"في شدق السعادة ارمني..
وارمِ معي كلّ شيء....ارمِ الحب واللاحب، الحزن واللاحزن،ارمِ الذكريات..."
تناولت فنجان قهوتي المسائية،وذرات الغيثِ تلاعِبُ وجنةَ نافذتي،بدأت تتعالى في داخلي أصواتُ نزاعات..
هنا أيضاً لا تَسلَمُ النفس...
مع أوّل رشفة،مضى العقل في طريقٍ خالية...
كنت أسيرُ بلا نور،بلا هدى،محمّلةً على أكتافِ الترح، تنثرُني الأحزانُ...
نورٌ طفيفٌ يشعُّ في عمُقٍ بعيد، لم أكن أعلم ماهو، نمنمتُ الثرى، خبأت داخل حبّاتها الذكرى، ثبّتُ ناظراً كان ملؤُه التوتر،وإذ بالثريا تهبِطُ الأرض...
ثريّا القدر،تنزِلُ في فندقي الليلة، وعلى حسابِ صحّتي...
إنها كما الشيطان، بل هي الشيطان بحدِ ذاته، بدأت تمزِّقُ أوراقاً خاصةً بي، وكنت أتمزّق منها حنقاً، كبّلتني بقيودِ السكوت، وأغلقت فمي بخيطِ الوتر.
في زاويةٍ خاصة من تلك الغرفة،بدأت نيرانٌ بالاشتعال،كانت تحرِقُ شيئاً عجيب، شيئاً من دونه لأضحيتُ في موتٍ قريب~
طقوس انتمائي لذاك الحزب... أحرِقَت، أصبح وجودي لامجدٍ، فحزبي الآن لاحَ عليه السقوط...
احترقت،ونيرانُ احتراقي،لم تتمكّن من جعل خيطِ فمي ينحلُ قليلاً...
تلك الغرفة، داخل حزانتها، في آخرِ رف، تحتَ ملابسي السوداء، داخل صندوقي، ورقة تثبت امتلاكهم لي... ارتاح عقلي... ثم صرخ...
لا، لا تقتربوا من هنا...
وماذا يجدي الصراخُ الآن!
يُتِّمتُ، لا حزبَ، لا بيتَ، لا طريقَ، ولا نور سوى ضوء الحريق...
خرّبوا الثرى، وكلُّ ذكرى طعنت بألفِ سكِّين، وحرقت بمحرقةِ النور...
لم يبقَ من أملِ الحياةِ سوى ذرة... بألا يحرقوا المكان!
ولكن أيُعقل هذا... فعملية الإجرامِ لا تنتهي إن لم تنهِ !
ارتميت على سريرٍ أبيض... كفَّنَنِي شهيقُ الصعداء، وزفيرُ ما قبل الوفاة...
قاب قوسين أو أدنى من الهاوية كنت أهوي، والمطر مازال يتساقط بشدّة، فيرعدُ جسمي، ويبرقُ عقلي! .
حُمِلت داخل كنفِ الرزانة، وفي كهفِ الهدوء قامت القيامة..
كنت أختنق، والموتُ مُحيطٌ بي من كلِّ جانب...
يلونني بسواده الفظيع، وبضحكةٍ تميلُ للذم، اقتربَ وتمتم بطلامسِ التخريب!
كنت وحدي وهكذا كانت عادتي، لا يوجد داعٍ للفتِ انتباه أحد، أو لمناجاةِ أحد...
عادت الثريا... غرفتي بعد أن كانت سوداء، قام الرماد بتكحيلها، ليت آفاميا تكون هنا!!!
قامت بتزيين المكان ، النور والألوان،والعصافير والفراش، الشجر والورد... لأوّل مرةٍ ينبت الربيع في هذا المكان.... ومتى كان الربيع يزهر في الخريف والشتاء؟؟
اقتربت مني نجمةٌ صغيرة... قالت:
ألم تطلبي أن نرميكي في شدقِ السعادة، لقد أتعبتنا فقلبُك كان مليئاً بالمطبات والحواجز، وصعبٌ هو إعادة التأهيل...
حزبك الذي انتميت إليه سابقاً انسيه... وشيعي جثمانه لأقربِ مقبرة...
هذا هو حزبك الجديد، وهاهو الربيع هنا...
حزبُ "السعادة و الأمل"
ثم بطرفةِ عين اختفت الثريا... لم يعد أثرٌ لها، بل ثمةَ أثر أليس ربيع هذا القلبِ بأثر...
انتهت حالةُ الشرود برعدٍ عاصف... -هي لم تكن شيطاناً،هي الملائكة كلها بنظري...
لم أكمل فنجانَ قهوتي السادة،كسرت الفنجان....فمن واجبي إكمال ما بدؤوه،ذهبت إلى المطبخ حضّرت قهوةً مطعمةً بالسُّكر، سقيتُ زهرةَ الكاردينيا،وجلبتها إلى جانبي لأستنشق أريجها، أغلَقتُ كتاباً كنت اقرؤه بعنوان "انتماء"
أطفأت صوتَ أغنيةِ الحزنِ،كانت نابعةً من الهاتف المحمول،
فتحت المذياع، صوتُ الأمل... صوتٌ قديمٌ رائعٌ... كان السديس يرتِلُ آياتهِ تعالى...
"إنَّ مع العسر يسرا"
بعد تلك الحادثة..
حمَلتُ بالفرحِ داخل أحشائي،كنت أطيرُ من شدَّةِ السعادة.... حملتُ به، وإذ بي أتفاجئ بالطمأنينة تمكثُ بجانبهِ في رحمي، لم أذهب إلى طبيب لأتأكد من صحة الحمل، لم أقم بتصوير إيكو لأرى جنين السعادة داخلي، كنت أودُّ الابتعاد عن كلِ شيءٍ قد يسبب الأذى لهما،للفرح وللطمأنينة،
كم هو جميلٌ أن يحمل المرء داخل أحشائِه الزهرَ والياسمين، كم هو رائعٌ هذا الأمر~
كنت أشعر بهما يتحرّكان داخلي، حركاتهما تملؤني ضحكاً عفوياً،
أشعر باقترابهما مني، يحتلون في كلِ يوم جزءاً أكبر من قلبي.
كلَّما أراد الحزن أن يقترب مني، كانا يملآنني قوةً، يرسلان إليَّ نسيماتِ السعادةِ عبر حبليَ السري!
طعامي من طعامهم، سعادتي من سعادتهم، كنت أحيا بوجودهم.
"لا أحد يتصوَّر صعوبةَ الحياة بلا فرحٍ وطمأنينة،إنها قاسية جداً،
أقسى من ريحٍ صريرٍ في فصل الشتاء"
أضحيت أصبح على حركاتهم، وأمسي على انتظارهم،
كانت شهوراً لا تقدر بثمن،لم أذق فيها وجع الحنين والشوق، لم يتجرأ فيها الحزن على ملامسة شغاف قلبي، لم يأتِ الخوف ليجلس على طاولة طعامي كل وقت...
ولم أعد أنا كما كنت....
كانت زهرةُ الكاردينيا متنفسي الوحيد الذي لم أبرح أتنفَّسه وأسقيه لفرحي وطمأنينتي، وحتى قهوتي مع الأيام تخلَّت عن بنِّيَتها مراعاةً لحالتي الجديدة.
أزهاري أصبحت تغار،قدري يغني أجمل الأغاني،أمنياتي تعزفُ موسيقى الأورغ والقانون، وأناملي تخطُ سيمفونية الجنون.
تصالحت مع الجنون وأصبحنا أصدقاء مجدداً، أعلنت انقلابي على التناقض وخلقت من جديد!
"أنثى جديدة تنمو في داخلها هديةُ القدر"
في أشهرِ الحمل كل النساء تعاني من الثقل والخوف والانكسار والمهانةِ من كل شيء...
إلا أنا!
حملت بتوأمٍ،ولم أشعر يوماً بثقلٍ يكسر ظهري، لم أفتح نافذةً للخوفِ كي يدخل منها، ولم أكن أسمح لشيءٍ بإهانتي...
فإنني والله شاهدٌ على ما أقول، كنت كلما ضعفتُ أرسلت لي الطمأنينة جرعةً منها، وأرسلَ الفرحُ قبلةً حانية، عن طريق حبليَ السري... كنت أشعر بها، وبصراحةٍ أكثر كنت أنتظرها بفارغ الصبر! .....
يوماً بعد يوم، شهراً بعد شهر، عاماً بعد عام، حملي مازال على قيد الحياة، تكبر الأعوام وتكبر البيوت، وأنا لا أكبر بقيت كما أنا ومازلت
أنت تقرأ
نحو النجاة
Spiritualالحياةُ فلمٌ عرض في قاعة سينما الواقع, أخرجته أقدارنا,صورته أفعالنا.. أضاف عنفوان شبابنا عليه بعض التأثيرات... ورمّمَ كسورهُ أملٌ يتيم!! -الحياة... رحلة قصيرة الطول, طويلة الأحداث.. كتبت بدماء النور وعتمة المساء.. وزيَّنها نقاء ولمعان بعض القلوب! -ا...