الفصل الثاني.

4.5K 606 327
                                    

"ألن تُخبرني كيف إلتقيت بها؟"

تُخبره بنبرة مُرتابة مُترددة بينما هما بطريقهما إلى منزله، الشمس تطُل بخجل من خلف السُحُب لتكون آشعتها لطيفة خافتة. النسيم لطيف جدًا كنظرتها المُشتاقة لهُ.

"هي عاملة جديدة بمكتب إدارة الأعمال لدى الشركة، و بما أنني المسؤول عن هذا المكتب فبالطبع يتوجَّب عليّ إظهار لها طبيعة العمل لدينا. كانت لطيفة و مُثابرة بعملها من اليوم الأول و هذا ما لفت نظري لها و جعلني أتقرب منها أكثر"

يتحدث بحماسٍ و شوقٍ عنها، ذلك الحماس و ذلك الشوق التي لطالما أرادت هي أن تلحظهما بنبرةِ صوته و لو لمرة .. تلك اللمعة بعينيه التي تُفصح و تَفضح مشاعره التي لم يقولها قط.

إنقبض صدرها للمرة الثالثة بهذا اليوم، كانت تعرف تمامًا أن ذلك اليوم لن يمضي على ما يُرام.

إبتسمت ببعض الإنكسار و أشاحت بنظرها بعيدًا و تنهدت لتُخرِج جُل ما بصدرها من ضيقٍ. دائمًا ما يتعمد جرحها و دائمًا ما تتغاضى هي عن ذلك الأمر بالرغم من الألم الذي يجتاحها بسببه.

"ما رأيك بها؟ أعني، أخبريني كيف بدا لك مظهرهاِ و ما هو إنطباعكِ الأول عنها"

بنبرة عادية يقول و هي لا تزال تنظُر بعيدًا في محاولة باءت بالفشل لتفادي الألم.

إلتفتت إليه بعد ثواني و نظرت بعينيه مُباشرةً، "هي جيدة، تبدو هادئة و لطيفة، ليست وقحة كما الفتيات التي تعرفت عليهن سابقًا"

تنطلق ضحكة صغيرة منه تضطرها لتضحك هي الأخرى بالخفة ذاتها. هي ضحكت لمُجرد أنها كانت سببًا بضحكته هذه و لأول مرة منذ وقت طويل..جدًا.

"تعلمين أن رأيكِ يُهمني كثيرًا .. و هي تبدو أكثر من صديقة بالنسبةِ لي" يحُك أسفل رأسه مُحدقًا بها، هو على علمٍ تام بأنه يجرحها. هو يريدها أن تبتعد.

حديثه كان كالصاعقة على قلبها، شُل لسانها و توقف عقلها بثانية واحدة، الرجل الذي أحبته لسنوات و قدَّرته و حاولت إسعاده و كانت موجودة عندما كان وحيدًا كَغصن مكسور .. ذلك الرجل يملك مشاعر لفتاة أخرى.

"أتعني أنك مُعجب بها؟" تتحدث بنبرة عادية جدًا و كأنها لم تتأثر حتى و هذا ما أدهشهُ، رمش عدة مرات ليتأكد أن ردة فِعلها هذه حقيقة.

"تمامًا! لطالما تفهمين خبايا أحاديثي" يبتسم مُمررًا أصابعه بشعره حالك السواد الذي بدا لها بجمال سماء الليل.

تتمالك أعصابها بطريقة لم تتخيلها هي نفسها حتى!

"حظًا موفقًا لكُما"

تقول بإبتسامة واسعة واثقة تخفي خلفها أدمُعًا. بتِلك اللحظة، كانا يقفان أمام باب منزله و تزداد قوة الرياح، لترتطم بشعرها و بشرتها بعُنف.

"اممم ڤيرلي، يؤسفني قول أنني لن أتمكن من رعاية تلك الورود، الأفضل أن تكون بحوذتك"

بمُنتهى القسوة يقول، تلك القسوة المُختبئة خلف إبتسامته الصفراء و ملامحه المشدودة تمكنت من الشعور بها تتسلل إليها.

كسكين يُغرز بقلبها ببُطيءٍ شديد فتُسحَب روحها، كانت تعرف مضمون رسالته التي يوجهها لها من خلال تلك الجُملة.

إلتقطت الباقة منه و لا تزال إبتسامتها حاضرة، تُدير له ظهرها و تسير بخطوات واثقة إلى الأمام كابحةً أدمُعها.

"ألن تدخُلي لإحتساء بعض الشاي؟"

يصيح بنبرة مُرتفعة نسبيًا، لتصيح هي في المُقابل بنفس النبرة دون أن تستدير له، "لا، شكرًا لك"

-

في المساء بوقتٍ مُتأخر، الأحياء خاوية و لا شيء سوى صوت دقات قلبها النابض بحُزن على حُبها الضائع و سنواتها التي قضتها في اللاشيء ..

الرياح تهُب بعُنف شديد ليتطاير ذيل فُستانها و شعرها بقوة، و كأن الطبيعة تُشاركها حُزنها و ألمها.

مُمسكة بباقة الورود، لا تزال ترتدي الفُستان ذاته، أعمدة النور التي تنبعث منها أضواء خافتة تجعل الأجواء مؤلمة أكثر.

تسير بوهن تجاه أقرب سلة مُهملات، تُلقي بباقة الورود بألم لتندفع أدمُعها خارجًا و تتحرر، تتشوش رؤيتها فتسمع أحدُهم يتحدث من اللامكان، "هو لا يستحق حُبك، إمضِ قُدُمًا بدلًا من الحزن .."

مِن مَنظور قُبعة !حيث تعيش القصص. اكتشف الآن