الاقتباس التاسع والأربعون.

1.1K 70 27
                                    

أنا حزينٌ يا أبي،
طاقتي أقلّ من ردّ جميلك،
وصدري الممتلئ بطمأنينة قربك مرتبك،
كيف لي يا أبي أن أتعايش مع فكرةِ مهما فعلت فلن أوفيك حقّك،
القرية في عينيّ باتت مدينة بعنايتك،
وخطواتي الأولى استقامت ركضًا بتشجيعك،
أنا نزلت للأعلى حيث النّاس، وتطلّ علي من سمّوك تمدّني بك،
بصوتك تمسح على رأسي كلما أطرقته لأرفعه مبتسمًا إليك،
أنا حزينٌ يا أبي ..
أرجوك شُقّ على صدري واقرأ، ابنُك يده أقصر من رفّ جودك،
والسلالم لا تدرك جنّتك ..
أنت الذي منذ نعومة صوتي هدّأت روعي،
أُمسك يدك، أجمع خوفي لبعاءتك وتبتسم الدنيا لي مرّة أخرى وأطمئنّ،
زمزم الذي يجري تحت جلدك جعلك الشفاء،
صوتُك الممتدّ أجنحةً علّمني التحليق،
أنا أطير الآن يا أبي .. عصفورًا في حضرةِ كونك،
أنا منذ يومين لم آكل إلّا وصاياك، أستطيع العيش بها للأبد،
أكتب لك يا والدي من أقصى التُراب ..
قلبي النظيف يُزهر كلّما تذكرتك، وأضحك،
حينما أتذكر صوتك أشعر بيدك على جبيني .. كأنّها يدي،
وأحنّ للوطنِ طعمه حضورُك،
احتفظ بي يا أبي ..
أنتَ أكبر من الوطن، أنت الأمن الذي أخبئه عن إخوتي، عن كلّ العابرين ..
أنا خائفٌ يا أبي من هذه الأرض،
أهلها ليسوا أنت، الطبيعة فيها ليست أنت،
الوقت فيها ليس أنت، الصور فيها ليست أنت،
ما أكثر الأصوات حولي .. مطر، موسيقى، أجراس الكنيسة،
أذانٌ صامت داخل الجدران، معلّم، طفل يضحك،
جارٌ يسحب قدميه، رجلٌ بعيد يصرخ،
لا شيء يشبه الاستيقاظ للفجر على صوتك،
أبي ..
أنا مشتاق إليك،
وأحبّك.

محمد بن عبدالعزيز العتيق

اقتباسات. | .Quotesحيث تعيش القصص. اكتشف الآن