4- طَائر الْحرية .

166 27 79
                                    

الفصل من كتابتي ..

________________

أصِبحَ مهجُور ،مثَل مدينِة سكنَها الحزِن ، ذلكَ الفتى اليتِيم الذِي ينتظَر عودِة أمِه التي لن تعود ...

في كلِ مرة يحاول أنّ ينام تعاودهُ الكوابيس المرعبة ،
مشهد بركة الدماء في أول يومٍ لهُ في هذا المكان  ؛ ظلّ راسخًا بعقله .

يعتصر تلكَ الوسادة كأنّما يحاول أن يخترقُها ،
" هل اَنتَ بخير ؟" سأل ذلك الفتى الذي يقبعُ بجواره ، انتظر ردًا منه لدقائق لكن لم يجد سوى التجاهل ،
" هذا الفتى كالمقبرة الصامتة ! لا تحدثه ؛ لأنكَ لن تجد جوابًا " رفعت فيرا كتفيها بعدم مبالاة ، ليحدق الفتى الآخر نحوَ فرانس بحزن
" لا بد من أنهُ عانَ الكثير "

" فالتنم يا هذا وكفاكَ ثرثرةً ، لا أحد يحتاجُ إلى شفقتك " زفرت فيرا بحنق ، لتسدل اللحاف فوقِها وتغطّ بنومٍ عميق .

حجرة صغيرة ؛ جزء من قصرٍ عملاق !
تعحب الإقطاعي بالإثنين ! لدرجة وَضعهم في عبيدهِ المميزين كما يدّعي .

ثلاثة أشخاصٍ من اولئك المميزون ؛ اثنين قد شاركا في مشقة الطريق بين وديان الخضار الباردة ، نائمان على سُررٍ متقاربة صدئة ومتسخة ، لم تكن أسوأ من حالة العبيد الآخرين ؛ حيثُ أنهم لا ينامون سوى بضعة سويعات قليلة ، ويعانون من الضرب والأعمال الشاقة التي تزيد يومًا بعد يوم .

بدى صاحب الثانية عشر عامًا ؛ صغير الحدقتين ذو وجهٍ مليء بالندوب كرجلٍ عائدٍ من حرب ، كان مظهره عكس شخصيتهُ البريئة التي تنتمي إلى العاطعة التي لم يذقها قط .

أشرقت شمس يومٍ جديد حاملة معها هموم بشرٍ تكاد تصل للسماء .

أدام فرانس النظر عبر النافذة لذلكَ العجوز الذي يسحب خلفه محراث عملاق مصمم لدابة وليس للبشر ، في كل مرة يتوقف المسن الهزيل ليأخذ نفسًا يتم ضربه بالسوط بقوة ليتآوه ويكمل جرّه أنحاء بقعة الزراعة .

ّ فرانس من المميزين كما قيل ، فقد كان عليه تنظيف عرش الدماء الذي حصلَ البارحة ، كما لو أن الإقطاعي يختبر مدى شجاعته ، فرائحة القاعة المزخرفة باللون الأحمر القاتم قد جعلت فرانس يوشك على الإستفراع ، من حُسن حظه بأن الجثث لم يعدّ لها أثر .

" مرحبًا !" تلفظ بمللٍ ليصدح صدى صوته في القاعة .

" اهلا !"
استدار فرانس بسرعة نحوَ مصدر الصوت ونظر للباسم خلفه
" هل نمتَ جيدًا بالأمس ؟"

" لا يجود مايسمى جيدًا بِحياتي "
حملَ أدوات التنظيف وبدأ بسكب المياه على البلاط المحمر .
" أي مساعدة ؟" سأل مبتسمًا ظاهرًا أسنانه المتراصة ، توقف فرانس عن سكب المياه ونظر للفتى أمامه ، ثمّ سأل فجأة : " كيف للمرء أن يبتسم ؟"

شُعلة | Flameحيث تعيش القصص. اكتشف الآن