الفصل الأول.

9K 695 190
                                    


الجميع مُتزاحم، أصوات إرتطام أحذية المارة على الأرض و أصوات تهامُسهم. بعض النظرات المُترقبة من الجميع لتلك الفتاة التي إعتادت أن تكون أسفل أضواء الشُهرة و وَميض الكاميرات، أصبحت عادية إلى أبعد الحدود -و لطالما كانت-.

كانت مُمسكة بباقة من الورود الحمراء التي لطالما أحبَّها أكثر مما إدعى هو أنه يُحبها كَصديقة و أخت. ترتدي ملابس أنيقة بعض الشيء لكنها بسيطة بالوقت ذاته. مُجرد فُستان مُزركش بالألوان الربيعية الزاهية، شعرها مُنسدلًا على كتفيها بحُرية.

نظارتها الطبية تقبع على مؤخرة جِسر أنفها بِثبات. تنظر حولها والحماس يعتريها و لا تكُف عن الإبتسام كالبلهاء، هي فقط سعيدة جدًا أنها ستراه بعد كُل هذه المُدة.

تغيُبه عن ناظريها يؤلم قلبها بالرغم من أنها إعتادت على ذلك الألم .. تتنهد بعُمق قبل أن تسير ببعض خيبة الأمل على إحدى المقاعد بالمحطة.

لا تزال نظرات الناس تخترقها، و لا تزال هي غير آبهة.

صوت صافِرة القطار الشهيرة تتردد بمسامعها و كان الصوت بعيدًا، فهرعت لتنظُر بساعة يدها لتجد أنها التاسِعة و النصف بالضبط، ميعاد وصول قِطاره.

إندفعت لتنهض واقفةً من مكانها، سارت بعض الشيء لتتقدم إلى الأمام مُنتظرة قدوم القِطار.
صورته بدت لها من على بُعدٍ، فإتسعت إبتسامتها أكثر لتنظُر بِحماس ناحية القِطار.

يتزاحم البعض و يبدأ بالتردد على أطراف الرصيف كما فعلت هي، مُنتظرين ذويهم للقدوم.

تنطلق صافرة القِطار من جديد، ليبدأ بالإقتراب أكثر و تهُب الرياح بقوة هذه المرة كافية لجعل شعرها يتطاير للخلف بإنسيابية بينما عيناها مُثبتتانِ على القِطار المُقترب.

بعض الأفكار البغيضة بدأت بإحتلال رأسها لتُفسد عليها أجواء حماسها، إنقبض صدرها فجأةً و تذكرت أن ما تفعله يذهب هباءًا بالنهاية و هو يتجاهلها كَكُل مرة.

بدأ القِطار يُبطيء، و الكثير من الأشخاص هذه المرة بدأوا بالتزاحُم .. تطرد تلك الأفكار بشكلٍ فوري لأن رجُلها -كما تقول- قد وصل، و لا يجب أن تعبس بوجهه.

أحكمت قبضتها أكثر حول باقة الورود أكثر، تكاد تقفز من مكانها بسبب حماسها الزائد .. يصدر صوت المُحرك دليلًا على توقف القِطار، تُفتَح أبوابه و يبدأ الرُكاب بالتدافُع خارجًا.

تتمكن من رؤية مدى إشتياق الأهل لذلك الجندي الذي ذهب لتدريبه، و إلى ذلك العامل الذي ذهب للمدينة للبحث عن عملٍ، و إلى الأب المُغترب و الكثير الكثير..

لا تزال صامدة إبتسامتها على وجهها مُنتظرة نزوله و ظهوره، مرَّت دقائق قبل أن ترى إبتسامته التي تُفضلها من بين إبتسامات البشر أجمعين، طلته و أناقته و مشيته الواثقة ..

إندفعت نحوه حالما نزل من القِطار، لكن ما أفسد الأمر حقًا هو تلك الفتاة الأخرى التي بدا مُنخرطًا جدًا بحديثهِ معها.

لم تُظهِر إهتمامها بها، و أخيرًا تمكن هو من مُلاحظتها و تلاقت أعيُنهما.

"أهلًا بعودتك" تخرج من فِيها -فمها- بحنين و شوقٍ واضحين، تُقدم له باقة الورود بشغفٍ ملحوظ، فإبتسم بِرضا و كاد قلبها أن يقفز من بين ضلوعها فرحًا.

"شُكرًا لكِ صديقتي العزيزة" يعرف أن هذا المُسمى يستفزها، لذا فهو يُلح بقوله.

تجاهلت جفاءه -كما تفعل دائمًا- ، ألقت بنظرها على تلك الفتاة بنظرة عادية و إبتسامة صغيرة، "أهلًا بِك"

"أهلًا" تقولها الفتاة بهدوء، و لا يزال صدر بطلتُنا مُنقبضًا، فتستنتج أن هناك أمرًا سيحصُل لا محالة.

"هي زميلتي بالعمل و تقطُن مثلنا هنا" يوضح ببعض الإستفزاز الذي وحدها يُمكنها أن تُلاحظه.

تساورها الشكوك، لكنها تهرب منها بتعلُقِها بحِبال آمالها الذابلة، فقط لأجل حُبِه.

مِن مَنظور قُبعة !حيث تعيش القصص. اكتشف الآن