-مرحباً...أمازلتَ تذكرُ ما حدث..
سأخبرُ العالم علّني أعتق من هذا الحمل...
في أوجِ سنِّ المراهقة،سجنت نفسي داخل قوقعة التمرّد،ورميت بالمفتاح إلى ما وراء الشمس!
أحطتها بأكثر أنواع الجدران برودةً و قساوةً، جُدران القمع!
تقاسمت مع أمنياتي الشقية سقوعتها...
كنت أجلس قبالتك في كل يومٍ، أنزع عنك قمل الأيام القديمة المتهالكة على عاتقيك،لعلني أرتقي بك...
وذات مساء،بينما كنت أنظِّفُ آخر مهملاتِ ذاكرتي،وقفت فجأة ونظرت لانعكاس صورتي فوق الماء المرتشح من تلك الذاكرة.
تراجعت!!!!
أهذه أنا!!؟
أيعقل أنني أضحيتُ فتاةً عاث بها الدهر خراباً فقلبَ ربيعها خريفاً؟؟
أصبحتُ لا أقوى على الوقوف من هَولِ منظري،حتى رأيت أثاث غرفتي يرجفُ مرتعباً...
سريري برجفُ خوفا من الآتي,
وقلبي لاحَ عليهِ الجنون...
جلست باستستلام،وأسى على حالتي هذه.... تطاردني أشباح ذكرى ماض قديم....
_كفى!!!
أصرخ..
يُفتحُ باب سجني , وسجاني -أنت- قد بدأت شرارة الحنق تتطاير من عينيك ناظراً إليَّ، وناسياً نور الشمسِ الذي بدأ يدخلُ غرفتي مخترقاً إيياك...
الساعة... تِك تَك تِك تَك...
البابُ مفتوحٌ أمامي،لهيب أمعائي يخنق عبراتي فيمنعها من النزول.
صدقاً.......
لم يحدث شيء عدا أنَّ سكينةَ القدر اخترقت قلبك في سرعةٍ فائقة ...
وقفت... تجمدتَ...
البركان الثائر في داخلي هدأ... وبركانك المشتعل خمد...
صوبت يدك نحو صدرك،لحمتها مع ذاك القلب الذي مابرح يدق بسرعة...ببطئ....قليلا أكثر....
تهاويت على الأرض تاركا لي الباب مفتوحا،لأنعم بالحرية التي حرمت منها، تلك الحرية التي ستوديني إلى الجحيم..
************************
جالسةً على شاطئ الحرية ، أمتع ناظري بجمالِ بحرها، وبلؤلؤِ صدفها الذي يُخيَّلُ إليَّ كموجٍ مضطربٍ
مثلي تماما.
أحاولُ بين الحين والآخر أن أتناسى قلباً يخفق بشدة، وبألمٍ أيضاً، أن أتناسى ضميراً يؤنِّبُ على تلك الجريمة.....
ورغمَ ذلك المنظر الحسن،لم أمنع ذاتي من تذكّر أيامي معك،قبل أن تقتلك سكينةُ قدرٍ خانها انفعالي...
بدأ الأدرينالين والخوف يسري في تلافيف ذاكرتي الفتية،ويطوقني بحبلٍ من أغصانٍ توترٍ شجرية، يجعلني خائفةً في كل لحظة...
أقرُّ بذلك...
قد كنت أخاف فقدك بشدة،بالرغمِ من أنني لطالما حلمتُ بعتقي منك،كنت أخافُ خيانةَ حبلٍ سريٍّ جمعني وإيياك داخل مشيمةِ القدر، ثم مايلبث أن يأتي المخاض ليفرقني عنك في لعبةٍ واهمة!
أنت كنت التناقض والاختلاف العفوي، كنت آيةً للنوى والردى في ذاتِ الوقت...
تتشبه لي الآن بعد وفاتك بقطرةِ ماءٍ تمردت من بحرِ الحزن، وقبلت ثغري قبلةً حانية وباردة معاً..... فجعلتني أسيرةً لها.
في آخر المطاف صرت مجرد واهمة،وكل مساءٍ أرنو فوق غيومِ الوهم علّني أراك هناك وأُشبع نظري منك.
صحيحٌ أنني تمردت...ولكنني ندمت ليتك تسمعُ ندميَ الآن وتعود..
فالحياةُ بوجودِ الحرية المكركبة صعبةٌ جداً...
صعبةٌ جداً لدرجةٍ لا تستطيع التعامل معها...
لدرجةٍ أتوق فيها لأيامي معك...
سافرتُ الآن.....
تخلّيت عن حريتي تلك.... تصوّفت، وأودعت نفسي داخل كنف الهدوء...
أعلمُ أنك الآن تقرأ كلماتي، وسيُذهلك الأمر، ستفتح عينيك بأكبر قدر، وستتأكد من عنوان وتاريخ واسم المرسل...
ستتفاجئ ويصيبك الذهول...
لم أستطع الحياة بدونك، فقد كنت الخطّ الأحمر الذي يحميني من شتى مصائب الدنيا، كنت الخطّ الذي لطالما أعلنت انقلابي عليه، ولم أيأس حتى فزت...
البارحة، عندما جلستُ على ذات السرير، في نفس الغرفة، تناهى إلى مسامعي صوتُ فيروز...
راجعين يا هوى راجعين
يا زهرة المساكين...
راجعين يا هوى على دار الهوى على نار الهوى
راجعين...
عبرةٌ خانت مقلتي ونزلت غصباً عني... أسترجع يوماً إلى حينا...
لن أطلب منك الذي طلبه محمود درويش أو الذي طلبه نزار قباني...
كلُّ ما أريده هو أن تعود أنت إلى حيِّي الوحيد... إلى حيِّك الذي مابرح يشتاقك منذ أول لحظةِ فراق...
ربَّما بعد قراءتك لرسالتي ستعرف مصداقية حروفها... وستعود بالتأكيد
كن على يقينٍ بأني سأنتظرك في عينِ المكان...
**********************
انتظرتك كثيراً عزيزي...
لماذا لم تأتِ بعد، أولَم تؤثر فيك كلماتي؟
أم أنّك كرهتني بشدة؟؟
أرجوكَ لا تحقُد علي فمثلُك لا يعرف الحقد والكراهية...
مثلك خلق ليحميني و يسقيني من شرابِ الحبِّ النادر.
ولكنني لم أستطع تقدير هذا العطاء.
أتعلم!؟
لقد اكتشفتُ مؤخراً إصابتي بمرضٍ عجزَ الأطباء عن علاجهِ ولكنهم اتفقوا على وجودهِ معي..
على حدِّ قولهم: إن المرضَ قد أكل كلَّ عقلي في أمسيةِ عشاءٍ واحدة أقيمت على شرفِ موتِ أحدهم... وكان يرافق تلك الأمسية سيمفونية موسيقى بيتهوڤن ...
لم أصدقهم على كل حال.
فطوال عمري لم أحضر وفاةً، ولم أرَ شخصاً ميتاً...
صحيح... كيف حالك أنت ؟؟
نسيتُ أن أخبرك.....
لقد قررت اللحاق بكَ....
أنت هو أملي الوحيد بالشفاء...
ولكنني لست مريضة!
على أيةِ حال...
متى سأراك؟ ما رأيك غداً بعد العشاء في مطعمِ النسيان؟
سأطلبُ وجبتنا المفضلة، قليلٌ من الزهايمر في طبقٍ محشوٍ بالمجاملات وشرابٌ لا يذهب العقل بل يذهب الحزن فقط...
لا تنسَ الموعد...
سأرتدي ثيابَ الصلاةِ لتراني بأبهى حلّة، ولكن لا تكن كعادتك تأتي فجأة...
دقَّ الباب برفق.... اعلمني بحضورك لأقوم بواجبك، ثم نذهبُ سويةً لمطعمنا...
وبعدها لا يهمني الشفاء أو اللاشفاء
الموت أو اللاموت
المهم كوني معك...
أنت تقرأ
نحو النجاة
Duchoweالحياةُ فلمٌ عرض في قاعة سينما الواقع, أخرجته أقدارنا,صورته أفعالنا.. أضاف عنفوان شبابنا عليه بعض التأثيرات... ورمّمَ كسورهُ أملٌ يتيم!! -الحياة... رحلة قصيرة الطول, طويلة الأحداث.. كتبت بدماء النور وعتمة المساء.. وزيَّنها نقاء ولمعان بعض القلوب! -ا...