الفصل الرابع.

3K 542 122
                                    

تلمس القُبعة بتردد و ريبة، تُديرها لتتمعن بالنظر بها.

سمعت قهقهات عالية فألقت بالقُبعة على سريرها لا إردايًا لتنتفض و لا تزال تُحدِّق بها.

"لا تهرعي هكذا، فأنا سأكون صديقتكِ إن لم تُمانعي طبعًا و ستعتادين على أن ذلك اللمس يُدغدغني" تُخبرها القُبعة بمرح.

جلست ڤيرلي بجانب القُبعة و لم تُزِح عينيها من عليها بعد، و بعد ثواني لاحظت أن القُبعة لها ملامح! توسعت عينيها بتعجُب و دهشة لترى كيف تظهر عينيها و يظهر فمها عن طريق تلك الخيوط عليها.

"إلهي، لا أصدق!" تعجبت ڤيرلي لترفع حاجبيها، و ترى إبتسامة تلك القُبعة و إنكماش عينيها.

"أنتِ تُذكرينني بصديقي السابق، كان يمتلك ملامح مُشابهة لخاصتكِ و تقريبًا خيبة الأمل ذاتها" تُحدثها القُبعة بجدية تامة بينما هي تنظر بعينيها مُباشرةً.

تنهدت بعمقٍ شديد مُحاولة تناسي الأمر، "ألديكِ اسم؟ و من هو صديقكِ هذا؟" إعتدلت بجلستها ناظرةً إليها بإهتمام.

"أُدعى تي. أنا مُجرد قُبعة متواضعة ترغب بمساعدة الشُبان اليافعين أمثالك .. صديقي السابق كان مثلك تمامًا، منذ أول مرة رأيته بها كانت خيبة الأمل مُستوطِنة عينيه، و كانت أول مرة تلك بوقتٍ مُتأخر أيضًا، و حقًا هو يُشبهك!"

همهمت ڤيرلي بإهتمام و هي توميء برأسها، "هذا مُثير للإهتمام حقًا! فلتُخبريني إذًا يا تي، من أين جئتِ؟ أعني، ما هو منشأكِ؟ و هل هُناك قُبعات مثلكِ؟"

"لا أذكر من صنعني أو أين كان منشأي، لكن ما أتذكره حقًا هو تواجدي من فترة كبيرة دون أدنى وعي لماهيتي، فأطلقت على نفسي هذا الاسم 'تي'. أما بشأن تواجد قُبعات غيري فأنا لا أعرف .. لم أُقابل قُبعة غيري" تُجيبُها تي بشكلٍ رتيب و يبدو أنها فاقدة الحماس و الإهتمام.

"لماذا يُسيطر عليكِ الملل؟" سألتها ڤيرلي من جديد.

"لأن كُل شاب أظهر له يسألني نفس أسئلتكِ" أوضحت بمنتهى البساطة.

أومأت ڤيرلي بتفهُم، ذهبت بنظرها إلى نافذة الغرفة و أخذت تُفكر بأمر تلك القُبعة التي ظهرت لها من العدم و هي لا تعرف من صانعها و ما منشأها .. الأمر غريب جدًا، كيف لها أن تثق بقُبعة؟!

أيُمكن لتلك الأشياء التي تحدث بالروايات و القصص الخيالية أن يتحقق؟
رُبما، لكن بالنسبة لها فهذا نادرًا ما يحدُث .. لأن بعض الكُتاب يكتبون بما يرغبون به أن يحدث.

تنهدت، بينما هي لا تعرف ماذا عليها أن تفعل .. أتُلقي بها بعيدًا و تُمضي بحياتها أم تحتفظ بها لعلّها تُساعدها؟

"بماذا تُفكرين؟ أتُفكرين به؟" تسمع تي تسألها لتُخرجها من دائرة أفكارها اللامتناهية.

إكتفت بالتنهد كجواب، فَفَهِمَت القُبعة مُباشرةً ما وراء تلك التنهيدة، "أخبريني عن علاقتكما"

تشابكت أصابعها، تكونت تلك الغصة بحلقها و شعرت بوخزٍ طفيف بصدرها، هذا ما يحدث لها حالما تتحدث عنه أو تُفكر به.

"نحن كُنا جيران قبل أن نكون زُملاء بمدرسة ثانوية واحدة، علاقتنا كانت قوية جدًا جدًا، كُنا مِثال للجميع على أن الصداقة بين الفتى و الفتاة يمكن ألّا تكون مبنيَّة على حُب من طرف واحد. لكن سُرعان ما تحطم ذلك المثال عندما بدأت مشاعري تجاهه تنقلب ضدّ ظنون الجميع حتى نحن، أنا أحببته بعد دخوله الجامعة بسنة أو سنتين، كان يذهب للمدينة بجامعة داخلية و ربما تغيُبَه عني كان سببًا بنمو تلك المشاعر .. و أيضًا كان سببًا لنشر كتابي الأول الذي حقق مبيعات جيدة جدًا، و من ثمَّ إنخرطت بالأمر و نشرت كُتب أخرى و وصلت لمكانة رائعة و أصبحت حالة أسرتي المادية جيدة جدًا .."

أعادت نظرها لتي لتتأكد إن كانت مُنصتة، و هي كانت كذلك بالفعل، فأكمَلَت، "إعترفت له بعد فترة قصيرة من نشر آخر كتاب لي. طريقته برفض أن أكون معه بعلاقة آلمتني كثيرًا .. ربما هذا كان السبب لإعتزالي عن الكتابة. منذ ذلك الحين عاهدت نفسي و عاهدته أن علاقتي به ستظل علاقة أي صديقين، لن أقسم محاولاتي باءت بالفشل لسنوات عديدة حتى الآن. هو حاليًا مُعجب بفتاة أخرى و يتصرف بحماقة، لذا قررت بخلق مسافة مُناسبة بيني و بينه حتى لا يسوء الأمر أكثر."

كان تذكُرها لكُل شيء و التفوه به بمثابة فيلم قصير حزين، أشعرها بالحيوية ببداية الأمر و أدماها ألمًا بنهايته.

مِن مَنظور قُبعة !حيث تعيش القصص. اكتشف الآن