شعرت بروني بأنفاسها تنحبس في صدرها، فهي تعلم أن الابتعاد عن ميشيل بهذه السرعة سيسبب لها العذاب، لكنها تدرك أيضا أنها لن تشعر بالارتياح مع عائلة أليخاندرو. ونظرا لهذا الانجذاب القوي بينهما، فهي لن تشعر بالارتياح أيضا لبقائها مع أليخاندرو نفسه.
تنفست بعمق قبل أن تقول: " عندما تأخذ ميشيل معك غدا للتعرف على عائلتك، سيكون الوقت مناسبا لي لأعود إلى إنكلترا "
قاطعها أليخاندرو بقسوة: " ما الذي تقولينه، بروني؟ "
نظرت إليه بعينين حذرتين، وأجابت: " أقول إنه الوقت المناسب لي كي أعود إلى بلادي "
" أنت جبانة! ".
قال ذلك بغضب، وركع على ركبتيه على الرمال قربها، ثم أمسك بذراعها بقوة وهو يتابع: " كيف تجرؤين على الهرب هكذا؟"
أجابت بروني بغضب يماثل غضبه، فألمها ما زال قويا وكأنه جرح ينزف: " لست أنا من يهرب، أليخاندرو! هل نسيت أن والديّ فقدا ابنهما الوحيد مؤخرا، وهما بحاجة إلي؟ "
قال لها ببرودة وهو يحدق بها بعينين ثاقبتين: " ربما نسيت أنت أنك وافقت على البقاء مع ميشيل لمدة شهر، وليس لثمانية ايام فقط "
ثمانية أيام! هل كل ما حدث احتاج لثمانية أيام فقط؟ في ثمانية أيام فقط، حياتها كلها انقلبت راسها على عقب، وحبها لهذا الرجل بدل حياتها إلى الأبد!
قالت له بصوت مضطرب: " أنت تؤلم ذراعي، أليخاندرو!"
رحيل أليخاندرو المفاجئ منذ أربعة أيام ليس هروبا كما اعتقدت بروني، بل كان حاجة ملحة للابتعاد عنها من أجل أن يحلل ويفهم عواطفه المضطربة.
أبعدها عنه وهو يقول بغضب:
" أنت جبانة، بروني! "
أجابته بغضب: " هذه هي المرة الثانية التي تقول لي فيها ذلك الكلام "
حدق بها بإحباط، وهو يجيب: " لأن هذا ما أنت عليه. أنا لا أصدق للحظة واحدة أنك تسرعين بالعودة إلى إنكلترا لتكوني قرب والديك "
" حسنا! لست مسرعة بالعودة الى إنكلترا لأكون مع أي شخص آخر أيضا، إن كان هذا ما تقصده! ".
ليس هذا ما يقصده، فهو يعرف بروني جيدا ليدرك أنها ما كانت لتسمح له بمعانقتها لو أن لديها حبيبا في إنكلترا.
وقف من جديد، مدركا أنه إن لم يفعل ذلك، فقد يقدم على القيام بأمر قد يندمان عليه معا. قال لها بصراحة: " إن رغبت بالرحيل، إذا عليك القيام بذلك بروني، لكن عليك إخبار ميشيل بنفسك أنك سترحلين وتتركينه "
قال ذلك بنبرة حازمة، ثم استدار، وسار بخطى واسعة إلى حيث كان ميشيل يلعب في البركة.
امتلأت عينا بروني بالدموع لدرجة أنها لم تستطع رؤية أليخاندرو وهو يسير مبتعدا عنها. لكنها تقوم بالعمل الصحيح. أليس كذلك؟ فهي تضع أكبر مسافة ممكنة بينها وبين أليخاندرو، لأن هذا هو المطلوب منها. ليس هناك من مستقبل لهما معا. ليس هناك أي شيء لهما معا. الذهاب معهما في إسبانيا، والاستمرار في رؤية أليخاندرو، والاستمرار في القيام بدور عمة ميشيل، لن تساعد أي منهما.أصبح ميشيل مرتاحا جدا مع والده الآن، ولم يتحدث عن أي امر آخر طوال الأيام الأربعة الماضية. كما أنهما يتحدثان معا بسهولة وسعادة الآن. هذا ما راته بروني ما إن رمشت بعينيها لتبعد الدموع، وتنظر إليهما عن بعد.
يبدو بوضوح أنها الوحيدة التي تشعر بعدم الارتياح بتواجدها قرب أليخاندرو، لأنها تحبه لدرجة أنها تشعر بالألم من جراء ذلك، وهي لا تستطيع النظر إليه من دون أن تشعر بالخوف من أن يشع ذلك الحب من عينيها.
بروني لا ترغب في الابتعاد عن ميشيل! علم أليخاندرو ذلك، وهو يساعد ابنه في جمع أصداف البحر. إنها ترغب في الابتعاد عنه، وهي لا تستطيع أن تتحمل البقاء في أي مكان قربه. ألم يتراجع هو نفسه بالطريقة ذاتها منذ أربعة أيام؟ قرار اتخذه، وبدأ الآن يندم بعمق
عليه. اعترف بذلك، وهو يشعر برغبة جامحة بالاحتفاظ ببروني بجانبه. يريدها أن تكون موجودة لأجله ليتحدث إليها، ليعود إلى المنزل لأجلها، ليعانقها ويبادلها الغرام.
بعد أربعة أيام لم يتمكن خلالها من إبعادها عن تفكيره، أدرك أنه يريد الاحتفاظ ببروني له وحده. لكن بروني أظهرت بوضوح كلي أنها لا تريد البقاء معه، وأنها فعلا تريد الابتعاد عنه غدا، ومن دون أي نية بالعودة ثانية.
كيف يمكن له أن يسمح بحدوث ذلك؟ هل لديه أي خيار آخر؟
*************
" هل اتصلت بوالديكِ؟ ".
نظرت بروني عبر الشرفة إلى أليخاندرو، وانحبست أنفاسها في حلقها، بسبب جاذبيته ووسامته الطاغية، وهو يرتدي بذلة سوداء رسمية وقميصا بيضاء كالثلج. ما زال شعره رطبا من الاستحمام قبل العشاء.
عشاء كانت تفضل ألا تنضم إليه، لكنها تعلم أنه سينعتها بالجبن من جديد، إن حاولت أن تعتذر وتجد سببا لعدم الحضور. قالت وهي تسير عبر الشرفة لتصل إليه: " أجل! "
بدت هادئة وأنيقة، وهي ترتدي ثوبا قشدي اللون، يصل إلى ركبتيها، ويظهر سمرة بشرتها، التي اكتسبتها خلال الأيام المنصرمة.
سكب لها أليخاندرو شرابا باردا، قبل أن يرفع نظره إليها ويسألها: " هل شعرا بالسعادة لعلمهما بعودتك غير المتوقعة؟ "
أجابت بصدق، وهي تجلس: " لم أخبرهما بذلك "
قد يحتاج الأمر الى شهور وربما لسنوات، حتى يتقبل والدها موت طوم وجوانا، لكنهما بدوا أفضل بكثير عندما تحدثت إليهم في وقت سابق عبر الهاتف. أكد لها والدها أن أمها أنهت علاجها الآن، وأنها تفكر بالعودة إلى عملها في المكتب، حيث عملت سكرتيرة في
السنوات العشر الأخيرة.
بدا الحديث معهما مطمئنا وإيجابيا جدا، لا سيما بعد أن أكدت لهما أن علاقة ميشيل بوالده تطورت فعلا، وهكذا لم تحاول ببساطة أن تخبرهما أنها سترجع إلى بلادها في الغد.
في الواقع، لم تكن قادرة على التعهد لنفسها انها ستغادر بالفعل عندما يحين الوقت لتفعل... وأن تترك أليخاندرو.
ضاقت نظرة أليخاندرو وهو يحدق بها بقوة. إنها تبدو هادئة وبعيدة في ثوبها الأنيق. شعرها مرفوع إلى الأعلى، وهذا ما يزيد أناقتها وتحفظها. إنها لا تشبه أبدا المرأة المتحررة الدافئة التي تركها فجأة منذ اربع ليال.
رفع كتفيه، وهو يسألها: " هل تعنين بذلك أنك بدلت رايك؟ "
" آه، لا! ".
قالت ذلك بحزم، قبل أن ترشف القليل من شرابها، وتتابع: " لا أعلم بالتحديد كيف سأتحدث عن الأمر مع ميشيل، لذا فكرت أنه علي أن أتحدث معه أولا، قبل أن أذكر أمر عودتي لوالدي ".
زفر أليخاندرو باستياء، وقال:" يبدو إذا أنك متحفظة معي فقط ".
" اعتقدت أنك ستشعر بالسعادة لأنني سأرحل، وقد تشعر بالأمان والراحة أيضا ".
" هذا غير صحيح ".
بدت نبرة صوته أقوى بسبب غضبه. لمعت عيناه بشيء من الخطر، وهو يتابع: " بروني! أنا وأنت أصبحنا مقربين من بعضنا..."
قاطعته بقوة، وقد تورد وجهها من شدة الغضب: " وهذا أمر أردت أن تنساه، عندما غادرت على نحو مفاجئ!"
" لكنني لم أنسَ! ".
أعاد انتباهه بشكل كلي إليها، وهو يجلس بتوتر على كرسيه، ويقول: " في الواقع، لم أنس ذلك مطلقا، وأعتقد أنكِ لم تفعلي أيضا ".
أغمضت بروني عينيها لبرهة، ثم قالت: " حاولت أن أفعل ".
" لكنك لم تنجحي. أليس كذلك؟ ".
أردف أليخاندرو بنبرة صادقة متابعا: " بروني! هذا أمر مهم جدا ".
توقف عن الكلام ما إن سمع صوت سيارة تقترب من الطريق الخاص للفيلا. أظلم وجهه من إمكانية مقاطعتهما في هذا النقاش الهام.
سمعت بروني صوت محرك السيارة أيضا، ولم يكن هناك داع لتتساءل عن هوية الزائرة، زائرة أليخاندرو!
علمت أنها حزرت هوية الزائرة، ما إن توقفت السيارة، وسمع وقع حذائها ذي الكعبين العاليين على الممر الموصل إلى الدرج.
تمتمت بروني بسخرية: " يبدو أن لديك ضيفة هذا المساء ".
سمعت أليخاندرو يتمتم ببضع كلمات باللغة الإسبانية، وهو يقف ببطء. بدا وجهه قاتما من شدة الغضب.
نظر إلى حيث تجلس بروني، وعيناه تلمعان. قال بقسوة عندما ظهرت انطونيا عند الباب وراء ماريا، التي راح تنظر إليه باعتذار: " أؤكد لك أنها لن تمكث طويلا "
وقفت بروني قائلة: " أعتقد أن علي الاعتذار والمغادرة ".
" ستبقين تماما حيث أنت! ".
وضع أليخاندرو يده على ذراعها، ليؤكد ما يقوله، وهو ينظر مقطب الجبين إلى الجميلة أنطونيا روج. قال باقتضاب: " ما الذي تفعلينه هنا، أنطونيا؟ "
سارت المرأة وهي تبتسم نحو أليخاندرو، وبدا بوضوح أنها تريد معانقته.
شعرت بروني بانقباض في معدتها من البرودة الواضحة في نبرة صوته، وعلمت أنها كانت لتنكمش على نفسها لو أن أليخاندرو تحدث معها بهذه الطريقة.
لكن ذلك لم يؤثر أبدا على أنطونيا روج التي استمرت في الابتسام، واثقة من جمالها الطاغي وقدراتها في ثوب أحمر ضيق، يلتف حول جسدها، ويظهر تماما جمال بشرتها السمراء وعينيها السوداوين. تمتمت بصوت مغناج بعد أن رمقت بروني بنظرة تحد،
كأنها تطلب منها الانصراف: " أفضل أن نكون بمفردنا، أليخاندرو!"
ضغط أليخاندرو بيده على ذراع بروني، ما إن شعر برغبتها في النهوض والفرار. ضاق ذرعا من مخططات هذه المرأة وملاحقتها له.
قال مؤكدا لأنطونيا: " لا شيء يمكن أن تقوليه لي ولا تستطيع بروني سماعه ".
ابتسمت أنطونيا له ابتسامة واثقة، وأجابت: " أنا متأكدة أن ما سنقوله لبعضنا لا يهم الآنسة سوليفان مطلقا، اليخاندرو!"
قال بانزعاج: " على العكس تماما. أشعر أنه من المهم جدا أن تسمع بروني ما سأقوله لك "
لوى شفتيه باستياء، ما إن نظر إلى بروني، ورأى كم تشعر بعدم الارتياح لوجودها هنا. راحت عيناها الزرقاوان تتوسلانه كي يدعها ترحل، لكنه نداء لا يستطيع الاستجابة له. لديه الكثير من الأمور يريد أن يقولها لبروني الليلة، قبل أن تغادر في الغد، وحضور أنطونيا غير المرغوب فيه، سيساعده في توضيح أحد هذه الأمور.
جذب بروني إلى جانبه، قبل أن تستدير لمواجهة أنطونيا. ظهرت القسوة في عينيه البنيتين، ما إن ظهرت أن هناك علاقة حميمة بينهما بدلالها ونظراتها. قال ببرودة: " كنت على علاقة عمل مع والدك أنطونيا، ولا شيء بيننا غير ذلك "
أضاف بضيق وكأنها تكلمت: " لم يكن هناك أي علاقة بيننا، ولاشيء يتعدى الصداقة بين شخص وابنة شريكه في العمل ".
في هذه اللحظة شعرت بروني بنفسها تنكمش راغبة في الابتعاد، قبل أن تشاهد اي عرض لتواجد علاقة حميمة بين أليخاندرو وأنطونيا، لكن تصميم أليخاندرو الواضح بأن يثبت لها أنه لم يكن هناك أي علاقة بينه وبين أنطونيا، جعلها تتوقف عن الاختباء. رفعت نظرها إليه متسائلة. نظر إليها أليخاندرو للحظة قبل أن يحدق من جديد بالمرأة الأخرى. عادت البرودة تسيطر على ملامح وجهه، وهو يقول: " لكن حتى علاقة العمل مع فليبي انتهت أنطونيا، بعد أن علمت بزيارتك إلى هنا للتحدث مع بروني، في حين كنت تعلمين أنني
سأكون غائبا في بالما بسبب موعد عمل لي مع والدك. خلال تلك الزيارة قمت من تلقاء نفسك بإعلام بروني أنه غير مرغوب بها هنا ".
أضاف ما إن بدأت بالإجابة باللغة الإسبانية: " تحدثي بالانكليزية أنطونيا! أريد أن تعلم بروني بالتحديد كل ما نقوله لبعضنا "
سألته: " هل أخبرتك أنني قلك ذلك؟"
ضحكت ضحكة لا مبالية، ثم رمت بروني بنظرة حقد، وهي تتابع: " اليخاندرو! يمكنني أن أؤكد لك.."
أجاب ببرودة: " ليس هناك من حاجة لتؤكدي لي أي شيء انطونيا. علي أن اختار من أصدق بينكما، وأنا اخترت بروني "
نظرت أنطونيا بقسوة وغضب إلى بروني، وقالت: " لقد سحرتك هذه المرأة بدون أي شك من خلال دعوتها لك إلى سريرها "
قال أليخاندرو بنبرة باردة كالثلج: " أنت تتمادين كثيرا، انطونيا!"
" فقط لأنني أهتم لك، أليخاندرو! ".
اصبح صوتها ناعما فجأة، وهي تنظر إليه وتتابع: " بالكاد اقترحت على الآنسة سوليفان ذلك اليوم، أن من الأفضل لو تغادر، وبأنها ليست مثلنا ولا من نوعنا ".
قال بسخرية واستياء: " أشكر الله أنها ليست من نوعك. عليك المغادرة الآن أنطونيا، كما أنك لن تعودي ثانية إلى هنا، وبالتأكيد لن تتحدثي مطلقا مع بروني بذلك الأسلوب الذي أقدمتِ عليه من قبل ".
شعرت بروني برجفة في عمودها الفقري بسبب الغضب الواضح في نبرة صوت أليخاندرو، وعلمت من شحوب وجه أنطونيا روج أنها أدركت تعذر مواصلة الكلام معه. لكن ذلك حدث للحظة واحدة، لأن انطونيا روج رفعت ذقنها بتحد واضح، وظهر على ملامح وجهها
التكبر والكره وهي تنظر إليهما معا. قالت له بنبرة غاضبة وحاقدة: " أنت أحمق، اليخاندرو! مع علاقات والدي في عالم الأعمال، والمال الذي سأرثه في نهاية الأمر كوني طفلته الوحيدة، كنا لنشكل زوجين رائعين. بدلا من ذلك اخترت أن تعاشر هذه... هذه
الــ...."
قاطعها اليخاندرو محذرا: " انتبهي لألفاظك، أنطونيا! أنت تتحدثين عن امرأة أكن لها الكثير من التقدير.. امرأة نزيهة وصادقة "
ثم أضاف ببرودة: " وهذه صفات يبدو بوضوح أنها غريبة عنك وبشكل مطلق "
لم تستطع بروني إلا ان تحدث متعجبة بألخياندرو.
بعد نظرة مليئة بالحقد والغضب باتجاه بروني، استدارت المرأة الأخرى، وسارت بانزعاج مغادرة المكان.
أليخاندرو يكن لها الكثير من التقدير؟ ويعتقد أنها امرأة نزيهة وصادقة؟!
أصبحت أكثر ارتباكا وحيرة. لماذا شعر أنه بحاجة ليجعلها
تشاهده وتسمع بنفسها كل تلك الامور التي قالها لأنطونيا روج؟انتهى الفصل الخامس عشر
أنت تقرأ
آخر خيوط الحب ♡
Romanceمنقول / مكتملة رواية للكاتبة : كارول مورتيمر 📖☕💖 المليونير الإسباني اليخاندرو سانتياغو رجل وسيم جدا ، يحصل دائما على ما يريده . عندما اكتشف أن لديه ابنا صغيرا . مكنه ماله وسلطته من الحصول على الوصاية عليه بسهولة منتصرا على عمة الصبي بروني سوليفان...