الفصل الخامس.

2.9K 539 329
                                    

"و ما هي نيَّتكِ بخصوص هذا الأمر؟" سمعت القُبعة تسألها من جديد فتُخرجها من أجواء حُزنها و من بين حنايا ذكرياتها المؤلمة.

"أظن أنه قد حان الوقت للإبتعاد عنه، فبتلك الطريقة أنا أُدمي نفسي و لا فائدة من المزيد من المحاولات، فهو قد وجد ضالته" أجابتها بإستسلام تام و هي تحوِّل نظرها إليها.

"تُريدين الإستماع لرأيي و وجهة نظري بهذا الأمر برُمته؟" إقترحت.

"تفضلي .." تنهدت و أزاحت خصلات شعرها المتروكة بعشوائية على جبينها.

"لن أقول أن الأمر خاطيء من البداية، لكن أنتما كُنتما جيدان كأصدقاء و كما أخبرتينني كُنتما مثالًا على أن الصداقة بين الفتاة و الفتى ليس بالضروري أن تكون مبنيَّة على حُب من طرف واحد، لذا فكان يتوجَّب عليكِ الإبتعاد منذ أن رفضكِ أو رفض أن يكون معكِ بعلاقة بمعنى أدق .. لم يكن عليكِ أن تُعاهديه و تعاهدي نفسكِ أن تبقي معه طوال هذه المدة! الإبتعاد من البداية كان ليُصبح أفضل حل لكِ .."

بينما كانت مُستغرقة مُنخرطة بالتفكير بحديثها، شعرت بشيءٍ رقيق يُدغدغ أصابعها مما أجبرها على النظر ليديها فتجد خمسة خيوط رفيعة سوداء مُتشبثة بإصبع السبابة لديها. أبعدت نظرها قليلًا لتجد أن هذه هي يد القُبعة.

"لا تقلقي أنا بجانبكِ" أخبرتها بنبرة ودودة للغاية، إبتسمت بإتساع لتقفز تي بِحضنها و تُعانقها بأصابعها الخيطية الرفيعة.

"ليس لديكِ أصدقاء؟" تتساءل تي بعدما فصلت عناقهما.

"تقريبًا لا، و هذا الأمر مريح جدًا لأنني لست مُضطرة للتعرض لمشاكل الآخرين و أفكارهم، تكفيني حياتي و أفكاري الصاخبة" أجابتها ببساطة و هي ترتب شعرها.

"لكن بالتأكيد ببعض الأحيان ترغبين بأن يكون لديكِ أصدقاء، أعني أنكِ تشعرين بالوحدة!"

"مُخيلتي معي و هكذا لا أشعر بالوحدة، أن يكون المرء وحيدًا بين مجموعة من البشر هو أبشع صورة للوحدة" أوضحت فِكرتها بإصرار.

"فكري بالأمر جيدًا، مُخيلتكِ ستدوم معكِ مدى الحياة لكن ربما تتسبب بإتعاسك، لا يجب أن تحتجزي نفسكِ داخل رأسكِ"

"أدائمًا تملكين ردًا مُناسبًا لكل شيء؟ أنتِ تُبهرينني بِصراحة!" إعترفت ڤيرلي فتبدأ تي بالقهقهة.

"هذه مهمتي، أن أنصحكِ"

طرقٌ على باب منزلها الصغير إستدرجها لتخرج من غرفتها، المكان هاديء جدًا لذا فإستطاعت أن تسمع ذلك الطرق، بالإضافة إلى أن مساحة منزلها ليست بالواسعة.

وصلت للباب فَفتحته فورًا، تلك الإبتسامة التي تسببت بها تي تبدأ بالتلاشي تدريجيًا سُرعان ما وقعت عينيها عليه.

"أهلًا ڤيرلي" أخبرها بإبتسامة، و هي لا تعرف حقًا إن كانت مُزيفة أم حقيقية.

"أهلًا" ردَّت بمنتهى البرود، لم تكن هكذا أمامه أبدًا.. لم تعتد أن تُحدثه ببرود، فلطالما كان يُنير تلك الشُعلة بداخلها، لكن للأسف فقد فات الأوان و إنطفأت.

"ألن تسمحي لي بالدخول؟" يسألها بعدما تنحنح، ناظرًا بعينيها مُباشرةً و تمكن من ملاحظة إختفاء تلك اللمعة التي إعتاد على رؤيتها بكُل مرة تتحدث بها معه.

"تفضل" تُشير له ليدخُل، و تختلس النظر إلى تلك العبوة التي يحملها بيديه.

أغلقت الباب بعدما دخل، لتراه يدخل غرفتها كما إعتاد دائمًا. تنهدت، فيجلس هو على أحد الكراسي المُقابلة لسريرها و تجلس هي على الكُرسي المُقابل له.

"لقد أحضرت فطائر مُحلاة بالشوكولاتة و السُكر لنتناولها سويًا" تحدث بحماس و لطف و كأنه لم يحدث شيء باليوم السابق.

بدأ يفتح العبوة لتظهر فطيرتين، أمسك واحدة منهما و قدمها لها لكنها رفضت مُبررة بمزيد من البرود، "أعتذر، لقد تناولت بعضًا منها قبل قليل"

"حسنًا .." بخيبة أمل و إستسلام أجبها ليُعيد الفطيرة إلى العبوة من جديد و أغلقها.

بعد ثوانٍ من الصمت تحدث بأسف، "ڤيرلي أنا أعتذر عمّا بدر مني بالأمس، لم أقصد أن أضايقكِ"

"لا يهم، أنا لم أتضايق من الأساس. أنت لا تهتم لأمري، إذًا لمَ أهتم أنا؟" قالت بشكلٍ قاطع لم يعهده هو من قبل.

قهقه بصوتٍ عالٍ و لم يضع بُحسبانه أنها كانت تتحدث بهذه الجدية، فهو لم يعتد عليها كذلك و ظنّها تمزح.

"أتعرفين، تلك الفتاة التي أخبرتكِ عنها، ليلي، فاتحتني بأمر إعجابها بي و أنا حقًا سعيد جدًا!" أخبرها بمُنتهى السعادة و الإستفزاز و هو غير مُدرك كمّ الألم الذي يزرعه بداخلها و كمّ الأزهار التي تذبُل بها .. ليس مُدركًا أبدًا أن الألم يفتُك بتلك الفتاة و يأكُلها حية بينما هي تجلس أمامه بغطاء من البرود و الهدوء.

"مُبارك لكما" إبتسامة صفراء إعتلت وجهها و هي تكاد أن توسعه ضربًا و أن تصرخ بوجهه.

"شُكر..." كان على وشك شُكرها لكنها قاطعته بعدما نهضت، "أظن أنه عليك الرحيل، فأنا الآن يتوجب عليّ الخروج الآن"

"لن أعتبر أنكِ تطردينني، و لن أعتبر أنكِ باردة معي جدًا اليوم. على أي حال، شكرّا على إستضافتكِ" قال بعصبية و إنفعال و تحدي، ثم شقّ طريقه لخارج غرفتها و من ثمّ خارج المنزل بأكمله بعدما سمعته يصفع الباب خلفه بشدة.

لم تكُن أبدًا هكذا معه، لكن هذا ما يستحقه.

مِن مَنظور قُبعة !حيث تعيش القصص. اكتشف الآن