2

509 34 8
                                    

العرق يتفصد من جبينه، يتلوى في السرير  .. يئن من الألم ، كأن روحه تغادر جسده  .. تخلل إلى مسامعه صوت ذبذبات ، وصوت مشوش ناتج من تسجيل صوتي قديم  .. كانت الذبذبات تناديه  .. كالموسيقي التي تشعرك بالنعاس فيتراخى جسدك تماماً.

فتح عينيه ، ليجد جسده ثابتاً ساكناً على السرير يحدق في الفراغ، بلا حركة دون حتى أن يرمش له جفن.

كانت روحه طليقة ، لا يعلم ما تفسير هذا ، ولكن على الأقل يمكنه تحريك أطرافه بهذه الهيئة  .. حملق في جسده الساكن قليلاً ثم شعر بطيف يمر بجانبه، أصابه الفزع والتفت ولكنه لم يجد شيئاً.

ليس لديه تفسير ، ولكن شعور الخوف أصبح مسيطراً عليه  .. ترتعش روحه الطليقة  .. وفجأة شعر بجسم يمتطي ظهره  ، حرك جسده في إتجاهات عدة حتى يبتعد الجسد عنه ولكنه باشر بالزحف على جسده، الزحف أكثر وأكثر  .. مسام جلده تتمزق  .. حتى وصل ذلك الجسد إلى أعلى رأسه، شعر بقدمين كمخالب الطيور تثبت برأسه ، تمايلت حركة الجسم حتى قابلت عيناها عينيه.

فتاة صغيرة تبلغ حوالي العشر سنوات ، نحيلة بدرجة فائقة حتى تكاد ترى عظام جسدها بارزة من خلال الثوب الأبيض الذي ترتديه ، ملامحها باهتة ، تبدو كالموتي  .. وعيناها!  عيناها خاوية تكاد تستشف الخواء والعدمية منهما.

قالت بصوت بارد كالثلج وعيناها لم تفارق عينيه : " أنت!  هل تود سماع قصة؟ "

لم ينبس ببنت شفه ، شعر بأن شعوره قد تبلد وجسده قد تصلب، تحولت عيناها اللتان لا زالتا مركزتين على خاصتيه، إلى اللون الأسود المفزع، الدماء تسيل منهما وفمها اتسع على مصراعيه لتشعر بأن روحك ستبتلع.

أحس بسلب روحه منه، أصبح بلا معنى  .. ولكن ما هي إلا ثوانٍ حتى وجد الهيئة التي بات عليها في مكان مختلف.

منزل ، منزلهم القديم!  الذي كان واسعاً وبه حديقة تزينه ولكنه قد اضطر لبيعه لمشاكل مالية ولتسديد ديونه وانتقل إلى تلك الشقة.

حاول تحريك جسده ولم يستطع ، إذاً هل عاد لجسده القاطن في المستشفى ؟

سمع صوتاً يألفه بشدة ، ابنه الثاني الذي يلي ابنه المقتول في العمر، ويبلغ من العمر عشر سنوات.

تهادى في خطواته نحو أبيه ، ابتسامة بريئة على محياه حاملاً أصيصاً به نبات الصبار  .. فابنه كان مولعاً به وهو لم يتبين حقيقة حبه له أبداً.

" أخبرتني أمي بأنك لن تستطيع تحريك أطرافك مجدداً ولن تستطيع الحديث كذلك!  ولكن لا بأس سأكون لسانك وساقيك وذراعيك. "

أمه ؟ تساءل وعيناه تراقبان الفتى.

وضع الفتى أصيص الصبار بجانب أبيه ، كانت العصافير تزقزق بطريقة مفزعة  .. كأنها تذبح وليس كإعلان بضوء الصباح.

كان البيت كئيباً تحاوطه السوداوية ، لا حياة ، لا شيء. .. فقط خواء!

" أبي ؟ هل تود سماع قصة ؟! " سأله الفتى وهو يحدق بعينيه بنظرة ذابلة.

هز رأسه يميناً ويساراً في إشارة بالرفض، ليردد الفتى في غضب ولكن ظل محتفظاً بابتسامته " لا ! " ، أمسك أصيص الصبار في يده  .. وعاود سؤاله مجدداً " أبي.. هل تود سماع قصة ؟ "

تجهم جيرارد هذه المرة ، لم يبدِ أية ردة فعل  .. نظر إلى ابنه الذي اختفى أصيص الصبار من بين يديه واستبدل بعصفور جريح ، أخذ يربت على جناح العصفور النازف في حركة بطيئة، ثم فتح فمه على مصراعيه وابتلع العصفور.

ساد الصمت مجددًا وعاد الأصيص إلى يديه ، عرض سؤاله مجدداً " أبي. هل تود سماع قصة؟ "

هز رأسه هذه المرة موافقاً، ابتسم الطفل بإتساع  .. أمسك أصيص الصبار وبدأ في انتزاع الشوك حتى دميت أصابعه ، تقدم إلى أبيه وبدأ يخيط شفتيه معاً باستخدام الأشواك  .. لم يستطع أن يصرخ فقد فقد حنجرته  .. الألم لا يحتمل  .. لم يستطع التعبير ، أطرافه مشلولة وابنه يخيط فمه بالأشواك وعلى محياه ابتسامة بريئة.

توقف الفتى عن فعله ذلك بعد مرور بعض الوقت ، احتله السكون مجدداً، وقف ثابتاً  .. حدق في عيني أبيه  .. نفس نظرة تلك الفتاة ذات الثوب الأبيض  ، وفجأة أصبحت السماء تمطر عصافيراً مذبوحة وشرع الطفل في الضحك بهستيرية ، بعض الأشياء سوداء اللون بدأت في الخروج من عينيه وفمه وأنفه ، بكميات مهولة.. ليكتشف بالنهاية  .. أنها عقارب  .. عقارب تأكل طفله ، ولم يتبق منه شيء سوى قميصه الأبيض.

ظهرت مجدداً أمامه وقالت بنبرتها الباردة وأنفاسها الخانقة وعينيها الذابلة " أنت!  هل تود سماع قصة ؟ "

***

جالساً على سريره في المستشفي يحدق بالجدار الأبيض محاط بالأطباء الذين يرتدون المعاطف البيضاء ، عينيه تدمعان بشكل متواصل  .. فقد التواصل مع من حوله بأي شكل كان، فقط يسمع همساتهم قائلين " حالته العقلية والنفسية متأخرة. " ، وهمساتها تقبل أذنيه قائلة : " أتود سماع قصة ؟ "

***

نهاية الفصل الثاني

- انطباعكم ؟

الزوج والأطفال السبعة / The Husband And The Seven Kids / Completed حيث تعيش القصص. اكتشف الآن