6

3.6K 84 1
                                    

الفصل السادس
كان طاقم المركب يتألف من ثلاثة اشخاص، فماكان على صاحبه برت سوى ان يقوم بدور المضيف اللبق تجاه ضيوفه الركاب وبعد أن ابتعد المركب عن الميناء وسار في عرض البحر، أخذ برت ينتقل بين الركاب مرحباً بهم ، وكان يبدو انه على معرفة وثيقة ببعضهم.
ضبطت ليزا اعصابها لكي تنظر اليه بثبات عندما اقترب منها ولم تبد عليه أية علامات من الدهشة عندما رآها جالسة على احد المقاعد الخشبية لسطح المركب.
وبادرها فجأة بالسؤال:
- هل سبق لك ومارست رياضة الغطس تحت الماء؟.
أجابت بصدق:
- لا، ابداً ، لكنني مصممة على ان اجربها.
فقال وهو يبتسم ابتسامة باردة:
- اذا تمسكت بقوانينها وأنظمتها فلن تواجهي اية صعوبة تذكر ، على كل اعتقد ان ريتشارد سيخبرك عنها وسيساعدك.
دخل ريتشارد في الحديث عند ذلك وقال:
- لم أقم بممارسة هذا النوع من الرياضة سوى مرة واحدة، فمن الافضل ان تتولى أنت مساعدتها في ذلك لأنك تملك خبرة واسعة في هذا المجال.
اجابت ليزا على الفور:
- او اي شخص آخر لديه خبرة فأنا اعتقد بأن السيد ساندرسون لديه مشاريع اخرى للقيام بها أهم من ان يعلم مبتدئة مثلي.
لمعت عينا برت بطريقة لم تتوقعها عندما قال:
- لا ، بل على العكس ، فأنا أعتبر نفسي مسؤولاً عن كل شخص موجود على متن هذا المركب حتى يعرف ويدرك جيداً ماعليه ان يفعله، سنتوقف للمرة الاولى بعد قليل وساراك عند ذلك.
انتظر ريتشارد الى ان ابتعد برت عنهما ثم قال بلطف:
- اذا كنت تحاولين إثارة غضبه، فأعترف بأنك نجحت في ذلك، اذ لا توجد امرأة تنادي الرجل الذي سبق وقبلها بالسيد، دون أن تخشي منه الثأر والانتقام.
أجابت ليزا:
- انه رئيس عملي ، فماعساني أناديه بغير ذلك؟
فقال بنبرة عتب:
- لا تتغابي امامي فأنت تعلمين جيداً ماذا أعني فكل الذي جرى بينكما انتما الاثنان يبدو انه انقطع مخلفاً لكما الألم.
ابتسمت ليزا ابتسامة واهية وقالت:
- ربما كان كذلك بالنسبة الي ولكنه ليس بالنسبة اليه.
- لاتكوني واثقة من نفسك الى هذه الدرجة، فلقد شعرت بنظراته المتلهفة والمحببة اليك.
فكرت ليزا بينها وبين نفسها بأن نظرات برت المتلهفة اليها او كما تصورها ريتشارد ، لم تكن سوى محاولة متعمدة منه لاثارة اعصابها واستفزازها ، لكنها وفي الوقت نفسه صعب عليها أن تظهر امامه بطريقة غير مبالية أو بمعنى آخر ان تتصرف معه ببرود وكأنه لا يعني لها شيئاً،لأن حضوره كان يوقظ احاسيسها في كل مرة فكيف سيكون نهارها الطويل معه ياترى؟
-------------------------
لاحظت والمركب يشق المياه بسرعة بأن هناك جزر كثيرة كيفما اتجهت بنظرها ، كان بعضها صخري وبعضها الآخر اخضر بأعشابه.
فعلقت قائلة لريتشارد:
- لقد فهمت الآن لماذا الابحار رياضة اكثر شعبية من غيرها، وعلى الأخص في اقليم مثل هذا.
ثم رفعت عينيها لتنظر الى أشرعة المركب البيضاء تداعبها الرياح وتابعت تقول:
-انني لم أقم بمثل هذه الرحلة من قبل.
سألها بخبث:
- وهل أنت مسرورة لمجيئك بالرغم من كل شيء؟.
ضحكت بمرارة وقالت:
- يمكنك أن تقول ذلك.
ثم اخذت تبحث بنظراتها عن برت فوجدته يجلس بين جماعة الركاب وقد بدا عليه الارتياح والانسجام وكانت اندريا تجلس قريبة منه.
توقف المركب قرب جزيرة صغيرة ، ثم وزعت عدة الغطس على الركاب دون استثناء فقال لها ريتشارد:
- اعتقد أنه من الافضل لك ان تبقي مرتدية قميصك حتى لا تحرق اشعة الشمس ظهرك.
تقبلت ليزا نصيحته لها بامتنان وقد لاحظت بأن بعض الركاب كذلك لم ينزعوا عنهم قمصانهم القطنية وعندما انتعلت حذاء السباحة وجدت صعوبة شديدة في الوقوف فقالت ضاحكة:
- أشعر وكأنني طائر البطريق المائي ، فكيف سيكون بي الحال وأنا اسبح فيها في البحر؟.
جاء برت في تلك اللحظة وسمع آخر ماقالته فقال:
- ستتعلمين كل شيء خطوة بخطوة، انما هل جربت القناع المائي على وجهك؟
نفت ليزا باشارة من رأسها دون أن تكلف نفسها بالاجابة على سؤاله ، ثم نظرت اليه بدهشة عندما تناول القناع المائي من يدها ليضعه على وجهها، شعرت عندما أدخلت الصمام المطاطي في فمها أن شكلها يبدو غريباً ومضحكاً الآن وقاومت رغبتها الشديدة في نزعه عن وجهها، لأنها صممت ان تتدرب على هذا النوع من الرياضة حتى ولوكلف الأمر حياتها!
قال برت:
- هناك ايضاً سترات واقية في هذا المركب ان كنت تشعرين بأنك في حاجة الى حماية اقوى ، على فكرة هل تجيدين السباحة؟.
أخرجت ليزا الصمام المطاطي من فمها لتتمكن من الاجابة على سؤاله وقالت باعتداد:
-أجل، أجيد السباحة بمافيه الكفاية.
حاول ريتشارد أن يقول شيئاً ، لكنه تراجع عن ذلك ،بينما كان برت ينظر اليها بعينين ضيقتين وكأنه لا يصدق ما قالته ، ثم قال بنبرة لا تقبل جدلاً:
- ستكونين رفيقتي الآن ، اذهب ياريتشارد لمرافقة دايف ، فإذا تمكنتما مني وأظهرتما براعتكما في هذا المجال يمكنكما ان تترافقا بعد ظهر هذا اليوم.
أجاب ريتشارد بلطف:
- اتمنى ان نكون عند حسن ظنك.
ثم وجه كلامه الى ليزا وقال:
- أراك لاحقاً.
قال برت بعد ان ابتعد ريتشارد:
- انزعي القناع المائي عن وجهك وابصقي فيه، ثم دلكي زجاجة بإصبعك ، فذلك يمنع حصول طبقة ضبابية فوقه والتي تسبب في عدم الرؤية بوضوح.
----------------------------------
فعلت ليزا بما اشار عليها وكان معظم الركاب قد اصبحوا في الماء الآن.
امسك برت بيدها عندما انتهت من عملها قال بسخرية:
- سأساعدك في النزول على درجات السلم تجنباً لأي مكروه قد يحصل لك.
فقالت بعزم شديد:
- يمكنني أن أتدبر الامر بنفسي.
أفلت يدها وقال:
- عظيم ، إذا ً دعيني أراك تقومين بذلك بمفردك.
تدبرت ليزا نفسها وتمكنت ان تهبط أولى درجات السلم ، ثم وقفت قليلاً لتضع القناع المائي على وجهها ولتدخل الصمام المطاطي في فمها بعد ان اخذت نفساً عميقاً ، ثم تابعت تهبط الدرجات المتبقية الى ان اصبحت في الماء، فعلت كما فعل الآخرون، ارخت يديها الى جانبيها ومدت ساقيها باستقامة ثم أدخلت رأسها في الماء.
عندما أصبح وجهها تحت الماء وجدت عالماً مختلفاً تماماً ، عالماً رائعاً من الحركة والألوان، كان هناك اسماك زرقاء اللون واسماك مخططة بألوان متعددة، وأسماك تتغير ألوانها كلما غيرت اتجاهها، شعرت ليزا وهي تشاهد كل ذلك بايمان جديد يغمر روحها ونفسها ، لأنها لم تكن تتصور ان المخلوقات التي تعيش تحت الماء بهذه الروعة والجمال .
أخذ برت يسبح الى ان اصبح قريباً منها، ولامس ذقنها اشارة لها كي ترفع رأسها ، ثم سألها:
- هل أنت بخير؟.
اخرجت ليزا الصمام من فمها وهتفت قائلة:
- إنه عالم مدهش وغريب.
لم تستطع ان تقرأ أي شيء على ملامح وجهه حيث أنه ابقى القناع المائي ثم قال لها:
- اذا قررت الغطس تحت الماء فلا تنسي ان تنفخي في الصمام المطاطي عندما تعودين الى سطح الماء ، على كل سأسرع اليك حالاً فيما لو واجهت اية صعوبات، ولكنك تقومين بهذا العمل بطريقة ممتازة ، امامك عشر دقائق من الوقت، وبعد ذلك سنعود جميعاً الى متن المركب، انك فعلاً قمت بعمل جيد بالنسبة لتجربتك الاولى.
اجابت ليزا:
- انني لا اريد أن افسد عليك الأمور ، يمكنني حقاً الاعتماد على نفسي.
نبهها برت قائلاً:
- لا تقومي بهذا العمل بمفردك مهما كانت الظروف، فهذا أهم وأقدم قانون من قوانين هذه الرياضة، هناك دورة أخرى بعد ان نتناول طعام الغداء وسأراك عند ذلك.
انه بلا شك يمضي الوقت برفقة اندريا، فكرت ليزا بذلك بامتعاض وان الذي شاهدته في ممارستها لهذه الرياضة بأنها على خبرة واطلاع كاملين.
نادى برت بعد ذلك على الجميع بالعودة الى متن المركب وقد سبقهم اليه، ثم نزع القناع المائي وحذاء السباحة وأخذ ينظر إليها تصعد سلم المركب بصعوبة.
أشار لها قائلاً:
- انزعي حذاء السباحة ارميهما الى ناحيتي لتتمكني من صعود السلم بسهولة.
فعلت ليزا ماطلبه منها وامسكت بيدها بالسلم وبيدها الأخرى نزعت الحذاء ورمت به الى ناحية برت وتمكنت من الصعود بسهولة وبسرعة.
-----------------------------------
كان الجميع مايزالون بالماء ومن بينهم اندريا التي شاهدت ليزا تقف قريباً من برت فبان الغضب والانزعاج جلياً على وجهها ونادت:
- برت، ألن تعود الى الماء؟.
ابتسم برت لها وتناول من جديد عدة الغطس قائلاً لليزا:
- استريحي الآن لتتمكني من ممارسة هذه الرياضة بنشاط اكبر بعد ظهر هذا اليوم ، كما وأننا سنتناول طعام الغداء بعد ظهر هذا اليوم، كما وأننا سنتناول طعام الغداء بعد نصف ساعة من الآن.
كان تناول الطعام آخر ماتفكر به ليزا في هذا الوقت اخذت تراقبه وهو يلحق باندريا على عجلة ، فمن الواضح انه ماعلى تلك السمراء سوى أن تشير له باصبعها ليصبح رهن اشارتها.
أخذ الجميع بعد ذلك يعودون الى المركب تلو الآخر، ثم جاءت احدى السيدات اللواتي قامت ليزا بمعالجتهن عدة مرات لتجلس الى جانبها قائلة:
- أليس مانقوم به أمر رائع؟ ان برت يعرف جيداً كيف يكرم زبائنه! انني أقضي مثل هذه الاسابيع الجميلة في فندق رويال منذ ثلاث سنوات، أي منذ أن أعيد افتتاحه ولكنني لم اصادفه سوى هذه المرة ، لأنه وكما سمعت، لايأتي الى هذه الانحاء سوى في عيد السنة الجديدة، هل تعلمين اذا كان ينوي أن يمضي العيد هنا هذه السنة؟.
أجابت ليزا بنبرة طبيعية:
- لا، ومن أين لي أن أعرف ، على كل حال لم لا تسأليه بنفسك؟.
- هذا فعلاً ماسأقوم به، فلقد وعدت بعض الاصدقاء أن نمضي العيد سوية في باربادوس، ولكنهم اضطروا ولظروف خاصة ان يلغوا الموعد فلهذا السبب قد أبقى هنا.
كانت السيدة التي تتحدث مع ليزا، هي نفس السيدة التي قال عنها ريتشارد انها تفتش عن زوج جديد لها، فإذا كانت تخطط لتفوز ببرت ، فآمالها ستخيب مرة أخرى، خاصة وأنها تجاوزت الخامسة والأربعين من عمرها.
كانت غرفة الطعام في المركب تحوي على أنواع متعددة ومختلفة من أصناف الطعام كذلك انواع العصير الكثيرة وكعادتها اختارت عصير البرتقال المفضل لديها.
التقت بريتشارد الذي قال لها:
- سينطلق بنا المركب الى مكان آخر لنقوم بالغطس من جديد وذلك لن يكون قبل ساعة من الآن.
انضم برت اليهما فأسرعت تلك السيدة لتسأله بلهفة:
- هل ستمضي فترة العيد هنا يابرت؟.
اجاب بهدوء:
- ربما، وذلك يعتمد على تسيير اموري.
اعماله ام أموره مع ادريا؟
تسألت ليزا بينها وبين نفسها، هل يعني بذلك تسيير اعماله ام اموره مع اندريا؟وشعرت فجأة بألم حاد يقبض على صدرها.
انطلق المركب من جديد في الساعة الواحدة وأخذ يشق المياه لمدة ساعة أو اكثر بقليل من الوقت الى أن رسى في خليج صغير لاحدى الجزر فقرر البعض ان يتخلوا عن فكرة الغطس من اجل جمع الأصداف الفريدة من على ذلك الشاطئ، والبعض الآخر قرر الاسترخاء تحت أشجار النخيل الظليلة في تلك الجزيرة لكن ليزا كانت ترغب أن ترافق ريتشارد لتمارس الغطس تكملة لما بدأته صباح اليوم والذي باتت متشوقة للقيام به مرة أخرى.
----------------------------
غطست ليزا تحت الماء وقد شعرت بأن هذا الأمر قد اصبح أسهل عليها من الصباح وكان الباقون من الذين قرروا الغطس قد بقوا قريبين من بعضهم كماهو النظام لهذه الرياضة، لكن الظاهر أن ليزا قد نسيت هذا المبدأ لروعة ما كانت تشاهده تحت الماء من أنواع كثيرة وغريبة من الأسماك وأخذت تسبح وتسبح الى أن وجدت نفسها قد اصبحت قريبة من الشاطئ الرملي للجزيرة وارتاعت عندما وجدت ان المكان قد خلا من الجماعة الذين كانوا يرافقونها وان المركب قد أقلع دونها ولكنها أدركت بعد ان هدأت من نفسها قليلاً بأنها قد سبحت حول الجزيرة والى شاطئ آخر منها.
شعرت بالتعب الشديد وأنها غير قادرة لتسبح الى حيث يرسو المركب وكانت قدماها ترتجفان من الخوف ، لقد أنبت نفسها على هذا العمل الغبي الذي قامت به، وقررت ان ترتاح قليلاً ، فكرت بما أنها تمكنت من السباحة في هذا المكان، انه يمكنها ومن دون اي صعوبة أن تعود الى حيث يرسو المركب فالواضح ان المسافة ليست طويلة وقد ادركت ذلك من الوقت الذي استغرقته لتصل الى هذا الجزء من الجزيرة.
تمددت فوق الرمل الناعم وأغمضت عينيها مستسلمة لأشعة الشمس الدافئة، ولم تقطن لوجود شخص آخر في هذا المكان إلا عندما ظللها كلياً وحجب عنها أِشعة الشمس.
كان صاحب تلك الظلال برت وقد بدا متجهماً عابس الوجه، قال بنبرة ساخطة:
- ماالذي تنوين القيام به؟.
فوجئت بوجود برت الى جانبها وتعثرت وهي تحاول النهوض ، ثم قالت بارتباك شديد:
- لقد قمت بعمل غبي، أعرف ذلك ولكن..
- لا، بل عمل أحمق ، لا تقوم به سوى القليلات النضج والتفكير السليم ، فلو لم أشاهدك تتوجهين الى هذا المكان لاعتقدنا جميعنا انك علقت في مكان ولا يمكنك العودة الينا.
اعتذرت ليزا لتصرفها ، فهي لا تريد ان تتجادل معه في هذا الأمر وقالت:
- آسفة، لقد أخذت بنوع من السمك ولحقت به ولم أفكر بأنني بذلك سأبتعد عنكم ، على كل فأنا جاهزة للعودة الآن.
اجاب بنبرة آمرة:
- بل ستبقين حيث أنت إلى أن آذن لك بذلك فأنا لست مستعداً كي أسحبك بنفسي الى الجهة الأخرى من هذه الجزيرة .
لمعت عيناها بغضب شديد وقالت:
- ومن قال لك بأنني سأسمح لك بذلك !لأنني سرعان ماسأقوم بذلك بنفسي دون مساعدتك!.
- صحيح ؟ إذاً تفضلي واثبتي لي صحة كلامك.
ثم ضمها الى صدره ليهدئ من نفسها ويطيب خاطرها:
- حاولي أن تقولي الآن بأنك لست بحاجة إلي وانك لا تريدينني ياليزا!
فكرت ليزا بأنها لا تثق به ، ولكنه يحاول أن يقوم بشيء لغاية في نفسه، أجابت والألم يعصر قلبها:
- في الحقيقة أنا لست محصنة كلياً امام جاذبيتك وسحرك ولكن وبالرغم من كل ذلك، فأنا مازلت على موقفي وجوابي لك هو ، لا وانني أعني ذلك بكل ما للكلمة من معنى!.
قال بخشونة:
- بالطريقة التي رفضتني بها ليلة البارحة؟ تعلمين بأنه كل بامكاني أن اجبرك على ذلك.
فواجهته بتحد:
- إذاً كان بامكانك ان تحاول ذلك ، خاصة وانك لن تجد فرصة أخرى شبيهة بها! سأدعك ترى نجوم الظهر قبل أن أرضي غرورك وأطماعك بي!
-----------------------------------
نظر اليها نظرة شرسة وقال:
- لا تستفزيني اكثر من ذلك، فقد افقد السيطرة على نفسي وأقوم بعمل قد لا يرضيك!.
اجابت وكأنها لا تبالي بتهديده :
- حقاً ؟ وهل تعلم ماذا قد يكون شعوري تجاهك عند ذلك؟
تعلقت عيناه بعيناها وسألها:
- لا، ولكن هلا تواضعت وقلت لي ماهو؟.
اجابته بصوت يرتجف غضباً:
- بأنني ساكرهك كرهاً شديداً وسأجدك اكثر الناس حقارة وخساسة!.
قال بنبرة باردة:
- لكنك ورغم كل ذلك ، تريدينني منذ اسبوعين ، اسمعي الآن، اريدك ان تمضي يوم غد برفقتي.
اجابت ليزا:
- لا! اعتقد بأن ذلك سيحدث.
سألها:
- وماالذي تخشينه؟.
ارادت أن تقول له بأنني أخشى أن تسبب لي الألم والأذى، ولكنها قالت بدلاً عن ذلك:
- الذي اخشاه هو انني لا أريد ولا أرغب لنفسي أن ينظر الي نظرات ذات معنى امام زملائي في الفندق ، فيما لو اردت ان احتفظ بوظيفتي.
أجابها برت:
- ألم تفهمي بعد بأنه لو لم أكن اشعر بشيء تجاهك لما وجدتني أقضي اكثر أوقاتي في الفندق، بل بقيت في بوسطن حيث عملي الآخر؟ على أي حال يجب ان تفهمي جيداً بأن مهارتك بعملك لا علاقة لها بمجيئك او عدم مجيئك الي.
نظرت اليه دون ان يطرف لها جفن وقالت:
-في هذه الحالة، لماذا تتركني على هذا الحال من القلق والترقب خاصة وانني قد اثبت لك جدارتي وكسبت ثقة زبائني؟.
- لقد سبق وقلت لك بأن الفترة التجريبية مدتها ستة اسابيع وبعدها فقط سأعلمك بقراري بشأن عملك، والآن من الافضل لنا ان نعود الى حيث يرسو المركب .
أخذا يسبحان ليقطعا المسافة بين ذلك المكان والمركب وكان ريتشارد قد اصبح على سطح المركب وقد لام نفسه كثيراً لأنه جعلها تغيب عن نظره وقال لها عندما اصبحت على المركب:
- لا ادري كيف انك اختفيت وبسرعة البرق عن ناظري، فأنا ماكنت سأسامح نفسي فيما لو حصل لك أي مكروه!.
أكدت ليزا وهي تطيب خاطره:
- ان الذنب ذنبي أنا وحدي لأنني نسيت القانون الذي يحتم علي في أن ابقى الى جانبكم على كل ، لا تقلق فأنا بخير.
- اشكر حسن الصدف لأن برت شاهدك وأنت تبتعدين عنا، وإلا لما كنا عثرنا عليك بسهولة.
قال برت عند ذلك:
- من حسن الحظ انها لم تصب بأذى.
ونظر في عينيها بعمق قبل ان يبتعد عنهما، ليتركها تتمزق بشكوكها تجاهه وإلى ماكان يرمي اليه في قوله الخير.
نظرت اليها اندريا نظرة عميقة متفحصة، فبادلتها ليزا نظرة ذان مغزى وهي تبتسم لها، ثم حولت نظرها عنها بسرعة وقد ادركت ان هناك سبباً وجيهاً يمنعها من أن تقيم صداقة مع برت، فهي ليست من مستواه والتي من نوعه تماماً هي اندريا فقط.
---------------------------------------
عند عودتها الى جزيرة سان توماس، ضربتهم عاصفة مفاجئة، ادركت ليزا وللمرة الاولى، بأن البحر لا يمكن أن يتكهن له متى يكون مزاجه جيداً أو سيئاً.
بقيت ليزا مكانها على سطح المركب، بينما اسرع الآخرون الى داخله تجنباً لجنون العاصفة البحرية، ثم هطل المطر بغزارة مما سبب لها قشعريرة باردة سرت في عروقها ، انما ذلك لم يدم طويلاً، فقد هدأت العاصفة وتوقف هطول المطر.
عاد ريتشارد الى سطح السفينة وقال لها حين وجدها مبللة:
- إن العاصفة مرت بسلام، أرجو أن لا تصابي بالبرد.
لم تتوقع ليزا أن تصاب بالبرد خاصة وان الشمس عادت تشرق من جديد لتلفها بأشعتها الدافئة، وصلوا جميعاً الى ميناء سان توماس في الساعة الخامسة، لتجد ان برت يساعد اندريا في الدخول إلى سيارة حمراء من نوع الفيراري، مماجعلها تشعر بغصة في حلقها ولكنها تجاهلت ذلك وحاولت ان يبدو عليها عدم الاكتراث.
رفضت دعوة ريتشارد للعشاء في مطعم الفندق لأنها كانت تشعر بالتعب الشديد بعد تلك الرحلة البحرية طوال النهار.
ولازمت غرفتها تكتب الرسائل الى عائلتها واصدقائها تشرح اليهم عن شوقها لهم وإلى الوطن الحبيب، وأنها كانت تعتقد في مجئيها الى هذه الديار الغريبة فرصة لا تعوض، لكنها الآن وفي هذه اللحظات تمنت لو أنها لم تتعرف على غاري الذي كان السبب في مجيئها.
رن جرس الهاتف في غرفتها في اللحظة التي ألقت بنفسها على السرير وقررت في البداية ان تتجاهل رنينه المتواصل، ولكنها لم تستطع الاحتفاظ بذلك القرار طويلاً، وجاءها صوت برت عبر الأسلاك ليقول لها:
- آسف لاتصالي المتأخر وذلك لأنني وصلت في هذه اللحظة بالذات، أريد منك أن توافيني إلى منزلي غداً في الساعة الثامنة لنتناول طعام الفطور معاً، ونقرر بعد ذلك كيف سنمضي اليوم بأكمله.
أجابته ليزا:
- انك واثق جداً من نفسك.
قال بصوت رقيق:
- أرغب في أن أراك ، هل كنت تعتقدين حقاً بأنني سأكف عن ملاحقتك وبهذه السهولة؟.
قالت ودون تفكير:
- وماذا بخصوص اندريا؟.
أجابها بلطف:
- انني لا أعتبر نفسي مسؤولاً عنها، انما الذي أطلبه منك هو المجيء إلي.
وتوقف عن الكلام ليسمع جوابها ولما لن تفعل تابع يقول:
- سأعتبر صمتك موافقة على طلبي، فلا تخيبي آمالي.
أعادت ليزا سماعة الهاتف إلى مكانها وبقيت مستيقظة في الظلام متسائلة عما قد يفعله ان لم تذهب إليه غداً، فما قد تكون ردة فعله تجاهها ، انها لا تدري.
----------------------

الفترة التجريبيةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن