وفعلا انتقلت سميحة وامها وإبنتها الصغيرة(دجلة)الى مدينة ثانية حتى تكون قريبة من بيت خالتها الكبيرة بالعمر(أم مازن) المريض على كرسي متحرك.ومرت السنوات الثلاثة الاولى وحدثت خلالها الكثير من الاحداث,حيث تزوج طارق من ابنة عمه(سعاد)وظل محافظا على كلمة ابيه ان لا يفكر بسميحة او يعيدها الى ذمته بأي شكل من الاشكال.أما سميحة فبقيت مع امها وابنتها(دجلة)في بيت صغير استأجره طارق لهم وكان يرسل لهم كل شهر مبلغ من المال مصاريف لأبنته .
صار عمر(دجلة)اربع سنوات.وخلال هذه الفترة مرضت فوزية ام سميحة وانتقلت الى رحمة الله وكان من أوائل المشاركين في جنازتها هو الحاج بركات وابنائه ومعهم أم مشتاق التي كانت تربطها بسميحة علاقة طيبة ..عانت سميحة من الوحدة القاتلة بعد وفاة امها وقررت ان تنتقل لبيت خالتها وان تعيش معهم..لم تعترض خالتها خصوصا ان البيت فارغ الا منها ومن ابنها مازن , المقعد على كرسي متحرك.. وبسبب صعوبة ان تعيش سميحة في بيت به شاب مثل مازن قررت خالتها ان تزوّجهم وان تعيش سميحة في البيت زوجة لـ(مازن).وفعلا وافقت سميحة ان ترتبط بأبن خالتها وعاشت معهم في بيتهم الصغير وهو عبارة عن شقة من غرفتين وصالة ومطبخ في إحدى المناطق الفقيرة ,وبعد زواج سميحة ثار الحاج بركات وقرر ان ياخذ(دجلة) كي تعيش مع ابيها وزوجته التي كانت ترفض دجلة ولا ترحب بوجودها ..لكن سميحة ذهبت بنفسها لبيت الحاج بركات وتوسلته الا يحرمها من ابنتها خصوصا ان سميحة يتيمة وان دجلة هي كل ما بقي لديها في الدنيا ولأن زوجها انسان
مريض واحتمالية ان يكون لديهم اطفال هو احتمال ضعيف وبكت سميحة بحرقة وقهر وهي تحتضن ابنتها الوحيدة وبعد التوسل والحاح أم طالب التي كانت تبكي مع سميحة وتعرف ان(الضنا غالي وفراقه صعب)..اخيرا وإكراما لذكرى(فوزية ام سميحة) وافق الحاج بركات مع اخذ العهود عليها ان تزورهم دجلة في اي وقت يختاروه وان تقضي معهم العطل والاعياد ..وبعد زواج سميحة ولصعوبة ان يذهب بمفرده لبيت سميحة من اجل دجلة كان طارق يحضر معه(مشتاق)ابن اخيه طالب حتى يكون الواسطة بينه وبين سميحة وفعلا كان مشتاق يطرق الباب وينزل ومعه بنت عمه دجلة بينما عمه طارق يكون في انتظارهم في السيارة..
وبعد سنة من زواجها شاء الله ان يرزق سميحة ببنت ثانية من زوجها مازن وقررت ان تسميها دنيا وصارت سميحة ام لــ (دجلة و دنيا) ..مرت السنوات الاولى من عمر دجلة وكانت سعيدة بحياتها مع امها وزوج امها الطيب ومع اختها دنيا..وكانت لا تفهم لمَ هي من دون الناس لديها (ابوين اثنين) ,
على اعتبار انها تنادي زوج امها (بابا)بينما كانت تنادي ابوها الحقيقي(بابا طارق)وعندما كانت تذهب مع ابيها طارق الى بيت جدها أو بيت عمها طالب وعماتها كانت تندهش من الاشياء الموجودة في بيوتهم ومن طريقة حياتهم المرفهة..وكان طارق يحاول تعويّضها بالاشياء التي يشتريها لها في كل مرة يأخذها معه..لكن بالتأكيد هناك اشياء لا تُشترى بأموال الدنيا وهذا الشي لا احد يمكن ان يشعر به سوى دجلة نفسها. كبرت دجلة وصارت تفهم الفرق بين حياتها مع امها وحياتها مع ابيها..وصارت حسّاسة اكثر خصوصا عندما تكون هدايا ابيها عبارة عن قطع ذهبية غالية او ملابس ماركة عالمية وكانت دجلة تحرص الا تتباهى بما لديها أمام اختها دنيا وكانت تتمنى لو تستطيع مشاركتها كل شي لكن كانت تخشى أن تجرح شعور مازن زوج امها أو تشعره بالفقر..
اما بالنسبة لزوجة طارق(سعاد)فقد تأخرت كثيرا بالحمل واضطرت لإجراء اكثر من عملية طفل انابيب وكانت هذه العمليات تكلف طارق الكثير الكثير ..وفعلا بعد فترة طويلة شاء الله ورزقهم ب(نجلاء)وبعد سنوات صار لدجلة اخ وحيد وهو ( زيدون),.
وبسبب ظروف الحياة الغالية قررت سميحة ان تعمل خيّاطة بالأجرة وفعلا بدأت سميحة بالخياطة للجيران وصارت معروفة بعملها المرتب شيئا فشيئا..وكانوا بناتها دجلة ودنيا يساعدوها بالخياطة وتحسنت حالتهم المادية عن ذي قبل وصارت دجلة ذوّاقة بأختيار الاقمشة والملابس الحلوة.
فلنبحر مع دجلة التي كبرت الآن ونغوص في اعماق قلبها..دجلة كانت ولا زالت انسانة حسّاسة وكانت تشعر بالفرق بينها وبين اقاربها الذين كانوا ينعمون بخير جدها بركات..وكانت تدرك بأنها منبوذة وكأنهم يحاسبونها لأنها وُلِدت في الوقت غير المناسب او من المرأة غير المناسبة وحتى من هم في سنها كانو ينظرون لها بدونية ما عدا بنات عمها طالب والتي كانت تربطها بهم علاقة صداقة والسبب ان دجلة كانت تتفوق عليهم في الدروس ولهذا استعانت بها زوجة عمها في تشجيع بناتها على الدراسة وشيئا فشيئا تحولت تلك المصلحة الى علاقة وثيقة...وكانت دجلة لا تزال تشعر بكره عمتها(عفاف)لها وكأنها تُحمّل دجلة ذنب زواج طارق من سميحة..او كأنها المسؤولة عن اول مشكلة لـ(عفاف) في حياتها الزوجية مع ابن عمها(عناد) ..فـ(دجلة) في نظرهم تبقى (ابنة الخادمة) مهما علا شأنها وطبعا لا أحد يتشرف (حسب وجهة نظرهم)ان تكون له صلة بها من قريب او بعيد ..وحتى عندما تكون بينهم كانت تشعر بأنها هناك تلتقط الصدقات وما يجودون به عليها من هدايا ثمينة يفوق ما تحلم به.. ربما كانت تفرح بكل ما تحصل عليه عندما كانت صغيرة لكنها ومنذ وعيها لهذه الحقيقة اصبحت ترفض ان تأخذ اي مبلغ او اي هدية بمناسبة او دون مناسبة من اي شخص ينتسب لعائلة بركات حتى لو كان هذا الشخص والدها..
دجلة اكتسبت من آل بركات الأنفة وقوة الشخصية والعناد..واكتسبت من أمها الطيبة والجاذبية والسحر الذي مزج الدم العراقي بالفلسطيني .
أنت تقرأ
مشتاق وبساتين دجلة
Short Storyانا دجلة. لم أخذ منها سوى عمق اسمها وفيضان مائها انا الولهان للماي ودجلة عذب ماياها