ذلك الصوت صدع بمسامعها، لتلتفت بأعيُن دامعة و تنظر حولها بإرتياب لتجد أنه لا يوجد أحد! الشوارع و الأزقة لا تزال خاوية.
"بالتأكيد أنا أهلوس!" قالت مُحدثةً نفسها بصوتٍ خافت تمامًا لترمش عدة مرات قبل أن تنظر حولها من جديد فتجد أنه لم يظهر أحدًا بعد.
خطت خطوة واحدة للأمام لكن سُرعان ما تسمرت بمكانها و عَلِقت الكلمات بحلقها عندما سمعت ذلك الصوت يتحدث من جديد، "لا تخافي أنا لستُ بشيطان أو رجل ساذج يرغب بخطفكِ .. سأُظهِر نفسي"
إبتلعت تلك الغصة المتكونة بحلقها لتشعر به يجفّ -حلقُها- و بيداها تتعرقان توتُرًا.
تنظر حولها مرة ثالثة، و لم تستطيع رؤية صاحب الصوت، فَفكرت بأن تُدَقِق النظر بالأزقة المجاورة لعلها تجده.
سلكت ذلك الزقاق الأيسر من جهتها، و ما تمكنت من رؤيته هو بعض العقارات الفقيرة و الأضواء الخافتة مُنيرة.
سمعت ضحكة خفيفة مصدرها ذلك الصوت و من ثمّ قال: "أنظري بالأسفل، عند أخمص قدماكِ"
تَعجَبَت كثيرّا فرفعت حاجبيها بشكل لا إرادي قبل أن تنظر للأسفل كما أخبرها ذلك الصوت، و إذ بها تنتفض بعيدًا عندما تجد أن هنالك قُبعة! أيُعقل أن هذا الصوت صادر منها؟
"لكِ الحق بالإندهاش، لن ألومك" سمعت الصوت ذاته من جديد، تحاول أن تُكَذِب نفسها بأن القُبعة هي المُتحدثة.
"ما هذه الخُدعة الغبية! أظهِر نفسك!" تلتف حولها بنبرة أشبه بالصياح، تنظر بالأرجاء و لا ترى أحدًا.
"آنسة، الصوت صادر مني أنا القُبعة، صدقيني!"
نظرت بإستحقار لتلك القُبعة القابعة على الأرض، سوداء اللون ذات طراز قديم و يبدو عليها أثر القِدَم، فهُنالك أثارًا للخياطة عليها.
"بالتأكيد أنا أهلوس، يجب أن آخُذ قسطًا من الراحة" تُحدث نفسها و تنطلق سريعًا، فألقت نظرة خاطفة مُتألِمة أعادت لها أحداث اليوم المشؤوم بذهنها على باقة الورود المُلقاة بخيبة أمل بسلة المُهملات.
"يا آنسة أنا غرضي المُساعدة!"
يصيح ذلك الصوت و هي لم تهتم بل سارت متوجهة إلى منزلها الذي يبعُد تقريبًا ثلاثة شوارع من هُنا. تنفست الصعداء بعمق شديد مُلقية بتلك الأحمال على صدرها بالهواء .. هي لا تعرف كيف أثّرَّ بها هو بذلك الشكل الغريب، أحبتهُ حدّ الألم و هو لم يهتم أبدًا لها بل يجعلها تتألم أكثر ليُبعدها عن حياته!
"أنا من أعطيته إهتمامًا زائدًا جعل منه رجلًا نذلًا .."
-
في اليوم التالي، تفتح عينيها ببطيء شديد لتجد نفسها مُستلقية على السرير بالفُستان ذاته، لم تُبدل ملابسها بالليلة الماضية نظرًا لإنهيارها، فحين وصولها المنزل خرَّت واقعة على السرير غارقة ببحر أدمُعها.
لازال الأمر يؤلمها، لكن بطريقةٍ ما تشعر بتحسُن عن الليلة الماضية .. ألم طفيف ينتاب رأسها لتنهض بشكلٍ هاديء من على سريرها مُتجهة ناحية خِزانتها لتنتقي ملابس مُريحة.
لم تستغرق وقتًا طويلًا بالإستحمام، كانت تشعر بالإنتعاش و الإرتياح و تحاول إبعاده عن ذهنها بأي شكل من الأشكال حتى لا يُفسد عليها صباحها.
صففت شعرها و تركته مُنسدلًا، إتجهت ناحية المطبخ لتتناول إفطارها البسيط .. بيض مخفوق و لحم مقدد و عصير بُرتقال و بعضًا من الخبز المحمص.
طرأت بذهنها السويعات الأخيرة بالليلة الماضية لتتذكر أمر تلك القُبعة الصغيرة. ربما كانت تهلوس حقًا -على حد ظنها- أو ان تلك القُبعة تحدثت معها فعلًا.
فكرت بأن تُغير روتينها اليومي، فبدلًا من أن تذهب لشراء بعض حاجيات المنزل قررت أن تذهب للزقاق ذاته حيثما وجدت القُبعة.
أنهت إفطارها سريعًا، رتبت المطبخ لتعود لغرفتها من جديد، إرتدت فُستانًا آخر كان باللون الأزرق السماوي بأكمام قصيرة.
تركت شعرها كما هو لتنطلق إلى الخارج بعدما إصطحبت حقيبة يدها الصغيرة و مفتاح المنزل.
ذهبت إلى هناك سيرًا على الأقدام، الشوارع بالصباح تكون جميلة و هادئة جدًا و أجواءها مُحتلفة تمامًا عمّا تكون بمنتصف الليل، يتشابهان بشيءٍ واحد فقط، الهدوء و السكينة.
خلال مسيرتها، لاحظت ظهور بعض الأشخاص بتلك الشوارع، فوجدت أنها لن تتمكن من محادثة ذلك الصوت -إن سمعته من جديد أصلًا- بوجود أي شخص.
وصلت للزُقاق، و لم يستغرق الأمر ثوانِ حتى تمكنت من سماعهِ -الصوت- يقول بنبرة خافتة و لحسن الحظ تمكنت من سماعها، "كنت أعرف أنكِ ستعودين"
عندما نظرت حولها، لاحظت بعض النظرات المُتعجبة و الكثير من علامات التعجب تحوم حول رؤوس المارة بسبب وقوفها هناك .. كان نظرها موجهًا لإحدى العقارات مما أثار فضول البعض.
أخفضت مجال نظرها حتى أخمص قدميها لتجد القُبعة من جديد، فإنحنت لتلتقطها ببعض الإرتياب لتهمس بقلة حيلة: "سأصطحبكِ معي للمنزل لعلكِ ترغبين بمساعدتي حقًا .."
أنت تقرأ
مِن مَنظور قُبعة !
Fantasy"لا تستهِن بأصغر الأشياء أيًا كانت، فرحلة الألف ميل تبدأ بخطوة..!" النشر : ١٤/٥/٢٠١٧ الإنتهاء : ٣١/٥/٢٠١٧