الفصل الثالث

526 69 11
                                    

"آه روم, يجب أن تتحدثِ إلىّ إذا أردتِ التحسن" قال لى الطبيب, أنا فقط ظللتُ صامتة و ضممتُ ساقاي لصدرى أكثر بينما أنا جالسة على الكرسى الذى أمام مكتبه. "ماذا هناك للتحدث عنه؟" همست له و هو سمعنى و تنهد, "قولى لى عن الحادثة, تحدثى عنها, قولى لى كيف شعرتى حينها و كيف تشعرين الأن. يجب أن تُخرجى كل ما بداخلكِ لكى لا تتعبى من تراكم المشاعر".

"الأشياء المعنوية و المشاعر لا يمكن وصفها" قلت له و نظرت بعيداً, "و أنت تعرف كل شئ عن الحادثة, ليس من الضرورى أن أتحدث عنها".

لا تظنوا أننى عنيدة, لكنى لا أريد التحدث عن الحادثة. و فى كل مرة أقابل فيها الطبيب, يقول لى أن أتحدث عنها. و كيف يقول لى أن أخرج مشاعري؟ أنا بالمعنى الحرفى فارغة من الداخل, لا شئ بداخلى. كل مشاعرى و حزنى و دموعى أخرجتها من داخلى منذ بضعة أشهر.

"وقتنا أنتهى" قال الطبيب, " أرجو أن تفكرى جيداً فى الإنفتاح لى فى الحديث, لأن إذا لم تبدئى فى الحديث معى, لن تتحسن حالتك أبداً". و بدون أن أقول أى شئ, وقفت و غادرت, و الممرضة كانت تنتظرنى بجانب الباب.

"أخيراً أنتهيتِ, إنه موعد الزيارة و شخصاً ما ينتظرك منذ فترة" الممرضة قالت لى, و لكننى أومأت برأسي فى المقابل, "ما خطبك؟ ألا تريدين أن تذهبى لمقابلتهم؟" سألتنى الممرضة و عبست.

"لا, أنا أريد ذلك" قلت لها لأننى أعلم مسبقاً أنها خالتى, الممرضة فقط أبتسمت لى و أمسكتني من ذراعى, قادتنى لقاعة الزيارات المليئة بالطاولات و المرضى الذين يجلسون مع عائلاتهم و أصدقائهم, عيناي وقعت على خالتى, و بتلقائية وجدت نفسى أركض لها, خالتى أبتسمت أبتسامة واسعة و ضمتنى فى ذراعيها.

"أشتقتُ إليكِ" تمتمتُ لها و دفنت وجهى فى رقبتها, "أشتقت إليكِ أيضاً يا طفلتى" قالت لى بصوت حنون.

"كيف حالك؟ هل تأكلين جيداً؟" سألتنى خالتى بمجرد أن جلسنا على طاولة, "أنا بخير" قلت لها و هى فقط أمسكت بيدي, "أسفة لعدم زيارتى لكِ بوقت أقرب, لقد كنت مشغولة مؤخراً, و لكنى سأزورك بأستمرار منذ الأن فصاعداً" وعدتنى خالتى.

"لا بأس, الأهم هو أنكِ هنا الأن" قلت لها و أنا أرى أن الآلم و الذنب من وضعى فى هذا المكان مازالا بعينيها, "أنا حقاً أسفة يا حبيبتي على وضعكِ هنا" قالت و كانت على وشك البكاء, "خالتى, كُفى عن التأسف, أكره ذلك. أنت لستِ السبب فى حالتى الأن و وضعى هنا كان أفضل من بقائى بالمنزل" قلت لها و هى مسحت دموعها سريعاً, "على أي حال, جلبتُ لكِ شيئاً" قالت لى ثم أخرجت بعض الكتب من حقيبتها, "تحدثت مع الطبيب و قال لى أنه لا بأس بأن أعطيك هذه الروايات, كنت أعلم أنكِ فى أغلب الأوقات ستشعرين بالممل, كما أنكِ تحبين القرأة".

أمسكتُ بالكُتُب و تطلعت على أسمائها, أربعة كتب و كلهم من الكتب حديثة النشر, "شكراً خالتى" قلت لها. أننى حقاً أعتبرها أمى الثانية و هى تحبنى كثيراً, خاصةً أن ليس لديها أى أبناء, لذلك هى تعتبرنى ابنتها الأن.

"جيميني!" سمعت صوتاً يقول و ذلك جعلنى ألتفت لمصدر الصوت, كان يجلس بالطاولة التى بجانبنا فتى, يبدو عليه أنه أكبر منى بعدة سنوات. كان يبتسم و نهض من مقعده ليحتضن فتى أخر أسود الشعر, جيمين.

"كيف حالك؟ أشتقت إليك" قال الفتى لجيمين, لكن كالعادة, جيمين لم يرد أو يبدى أية مشاعر. كلاهما جلس و الولد الأخر أستمر بالتحدث, و كان يبدو عليه التفاؤل و السعادة, رغم أن جيمين لا يرد عليه أبداً و يُشعِرُه بأنه يتحدث إلى نفسه.

"آه روم, هل تستمعين إلىّ؟" قالت خالتى, مما جعلنى ألتفت لها مرة أخرى, "أسفة, ماذا قلتِ؟" قلت لها و هى فقط حركت رأسها يميناً و يساراً, "لا تهتمى, لم يكن بالأمر المهم. بأية حال, وقت الزيارة أنتهى و علىّ الذهاب. أحرصى على تناول طعامكِ و أقرأى الكتب, حسناً؟" قالت لى و أنا أجبت عليها فقط بإيماءة, و هى فقط قَبَلَت جبينى ثم غادرت. أدرتُ بعدها رأسى للطاولة التى يجلس عليها جيمين بدافع الفضول, أعلم أن هذا خاطئ لكنى لا أستطيع أن أمنع نفسى بسبب فضولى.

"أسف لأن جونغكوك لم يستطع أن يأتى, إنه ليس متفرغاً بسبب الجامعة, و لقد أخذت أجازة من العمل لكى آتى اليوم, لكنى أعدك أننى سأتى أكثر للزيارة" قال الفتى الذى يجلس أمام جيمين, و جيمين فقط أومأ برأسه.

فجأة, كما حدث بالكافيتريا تماماً, جيمين حدق بى. لقد كان مواجهاً لى و للفتى الجالس أمامه أيضاً, بينما الفتى يعطينى ظهره. لا أعلم لماذا, لكنى عضضتُ شفتى السفلية و شعرتُ بالتوتر بعض الشئ. نظرت بعيداً عنه و حملت كُتُبى الجديدة و أسرعت لخارج غرفة الزيارات حيث كانت الممرضة تنتظرنى.

 مضطرب عقلي صامتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن