الاسم : بتول العطر
العمر : 17
الجنسية: سورية
مشاركتي في مسابقة #نأبى_الهوامش
****************
نحوَ النّجاةقطراتُ مطرٍ تهوي دراكاً على تربةِ عطشى لها,تربةِ ذاقت طعمَ ملوحةِ الأيامِ كما يجب فرامت مطراً محبىً بمهوٍ من ملح الحياة,علّها تشبع غريزتها وتتصبرُ فيها عاطفةٌ اتخذت من تربةِ الروحِ مسكناً.
ذلك المسكنُ وجد في إحدى أزقّة حيٍّ حافظ على عاداته وتقاليده,فتشعّب في جدرانه اللاشيء!
واحدةً تلو أخرى, كبتلات جوريةٍ لم يستطع كأسها حمايتها من ريحٍ رماديةٍ أحاطت بكل ما تملكه من كنوزٍ,ليتحول الكنز إلى رماد,ريحٌ قدمت من صحراء الجوف الأعمى,من مستحيل الأيام وخور الآمال,لتصرعها فوق أرضٍ عاريةً لا حول لها ولا قوة.
تلك البتلات اشتعلت بنارٍ من جهنم لتكون ردة فعلٍ سقيمةً,أمام مطر الآهات,وصيحاتٍ حملت في ثناياها شيفرات عن معنى الحياة المجنح الموسوم,عن معنىً قابعٍ خلف قضبانٍ من الحمق!
فالأرض اليانعة آلت كديةً قاحلة!
اختلاجٌ في الفكر تقع عاقبته الكثير من الوجوه,لتكشف ضحايا الحرب الدموية التي أودت الكثير قتلى بلا موت حقيقي,واختلال يصيب المكان جرّاء التحوّل اللامنطقيّ لتتأرجح إثره أرجوحةٌ بلا أعمدة فوقها ملاكٌ يبتسمُ ابتسامةً سرمديةً وقد قيّد بقيدٍ من الكفر,كان يحاول الفرار ببسمته, فقد تعلّق ذاك الأخير بخيط أملٍ واهنٍ.
وفي العمق كانت بحيرةٌ يلوح عليها دمٌ أحمرٌ, ووجوهٌ تصرخ,تلك الوجوه سقطت من الأنفس البشرية لتضع بصمتها على لوحتي الحورائية!.
استيقظت إثر تلك الأحداث المتتابعة وراء بعضها أهذي..
أشرعت ساقاي للهواء الطلق في غرفةِ محددةِ تختنق بما فيها , نحو أملي...نحو نافذةٍ كُسر زجاجها بسببي عندما كنت غائبةً عن الوعي إثر جرعةٍ زائدةٍ من الماريجوانا... نافذتي رغم اعتناقها الحداد بسبب وفاة زجاجها إلّا أنّها مابرحت تصبرُ وتعتني بوردةِ اللوتس وتحتضنها برفق!
وردتي كلَّ صباحٍ, منذ بزوغُ الفجر تمتطي حصانَ أمل الحياة لترى ما يحصل, يعييها المرض عند الغروب أي
- عند بزوغ فجري- لتروي على مسامعي المشوّهة أقصوصة الزمان القاهر السافر الذي أوداني إلى هنا..
الموتُ طيلة النهار كان الملازم لي مذ رماني القدرُ بمنجنقه لأحطّ على هذا الكوكب الصارخ الذي لا يحتوي إلّا على قليلٍ من الإيمان والكثير من الكفر المشبع بالاستغلال!
فالمنيّة الحيّة في هذه الحالة ستكون أفضل... هي نجاتي..هي عشقي هي الوصال!
كم وقتني حرّ الشّوق وأبعدتني عن نار الخبث في صيف الشمس العتيقة .....
وكم وقتني برد الوحدة وقسوة الكلام المهمّش في شتاءٍ يعصف بنا بلا رحمة!هذا الصباح الأول لي, رأيت الشمس وفيها يحترق الحق,قد كنت أرضاً بور بكل ما للكلمة من معنى.
لا أملك ميقاتاً للزمن أعود فيه ليلةً واحدةً,سنةً واحدةً, عمراً كاملاً......
أزمعتُ أن أقاوم..ولكن الخور الذي بثّته إرادتي كان لي بالمرصاد في كل مرة...
ضعيفةٌ أنا أو بالأحرى الشمس قاسية في أوج الترق الذي عهدتّه -كم كنت طائشةً حينها- ترقٌ أوداني إلى ذات الهاوية..!
الشمس تلتهب ويلتهب معها خافقي,لتفتق كلَّ جرحٍ أخطته بخيطٍ قديمٍ من أشعتها العتيقة. ..
"خلق الإنسان من صلصال كالفخار"
وأنا الصلصال الذي يشوى بهدوءٍ إثر ترق الشمس...
فلم أتوقع كل هذا الجفاء والقسوة منها...
أيفعل المشتاق ما هو أسوأ؟ هكذا حدّثتُ نفسي
للحظةٍ برق بخاطري ذكرى وردتي المنسية, نظرت للنافذة بعينٍ خاويةٍ , فقد تذكرت أنها لن تعود إلا عند الغروب,اتّسعت حدقتا عيني فإذ بها صريعة حرب دامية !.
الغدر قد شوّه بياض وجنتها فآثرت الموت على البقاء جيفةً يقتات عليها غراب وحدتي , حصانها قد شُوِّه بالباطل فانتقل هو الآخر إلى الدار الآخرة...
كنت الشهيدة الوحيدة على هذه الحادثة المشوبة بالطهر والعفة..وكان أملي بالتوبة قد بات هباءاً منثوراً ورتق جروح الروح بات مستحيلا...
فحقنت نفسي بالمورفين...و ذبت...!
صوتٌ أتى من أعماق روحي إنه صوت أمي المسجوع وهي تناديني
-مسك ,ماما كفَي عن اللعب ماما قولي لوالدك جاءني المخاض
+أمي قولي لمخاضك أن يتوقف ريثما أنتهي من اللعب
-اندهي بسرعة لوالدك..آآآه
ثم اختفى صوتها للأبد....
"مسك"
كنت مسكاً يعطر الدنيا بلسماً يداوي الجراح..تخترق ذاكرتي هذه الكلمة "بلسم"
فتبعث في داخلها ذكرىً لوجعٍ قديمٍ طببته ضحكتي!
-بابا تعال وألقِ نظرةً على ما صنعت
+ابتعدي مسك
قد كانت غشاوةٌ من الدمع تملؤُ عينيه الطاهرة نظرت له واقتربت قليلاً,عيناه تلمعان كأنّهما قطرتان من البنّ في كوب حليبٍ صافٍ!
-أبي .....وقد رسمت ابتسامة على وجهيَ الطفوليّ..هيّا قم معي هيا بنا..
نظر إليّ نظرةً شبه فارغة..كانت فارعةً وكبيرةً على أن أفهمها في ذاك العمر!
قام من مكانه وذهبنا سويةً ...ما أجملها من سعادة أنا الملكة التي تقود والدها نحو مملكتها..بوابة القصر شبه مفتوحة والبخور يعمّ أرجاء المكان...
-أغمض عينيك
وكمن يستسلم لمصير ملاقيه استسلم ذاك القوي لطلباتي,دخلنا بحذر خوفاً من تعثره بإحدى أحلامي المعلّقة في سقف السماء ليصل مداها الأرض,وأجلسته على عرشي..
الفرحة حينها غمرتني أيّما غمرة!
أخرجت لوحتي الطفوليّة التي تلونت بأجمل الألوان ووضعتها أمام وجهي ,ثم بدأ الخوف بالتسرب إلى داخلي كسريّةٍ للقتال مع ثباتي المزعوم والسّؤال ذاته يتكرّر
"ترى أ سيحبها أم لا؟"
-بابا افتح عينيك هيا
انصاع لي ورأى ما نمنمتهُ يمناي , وجهه الشاحب المتبلور أمام لوحتي بدأت تغدقه دماء الحمرة الصافية... اغرورقت عيناه بالدموع ولم أجد نفسي سوى داخل حضنه !
حضنُهُ!!
عن أيّ أمانٍ أتحدث؟ عن أيّ سلامٍ أقول؟ وعن أيّ حبٍ يتجلّى فوق كل أنواع الحب سأعبر؟
قد كان أحجيةً صعبةً ما أدركها قلب بشرٍ قط وعجز أمامها العقل!
يُمناه بدأت تلاعب خصلات شعري وقطرات دمعه تنشل الخطايا
بلهجة حزينة منكسرة قلت:
-أبي ألم تعجبك ؟ رسمتك وأمي وأنا .. انظر أمي فوقنا في السماء تلوح لنا سعيدة.. تشاهدنا كيف نضحك فتضحك معنا...أ لم تقل لي أن الميت يشعر بالحي ويراه؟؟
ها هي ذا...ولكنك نسيت أن تخبرني بأن الميت يكلّم الحيّ..تقول لي دوما:
+ابتسموا فما العمر إلّا لكم... أنتم الحياة.
وكأنني فتقت جرحه الذي صبر عليه لأشهر..احتضنني بقوة وشرع بالبكاء علنا.. إنه الجبار الذي لا يهوي يتهاوى أمام ناظري الآن,قلبي يخفق بقوة وشرعت بالبكاء معه , لم ينطق ببنت شفة فقلت:
-آسفة أبي حقا, لقد اشتقت إليك ,اشتقت لبسمة أمي, لضحكتك التي تنير دربي...اشتقت لكم جميعا
خبأت رأسي في حنايا صدره الواسع الكبير,أصابعه مازالت تتخلخل بين خصلات شعري كمنوم ومهدئ للأعصاب,فرحت أسكنُ وأهدأ إلى أن باغتني النوم على حين غرةٍ, فغفيت في حضنه الدافئ...
ساعات قد مرت ولا زلت أتذوق طعم الأمان بنهمٍ شديد, كأنني فطمت عليه منذ زمن ..
استيقظت,كنت ومازلت في أحضانه كياسمينةٍ صغيرةٍ وسط بستانٍ امتلأ بالعشب,كأنني الإكليل الوحيد المرصع بالندى فيه.
نظرت إليه... ربّاه كم أبدعت في الخلق واستغربت.!
كيف أمكن لمثله أن يجمع هذه الصفات المتناقضة,الهدوء والرزانة في وجه حاك عليه القدر جداول الأسى؟
كيف لجسد مثل هذا الجسد أن يضعف جراء لوحةٍ طفوليّةٍ كهذه؟
وكيف لقلبٍ حجمُه كقبضةِ اليد أن يتحمل كل هذه المصاعب ؟
سرت قشعريرةٌ في جسدي وبدأ الإحساس بالذنب يتعاظم,مثله مثلُ يوم الحشر فيه تؤول الجبال إلى رمال أما عني فقد كانت تؤول حبات الرمال الصغيرة إلى جبالٍ ضخمةٍ ,لتخلق هموماً في ثوانٍ عدة لم تتجاوز نصف عمرٍ من الفرح!
أمي.... أنا السبب...كلا لست أنا..إنه ملك الموت احتباها قربانا للحياة..
بل أنا السبب , أنا التي لم تنده لوالدها وآثرت اللعب ..
بدأ الوسواس القهري عمله وأنا العجينة السّهلة اللّعب!
اغرورقت عيناي مجدداّ بالدموع..فوالدي لم يكن ينظر إليّ منذ ذلك المأتم ظانّاً أنني السّبب, لقد حرمته من ولد يحمل اسمه..
إلهي مجرمةٌ أنا قتلت فرحتي...وأمتُّ برعم الأمل داخل ذلك الجبار.
أفاق والدي جراء انتحابي الصامت فقد كانت كل آهٍ كفيلةً بتحطيم صخور المقاومة لديه!
-مسك! ما بك يا ابنتي ؟ ماذا حصل؟
+أنا السبب ... أنا السبب
ثم ما لبث يزداد نحيبي , وكل عبرةٍ تسقط كانت تكسر شيئاً في داخلنا معاً, شيئاً كلانا يعرف أنّه لا مفرّ من كسره لبدء النسيان فما يعالج الداء الصعب إلا بالكيّ !
وقيل لن تصل إلى الفرح إلا إذا كسرت عتبة الألم ,فارتأيت كسرها علّني أتذوق شيئاً من طعمه المنسِيّ!
وقف وأبعدني عنه ,تحول صدره الحاني الذي جمع كل أحزاني إلى جبلٍ صلبٍ لا يمكن لشيءٍ أن يَهُدَّهُ في هذه الدنيا,بدأ يعيد توازن كلماته وجسده ..يلملم برفقٍ قلبه المكسور..ليعيد في داخله دورة الحبِّ الفتية..
أمسك يداي وبدأ يدور بي في أرجاء الغرفة متناسياً أمر أحلامي البسيطة..التي رغم بساطتها كانت تضفي على وجنتي رونقاً خاصاً..فاسحاً المجال أمام ضحكاتي وصيحاتي لتخترقَ السماء,فدموع الحزن أينعت وتحوّلت لابتسامات فرح..قلبي تفتح وأٌخرج منه كل ألم,كان كمن يمسك مجرفةً فيزيل بها كل همٍ في مهجتي.
ضحكته التي شقّت عنان السماء انعكست على نفسي لتزرع فيها ورداً جورياً ملوناً بأزهى الألوان...أتاني الربيع من ضحكته فأزهرت,بعد أن سقى دمعي ودمعه العفيف تربة قلبي...حياةٌ أخرى قد بدأت!
ظلَّ يضحك معي,يلاعبني مرة ويدور بي مرةً أخرى, يروي قصصه الخيالية مع أبطاله الخياليين لأضحك حتى أتعب,ويأتي النوم بدورهِ ليمسح برفق على جفني..فاستسلم له متنثائبةً ثم نائمة, يمشط شعريَ الأجعد وأنا ألهو,فلا أمكنه من أداء عمله..فيغضب!
كنّا أشبه بطفلين في بستانٍ ما اصفرَّ فيه ورقٌ قط!
حضنه الدافئ مازلت أذكره غمرني الحنان بسببه, فرحت أرنو إليه كل ليلة,لقد وجدت فيه شيئاً لم أجده عند أحدٍ غيره,ولا حتى عند أمي!
عادت ضحكة المنزل تعم أرجاءه وعبير الفرح في كل ركن من الأركان..
صوت القرآن ونعمة الإيمان أضفت روحانيةً خاصةً على وجهينا فكأنما نحن ملكين حطّا على هذه الأرض لينعما بالسلام..كلُّ شيءٍ كان محضّراً بعنايةٍ في قدرنا
وما أجملهُ من قدر!
أُعجبتُ بحالة بيتنا الجديدة,فبدأت بحفظ كلماته تعالى والتدبر فيها حتى انتشيتُ من كثرة الأمن والأمان..
دائما ما قالوا اقترب من الله تجد الملجأ,تجد الفرح, فتزهد في أمور الدنيا حتى تغدو بكل ما تحمله من حزنٍ وألم, مرحلةً انتقالية لا أبدية ...
كانت تلك الأوقات من حياتي أوقاتاً ذهبية بحتةً ,فارتأيتُ إضفاء بصمتي الخاصة عليها..ارتأيت النجاة لكلينا....
وما كان طوق النجاة يسعنا معاً!
أمسكت ورقة بيضاء وكتبت عليها:
"هنا يقبع الأمل ....هنا جذور الفرح"
علقتها على باب بيتنا..عندما عاد كانت عيناه تلمعان من شدة الغبطة التي لا توصف..فخور هو بابنته التي لم تتجاوز الخامسة عشر بعد ولكنها استطاعت انتقاء طريق النجاة..اتجه مسرعا نحوي وقبلني على جبيني قبلةَ غبطةٍ, قبلةً فيما بعد سأشتاقها...
أنت تقرأ
نحو النجاة
Spiritualالحياةُ فلمٌ عرض في قاعة سينما الواقع, أخرجته أقدارنا,صورته أفعالنا.. أضاف عنفوان شبابنا عليه بعض التأثيرات... ورمّمَ كسورهُ أملٌ يتيم!! -الحياة... رحلة قصيرة الطول, طويلة الأحداث.. كتبت بدماء النور وعتمة المساء.. وزيَّنها نقاء ولمعان بعض القلوب! -ا...