حراسة في الخفاء

2.5K 61 2
                                    

شعر أليخاندرو بالسرور لأنه يضع نظارتيه الشمسيتين، عندما خرجت بروني إلى الشرفة
بعد عشر دقائق مرتدية ثوبا للسباحة فيروزي اللون.
الثياب التي كانت ترتديها دئما من بذلات رسمية أو سراويل
وقمصان ضيقة ، لم تكن تظهر رشاقة جسدها. يرى أليخاندرو الآن بوضوح،
أنها تملك جسدا جميلا ورائعا بشكل مطلق، مع بشرة ذهبية تغطي جسمها بأكمله.
لكن يبدو أنها غير مدركة لما تتمتع به من جمال، فها هي تسير بهدوء نحوه،
وجسدها يتمايل برشاقة، وكأنه غير موجود أمامها. أدرك أليخاندرو أنه شعر بإحساس غير
متوقع نحوها. نبرتها الساخرة قضت على الفور على أي إحساس لديه، باستثناء الغضب
الذي ينتابه كلما تواجد مع هذه المرأة. قال بغضب، ما إن وضع قدميه على أرض الشرفة:
"هذا ما أرغب في القيام به. سيقدم العشاء عند الساعة الثامنة والنصف"
قالت معترضة وهي تهز رأسها باستغراب : هذا وقت متأخر جدا على ميشيل ".
إعترف أليخاندرو بضيق، من المحتمل أنه كذلك ! لم يفكر كثيرا
بالتغييرات التي ستطرأ على حياة ميشيل وروتينه اليومي. حقيقة أن لديه صبيا
ما زالت مصدر دهشة له. لم يعتقد للحظة أن بروني فكرت بذلك، وكما يبدو هي تعتقد أنه
لا يملك أي عاطفة على الإطلاق. ردة فعله منذ دقائق قليلة لرؤيتها بثوب السباحة
أعلمته أنه يناقضها الرأي تماما. الآن لديه عدة اتصالات هاتفية يجب أن يجريها قبل موعد العشاء. وواحدة منها على الأقل ستكون طويلة جدا. قررت بروني أن تعامله بشفقة وتعاطف،
بعد الإحباط الواضح الذي ظهر عليه ، فقالت : " ربما أستطيع التحدث إلى الطاهي،
وهكذا يمكنه أن يعد شيئا ما لميشيل في وقت باكر، فميشيل ينام عادة عند الساعة الثامنة
"فكرت أن ذلك سيتغير الآن بدون شك، لأن ميشيل سيعيش على طراز الحياة في المتوسط.
لكن ليس الليلة! قررت وهي تراقبه يسبح في البركة بخفة. لا بد أنه سيتعب كثيرا في بداية المساء،
كما أن هناك ما يكفي من التغيير في حياته ليوم واحد. يحتاج ميشيل إلى شيء
من روتين حياته العادية، كي لا يصبح كل ما حوله خارجا عن السيطرة.
- هذا أفضل له كما أعتقد .
هز أليخاندرو رأسه بطريقة تدل على رغبته في الانتهاء من التحدث معها، واستدار مغادرا.
تمتمت بروني بجفاء، وهي ترفع نظرها إليه:"قل لي! من كان ليهتم بميشيل لو لم أكن هنا؟ ".
ضاقت نظرة أليخاندرو، وقطب جبينه، وهو يقول:"اتفقت مع ابنة ماريا أن تبقى بصحبته.
ماريا هي الطاهية هنا" فسر لها ذلك بانزعاج، قبل أن يزفر بضيق.
ابتسمت بروني! وعلقت:لكنها أيضا غريبة عنه".
- بروني! أنت لا..... توقف أليخاندرو عن متابعة ما يقوله. ضغط على شفتيه مؤكدا
مدى قساوة ملامح وجهه، قبل أن يتابع بهدوء:"هذا وضع جديد هنا، وأقترح عليك إعطاءنا
الوقت الكافي لنتمكن من التاقلم". لم يثنها كلامه المنطقي، بل قالت:"أنت تعني أنه وضع جديد
عليك أنت ، أما أنا فكنت قادرة على الاعتناء بميشيل بمهارة كاملة طول الشهرين الماضيين ".
زفر أليخاندرو بقوة ، وقال : " هل تنوين التشاجر معي طوال مدة بقائك هنا؟"
أجابت:"هذا محتمل". في النهاية، مصلحة ميشيل هي ما تهمها. مع أنه عليها الااعتراف
أن أليخاندرو سانتياغو لا يبدو غريبا في هذا المكان ، فوسامته تتالق
أكثر في هذا الطقس. في الواقع، هي بشعرها الاحمر وبشرتها الشاحبة، بعيدة عن هذه الأجواء.
هذا أحد الأسباب التي تجعلها هجومية، فتتصدى له باستمرار، أما السبب الآخر،
فهو ذكرى تلك اللحظة القصيرة من المشاعر الحسية التي تولدت بينها وبين أليخاندرو منذ وقت قصير.
وجد أليخاندرو نفسه مرتاحا ولو قليلا. هز رأسها بحزن قائلا:"هذا كلام صادق ، بكل الأحوال !".
أكدت له بروني:"آه!ّأعتقد أنك ستجدني صادقة على الدوام ". هز رأسه، وقال:"جيدا ! ".
ابتسم قليلا ، ما إن رأى الدهشة على ملامح وجهها بسبب إجابته, فتابع:
"الصدق أمر أستطيع التعامل معه، أما الخداع والمكر فأجدهما أمرين غير مقبولين".
قطب جبينه ما إن فكر بأكاذيب فرانسيسكا ومكرها، وبزواجهما الذي علمه ألا يثق بامرأة مطلقا بعد اليوم.
- إن رغبت في الاتصال بأحدهم لتعليمه أنك وصلت بأمان..
كررت وهي تبتسم له بسخرية:"أحدهم ؟"
أجاب اليخاندرو بخفة ليخفي فقدان صبره:"والديك ربما.. أنا متأكد أنهما يرغبان بمعرفة
أنك وصلت مع ميغيل بأمان إلى هنا". اختفت ابتسامة بروني، ما إن فكرت بأمها وأبيها.
أصيبت أمها بالمرض من شدة الحزن على طوم وجوانا بسبب موتهما المفاجئ وكان على والدها
أن يتعامل مع ذلك، تماما كما عليه تحمل معاناته وحزنه. أما حالة ميشيل الدقيقة فكانت خارج
معاناتهما في هذه الاثناء. اعترفت بحزم:"أنا متأكدة أنهما سيشعران بالراحة أكثر بعد اتصالي".
أبعدت بروني أفكارها عن مآسي والديها، وأخذت ملامح وجهها تتحداه من جديد، وهي تنظر إليه قائلة:
"حسنا!لم أشك مطلقا بذلك". شدّ أليخاندرو على أسنانه، قبل أن يقول:
"أتمنى ألا ّ يستمر هذا الجدال أثناء تناول الطعام أيضا". ردت عليه باستياء قائلة:
"آه ! أعتقد أن هذا ما سيحدث ". إذا الغضب والضيق اللذان يشعر بهما أليخاندرو برفقة هذه
المرأة سيترافقان الآن مع عسر الهضم، بعد كل وجبة يتناولها. أحس بشوق إلى الحياة المنظمة
التي كان يحياها قبل شهرين، قبل أن يكتشف أن ميغيل هو ابنه، وقبل أن تدخل المجنونة بروني
سوليفان حياته، ثم ترفض ان ترحل عنه. هز رأسه وقال:"كما تشائين".
قالت له بروني باستياء:"آه! ليس هذا ما أشاؤه أبدا، أليخاندرو! ما كنت هنا لو أن أمنياتي تتحقق!"
لم يتحدث معه أحد من قبل كما تفعل هذه المرأة ! أدرك أليخاندرو ذلك بتوتر وضيق.
الصدق الذي أشاد به قبل قليل أمر مزعج، إذ كما يبدو لا تشعر بروني بأي حرج في قول أي شيء يخطر ببالها، وهذا أمر مختلف تماما. تقبل أليخاندرو ذلك وهو يقطب جبينه:"بروني!"
- عمي برو! هل ستأتين للسباحة معي ؟ عمتي برو..!
ناداها ميشيل بحماس من داخل البركة، وهو يسبح باتجاه الحافة،
ويبتسم لهما معا. بدا وجهه جميلا جدا، وشعره الأسود الناعم ينزلق
على عنقه بعيدا عن وجهه.
- بالطبع ، حبيبي!
رفعت بروني حاجبيها بسخرية باتجاه أليخاندرو، ثم تحركت برشاقة وهي تنهض على قدميها ورفعت يدها لتسحب الرباط عن شعرها، وتركته يسقط بحرية فوق كتفيها وظهرها. شعر أليخاندرو كأن الوقت قد توقف، وهو يراقب الخصل الحمراء تنسدل على ظهرها. لامست أشعة الشمس طبيعتة الحريرية اللامعة كالنار،
فبرز لون ذهبي بين خصلات شعرها الأحمر، بدا كأنه ألسنة من نار متوهجة. يعلم أن بروني معملة مدرسة, لكها لا تشبه أيا من المعلمات اللواتي عرفهن طول سنين دراسته. قال بنبرة حازمة،
قبل أن يستدير ، ويسير بخطى واسعة نحو الفيلا:"أراكما في وقت لاحق". عليه أن يعمل!
هذا ما قاله لنفسه، وهو يقاوم الرغبة في البقاء قرب بركة السباحة، ليراقب بروني وميشيل.
ابتعد عن عمله لمدة ثلاثة أيام، ولديه العديد من الاتصالات والرسائل المنتظرة ليرد عليها.
ذلك كله قبل أن يحاول استرضاء المرأة الأخرى في حياته، والتي تثير المشاكل في وجهه لكن من ناحية مختلفة تماما.
*******************
- آه ! أليست هذه الجلسة حميمة؟
قالت بروني ذلك باستياء ، ما إن نظرت إلى طاولة الطعام الطويلة، حيث يجلس مضيفها في وحدة قاسية
في الجانب الآخر من الطاولة، التي تتسع لأكثر من عشرة أشخاص. إنه يبدو فاتنا، بالطبع!
أليس متأنقا قليلا لتناول العشاء مع امراة يعتبرها في أفضل الأحوال ضيفة غير مرحب بها؟

آخر خيوط الحب ♡حيث تعيش القصص. اكتشف الآن