لن اتزوج..مرة ثانية

2K 43 3
                                    

تقلبت بروني على سريرها، وهي تحاول أن تجد وضعاً مريحاً يمكنها من الاستسلام للنوم. أمر حاولت القيام به طوال الساعة الماضية، فهي لا تشعر بالراحة لتتمدد وتقرأ الكتاب الذي أحضرته معها، كما أن أليخاندرو لم يرجع من سهرته في الخارج بعد.
شعرت بالغضب منه بشكل لا يحتمل بعد ظهر هذا اليوم، ثم تفاجات وشعرت بالشوق إليه بعد أن عانقها. في الواقع، أحست بالتشتت والضياع، لدرجة أنها شعرت بالارتياح عندما أتت ماريا، وعرضت عليها أن تأخذ ميشيل في نزهة إلى القرية برفقتها. أصابها الإرهاق من شدة حيرتها بسبب ذلك العناق، وامتلأ رأسها بالكلمات التي كان عليها قولها لأليخاندرو ولم تقلها، ما دفعها للنوم نوماً عميقاً، وهي مستلقية على المقعد الطويل قرب بركة السباحة. 
استيقظت بعد ساعة لتجد أن ظهرها احترق بسبب أشعة الشمس، كما أنها كانت متوترة جداً من قبل، ونسيت أن تضع مستحضراً واقياً عليه قبل أن تنام.
نهضت بروني من السرير بعد أن نفذ صبرها، فالعلاج الذي وضعته على كتفيها وعلى جزء من ظهرها لم يخفف من الحرارة، التي تلسعها مانعة عنها القدرة على الاسترخاء والنوم.
فتحت الأبواب الفرنسية لتخرج منها إلى الشرفة، وسمعت صوت جرس بعيد حول رقبة شاة أو خروف، وأزيز صوت حشرة الحصاد.
المكان حقاً جميل. تنتشر فيه أزهار البوغنفيلا الملونة، التي تنمو بوفرة في كل مكان، كذلك أشجار الحمضيات والبرتقال التي تغطي التلال المحيطة بالفيلا. أما القرى الصغيرة المجاورة فتنبعث روائح شهية لطيفة من شرفاتها ومن متاجرها القديمة ومقاهيها. بالإضافة إلى أنها كلها محاطة بأجمل لون بحر رأته بروني في حياتها.
لكن هذا الجمال مشوه بالنسبة إليها بسبب وجود أليخاندرو.
ما الذي حدث بينهما هذا النهار؟ إنها لا تدري حقاً! بدأ الأمر بحوار بريء جداً، وانتهى بذلك العناق الحار. عناق أثر بها، وترك توتراً وعدم انسجام كبير بينهما، ما جعل بروني تشعر بالقلق والاضطراب منذ ذلك الحين. هي ما تزال غاضبة منه! قالت ذلك لنفسها بعد أن تركها، لكن ما إن أصبحت في غرفتها، وصعدت إلى سريرها، حتى هجرها النوم. سمحت لأفكارها أن تخفف من غضبها، فحاولت أن تفهم لماذا أخذ حوارهما ذلك المنحنى، ووصل إلى نتيجة دفعت أليخاندرو لمعانقتها لكن الاستنتاج الذي توصلت إليه لم يكن مرضياً. كانت هناك حدة بينهما خلال تبادل الحديث، وعندما عانقها فجأة، لم يبق لجسدها خيار إلا الاستجابة.
" لا! ".
أغمضت بروني عينيها لتبعد عنها تلك الذكريات. من الحماقة المطلقة أن تسمح لانجذابها الحسي لأليخاندرو، أن يصبح أكثر عمقاً مما هو عليه.
لكن ماذا إذا كان إحساس لا قدرة لها على السيطرة عليه؟
استطاعت أن تسمع صوت محرك سيارة قادمة عبر الطريق الضيق الموصل إلى الفيلا، وعلمت أن أليخاندرو راجع من سهرته في الخارج. هناك اساءة لكرامتها من احتمال أن يراها أليخاندرو واقفة على الشرفة، فقد يعتقد أنها كانت بانتظاره ليعود إلى المنزل، وهذا غير صحيح، أليس كذلك؟
قررت ذلك، وهي تتحرك بسرعة لتعود إلى غرفتها، وتغلق الباب وراءها، لم يرها أليخاندروـ ولن يصل إلى أي استنتاج من جراء ذلك، صحيح كان أم خاطئ.
في صمت الليل، سمعت أليخاندرو يوقف سيارته في المرآب، ثم سمعت وقع خطواته في الحديقة، وهو يسير نحو الفيلا، ويدخل. توترت أعصابها وهي تسمع خطواته، وهو يصعد الدرج، ويسير عبر الممر، حتى يدخل غرفته.
أجفلتها الطرقة الخفيفة على باب غرفتها، لدرجة أنها كادت ترتطم بإناء زهور الزنبق الموضوع على زاوية طاولة الزينة.
أتى أليخاندرو إلى غرفتها، بدلاً من الذهاب إلى غرفته. هل السبب هو ذلك العناق الذي تبادلاه عصر هذا اليوم؟ هل أدرك أليخاندرو أن جزءاً من غضبها، يعود إلى انجذاب خفي نحوه يصعب تفسيره؟ 
أنت تتصرفين بحماقة الآن، بروني وبخت نفسها على الفور بسبب أفكارها المرعبة.
شبكت اصابعها ببعضها، لتتمكن من وقف ارتجافها، وقالت بصوت عال: " أجل! ".
فتح أليخاندرو الباب ببطء، ودخل بهدوء إلى الغرفة.
رفع حاجبيه متسائلاً: " رأيت الضوء في غرفتك، فتساءلت إن كانت هناك مشكلة ما؟ ".
أجل، هناك مشكلة! أدركت بروني ذلك بشوق، وهي تشعر بتسارع دقات قلبها، وبالحرارة تجتاح جسدها لمجرد النظر إليه. بدا شعره الأسود أشعث قليلا بسبب نسيم المساء، وقد فك الزر الأعلى لقميصه فظهرت شعيرات سوداء لا شك انها تغطي صدره بأكمله. أما بذلته الرسمية فتزيد من وسامته وجاذبيته.
رفعت بروني عينيها المنهكتين لتنظر إلى وجهه، وندمت على الفور على ما فعلته، إذ أصبحت عيناها أسيرتي نظرته المتفحصة.
قال باهتمام: " بروني! ".
ابتلعت غصة في حلقها، ووبخت نفسها على حماقتها. أجابت بنبرة حازمة: " لا! ليس هناك مشكلة، كل ما في الأمر أنني لم أستطع أن أنام. هذا كل شيء. الطقس حار جداً هذه الليلة. أليس كذلك؟ ".
وأصبح اكثر حرارة منذ أن دخل أليخاندرو غرفة نومها! ما الذي يحدث لها؟ إنها ليست فتاة مراهقة سريعة التأثر بل امرأة ناضجة في الخامسة والعشرين من عمرها. تعرفت بروني على عدد من الرجال في السنوات القليلة الماضية، لكن لا أحد منهم يشبه أليخاندرو لو بصفة ما، فجميعهم رجال لطفاء، عاديون. . . وجال يشاركونها اهتماماتها. . . رجال تشعر أنها قادرة على التحدث معهم، وليسوا كهذا الرجل الذي يملأ الغرفة بمجرد دخوله إليها، ويأمر بمجرد نظرة. . . رجل يزعج ويقلق حياتها منذ اللحظة التي دخل فيها إليها منذ ستة أسابيع، رجل. . . رجل يجعل قلبها يدق بسرعة وأنفاسها تضطرب لمجرد كونه في الغرفة ذاتها معها. وهذا أمر مرعب ومخيف.
" بروني! ما الأمر؟ ".
قالت بنبرة حازمة، ما إن رأته على وشك السير إلى وسط غرفة نومها: " لا! الوقت متأخر أليخاندرو! أنا أريد النوم الآن ".
حدق أليخاندرو بوجهها. بروني تنظر إليه الآن، وكأنها تبادله ذلك الانجذاب الذي شعر به عندما عانقها عصر هذا اليوم. ذلك الشعور الذي حاول إبعاده عنه، بعد أن غادر الفيلا. لكن بعد ذلك، وما إن جلس إلى طاولة العشاء بين عدد من الناس في منزل روج، حتى أخذت أنطونيا تسامره، وتسخر منه بسبب أحلام اليقظة التي يعيشها، لكنها لم تستطع أن تبعده عنها. في الواقع، شعر بنفاذ صبره أكثر وأكثر مع محاولات أنطونيا خداعه بجمالها المصطنع. 
رأى النور مضاء في غرفة نوم بروني ما إن واجهته التلة التي تقع فيها الفيلا، فقال لنفسه إنه لن يدق بابها. لن يكون ذلك عملاً منطقياً من قبله بعد مواجهتهما الأخيرة. فالمشاعر التي جمعتهما بدت قوية لدرجة أنه أجبر نفسه على الابتعاد عنها والمغادرة. 
عليه الذهاب إلى غرفة نومه، ونسيان كل ما يتعلق ببروني سوليفان. لكن بدا كما لو أن لقدميه قدرة خاصة ورغبة مختلفة تماماً عن إرادته، إذ وجد نفسه يدق على بابها. . .
ما زال ذلك التوتر وذلك الشوق يمتد بينهما عبر الغرفة، إنها تبدو جميلة حتى، وهي ترتدي بيجاما، فشعرها منسدل على كتف واحدة، ويغطي صدرها. . .
هز أليخاندرو رأسه فجأة، وقال: " إن كنت متأكدة أنك بخير ".
علم أن عليه المغادرة الآن، قبل أن يقدم على تصرف طائش مع بروني.
" أجل، بالطبع! ".
توقفت بروني عن الكلام، فقد بدأ بالسير عبر الغرفة لتشجعه على الخروج، لكنها توقفت فجأة وهي ترتجف قليلاً. تابعت بنبرة مرحة: " أنا بخير. . . بخير فعلاً! ".
قطب أليخاندرو جبينه، وتمتم بنعومة: " بطريقة ما، أعتقد أنك لست كذلك ".
تقدم أكثر نحوها، فقالت معترضة: " من فضلك، أليخاندرو! ".
علمت أنه ما كان عليها التحرك، لأنها بذلك جعلت قماش قميص بيجامتها يحف بألم على ظهرها المتورم الأحمر. قالت كأنها تأذن له بالانصراف: " أي سوء يمكن أن يحدث؟ ".
" لا أدري ".

آخر خيوط الحب ♡حيث تعيش القصص. اكتشف الآن