للتو أطفأت سجارتي التي غاصت في أعقاب الأخريات،
مرت عدة أيام لم أر وجهي، لا أظن هناك ما يستدعي هذا الأمر، ليس ثمة أحد ينسى وجهه على هذا النحو، هناك من يعتني به لأجل الأطلالة الباهرة التي ستجعل
عشيقته تغدقه بالقبلات، والآخر حياته حافلة بالشخصيات المهمة للحد الذي يرى نفسه بالمرآة
لعدة مرات.
أذكر مالك العمارة حينما قال لي: "أنصحك أن تأخذ
المكان الذي يطل على الشارع الرئيسي كي يؤنس وحدتك".
تعجبت من نصيحته وسألت نفسي: ألا هذا الحد يصل الحال أن يكون المكان خالي إلا من الموت لتنحصر الحياة في الطريق العام ؟!
تجاهلت رأيه كي لا يزعجني دبيب العامة.
مر أكثر من يومين، لم أسمع صوت أحدهم،
في اليوم الثالث أشتد بي الجوع، فكرت بطريقة
ما، لأقتناص الصوت المرجو، أنتظرت إلى الساعة
السادسة مساءً ثم نهضت أطرق الأبواب كي أسألهم
عن القليل من السكر أضعه في فنجان الشاي، طرقت لعدة
مرات وفي كل مرة أنادي بصوت أعلى، ولكن المؤسف لم يجب الصوت الذي تخيلته طيلة انتظاري، عدت إلى زاويتي مثقل بالخيبة، ليس هنا غيري يسكن في هذا المكان، رميت بجسمي على الكرسي المهترئ.
ما معنى هذا ؟
بدت لي الحياة تتفرسني بوجهها البشع
لم أختر هذا المكان عن قصد، إنها ترميني
في أكثر الأمكنة ظلامًا، أتذكر ذلك المنزل الذي
مكثت به وحدي في مقتبل العمر، كان يقطن في أواخر القرية يحيطه مدى الصحراء المقفرة بينما بقية المنازل ملتقصة بعيدة عنه كأنها واجفه من إنارته القاتمة التي تعتلي
ناصيته، رحلت عنه منذ سنوات، واليوم يعود لي خوفي، ذلك الخوف؛ أن تزدرد صوتك قسرًا، أستيقظ
كل صباح، أتفقد الورقة التي رميتها على مدخل الباب الرئيسي، ربما اليوم أزاحها أحدهم أو دهسها على غير قصد، تتوالى الأيام والورقة باقية دونما أثر، إنه لشيء قاسي أن تبحث عن الحياة بطريقة ساذجة وبريئة يبدو ذلك أقرب إلى حال عجوز فقيرة تحلم إلى الآن بقطعة كعك بخيسة الثمن تلك التي رأتها من خلف زجاج محل السكاكر آنذاك في طفولتها،
لا أفهم كيف للقدر يقتحم أكثر الأشياء صلابة ويعجز
عن أتفه التفاصيل، تشعر وكأنما العالم تخطاك، إنك
وحدك هناك، منسي بطريقة مؤسفة مثل دمية بين
كومة نفايات.الشمس غربت اليوم كعادتها، رأيتها بالصدفة بينما
وقفت أمام النافذة أتأمل الشارع الخالي، لم يثير بي
تلاشيها أي شعور حالم، بدت كشيء مهترئ، أتعلم
ما معنى ذلك ؟ إنه نذير الموت !
أن تفقد الدهشة من أكثر الأحداث المثيرة
دلالة أن روحك أوشكت على التعفن.
رأيت الظلام يخيم على نواصي المنازل ثم يحبو
بين الأزقة، بدا كأنه جموع من الأطياف السوداء
تحولت إلى كتلة هلامية، تتراقص على هوادة
بشكلٍ مسرحي، صرخاتها صامتة يبدو لي ذلك من أفواهها التي تُفغر بتفاوت، أشعر بموسيقاها الخرساء
تقتحم دخيلتي وترعب فؤادي.حينما تعيش لوحدك ترى كل الأشياء الجامدة تحاول
قتلك باعتبارك دخيل عليها،
في كل مرة أعود لفراشي يعتريني هاجس من الخيفة؛ من سجائري أن تعود وتشتعل، أخاف من الشمعة تلك حينما أخمدها بعدما أغلق كتابي، ذلك الموقد الذي يقض مضجعي لأتأكد هل يتسرب منه الغاز بعد آخر فنجان قهوة أحتسيته على أطلال الماضي، لطالما كان يسرق النوم مني لساعات طويلة، ران بي الأمر إلى أن استبدلته
بالآلة الكهربائية المسماه بـ "الهيتر" حسبت أني سأنام بشكل أفضل من السابق ولكن حلقاتها المعدنية المتوهجة تحاول الإنتقام للموقد، أخاف أن يعود الزمن دوني قليلاً للوراء ويأتي يوم أستيقظ به لأجدني تحولت إلى كتلة رماد !.أحمد
![](https://img.wattpad.com/cover/65303947-288-k862985.jpg)
أنت تقرأ
اقتباسات. | .Quotes
Casualeاقتباسات عشوائية. لا أقتبس شيء من الواتباد قطعيّاً جميع الحقوق محفوظة لأصحابها ولا شيء لي هنا. أول كتاب اقتباسات بالعربي ⭐️. ✨✨✨