عفريت المقبره

262 11 3
                                    


جرت العادة في قريتنا بالقيام بزيارة سنوية إلي المقابر وقضاء اسبوع كامل بداخلها، وكانت المقابر تبتعد عن القرية بعشرات الكيلومترات، قابعة بالقرب من الجبل، وقد كانت المقابر متصافة بجانب بعضها البعض لتظهر وكأنها قرية مهجورة محاطة بالغموض والاثارة، وفي زيارتي الاخيرة مع عائلتي إلي المقابر تذكر والدي اشقاءه الذين خطفهم الموت مبكراً، فجلس بجوار قبرهم يبكي، وخلال ذلك مر العم صالح جارنا بالقرب من المقابر، فسمع صوت بكاء أبي فاقترب منه وبدأ يرتب علي كتفه قائلاً : لا تبكي وتنحب كثيراً يا أخي فالبكاء لن يفيد بشئ مثلما قال عفريت المؤاساة .


عفريت المؤاساة !! يالها من عبارة غامضة مخيفة، لها رنين غريب علي قلبي وأذني، نظرت إلي العم صالح في دهشة ويبدو انه فهم علي الفور وبدأ يجيبني قبل أن اطرح سؤالي قائلاً : " أنتم تعلمون أنه كان لدي ابن فقدته وهو في ريعان شبابه، وقد ظللت لسنوات طويلة آتي إلي هنا وحيداً أبكي علي قبره، وذات مرة توفي أحد الاقارب وذهبت مع العائله لدفنه، وكعادتي تركت الجمع وذهبت بعيداً متجهاً نحو قبر ابني، علي الرغم من عتمة الليل الموحشة ورائحة الموت ورهبة المكان، وعندما وصلت إلي القبر ألقيت جسدي فوق قبر ابني وأخذت أبكي وأنوح " .

اصطرد العم صالح قائلاً : " وهنا سمعت صوتاً من خلفي يقول : " مرت سنوات عديدة وأنت تأتي إلي هنا وتبكي علي ابنك، يكفي بكاء فإنه لن يفيد بشئ "، ثم شعرت بهذا الشخص يقترب مني وأنا لازالت غارقاً في دموعي وقال : هيا ناولني يدك لاساعدك علي النهوض، ظننت أنه أحد عائلة المتوفي قد تبعني وجاء خلفي، وكن عندما وضعت يدي عليه اخترق ذراعي جسده، وكأنني أتكأت علي هواء .. انتصبت في ذعر وإذا بي أري أمام عفرين له عينان تتوقدان كانهم جمر يلتهب وفمه يتسع كبئر عميق .

خيم صمت ثميل لثواني مرت علي كأنها سنوات، وكل منا يحدق في وجه الآخر .. هل أبدا بالركض الآن ؟ أم هو سوف يتلاشي في هدوء .. رحت أسال نفسي وبدون أن أشعر، وجدت نفسي أصرخ صرخة كاد أن يفزع منها الموتي، وأنطلقت هارباً مذعوراً، فخرجت منه ضحكة مخيفة تلاشي صداها في سكون الليل بين الأموات .. صرت اركض في المقابر وقلبي يكاد يتوقف من الخوف والرعب، وأنا اتخيل أن العفريت يركض خلفي ولكنني لا أقوي علي النظر للخلف، عدت إلي حيث الجنازة ولكنني لم أجد أحد من المشيعين، لقد رحلوا وتركوني .

امتلئ قلبي بالذعر فأنا وحيداً في المقابر، شعرت بروحي تخرج من جسدي .. رأيت احد الاشخاص يأتي من بعيد يشق الظلام بنور شعلة فعادت الطمأنينة شيئاً فشيئاً إلي داخلي، لقد شعروا بعدم وجودي وعادوا ليبحثوا عني ..ومن يومها وأنا لم اجرؤ علي الدخول إلي المقابر وحيداً أبداً .

قصص مرعبه حقيقيهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن