني احجز لنفسي عدة اجنحة في عدة فنادق في تلك البلاد ، فيمكنني في هذه الحالة ان انتقل من مكان إلى مكان آخر دون اية عوائق او مشاكل.
فقالت ليزا بجرأة:
- ألا ترغب مطلقاً في ان يكون لك منزل خاص لائق بك؟.
رفع كتفيه العريضيتين دون مبالاة وقال:
- ان هذا المنزل هو كل ما اتمنى كمسكن دائم لي مع انني عادة لا امضي فيه وقتاً كبيراً كما فعلت في تلك الاسابيع القليلة المنصرمة.
حملت ليزا فنجان القهوة وهي لا تحيد بنظرها عنه وقالت:
- هذا مالاحظته انا ايضاً.
اجاب برت بعد صمت وجيز:
- انك تعيدين التصرف بتقلب في المزاج مرة اخرى!.
لم تستطع النظر في عينيه وقالت:
- لا ابداً، فأنا لا ادري ما الذي تريده لأقوله لك.
اخذ فنجان القهوة منها وامسك بيدها ثم قال:
- اريد ان اعرف منك من اكون بالنسبة اليك!
نظرت اليه بحيرة وكأنها لم تكن تتوقع ذلك منه وقالت:
- انا لا راك وجبة دسمة او انني طامعة بمالك ، اذا كان هذا ماترمي اليه يابرت.
اجابها بحدة:
- أنا اسالك عن شعورك تجاهي!.
بلعت ريقها الجاف وقالت:
- لقد سألتني واجبتك على ذلك قبل الان.
- لم تقولي لي شيئاً اكثر من الذي اعرفه ، كما وانك تدركين جيداً ماذا أعني!.
- يمكن طرح مثل هذا السؤال على كلينا، فلما لا تقول لي انت أولاً بالذي تشعر به؟.
---------------------------------
اجابها بانفعال:
- اشعر بأشياء لم اشعر بمثلها في حياتي كلها، فليس من امرأة حتى الآن استطاعت ان تتدخل في اعمالي مثلك!.
احتارت ليزا فيما تقول ولم تستطع ان تدرك ماذا يقصد بكلامه هذا، فإذا كان هناك من كلمة هناك من كلمة متبادلة مثل احبك ، يجب في هذه الحالة ان تصدر عنه اولاً.
اعترفت هي الأخرى قائلة:
- كما انه لم يتدخل بعد أي رجل في اعمالي كما فعلت انت، فأنت لم يجذبني كذلك اي رجل مثلما انجذبت اليك.
فقال بلطف:
- فقط انجذاب؟ اريد منك توضيحاً اكثر من ذلك.
شعرت باضطراب شديد بينما كان يحاول ان يقبلها ، فخرجت بهمس من شفتيها تلك الكلمة التي اراد ان يسمعها .
تمتم برت عند ذلك:
- هذا الذي اردت ان اسمعه منك، ارجو ان تكوني تعنيني ذلك حقاً.
نظرت في عينيه دون ان يرمش لها جفن وقالت:
- لم اعني شيئاً في حياتي اكثر مما عنيته الآن.
بان الارتياح جلياً على ملامح وجهه وقال:
- كنت قد قطعت الأمل في ان اشعر بمثل هذا الاندفاع تجاه أية امرأة.
فسألته ليزا:
- وماقد تكون هذه الطريقة؟.
ضحك قائلاً:
- بأن الحياة لا منفعة منها في ان يعيش المرء فيها دون المشاركة مع من يهتم لأمره، فما رأيك بالزواج مني؟.
وعندما لم تجب على سؤاله الذي ادهشها والذي لم تكن تتوقعه منه تابع يقول:
- هل ترين بأنها فكرة سيئة؟.
اجابت باضطراب شديد:
- لا، انما لم اتوقع ذلك منك خاصة وانه لم يمض على معرفتنا اكثر من شهر واحد.
- ماالمشكلة في ذلك؟ المهم ماهو شعورنا تجاه بعضنا الآن دون ان نحدد الوقت لنصل الى هذا الشعور.
تمتمت ليزا:
- لكنك كنت تقول بأن الانسجام بين الشخصين اهم بكثير من الحب المتبادل بينهما.
- هذا ماكنت اعتقده دائماً كما وانني مازال اعتبره امراً اساسياً، ولكن ليس من مشكلة بيننا من هذا الناحية.
سألته بشك:
- هل تجدنا منسجمين مع بعضنا؟.
- أجل، في كل ماللكلمة من معنى ولا اعني بأننا لا نختلف في بعض وجهات النظر، على كل اعتقد بأن الحياة قد تكون مملة لو اننا نتفق على كل الأمور، وبما أنني انتظرت طويلاً لكي احظى بالشريكة المناسبة لحياتي، فأنا غير مستعد ان انتظر اكثر من ذلك فيمكننا ان ندعو عائلتك كلها ليحتفلوا بزواجنا هنا.
شعرت ليزا بدوار في رأسها وكأنها لا تصدق ماتسمعه منه فقالت لا شعورياً:
- تعني ان نتزوج في فندق رويال هذا؟.
- لقد سبق واقمنا فيه حفلات زواج عديدة من قبل، ولكننا وبالطبع لن نمضي شهر العسل فيه، اريد ان اكون معك في مكان لا يزعجنا فيه احد.
شع الفرح في عينيها وقالت بلطف:
- وهل ستؤجل كل ارتباطاتك العملية خلال ذلك؟
- لا، بل سأفوض احداً غيري ليقوم بها.
لقد تحققت احلام ليزا بسهولة لم تتصورها ، فهذا ماكانت تصبو وتشتاق الى سماعه منذ ان تعلق قلبها بهواه، ووجدت بأنه لا يمكن هناك لحظات اسعد واحلى من التي تعيشها الآن.
---------------------------------
ثم تذكرت امراً لم يخطر على بالها قبل الان ، فسألته :
- ولكن ماذا بخصوص عملي، هل تريد مني ان اتركه؟.
- لا ابداً، فهذا الامر يعود لك، فيمكنك ان تحصلي على ناد خاص بك في بوسطن على شرط واحد ، على ان لا يبعدك عملك عن حياتك المستقبلية معي.
اعرضت قائلة:
- لن اقبل ان تفتح نادياً لي من حسابك الخاص.
- لما لا؟ هل تعتقدين بأنني سأسمح لزوجتي ان تعمل موظفة وبراتب شهري في اي مكان؟ على كل، يمكنني ان اتحمل كافة المصاريف لذلك.
قالت وقد رضخت للأمر الواقع:
- اعرف، انه امر يجب ان اعتاد عليه.
اجاب باقتناع راسخ:
- ستعتادين عليه، كما اننا سنستمر بالمجيء الى هذا المكان في بعض المناسبات لأنني ارغب في اصطحابك الى اماكن اخرى لم تزوريها قبل الان، فلسنا مضطرين لنعمل بصورة دائمة، وسنوكل احداً ليعمل مكاننا في فترات غيابنا.
تنهدت ليزا بفرح وبهجة وقالت:
- ماستفعله سأفعله انا وبكل طيبة خاطر، اتعلم انني افكر وباستمرار بأن مايجري بيننا هو حلم من الأحلام ، سأستفيق منه بعد قليل.
طمأنها قائلاً:
- انه ليس بحلم ، بل حقيقة واضحة.
امضت ليلتها معه ، ولم يسمح لها برت بالرحيل قبل شروق الشمس كما فعلت الاسبوع الماضي ، وقال لها عندما كانا يتناولان طعام الفطور:
- مانفعله ليس من شأن احد ، إلا اذا كان ذلك يمسهم بصورة مباشرة ، بالمناسبة لم لا تنتقلين الى هنا منذ الآن.
كانت الفكرة عظيمة بالنسبة لليزا ولكنها تمنعت عن الموافقة ولقد وجدت بأن هناك حاجزاً بينها وبين تنفيذ ذلك.
فسألته وهي غير واثقة مما قد يكون جوابه:
- متى ستعلن هذا الخبر على الجميع؟
- هل هناك اي داع للعجلة؟.
ترددت قائلة:
- لا، بالطبع انما ذلك يشعرني بالراحة اكثر، على اية حال، ماالذي يجبرنا على ابقاء الأمر سراً؟.
اخذ برت ينظر اليها متأملاً لبضع لحظات ثم هز كتفيه دون مبالاة ليقول:
- لاشيء بالطبع وسأنشر الخبر حالاً.
وكأنها ندمت على ماقالته، فأسرعت تقول:
- انني لا احاول ان اضغط عليك ، صدقني فأنا لم اقصد شيئاً من ذلك.
ابتسم لها برت وقال:
- لا يهم ماكنت تعنين ، فلا أرى اي داع لابقائه سراً.
قامت ليزا عن الكرسي ودارت حول الطاولة نحوه ، ثم طبعت قبلة امتنان على خده وقالت:
- آسفة لقد تصرفت بغباء.
جذبها برت ليجلسها على كرسي قريب منه وقال:
- لا، انك لم تتصرفي بغباء ، انما انا المخطء بتصرفاتي...
اتسعت عيناها بدهشة وقالت بنبرة ساخرة:
- برت سندرسون يخطء؟ هذا غير معقول!.
هددها ممازحاً:
- تابعي سخريتك مني وسينتهي بك الأمر الى مالا تشتيه.
-----------------------------------
ضحكت ليزا بسعادة وقد شعرت وهو يضمها الى صدره بأنها تملك العالم بأسره!
وفي الساعة الحادية عشرة خرجت من منزله الى غرفتها لتحزم حقائبها ليتم نقلها الى منزله كما طلب منها والتقت بغاري في طريقها ، فأدركت رأساً بأنه يعرف من أين هي آتية.
سألها بسخرية:
- هل تمتعت بنوم هادئ؟.
حافظت ليزا على هدوء اعصابها وقالت :
- كثيراً وشكرا لك وأنت ماذا عنك هل كان نومك هادئاً؟.
اجابها بنفس النبرة الساخرة:
- لم يكن برفقتي من احد لكي يبقيني مستيقظاً ، على فكرة لاتنسي بأن تعلقي كلسات العيد هذه الليلة.
اجابت بخفة:
- أنا لا انسى العيد وحاجاته اينما كنت، وبما اننا نمر بمثل هذه المناسبة ألا ترى انه من الصواب ان نتصالح مع بعضنا ونصبح اصدقاء ياغاري؟ فأنا لن انسى بأنك مهدت لي الفرصة للعمل هنا، فلو لم تسد لي هذه الخدمة لكنت...
قاطعها بخشونة:
- لكنت تسعين تبحثين على صيد ثمين غيري.
اعترضت قائلة:
- انا لم اعتبرك يوماً ذلك الصيد الثمين ، فمهما كان الذي صوره لك عقلك فأنني لم ابد اي اهتمام بك في لقائنا الاول في لندن بقدر ماابديت اهتماماً بالوظيفة نفسها.
لم تتبدل ملامح وجهه الغاضبة وقال:
- وفري الكلام الذي ستقولينه لأنك قد تحتاجين اليه في وقت ما، وسيكون هذا الوقت قريباً اكثر مما تتصورين.
ابتعد عنها ، ففكرت ليزا بأن الأخبار الجديدة التي سيعلنها برت سوف تصدمه بقوة، ولكنها تعلم جيداً بأن ذلك لن يمنحها اية سعادة ذاتية.
كان برت قد اوصاها ان تحزم حقائبها وتبقيها في الغرفة ليتم نقلها الى منزله بعد خروجها لتناول طعام الغداء خارج الفندق، وقررت وبما انهما اتفقا على الزواج على ان تكون صادقة معه من أول الطريق وتخبره بأنها قابلت ريتشارد.
كان قد اتفق معها بأن يلاقيها امام المبنى الذي تقع فيه غرفتها، في تمام الساعة الثانية عشرة والنصف ، لكنها وبينما كانت تصلح من شأنها امام المرآة ، فتح الباب فجأة ليظهر منه برت والغضب يرتسم واضحاً على وجهه.
ثم سألها بخشونة:
- اريد ان اعرف قيمة الوعد الذي تعدينه للناس؟.
ادركت ليزا بأن غاري لم يضيع وقته فاجابت بهدوء:
- اذا كنت تقصد بكلامك رؤيتي لريتشارد يوم الأحد الماضي فيجب ان تعلم بأنني كنت سأخبرك بنفسي.
- لقد كانت امامك فرصاً عديدة ولكن لم تقولي شيئاً.
ابتسمت لتلطف التوتر بينهما:
- الامر ليس كما تعتقد ، فأنت جعلتني انسى كل شيء وانحصرت افكاري بمشاريعنا معاً.
وعندما لم يجب بكلمة واحدة تابعت تقول:
- لقد كانت تلك المرة الوحيدة التي شاهدته فيها لأخبره وجهاً لوجه عن السبب لعدم تمكني من رؤيته اكثر من ذلك فأراد ان يحتفل بذلك ويجعل من تنازل الطعام وداعاً لكلينا.
- لكن الذي عرفته لم يكن كاحتفال وداع.
------------------------------------
- لكنه لم يكن من شيء غير ذلك.
- كاذبة! كان علي أن افهم بأن مابينكما لا يمكن تسميته بالصداقة، هل نال منك شيئاً؟.
احتارت ليزا كيف يمكن ان تقنعه ثم قالت:
- لم ينل مني شيئاً! ولم يكن ريتشارد سوى صديق مخلص لي.
- هذا ماتقولينه انت ، وانا لا اصدق منه كلمة واحدة.
ثم اضاف بطريقة مؤذية ارتعدت لها ليزا:
- عودي اليه وسأخرج انا من حياتك.
وقفت ليزا في مكانها دون حراك وقد صعقها الامر وكانه كابوساً رهيباًً ! فتساءلت وهي تشعر بتخدير كلي لماذا لا يصدق كلامها بينما هي صدقت كلامه بخصوص اندريا؟
استعادت السيطرة على عواطفها واخذت تفكر بهذا الأمر المستجد ، ان بقاءها في هذا الفندق بات مستحيلاً بعد الآن، حتى لو ان برت سمح لها بالاستمرار بوظيفتها ، لقد حزمت حقائبها واصبحت جاهزة ، كما انها مازالت تحتفظ بتذكرة العودة الى وطنها، ستكون في وسط عائلتها في صباح اليوم التالي، وهذا معناه الهروب من هذا المكان ، ولكن هل تملك اي خيار آخر؟
بدأت باتصالاتها مع وكالات السفر وتمكنت من ان تحجز في طائرة الساعة الثالثة من بعد الظهر والتي ستعيدها الى سان جوان اولاً، ومن هناك تركب طائرة الساعة السادسة من صباح يوم العيد، ولن تصل الى بريطانيا الافي مساء ذلك اليوم ، فهذا كل مااستطاعت وكالات السفر ان تقدمه لها.
نظرت الى ساعة يدها لتجدها مازالت الساعة الواحدة، فأمامها وقت كاف لتصل الى المطار، مع ان بامكانها ان تصل الى المطار في وقت قصير جداً، انما الاستعدادات للعيد سبب ازدحاماً خانقاً على الطريقات، وقررت ان تترك رسالة لبرت وليعتقد ماشاء اعتقاده فهي لا تستطيع ان تغير مابنفسه.
لكنها في الوقت نفسه كانت تشعر بالألم يشتد عليها اكثر واكثر عندما رفعت سماعة الهاتف لتطلب سيارة اجرة تنقلها الى المطار، ثم جلست تنتظر قدومها في غرفتها وهي في حالة اضطراب شديد لا تحسد عليه.
رن جرس الهاتف بعد فترة من الوقت ، دهشت لذلك في اول الامر ثم اطمأنت ، انهم يريدون ان يبلغوها بوصول سيارة الاجرة، فرفعت السماعة وقالت رأساً:
- حسناً سأخرج في الحال.
اجاب المتصل:
- انا ريتشارد، لم استطع ان اغادر الفندق دون ان اتمن لك عيداً سعيداً ياليزا.
سألته :
- هل انت مسافر اليوم؟.
- نعم، وكنت قد قررت ذلك المساء البارحة، وسامضي العيد في بوسطن مع ابني وعائلته.
حاولت ان تبدي سعادتها لذلك فقالت:
- هذا خبر مفرح حقاً، لأنه المكان الافضل لتكون فيه.
فسألها:
- هناك شيء ما ، أليس كذلك؟ فهل مازال برت يراوغك؟.
ضحكت بمرارة وقالت:
- لا مجال عنده لأكثر من ذلك، فأنا مسافرة ايضاً وسأستقل طائرة الثالثة الى سان جوان.
- هل هو الذي طلب منك الرحيل؟.
- لا، لقد وفرت عليه قول ذلك.
---------------------------------
تغيرت نبرة ريتشارد عندما قال:
- وهل ذلك بسببي أنا؟.
- لا، ابداً ، انسى الأمر ياريتشارد لأنه لا يستحق منك هذا الاهتمام، اتمنى لك عيداً سعيداً وأطلب منك ان تنتبه لنفسك.
اعادت السماعة الى مكانها قبل ان يتمكن بأن يضيف شيئاً على كلامها، لأنها اعتقدت بأنه لا يوجد شيء يمكن إضافته، وهمها الوحيد هو ان تجد لنفسها وظيفة في السنة الجديدة القادمة.
جاءت سيارة الاجرة في الساعة الثانية لتنقلها الى المطار، فصعدت اليها واخذت تودع المناظر التي احبتها واعجبت بها وهي تشعر بالأسف لمفارقتها، وبالرغم من ازدحام السير تمكنت من الوصول بعد عشرين دقيقة وصعدت الى الطائرة، وكان مقعدها الى الشباك لكنها اغمضت عينيها رافضة ان تنظر نظرة اخيرة الى الجزيرة وكأنها تقفل الستارة على نهاية بائسة لقصتها.
وصلت الى مطار سان جوان وبقيت تنتظر في المقهى اكثر من ساعة ليحين موعد اقلاع طائرتها الى نيويورك وكان المقهى يزدحم بالمسافرين الذين ينتظرن مثلها موعد اقلاع طائراتهم.
وبينما كانت تتأمل في كل ذلك الازدحام جاءها صوت برت قائلاً بهدوء:
- لقد بدأت اعتقد بأنك سافرت.
التفتت الى ناحية الصوت لتجد امامها صورة وجه الرجل الذي احبته فشعرت بقلبها يخفق بشدة لدرجة يريد ان يهشم ضلوع صدرها.
فسألته بخشونة:
- ماالذي تفعله هنا؟.
اجابها برت:
- جئت ابحث عنك واعيدك الي، وكذلك لأقدم اعتذاري منك على الطريقة الجافة التي واجهتك بها، ذلك لأنني لم اكن افكر بوضوح حينها.
- وهل تفكر الآن بوضوح ؟.
- نعم, ولكن ببعض المساعدة من ريتشارد.
حبست أنفاسها وهي تقول:
- هل تكلمت مع ريتشارد؟.
- نعم، لكنه هو الذي ادار دفة لحديث بيننا.
ثم نظر برت بسرعة الى الرجل الذي كان يجلس مقابلاً له والذي كان يصغي باهتمام الى ماكان يدور بين برت وليزا واضاف:
- هيا نخرج من هذا المكان.
انقادت ليزا لأوامر برت وقامت عن الكرسي بطريقة آلية لترافقه الى باب الخروج، كانت في حالة منعتها من ان تصدق مايجري حولها وعندما اصبحا خارجاً قال لها برت لينشلها مما هي فيه:
-احبك، احبك ياليزا.
فهمست:
- هل تثق بي؟ هل صدقت بأنه لم يكن هناك من شيء بيني وبين ريتشارد؟.
- نعم، وسامحيني اذا كانت الغيرة قد اعمت بصيرتي ، خاصة عندما ابلغني غاري بأنك اجتمعت مع ريتشارد بعد اضطراري لذلك السفر المفاجئ مباشرة، اردت ان اجعلك تتألمين كما جعلتني أتالم، ولم اهدأ إلا عندما واجهني ريتشارد بالحقيقة كلها لأدرك كم انني تصرفت بغباء تجاهك.
فنظرت ليزا في عينيه الرماديتين وقالت بشك:
- لكن بالنسبة لاندريا...
اجابها برت:
- لقد قلت لك الحقيقة في هذا الخصوص، فلم يكن أي كلام بيني وبينها بخصوص الزواج.
-----------------------------------
- لكن كان يربطكما شيء ببعض، أليس كذلك؟.
- كل الذي يمكنني قوله انني انقطعت عن رؤيتها منذ ان رأيتك للمرة الأولى.
تنهدت بارتياح وقالت:
- يسعدني ان اسمع ذلك منك.
- لن اعرف بعد اليوم سواك ويجب ان نبنى زواجنا على اساس الثقة المتبادلة بيننا كي يشعر اولادنا بأنهم بأمان بين والديهم.
وهكذا تعاهد كل منهما على الصدق والوفاء وكذلك على الثقة المتبادلة كي يعمر بيتهما الزوجي الى الأبد.

🎉 لقد انتهيت من قراءة الفترة التجريبية 🎉
الفترة التجريبيةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن