مررت أصابعها النحيلة ببطئ لتقع على ذاك الزر الاحمر المتوهج و تضغطه فيعم هدوء مريب المكان ، سكنت الدنيا من حولها فكأنما غدى الكل صما و بكما ..
لم يسمع حفيف الأشجار ليلتها و لا مواء القطط كالعادة لكسر صمت المكان و طرد غمامة البؤس تيك عن الجو ، فكيف يفترض أن تكون ليلة الميلاد اذا ؟ أجراس تقرع و ضحكات أناس يدعون السعادة و لا يبلغونها و لو بشق الأنفس ، بوعد بينها و بينهم كبعد الأرض عن السماء و الشفق عن المغيب .
نفثت دخانها و ظلت تحدق بالسيجارة المحترقة و أطرافها تتآكل تآكل الميت ليلة الأربعين .
- أنت أيتها السيجارة اللعينه! ما بك تحترقين لأجلي و تعلمين أن مآلك تحت قدمي مدعوسة ، أم تريدين إشعاري بالذنب أنت كذلك ؟
تهاوت يداها و دب الحزن في أعماق سيرورتها ، ينهش و يغوص حتى جثم صدرها و كتم نبضات قلبها لتسعل محاولة طرد تلك الأحاسيس . هذه ليلة الميلاد .. و ليلة استرجاع الذكريات مهما كانت ماهيتها ، أتفرح القلب أم تزيده هما على هم ، هي ذكريات و ستظل راسخة في عقلها الباطني تأبى التلاشي .
مدت يدها لتمسد جبينها قليلا و تهنيداتها الثقيلة عمت الغرفة ، أعادت تشغيل المسجل على أغنية طالما كانت بمثابة آلة زمن لها تعيدها لأيام خلت و لن تعود ، تعيدها لليال كانت و ستظل أسعد ما مرت به رفقة زوجها ، ليلة الميلاد نفسها !
صباح ذلك اليوم و تحديدا على الساعة ؛
7:00 صباحا
استيقظت باكرا لتجهز ما تيسر من إفطار لعائلتها الصغيرة بعد أن منحت وجهها بعض المياه و أطلت من نافذتها ليمنحها هواء بروكسل انتعاشا و اشراقا ، لحظة دخولها المطبخ ضغطت زر الاسطوانة لتدور و تدور معها راقصة على نغمات الأغنية ، حضرت بضع فطائر و كعكات و همت لإيقاظ زوجها بينما طفلها الصغير يأكل حبات الذرة المحلاه.
- كيفن ، استيقظ هيا تأخر الوقت ، ليس لأنه يوم عطلة سأدعك مستغرقا في النوم أيها الكسول هيا قم !
-أممم ، عزيزتي عشر دقائق فقط .
استدار للجهة الأخرى مغمغما رأسه و سائر جسده باللحاف
- العشر دقائق في قاموسك تعني ساعة ! لهذا ستقوم الآن و فورا ، جاك ينتظرك على المائدة و أنت تعلم كم اليوم مهم بالنسبة له .
فتحت الستائر تاركة أشعة الشمس تدخل و تدفئ الجو مما دفع زوجها للقيام رغما عنه و اللحاق بزوجته كيت.
-جاك ما رأيك أن تخبر والدك بما تتمناه هذه الليلة من بابا نويل ؟
- أمي أعلم أن أبي من سيحضر الهدية ، لست غبيا لهذا الحد و بابا نويل لا وجود له
شهقت كيت باصطناع و جحظت عيناها لحظتها
-جاك ! لا تقل هذا و إلا سمعك و صنفك ضمن لائحة الأطفال المشاغبين و بالتالي لن تحصل على أي شيء .
أشاحت بنظرها لكيفن
-أليس كذلك عزيزي؟
-همم
تلك الضربة التي جاءته من حيث لا يحتسب و آلمت إصبع قدمه الصغير جعلت لسانه ينطلق مجاراتا لزوجته و إرضاءا لها .
-آي! نعم ، أقصد يجب أن تكون مؤدبا لأحضر .. آآي ! ليحضر لك بابا نويل الهدية .
أكمل هامسا " توقفي عن ضرب قدمي ستتورم ! "
- أيا كان أبي أنا أريد شيئا خاصا هذه السنة ، أريد شيئا يسعدني و يظل ذكرى على مر السنين ، شيء ك..
أردف والده بقلة صبر
-كماذا؟
-امم ماذا عن .. مهرج !
كيفن/كيت- مهرج!؟
أكملت والدته متسائلة
- لماذا اخترت مهرجا بالضبط ؟
- حسنا أنا فقط أريد أن أضحك و أظن أنه سيكون من الممتع إحضاره .
نظرت كيت لكيفن موجهة الكلام له
- فلنأمل أن بابا نويل يستطيع إحضار مهرج ليلة الميلاد ، على كل حال أنا سأذهب لشراء بعض الأشياء من المتجر ، أتود مرافقتي صغيري؟
- طبعا ! وداعا أبي .
- وداعا جاك .
مر الوقت بسرعة و تحرك عقرب الساعة من الثامنة صباحا إلى السادسة مساءا حيث توالت صرخات صغار العائلة .
6:00 مساءا
- هيه ، احذر ، لا تأتو المطبخ أسمعتم ! إن رأيت أحدكم هنا ثانية سأفصل قدميه عن جسده !
- صوفيا توقفي عن إخافة الصغار ! ألا ترين أنهم فرحون لأن جاك طلب مهرجا في عيد الميلاد و هم متحمسون لذلك فقط .
- مهلا كيت ، أعيدي ما قلتي ثانية !
- توقفي عن إخافة الصغار ؟
- لا لا آخر جملة !
- هم متحمسون ؟
- ما قبلها !
- أن جاك طلب مهرجا ؟
- ماذا ! مهرج !و ستحضرونه له ؟ أولم يستطع أن يطلب شيئا آخر وحسب ، كدراجة مثلا أو لعبه.
- بالطبع لقد اتصل والده بمهرج في الصباح و هو سيأتي بعد قليل فقط ، و لكن ما المشكلة ؟
- أنا أخاف منهم !
صدى صوت ضحكة كيت في أرجاء البيت لتمنع كمال ضحكتها يد صوفيا التي امتدت لاسكاتها.
- اشش ، اصمتي أنا أخاف منهم و لكنني لست جبانة تعلمين ذلك !
- لا لست جبانة أبدا أبدا من قال أنك تخافين أصلا ؟
- توقفي عن السخرية كيت ، ألا تذكرين المهرجين و أشكالهم في صغرنا كانو مخيفين حقا !
قطع حديثهم جاك و هو يجذب لباس والدته من الأسفل لتلتفت له و تنزل لطوله محدثة له .
- لما أنت هنا جاك ؟ ألا يفترض بك أن تمكث بجانب أصدقائك ؟
- أين المهرج ؟
- هو لم يحضر بعد ؟
- لا ، و أصدقائي بدؤوا يملون !
التفتت كيت لصوفيا لتستلم عنها هذه الأخيرة الموضوع و تحاول إلهاء الصغير في حين اتصلت كيت بزوجها .
- كيفن أين المهرج !؟
- ماذا ؟ ألم يأتي بعد ؟
- لا ! و الأطفال يشعرون بالملل ، و ماذا عنك أنت لقد تأخرت .
- اتصل بي رب العمل و أخبرني أن أمر لمنزل أحدهم لأخليه من الأغراض و أعلق لائحة البيع أمامه .
- هذا الرجل ! لن يتركك تنعم و لو بيوم عطلة هنيئ .
- المهم كيت اسمعي سأحل المعضلة الآن لا تقلقي و أخبري صغيري أن مهرجه في الطريق .
اتصل كيفن بعدها بالمهرج ليعلم أنه لن يستطيع ترك عائلته ليلة الميلاد و اعتذر منه ، لحظتها كان كيفن واقفا أمام خزانة الملابس في ذلك البيت لتتراءى له ربطة عنق مزخرفة و لامعه ، أمعن النظر فيها و شعور غريب يخبره بالاستدارة جيث يوجد صندوق في أقصى الغرفة و فور أن رآه اقترب منه بحذر،فتحه ببطئ و صدفة وجد سترة مهرج و لوازمه !
من جانب زوجته فقد حاولت بأقصى جهدها إلهاء الصغار ببعض الألعاب ووقفت بالقرب منهم محدثة صديقتها .
- قلت لك لا أستطيع صوفيا .
- لماذا كأس واحد فقط !
- لا أستطيع فعلا مرة أخرى .
رمقتها صديقتها بنظرة خبيثة لتقول :
- أتخفين عني شيئا كيت ؟
- شيء كماذا ؟
- تعلمين بما أفكر .
- احم
- لا تقولي أنك ..
- اصمتي ! نعم أنا كذلك و لكن لا تخبري أحدا سأحضرها مفاجأة لكيفن !
- يا الاهي
دمعت عينا صوفيا و عانقت صديقتها لتتوقفا فور سماعهما ذلك الصوت .
- سيداتي و سادتي ، و أنتم كذلك أيها الأطفال رحبوا بالسيد مهرج !
تعالت صرخات الأطفال بفرح بينما ابتسمت كيت و هي تعرف صاحب الصوت أتم المعرفة .
1:00 بعد منتصف الليل
أنهت كيت تنظيف بقايا الحلوى الملتصقة بالبلاط بينما زوجها ممدد على الأريكة بتعب و إعياء .
- كيفن ! انهض و غير ملابس المهرج تلك و امسح ذلك المكياج و أزل الشعر المستعار و الأنف الأحمر هيا !
- سأنام فقط الآن ، غدا سأغير كل شيء لا تقلقي .
- احذر أن يراك جاك اذن ، تصبح على خير عزيزي .
- أحلاما سعيدة !